Za7makotab

شارك على مواقع التواصل

القمر بدر والسماء صحو وجو القاهرة خال من الرطوبة فتبين الكواكب فيه ولا يحجب القمر منها إلا ما قرب منه. والشوارع مزدحمة بالمركبات تسير فيها الهوينا وتلتقي صفوفها في ساحة عابدين ورجال المشاعل وقوف حول الساحة في صفين مستديرين متوازيين فيدفئ حر مشاعلهم الهواء ويظهر لهبها أحمر ضئيلاً أمام أنوار الكهرباء وفرسان الشرطة على صهوات خيولهم يأذنون للمركبات في المسير من هذا الصف ومن ذاك دواليك. والسير بطئ حسب نزول الركاب من المركبات أمام باب السراي فمل بعضهم الانتظار ونزلوا من مركباتهم وساروا على الاقدام حتى لا يتأخروا عن الاستقبال حين يقدم الحضور إلى سمو الخديوي.
قالت بهية على م لا ننزل نحن أيضاً ونمشي مثل هؤلاء فقد عيل صبري ومللت الانتظار فقال أخواها أنزلي فأنزل معك وقالت أمها أنزلا أما أنا وأبوكما فنبقي في المركبة. ثم تذكروا أن ورقة الدعوة واحدة بأسماء الأربعة وقد تطلب منهم عند الدخول فلا يحسن أن يفترقوا فظلوا في المركبة إلى أن وصلت بهم إلى باب السراي وبادر الغلمان وهم بالثياب الحمراء المقصبة وفتحوا بابها وأقبل رجال التشريفات فتأبط اثنان منهم ذراعي بهية وأمها وساروا بهما إلى حيث وضعا ردائيهما وسار أبوها وأخوها وراءهما ثم صعدوا سلماً كبيراً من الرخام الناصع البياض مد عليه بساط أحمر مخملي وقام على طرفيه درابزون من النحاس الأصفر كأنه الذهب الابريز إلى أن بلغوا دار السراي العليا واختلطوا الجمع. وكانت الساعة الحادية عشر وقد وصل أكثر المدعوين فغصت بهم دور السراي وغرفها على رحبها وهم من طوائف شتى وأجناس مختلفة فيهم أمراء العائلة الخديوية ونظار الحكومة المصرية وكبار الموظفين والمتقاعدين وأعيان الوطنيين والنزلاء ووكلاء الدول وضباط جيش الاحتلال وجمهور من السياح من انكليز وفرنسويين وروسيين وألمان وأسبانيول وطليان وأميركيين وفرس وهنود ومغاربة بأزياء مختلفة بعضهم بالحلل المقصبة تتألق النياشين على صدورهم وأكثرهم بالثياب السوداء التركية أو الأوربية على نسق واحد أو بالعمائم والجبب. هذا من قبيل الرجال. أما النساء فلا تسأل عن أزيائهن وحلاهن وحللهن ولا تكاد اثنتان تتماثلان في شيء وهن في ذلك على درجات متفاوتة فمن سيدة في حلة من الحبك الارلندي لا يقل ثمنها عن مئات الجنيهات وتاج من الماس البراق وعقد من الدر النضيد ومشابك وأساور يتألق ماسها وياقوتها وزمردها كالدراري ويقدر ثمنها بألوف الجنيهات. إلى سيدة غنيت بجمالها عن مظاهر الغنى فلم تلبس إلا ثوباً من الشاش الرقيق ولم تتحل إلا بزهرة وضعتها في صدرها وأخرى شكلتها في شعرها. والناس يعجبون بجمال هذه وبساطة لبسها وسلامة ذوقها كما يعجبون بأبهة تلك وما عليها من دلائل الغنى والمجد.
بعد هنيهة من الزمن التفتت بهية إلى أخيها وقالت له أنظر يا أمين جارتنا أستير وما أجمل هذا العقد في عنقها فهو لؤلؤ حر على غلاء اللؤلؤ في هذا الوقت.
فقال نعم وماذا يهمها فقد ربح أبوها بصعود القطن لا أقل من مئة ألف جنية ويقال أنه ساع في مشتري مئة ألف فدان من الحكومة لشركة إنكليزية وسيكون ربحه منها مئة ألف جنية أخرى. مئتا ألف جنية في سنة واحدة عدا ربحه العادي من السمسرة.
ففتحت بهية عينيها ورفعت حاجبيها وقالت مئتا ألف جنية في سنة واحدة هذه ثروة طائلة.
فقال ألا تتذكرين ما قرأناه في التوراة من أن اليهود سيعودون إلى بلادهم بثروة الأمم وهم الآن من أغنى الناس في كل بلاد استتب فيها الأمن وروعيت الحقوق.
فتبسمت وقالت له هذه فرصة لا تفوت فليس لاستير إلا أخ واحد والخواجة لافي يحبها ويقال أنه يستشيرها في كل أموره على حداثة سنها ولابد من أن يورثها نصف أمواله.
فقال ولكن أبناء أعمامها كثيرون فلا يدعونها تذهب إلى أجنبي ثم إني لا اكرم هذه الفتاة وأسر بحديثها لغناها وغني أبيها بل لجمالها وذكائها ودعتها وعندي أنها مثلك من هذا القبيل.
فضحكت وقال أهذا اعتقادك في ما أقل الأخوة الذين يعتقدون الكمال في إخواتهم إلى هذا الحد.
فقال وأنت تعلمين إنني شديد الانتقاد فلا أتكلم عن الهوى. ولكن ما لنا ولهذا الحديث الآن تعالي أرقصي معي لئلا يأتي آخر ويدعوك إلى الرقص معه وأبي لا يريد ذلك.
وقبل أن يتم كلامه دنا منهما شاب طويل القامة كبير العينين أسود الحاجبين عالي الجبين يجري في عروقه الدم العربي والدم التركي فسلم عليها مصافحة ثم سأل بهية عما إذا كانت تتنازل إلى الرقص معه فنظرت إليه وقالت لقد وعدت غيرك قبلك فقال الرقصة التالية فقالت أن لم أتعب كثيراً. فأدرك إنها تفضل أن لا ترقص معه لكنه شكرها وبقي واقفاً يرى جمالها الفتان ويعجب باعتدال قوامها ودعج عينيها وعذوبة منطقها ويقول في نفسه ما ضر حليمة لو أتت إلى هذا المكان وشاهدت أخوتها وأخواتها أبناء أدم وبناته. وكيف يحجب النظر عن رؤية أجمل مخلوقات الله وأفضلها. يقولون أن القلب يغوى. وهذا صواب ولكن الألفة تزيل الغواية ففي أول نوبة دخلت مرقصاً وشاهدت النساء مكشوفات السواعد والصدور دهشت واشمأززت واستغربت وصرت أحجب طرفي لئلا أغوي ثم قل هذا الاستغراب في المرة الثانية والثالثة إلى أن زال وأنا أرى الآن المرأة العارية النحر والصدر كما أرى الزهرة والحلية فاستحسنها إذا كانت حسناء واستقبحها إذا كانت شنيعة وقد لا ألتفت إلى كونها جميلة أو شنيعة بل إلى أنها فلانة أو فلانة وسواء عندي لبست ثياب البالو أو ثياب الحداد وسواء رأيت وجهها فعرفتها منه أو رأيت حبرتها فعرفتها منها.
هذه الخواطر جالت في بال حليم وهو واقف ينظر إلى أمين وبهية يرقصان مع عشرات غيرهما وكأنه لا يشعر أمامهُ ثم تنبَّه لهما ولغيرهما من الراقصين والراقصات فلم يفقه إلا إلى حركات الرقص ومن يحسنها ومن يسيئها شأن غيره من الذين ألفوا هذه المشاهد.
أنتهي دور الرقص وسار أمين وأختهُ إلى غرفة الأشربة فشربا كأسين من القهوة المثلوجة وألتقيا باستير وأخيها هناك فسلم بعضهم على بعض ومشي يوسف أخو أستير مع بهية ومشي أمين مع أستير وساروا إلى دار الرياحين وجلسوا يتسامرون.

ومرَّ الخواجة لاڤي بجماعة من العلماء أصحاب العمائم وينهم الإمام أحمد وهو أستاذ مشهور بالعلم والفضل وكان الخواجة لاڤي يتودد إلى المواطنين ويقول أن معرفة لغتهم العربية لازمة كمعرفة العبرانية والزم من معرفة الفرنسوية والإنكليزية والإيطالية.
وكان الإمام أحمد منذ ست سنوات رقيق الحاشية على اشتهاره بالعلم والفضل فاستخدمه الخواجة لاڤي لتعليم أبنه وأبنته فدرسهما العربية قراءة وكتابة وصرفاً ونحواً وأعطاهُ الخواجة لاڤي فوق أجرته العادية عشرين سهماً من أسهم الدائرة السنية التي أخذها المؤسسون كان السهم منها يساوي جنيهاً فصار يساوي مئة جنية فأقبلت الدنيا عليه وصلح حاله ودعى إلى منصب على رفيع ويقال أن الخواجة لاڤي لم يعطه تلك الأسهم جزاء تعليمه لولديه بل لكي يساعده في إنشاء شركة لضمان الحياة وإقناع العلماء للإفتاء بجوازها. ومهما يكن من الأمر فقد صار الأمام أحمد بعد أن صلحت حاله قطب دائرة لجماعة كبيرة من العلماء والمريدين فلا يجلس في مجلس لا تألبوا حوله يسمعون أقواله.
لما أقبل الخواجة لاڤي نهض الإمام أحمد إجلالاً له فنهض الذين حوله أيضاً ثم جلسوا معاً وقال الإمام موجهاً الخطاب إلى الخواجة لاڤي كنا نتكلم الآن عن الرقص وغيره من العادات الأوربية فقلت لإخواننا أن الرقص لا يختص بالأوروبيين بل هو شائع في كل البلدان وبين كل الأمم وقد كان شائعاً من قديم الزمان. ويقال أن بعض العجماوات تظهر سرورها بالرقص لكن عاداتنا القومية تستهجنهُ إذا كان على هذه الصورة. وقد بلغني أن كثيرين من الأوروبيين والأميركيين يستهجنونهُ أيضاً ومهما يكن من أمره فنحن في غنى عنهُ ولو كنا اقتبسنا كل اللباب من حضارة الأوربيين وبقي علينا القشر لنظرنا في تحليل اقتباسه ومع ذلك لا أنكر على أبناء وطننا من إسرائيليين ومسيحيين الاقتداء بإخوانهم الأوروبيين. فقال الخواجة لاڤي الحق معك يا أستاذ وأنا أيضاً أكره هذا الرقص ولكن المثل يقول مع السوق. فقال واحد من الحضور وما قول الإمام في شرب الخمر.
فتبسم الإمام وأمر يده على لحيته وقال «إن الحسين بن موسى استحضر ابن عياش وابن إدريس فسألها عن النبيذ فقال ابن عياش حلال وقال ابن إدريس حرام فقال ابن عياش أدركنا أبناء الصحابة والتابعين بهذه المدة يشربونها في الولائم حلالاً أو حراماً وبكاؤنا على أصل الدين أشد من بكائنا على النبيذ» وأنا أقول قوله فإننا أضعنا أصول الدين فعليها البكاء لا على شرب الخمرة وقد شربها أكثر خلفائنا من بني أمية وبني العباس. ولا شبهة عندي في إنها ضارة وقد نهى الشرع عنها لضررها شأنه في كل المناهي فإن كل أحد لا يأنف من أن يشرب سماً يسم بدنه فهو وشأنه ولكن إذا كان السم قليلاً لا يضر لقلته فقد امتنع ما يوجب المنع. وإذا كان نافعاً في بعض الأحوال وأشار به الطبيب فلابد من الأخذ بقوله. والمسألة مسألة نفع وضر إذ لا يعقل أن تكون الخمر محرمة لذاتها سواء نفعت أو ضرت ومع ذلك فمذهبي الامتناع عن المسكرات كلها إلا إذا أمر بها الطبيب دواء وحينئذٍ يكون فيها منافع للناس. وألا لكحول الصرف أكبر فائدةً وأسلم عاقبةً بالمقادير التي يشير بها الطبيب.
ثم مرَّ الجناب الخديوي من تلك الجهة فنهض له الجلوس وقوفاً على الإقدام فحياً بعضهم مصافحة ولا سيما الإمام أحمد فإنه خصهُ بالتفاته وتكلم معهُ هنيهة.

وسار بعض الحضور إلى غرفة الاستقبال الكبرى فرأوا فيها وزيراً من وزراء المغرب الأقصى مر بالقطر المصري في رجوعه من الحج فجلسوا إليه وكان بينهم رجال عرفهم من قبل فعرف به رفاقه وجلسوا يتحدثون في أحوال الدول الإسلامية بنوع عام والبلاد العربية بنوع خاص وتوسعوا في الحديث إلى المغرب الأقصى وأحواله الحاضرة وما ينتظر له في المستقبل القريب. وكان الوزير شديد الحذر لكنه لم يخف إعجابه بما رأى من التقدم الباهر في القطر المصري وودَّ أن ينتفع أبناؤه كلهم من الفرص المباحة لهم فيأخذوا إخذ الأوروبيين ويتعلموا تعلمهم ويزاولوا الأعمال مثلهم وقال أنه يرجي لبلاده خيراً كبيراً. واراد بعض الحضور أن يستطلعوا طلعه فسألوه من ابن يأتي هذا الخير وعلى يد من فقال الله كريم ولم يزد.
وفتحت غرفة المائدة حينئذ وهرع البهما الناس أفواجاً حتى امتلأت بهم على رحبها ودخل أمين وأخته إليها ووقفا مبهوتين مما رأياه فيها من النقش البديع. وكان أمين مغرماً بكل ما هو شرقي فقال لأخته أنظري ما أبهى النقش الشرقي وانتساق الألوان فيه. فشغلاً عن الأكل برؤية نقوش الجدران والسقف وحاول قراءة الإشعار المكتوبة تحت السقف فقرأ بعضها ولم يستطع قراءة البعض الآخر لأنها مكتوبة بحروف معلقة متداخلة فتتعذر قراءتها على من لم يمارس قراءة الخط المعلق.
ورأى في غرفة المائدة أميراً هندياً لابساً حلة عسكرية بديعة الزركشة وحوله جماعة من المواطنين وهو يخاطبهم بقوله «لا إله إلا الله» ويقف عند هذا الحد لأنه لا يعرف من العربية غير كلمة الشهادة وهم مسرورون به مدهشون من منظره يودون أن يسألوه عن بلاده وقومه ولكنهم يجهلون لغتهُ فخاطبه بالإنكليزية فأبرقت أسرة الأمير وهش إليه وجعل يكلمه ويكلم الجمع بواسطته وهو يترجم لهم وله وبقوا على هذه الصورة نحو نصف ساعة فسألوه عن أمور كثيرة تتعلق ببلاده وقومه وتطرقوا إلى بعض المسائل السياسية فقال إلى هنا فإنه يباح لي أن أتكلم في كل موضوع ألا هذه المواضيع. ورأت بهية أخاها يكلم الأمير الهندي فوقفت إلى جانبه تسمع ما يقوله والعيون شاخصة إلى محياها الجميل.
وكان في الجمع شاب انكليزي من كبار السياح الذين يدعون عادة إلى البالو الخديوي فرأى محتشداً حول كولونل هندي فدنا منه ولما وقعت عينه على بهية وقف جامداً كالصنم ثم هرمِل يفتش عن أخته وأخذها من كل كانت تمشي معه بعد أن أعتذر إليه وقال لها بصوت خافت وقلب خافق وجدتها وجدتُها. فقالت من هي فقال الفتاة التي زارتني في الحلم وأنا سائح للتفتيش عنها تعالى أنظر بها. قال ذلك وأتي مع أخته إلى حيث الجمع المحتشد حول الأمير الهندي فنظرت إلى بهية ورأت إنها تشبه الصورة التي في بيتهم فتبسمت وقالت لأخيها أصبت فإنها تشبهها تمام المشابهة. كأن المصور أراد أن يصور الشكل المصري وهو في أجمل حالاته وأبدع معانيه فجاءت صورته المجردة من صور الخيال مشابهة لصورة هذه الفتاة. إنها جميلة جداً لا أخالفك في ذلك ولكنني على رأيي الأول وهو أن رسم الصورة التي عندنا ارتسم في مخيلتك فرأيته في نومك وهذه الفتاة بريئة مما تراءى لك لا يد لها فيه.
فقال دعيني من التعليلات العلمية. هذه الفتاة تستحق أن تعبد ولا سيما إذا كانت أخلاقها مماثلة لخلقها فما السبيل إلى التعرف بها.
فقالت ما دمنا في القاهرة فلا نعدم سبيلاً إلى ذلك فقد رأيتها منذ ساعة تتكلم مع أبنه الستر لاڤي الذي اتيناه بمكاتيب التوصية من لورد بنشيلد فسأسألها عنها.
فقال أحسنتِ نعم لقد رأيت مس لاڤي هنا وكلمتها وهي جميلة أيضاً ولكنَّ جمالها أوروبي لا شرقي.
فقالت كيف ذلك واليهود من أصح أمم المشرق نسبياً.
فقال نعم ولكن بعضهم أقام في أوروبا مئات من السنين ففعل بهم الإقليم فعلهُ بالأوروبيين كما أن يهود بلاد الحبش صاروا سوداً مثل الأحباش.
فقالت ولكن جمهور العلماء على أن هيئة اليهود لم تزل واحدةً في كل البلدان التي تفرقوا فيها ولو تغيَّر لون بشرتهم.
فقال أتركي لي التعليلات العلمية كما أترك لك التعليلات الفلسفية. من قال إن جمهور العلماء قالوا ذلك ومن أثبت أن الحق في جانبهم ولكن ما لنا ولهذه المباحث الآن هلمي نفتش عن مس لاڤي ونسـألها عن هذه السيدة.
وسارا في غرف السراي من غرفة إلى أخرى إلى أن ألتقيا باستير أبنه الخواجة لاڤي فسلما عليها وعلى أمها ووقفا معهما هنيهة يتكلمان عن الرقص وملابس النساء وحلاهنَّ. ثم قالت دوراً لاستير من هذه الفتاة الطويلة القامة السوداء الشعر التي كنت تتكلمين معها منذ نصف ساعة. ثم وصفت لها ثيابها وحلاها. فقالت أستير نعم نعم هذه بهية بنت واصف بك رجل قبطي من أغنى أهالي هذا القطر عن أبيها خمسة آلاف فدان من أخصب الأراضي وقد اشترى خمسة آلاف اخرى من الدائرة السنية ويقول أبي إنهُ يقبل إمضاءهُ على مئة ألف جنية وهي وأخوها يعرفان الإنكليزية ويتكلمانها مثل الإنكليز فقد كان عندهم مربية إنكليزية وأخوها درس في إنكلترا.
فقال هنري نعم سمعتهُ يكلم أميراً هندياً بالإنكليزية
فقالت أستير نعم وهم جيراننا هلمَّ معي فأعرفكما بهما
وسارت أستير وهنري ودورا إلى أن ألتقوا بهية وأخيها وهنري لا يصدق عينيه فنظرت أستير إلى هنري وبهية وقالت الشريف المستر هنري برون بن السر ادورد برون صاحب جريدة لندن نيوز المداموازيل بهية واصف. ثم التفتت إلى أمين ودورا وقالت أمين بك واصف مس برون. فتصافح الأربعة وشعر هنري كأنه عاد إلى الحلم الذي حلم به منذ شهر من الزمان فامتقع وجهه أولاً ثم أحمر وخفق فؤاده وارتجفت مفاصله واراد أن يتلكم فأرتج عليه وغضَّت بهية طرفها وأطرقت لا تتكلم وكأنها خجلت مما بدا منها فوردت وجنتاها حياء ولم يخف ذلك على دورا واستير أما دورا فكانت تعلم سببهُ وأما استير فظنتهُ من قبيل الحياء العادي المتغلب على الفتيات الشرقيات.
ودار الحديث على محاسن البالو وكثرة السياح في مصر واشتداد البرد في أوروبا وتغالى السيدات باللؤلؤ والزمرد وشيوع الزبرجد حديثاً بعد ما وُجد منهُ الشيء الكثير في جزائر البحر الأحمر ولم تكن دورا قد رأته فارتها بهية إياه معلقاً بقلادة في عنقها فأبدت استحسانها له. وكان بين الحضور بعض النساء الإنكليزيات الشريفات فأشارت دورا إليهنًّ وذكرت أسماءهن والقابهنًّ وما يقال عن وفرة حلاهن. ثم مر واصف بك وزوجته فاستوقفهما وقدمهما إلى هنري وأخته وكانا يتكلمان الفرنسوية فدعت مدام واصف بك دروا وأخاها واستير وأخاها لتناول الشاي عندها عصر اليوم التالي.
وأتى الخواجة لاڤي حينئذٍ فلم على واصف بك وأعاد تعريف هنري به وجعل الثلاثة يتكلمون بالفرنسوية ومشوا معاً وجلسوا على مقعد في إحدى غرف السراي وجرى بينهم الحديث التالي.
قال الخواجة لاڤي لهنري أن واصف بك من أقدر الناس على إرشادك إلى ما تريد الاستعلام عنه. ثم قال لواصف بك أن المستر برون بن السر ادورد برون صاحب جريدة لندن نيوز المشهورة أتى للسياحة ولغرض هامٍ جداً وهو البحث عن الوسائل التي يمكن العمل بها لتكثير زراعة القطن في القطر المصري فهل ترى يا واصف بك إنه يمكن أن يتسع زمام زراعته في الوجه البحري وهل في الإمكان زرعهُ في كل جهات الوجه القبلي أيضاً.
واصف بك- أن توسيع نطاق الزراعة الصيفية يتوقف على وجود المياه الكافية صيفاً وعلى عمل الأعمال الهندسية اللازمة لذلك أما الآن فماء النيل الذي يرد مدة الصيف والذي يخزن في الخزان لا يكفي لأكثر مما يزرع في القطر المصري من القطن ولكن إذا عُلَّي الخزان حتى يتضاعف ما يخزن فيه من ماء وعملت أعمال هندسية في أعالي النيل حتى لا يضيع كثير من مائه زاد الماء الوارد والمخزون وأمكنا أن نزرع من القطن مضاعف ما نزرعهُ الآن أي أمكنا أن نزرع ثلاثة ملايين فدان بدل مليون ونصف فيصير حاصل القطر المصري نحو اثنى عشر أو ثلاثة عشر مليون قنطار وهي تقوم مقام خمسة ملايين بالة من القطن الأميركي فنغني انكلترا عن أكثر ما تأخذهُ من القطن الأميركي هذا إذا لم يخطر لكم أن تنشئوا معامل الغزل والنسيج في القطر المصري نفسه. وإذا ظهر بالامتحان إنه يمكن زرع القطن الجيد في بلاد السودان فلا شبهة في إنه يصير عندكم ما تستغنون به عن القطن الأميركي كله.
وكان هنري قد تذاكر طويلاً مع الخواجة لاڤي في هذا الموضوع وود أن يقف على شيء من الحقائق والتفاصيل التي كان واصف بك يذكرها له الآن ولكنه لم ينتبه إليها الانتباه الواجب وظهر عليه الملل بل كان يسمع ولا يفهم خلافاً لما عهد فيه الخواجة لاڤي من التدقيق في السؤال والاستيعاب في البحث فقال له أظنك نعست الآن وربما إنك سهرت البارحة. فأدرك هنري حرج موقفه واعتذر عمَّا بدا منه قلة الانتباه وقال لواصف بك لابد لي من أن أقابل حضرتك مرة أخرى وأكتب كل هذه الأمور التي قلتها لي الآن. ولي مسائل أخرى أرجو أن لا تبخل علي بالإجابة عنها حينئذٍ أما الآن فأظن إنه حان لنا أن نتصرف ولا أعلم إلى أي ساعة يبقى باب الفندق مفتوحاً.
فقال له الخواجة لاڤي كن مطمئن البال فإني أرى هنا كثيرين من نزلكم ولك يعد منهم أحد حتى الآن ومع ذلك فالنوم الباكر أصلح للصحة- هلم نر أين السيدات. وسار الثلاثة معاً إلى أن ألتقوا بهن فقالت دورا لأخيها قد حان وقت النوم يا هنري ولا تنس أنك سهرت البارحة إلى ما بعد نصف الليل وربما تضطر أن تسهر غداً هلمَّ نذهب ثم التفتت إلى الذين حولها وودعتهم وودعهم هنري أيضاً وسار وراءها وهو كاسف البال مبلبل الأفكار فنزلا إلى غرفة الأردية والتفَّا بردائيهما وناديا المركبة التي احضرتهما فركباها وعادا من حيث أتيا.
***** 
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

المقدمة الفصل الأول السفر إلى المشرق الفصل الثاني نادي الصحافة الفصل الثالث البالو الخديوي الفصل الرابع بداءة البلبال الفصل الخامس شؤون مختلفة الفصل السادس الشركات الأجنبية ومبيع الأطيان الفصل السابع البورصة الفصل الثامن دار الحريم الفصل التاسع التقرير السري الفصل العاشر دار الخدم الفصل الحادي عشر السقوط والسفر الفصل الثاني عشر مجلس النواب الياباني الفصل الثالث عشرالقرض الياباني الفصل الرابع عشر مظهر الحب الفصل الخامس عشر باب الأمل الفصل السادس عشر لوعة الوداع الفصل السابع عشر الباخرة في السويس الفصل الثامن عشر الشكوى الفصل التاسع عشر الحيلة الفصل العشرون رأس السنة الفصل الحادي والعشرون الاعتداء الفصل الثاني والعشرون شؤون مختلفة الفصل الثالث والعشرون السفيران الفصل الرابع والعشرون تغير الشؤون الفصل الخامس والعشرون دار الحرب الفصل السادس والعشرون بين الحاضرة والآخرة الفصل السابع والعشرون تقرير برودي الفصل الثامن والعشرون التهييج الفصل التاسع والعشرون النقه الفصل الثلاثون الخطر الأصفر الفصل الحادي والثلاثون المرافعة الفصل الثاني والثلاثون سرقتان الفصل الثالث والثلاثون الفقر بعد الغنى الفصل الرابع والثلاثون القرض الجديد الفصل الخامس والثلاثون الرجوع من السفر الفصل السادس والثلاثون ثالثة الأثافي الفصل السابع والثلاثون من مرسيليا إلى مصر الفصل الثامن والثلاثون كشف المخبأ الفصل التاسع والثلاثون الخاتمة
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.