hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

أَخَذَ ينظر إليَّ بعينين زائغتين، وعندما حدقت به، أحسست من الاتساع المتسارع
لحدقتَي عينيه أنهما قد خلتا من أي معنًى ووعي. وفقد جسده قوَّته الواضحة، وغاصفي
مقعده واستقرَّ ذقنه على صدره، وارتخت يداه أمامه، وجلس مستكينًا بعينين مفتوحتين
دون أن يُحرِّك ساكنًا.
أخشى أنني أنا من أوصلت » : قلت وأنا أحمل الشراب الطازج للسيد كاشيل الشاب
«. شينور إلى هذه الحالة. ربما كان هذا تأثير ثاني كلوريد الإيثيلين
أوه، إنه » : ألقى السيد كاشيل ذو الذقن المدبَّب نظرة خاطفة مشفقة عليه ثم قال
بخير. يتعرَّضالمصابون بالسلِّ لفقدان الوعي عند تناول مثل هذه الجرعات في الكثير من
«. الأحيان. إنه الإعياء … أنا لست متفاجئًا من هذا. أعتقد أن الشراب سيفيده، إنه عظيم
حسنًا، كما كنت أقول — قبل أن » : احتسى حصته من الشراب بامتنان وأردف قائلًا
يقاطعنا — عن كاشف إشارات الراديو الصغير هذا؛ هذه الحفنة الصغيرة من الغبار، كما
ترى، هي برادة النيكل. تنتقل الموجات الهيرتزية، كما ترى، عبر الفضاء من المحطة التي
ترسلها، وتتجمع كل هذه الجُسيمات الصغيرة معًا — أي، تتحد، هكذا نَصِفها — فقط
طوال المدة التي يمر فيها التيار من خلالها. والآن، من المهم أن نتذكر أن هذا التيار تيار
«… مستحث. هذا، وتوجد أنواع كثيرة من الحَثِّ
«؟ أجل، ولكن ما هو الحَث »
يصعب إلى حدٍّ ما شرح هذا الأمر بطريقة غير تقنية، ولكنه باختصار حينما يمر »
تيار كهربي عبر سلك، تكون هناك مغناطيسية كبيرة حول هذا السلك، وإذا وضعت سلكًا
آخر موازيًا له — وداخل ما نسميه مجاله المغناطيسي— ففي هذه الحالة، سيصير السلك
«. الثاني مشحونًا بالكهرباء أيضًا
«؟ من تلقاء نفسه »
«. من تلقاء نفسه »
دعنا إذن نرى ما إذا كنت قد فهمت الأمر على النحو الصحيح. على بعد أميال، في »
«… بول، أو أينما كان
«. سيحدث ذلك في أي مكان في غضون عشر سنوات من الآن »
«… لديك سلك مشحون »
مشحون بالموجات الهيرتزية التي تهتز، لنَقُلْ، حوالي مائتين وثلاثين مليون مرة في »
حرك السيد كاشيل الشاب سبابته على نحو ملتوٍ بسرعة عبر الهواء. «. الثانية
حسنًا، هناك سلك مشحون في بول يرسل هذه الموجات إلى الفضاء، ثم هناك سلكك »
هذا الموجه إلى الخارج نحو الفضاء — والموجود على سطح المنزل — الذي يُجرَى شحنه
«… على نحو غامضمن قبل هذه الموجات الآتية من بول
«. أو من أي مكان آخر، ولكنه تصادف فقط أن تكون من بول الليلة »
وتُشَغِّلُ هذه الموجات كاشف إشارات الراديو تمامًا مثل جهاز التلغرافالعادي الذي »
«؟ يُستخدم في مكاتب التلغراف، أليس كذلك
لا! هنا يخطئ العديد من الناس. لن تكون الموجات الهيرتزية قوية بما يكفي لتُشغِّل »
جهاز مورس ضخمًا وثقيلًا كجهازنا هذا. يمكنها فقط أن تجعل ذرات الغبار تتحد،
وبينما يحدث هذا — لمدة قصيرة ليسجل كتابة النقطة، ولمدة أطول ليسجل كتابة
الشرطة — يمكن للتيار الذي تولِّده هذه البطارية؛ البطارية المنزلية (ووضع يده على
البطارية) أن يمر عبر طابعة مورس ليسجل النقطة أو الشرطة. دعني أوضح الأمر أكثر.
«؟ هل تعرف شيئًا عن البخار
«. قدرًا ضئيلًا جدٍّا، ولكن تابع حديثك »
حسنًا، كاشف إشارات الراديو مثل صمام التحكم في توزيع البخار. يمكن لأي »
طفل أن يفتح صمامًا ويُشغِّل محركًا بخاريٍّا لأن تحريكه للصمام بيده يسمح بدخول
البخار الأساسي، أليس كذلك؟ والآن هذه البطارية المنزلية المهيأة للطباعة هنا هي البخار
الأساسي، وكاشفإشارات الراديو هو الصمام، وهو مُعَدٌّ ليكون قيد التشغيل دائمًا، والموجة
«. الهيرتزية هي يد الطفل التي تُشغِّله
«. فهمت، هذا مذهل »
مذهل، أليس كذلك؟ وتذكَّرْ أننا فقط في البداية، ولن يكون هناك شيء لن نستطيع »
فعله في غضون عشر سنوات من الآن. أريد أن أعيش لأرى ذلك، يا إلهي، أريد ذلك حقٍّا
نظر عبر الباب إلى شينور الذي كان يتنفس بهدوء في مقعده، «! وأريد أن أراه يتطور
«! يا له من مسكين! ويريد أن يظل برفقة فاني براند » : وأردف قائلًا
بدا الاسم مألوفًا وذكَّرني بشيء،شيء له علاقة بمنديل ملطخ وبكلمة «؟« ماذا » فاني »
.« شرايين »
هذا كل » : ضحك وأكمل قائلًا «. فاني براند؛ الفتاة التي جعلتك تتولى أمر المتجر »
«. ما أعرفه عنها. لا أفهم إطلاقًا ما يراه فيها شينور جذابًا ولا ما يجذبها إليه هي الأخرى
«؟ معرفة ما يجذبه فيها « يمكنك » ألا » : قلت بإصرار
هو ما تعنيه؛ فهي فتاة رائعة ومكتنزة ومغرية وما إلى « هذا » أوه، بلى، إذا كان »
ذلك. أعتقد أنه متيم بها لهذا السبب. ولكنها لا تناسبه. حسنًا، هذا لا يهم. يقول عمي إنه
«. سيموت قبل نهاية العام. لقد ساعده شرابك على نَيل قسط جيد من النوم على أي حال
لم يتمكن السيد كاشيل الشاب من رؤية وجه السيد شينور الذي كان متجهًا جزئيٍّا نحو
الإعلان.
زودت الموقد بالفحم مرة أخرى؛ إذ بدأت الغرفة تصبح باردة، وأشعلت كرة تبخير
ثانية. لم يحرك السيد شينور المستقر على مقعده ساكنًا، وأخذ ينظر إليَّ ويتفحصني
بعينين واسعتين جامدتين مثل عينَيْ أرنب بري ميت.
لقد تأخروا في بول. سأرسل » : قال السيد كاشيل الشاب حينما خطوت إلى الخلف
«. إليهم رسالة
ضغط على أحد المفاتيح في ظلام شبه تام، فقفزت شرارة بصوت فرقعة قوية بين
المقبضَين النحاسيَّين، ثم سيل من الشرر، ثمشرارة واحدة أخرى.
هي القوة — قوتنا المجهولة — « هذه » ؟ عظيم، أليسكذلك » : قال السيد كاشيل الشاب
التي تركل وتصارع حتى تتحرر. ها هي تركل وتركل وتركل في قلب الفضاء، لم أتغلب
أبدًا على الشعور بالغرابة حينما أشَُغِّلُ جهاز إرسال — الموجات التي تسافر في الفضاء،
هي رموز رسالتنا، ومن المفترض أن يُجيبوا علينا من بول بالرموز « تي آر » . كما تعلم
«.« إل إل إل »
انتظرنا دقيقتين، ثم ثلاثًا، ثم خمسًا. وفي قلب هذا الصمت الذي لم يقطعه سوى
الصوت المنتظم لارتطام الأمواج، سمعت صوت الحبال التي تهزها الريح بقوة على سطح
المنزل، فتطرق على جهاز البث ذي القطب.
«. ما زالوا غير مستعدين في بول. سأظل هنا وسأناديك حينما يكونون مستعدين »
عدتإلى المتجر ووضعت كأسيعلى اللوح الرخامي بلامبالاة، فأصدرتصوتصلصلة.
وبينما كنت أفعل ذلك، وقف شينور على قدميه وعيناه مثبتتان مرة أخرى على الإعلان الذي
كانت تتحمم فيه السيدة الشابة في ضوء الوعاء الأحمر الذي ألقى ظلٍّا ورديٍّا مصطنعًا
وألقى … » : على لآلئها. تحركت شفتاه دون توقف، فتقدمت بالقرب منه حتى أسمعه. قال
كرر هذا وارتسمت بحدَّة على كل قسمات وجهه أمارات ألمٍ ملغز. «. وألقى … وألقى
خطوت إلى الأمام مندهشًا، ولكنه كان حينئذٍ قد وجد الكلمات ونطق بها بملء فمه
وبكل وضوح:
وألقى بظلالٍ حمراء دافئة على نهدَيْ مادلين اليانعين.
غادر الألم أساريره وعاد بخفة إلى مكانه وهو يفرك يديه.
على الرغم من أننا قد تناقشنا عدة مرات بغرضالتسلية في القراءة والمسابقات التي
تقدم جوائز، فإنني لم يخطر ببالي قط أن السيد شينور قد سبق له قراءة شعر كيتس
أبدًا، أو أنه يمكنه الاقتباس منه بصورة ملائمة على الإطلاق. كان هناك على أي حال ظلال
للزجاج الملون على الصدر المرفوع للسيدة التي تظهر في الصورة المصقولة بشدة التي
من الممكن — إذا أطلقنا العنان للخيال — أن تكون هي من قد ألهمته بيت الشعر الذي
نطق به، وذلك كما تذكرنا الصور الحجرية الملونة الرديئة، وإن لم تصح المقارنة، ببعض
اللوحات الزيتية الرائعة. على ما يبدو، المساء وشرابي والوحدة قد حولت السيد شينور إلى
شاعر. جلس مرة أخرى وكتب بخفة على ورق رسائله الرديئة وشفتاه ترتعشان.
أغلقتُ باب المكتب وتحركت خلفه. لم يُبدِ أي إشارة بأنه قد رأى أو سمع أي شيء.
نظرت من فوق كتفيه وقرأت بين الكلمات والجمل غير المكتملة والشطب العنيف ما يلي:
… كان يشعر ببرودة شديدة، برودة شديدة،
الأرنب البريُّ … الأرنب البريُّ … الأرنب البريُّ …
الطيور …
رفع رأسه بحدة وعبس باتجاه المصاريع البيضاء لمتجر الطيور التي كانت تظهر
بالخارج أمام نافذتنا. ثم كتب بيتًا كاملًا واضحًا يقول:
رغم الفراء الذي يلفُّه، كان الأرنب البريُّ يشعر ببرودة شديدة.
تحركت رأسه على نحوٍ آليٍّ يمينًا باتجاه الإعلان حيث كانت تفوح الرائحة الكريهة
العفنة لكرة تبخير كاتدرائية بلوديت العلاجية. نخر وأخذ يكتب:
يفوح الطيبُ من المبخرة …
أمام صورتها الحبيبة المؤطرة بالذهب …
صورة بتول … وجهُ ملاك …
اصمتا! هناك » : قال السيد كاشيل بحذر من المكتب الداخلي وكأنه في حضرة أرواح
سمعتُ صوت فرقعة الشرر الكهربية وهو «. شيءٌ يأتي من مكان ما، ولكنه ليس من بول
يضغط على مفاتيح جهاز الإرسال. وفي دماغي، شعرت بشيء ما يفرقع أيضًا، أو قد يكون
هناكشيءٌ يأتي من مكان ما إلى » : شعر رأسي، ثم سمعتصوتي الأجشيهمسبقوة قائلًا
«. هنا أيضًا، يا سيد كاشيل. دعني وشأني حتى أخبرك
هكذا قال بسخط «. ولكنني ظننت أنك قد أتيت لترى هذا الشيء العجيب، يا سيدي »
في النهاية.
«. دعني وشأني حتى أخبرك. اصمت »
راقبت وانتظرت. وتحت اليد الجافة ذات العروق الزرقاء لشينور المسكين، ظهرت
هذه الجملة جليَّةً ودون تعديل:
ارتعش «. وروحي الضعيفة ترفضالتفكير كيف أن الموتى لا مفر لهم من التخشب »
وهو يكتب، وأكمل:
وهم يقبعون تحت الأرض أسفل فناء الكنيسة.
ثم توقَّف، ووضع القلم، ومال إلى الخلف
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.