hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

إسماعيل » هو ذلك القائد البحري الذي تلقبه المصادر التاريخية الأجنبية تارة باسم
Ismâyl- إسماعيل الجبل الأخضر » 1 وتارةً باسم ،«Ismaïl Djebaltar جبل طارق
2 وهو أول قائد بحري ورد اسمه في تاريخ البحري المصرية عندما صحَّ .«Gebelakdar
عزم محمد علي باشا على تكوين أسطول قوي يساعده على بسط سيادته في البحر الأحمر
حتى موانئ جزيرة العرب.
في ميناء « إفريقا » ذلك أن الوالي كان قد وصَّىمحمد أغا على إنجاز صنع الفرقاطة
الإسكندرية، وما إن تم إعدادها في شهر فبراير سنة ١٨١٠ حتى استدعى محمد علي باشا
القبودان إسماعيل جبل طارق وقلَّده قيادتها من الثغر السكندري حتى السويس في رحلة
شاقة وطويلة حول القارة الإفريقية بعد استكمالها تركيب الآلات الحربية في لندن. غير
أنه لم يُكتَب لتلك الفرقاطة أن تمخر عباب البحر الأحمر، إذ تدخلت السياسة البريطانية
إلى « إفريقا » في الأمر بناءً على احتجاجشركة الهند الإنكليزية وحالت دون إبحار الفرقاطة
السويس، بل أعادتها إلى الإسكندرية حيث وصلت في شهر يناير سنة ١٨١٢ مزودة بثلاثين
مدفعًا جعلت منها نواة أسطول مصرالذي انتوى محمد علي باشا إنشاءه، وتم على يديه
تحقيقه.
الجزء الأول،ص ١٠٠ وما بعدها. والجنرال ،« حملات محمد علي وإبراهيم البحرية » : 1 الأميرال دوران فييل
. الجزء الأول،ص ١٩٠ ،« تاريخ محمد علي وأولاده الحربي » : فيجان
. ص ٣٨٠ ،« مصرفي القرن التاسع عشر » : 2 إدوار جوان
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
وإلى جانب الأسطول الحربي أراد محمد علي باشا أن يكون لمصر نصيب وافر من
التجارة الدولية، فما إن عاد إسماعيل جبل طارق من لندن حتى أوفده في السنة التالية
إلى جزيرة مالطة، حيث أنشأ وكالة لتصريف الصادرات المصرية وعيَّن ابنه مديرًا لها بعد
مضيسنتين. وإزاء نجاح هذه الوكالة تعددت مثيلاتها في تريسته ومرسيليا وجنوة وكذلك
في ليفورن، حيث أقام إسماعيل جبل طارق مشرفًا منها على مختلف الوكالات المصرية في
الخارج.
وفي سنة ١٨١٦ سافر إسماعيل جبل طارق في رحلة طويلة زار خلالها لندن وباريس
وهامبورج واستكهولم عاصمة السويد، واجتاز بلاد روسيا، وعاد إلى مصر عن طريق
البحر الأسود والآستانة بعد أن وقف بنفسه على حالة الأسواق الأجنبية وعلى مبلغ حاجاتها
من المحصولات والمنتجات المصرية.
إسماعيل بك جبل طارق.
غير أنه في شهر مارسسنة ١٨٢١ شبَّت الثورة الأهلية في بعضالمقاطعات اليونانية،
وكانت داخلة وقتئذٍ تحت حكمسلاطينآل عثمان، يحكمها الولاة الترك الذين كانت تنصبهم
حكومة الآستانة، وسرعان ما اندلع لهب الثورة إلى بلاد المورة، حيث بادر اليونانيون إلى

إسماعيل بك جبل طارق أو الجبل الأخضر
رفع علم الجهاد في البحر والبر. ففي البحر أخذت سفنهم المسلحة تقطع الطريق على
المراكب التركية في بحر الأرخبيل وتأسرها أو تدمرها وتفتك بركابها قتلًا وأسرًا ونهبًا، وفي
عاصمتها، ونكلوا Tripolitza البر استولى الثوار على أهم مدن المورة، واحتلوا تريبولتزا
بالأتراك المقيمين فيها تنكيلًا فظيعًا.
ولما استفحل أمر السفن اليونانية في البحر أرسل السلطان محمود الثاني في سنة
١٨٢١ إلى محمد علي باشا يعهد إليه بتجريد أسطوله لتطهير البحر من قرصنة تلك
السفن، فأسرع الوالي إلى تلبية نداء السلطان وأعدَّ على جناح السرعة ست عشرة سفينة
كاملة السلاح والعتاد، بها ثمانمائة مقاتل من حامية الإسكندرية وعلى رأسهم طبو (زاده)
أوغلي قبوجي باشى محمد أغا. 3 وقد أقلعت هذه العمارة من ثغر الإسكندرية في يوم
١١ يوليو سنة ١٨٢١ بقيادة أمير البحار الأول إسماعيل بك جبل طارق يعاونه قرصان
.Giustiniani يُدعى جوستنياني
وقد أشار عبد الرحمن الجبرتي إلى هذه الوقائع فيما دوَّنه عن حوادث ذي القعدة
سنة ١٢٣٦ إذ قال:
وفي منتصفه سافر الباشا إلى الإسكندرية لداعي حركة الأروام وعصيانهم
وخروجهم عن الذمة ووقوفهم بمراكب كثيرة العدد بالبحر، وقطعهم الطريق
على المسافرين واستئصالهم بالذبح والقتل، حتى إنهم أخذوا المراكب الخارجة
من إستانبول وفيها قاضيالعسكر المتولي قضاء مصرومَن بها أيضًا من السفار
والحجاج، فقتلوهم ذبحًا عن آخرهم ومعهم القاضيوحريمه وبناته وجواريه
وغير ذلك، وشاع ذلك بالنواحي وانقطعت السبل، فنزل الباشا إلى الإسكندرية
وشرع في تشهيل المراكب مساعدةً للدونانمة السلطانية.
اتجه الأسطول المصري نحو جزيرة رودس، ثمَّ واصل سيره إلى الدردنيل حيث التقى
وفي يوم ٦ أغسطس .Ephèse بالأسطول التركي في يوم ١٦ يوليو بالقرب من إيفيس
خرج الأسطولان معًا وطاردا السفن اليونانية في بحر إيجيه إلى أن ألقت الوحدات العثمانية
،Prévéza ثمَّ عند مدخل خليج بريفيزا ،Zante والمصرية مرساها على مقربة من زانت
3 هو والد حسين بك طبوزاده، وجد محمود حمدي باشا أبو حسين رشدي باشا من رؤساء مجلس
الوزراء السابقين.

أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
حيث أغرقت ستة وثلاثين مركبًا يونانيٍّا، في حين وقعت ثلاثون أخرى في الأسر واقتيدت
مع بحارتها المشنوقين في أعلى سارياتها إلى الدردنيل. وقد قضىالأسطول المصري أشهر
الشتاء بعيدًا عن مصراستعدادًا للحملة البحرية القادمة التي استهدفت فيها لهجوم السفن
اليونانية العنيف، مما اضطرت معه السفن المصرية إلى العودة إلى الإسكندرية حيث وصلت
في أوائل مارس سنة ١٨٢٢ ، وقد هبط عدد وحداتها إلى إحدى عشرة سفينة منها أربع
فرقاطات كانت في حاجة ماسة إلى مرمَّات كبيرة.
ولما كانت الثورة اليونانية قد امتدَّت إلى جزيرة كريت، وظهر الثوَّار على الحاميات
التركية التي اضطرَّت إلى الامتناع في بعض قلاع الجزيرة، فقد عهد السلطان محمود
الثاني إلى محمد علي باشا مهمة إخماد الثورة فيها هي أيضًا، وسرعان ما أعدَّ الوالي حملة
مؤلَّفة من خمسة آلاف جندي بقيادة حسن باشا أقلتهم السفن المصرية من الإسكندرية
إلى كريت، حيث نزلوا إلى البر في غضون شهر يونيو سنة ١٨٢٢ ، ففكوا حصار الحاميات
التركية وطاردوا الثوَّار وشتتوا شملهم. وقد لاقى حسن باشا حتفه خلال الفتح وخلفه
واسكربانتو Caxos ou Cachout حسين بك في قيادة الجند، فشنَّ هجومًا على كاكسوس
حيث تحصَّن الثوَّار في معاقلها، وأنفذ إليها ست عشرة سفينة حربية مصرية ،Scarpanto
مُقلَّة محمد قبودان والفرقاطة « ثريَّا » وثماني نقالات وألفين من الجند على رأسهم الفرقاطة
معقودة اللواء لإسماعيل جبل طارق. « ديانا »
وفي يوم ٢٦ مايو سنة ١٨٢٤ ألقت الوحدات المصرية مرساها أمام ثغر كاكسوس،
فأصلتها حاميات الثوار نارًا حامية وردَّت السفن التحية بأحسن منها! غير أن الفرقاطة
التي كانت تُقل إسماعيل جبل طارق ارتطمت بصخرة فأصُيبت ببعض الخلل اضطرت
من أجله أن تُقلع إلى جزيرة رودس للتصليح والترميم.
ولم تنقضِخمسة عشريومًا حتى كان إسماعيل جبل طارق قد أتمَّ تصليح فرقاطته
وعاد إلى كاكسوسومعه فرقاطتان عثمانيتان استحضرهما معه من رودس، وما إن وصل
في العاشر من يونيو حتى بدأ القتال عنيفًا متواصلًا على حصون الثوار الذين أخُذوا على
غرة، فألقوا أسلحتهم وآثروا الاستسلام وتسليم خمس عشرة سفينة من سفنهم وواحد
وسبعين من مدافعهم وثمانمائة من الأرقَّاء إلى رجال الأسطول المصري الظافرين. وبهذا
النصر الحاسم استتبَّ الأمن وساد السكون في أرجاء جزيرة كريت بفضل القوة المصرية
البحرية بعد أن عجز العثمانيون عن إخماد فتنتها.
وفي شهر سبتمبر سنة ١٨٢٤ استهدفت سفينة إسماعيل جبل لهجوم شنَّته عليها
ولكنه استطاع قبل أن يجنَّ الليل ،Stancho الحرَّاقات اليونانية بالقرب من ميناء ستنكو

إسماعيل بك جبل طارق أو الجبل الأخضر
أن يصيب أحد المراكب اليونانية إصابة قضت عليها وأوقعتها أسيرة في أيدي المصريين، في
حين لاذت باقيها بأهداب الفرار في جوف الظلام.
Drouhault وفي ميناء ستنكو هذا اجتمع إبراهيم باشا بالقائد الفرنسي دروهو
وقنصل « سليمان باشا الفرنساوي » بحضور إسماعيل جبل طارق والكولونيل سيف
أزمير وأحد المترجمين. وفي هذه المقابلة أسرَّ دروهو — وكان من القواد البحريين الذين
يُشار إليهم بالبنان — لإبراهيم ببعض الخطط الحربية لإخضاع اليونان، ومنها التمهيد
بالهجوم على المورة.
وقد اشترك إسماعيل جبل طارق مع إبراهيم باشا في إنزال القوات البرية في شبه
جزيرة المورة في غضون شهر مارسسنة ١٨٢٥ بقيادة بعضسفن الأسطول المصري من
.Modon ومودون Coron خليج السودا إلى مينائَي كورون
ولعلَّ هذه المهمة كانت آخر مهمة عُهِدَت إلى إسماعيل جبل طارق، إذ كانت قد تقدَّمت
به السن وانتابه المرض، فاضطر إلى العودة إلى الإسكندرية حيث انزوى في عقر داره ولفظ
النفس الأخير في أوائل سنة 4.١٨٢٦
وقد انفرد المؤرخ الفرنسي إدوار جون بالحكم على إسماعيل بك جبل طارق حكمًا
قاسيًا جدٍّا تطبعهصرامته بطابع التحيُّز والهوى، إذ قال:
L’amiral Ismayl-Gebalakdar, tombé malade à Rhodes mourut sur
mer en route pour Alexandrie. C’était un vieillard instruit sur
toutes choses étrangères à son métier. Il coonaissait plusieurs
langues du nord; mieux eût valu un peu moins d’ignorance en
fait d’art maritime; la navigation égyptienne aurait eu à subir de
moins tristes désastres.⋆
ص ٣٨٠ ، أن إسماعيل ،« مصرفي القرن التاسع عشر » 4 غير أن المؤرخ الفرنسي إدوار جون ذكر في مؤلفه
جبل طارق تُوفي في سنة ١٨٢٥ وهو في عرض البحر على ظهر المركب الذي كان قد استقله من رودس
تاريخ الحركة القومية، عصر » للعودة إلى الإسكندرية. أما عبد الرحمن الرافعي بك فقد ذكر في كتابه
ص ٤٢٧ ، أن إسماعيل جبل طارق تُوفي أثناء الحرب اليونانية. أما الرأي الذي آثرنا الأخذ به ،« محمد علي
. الجزء الأول،ص ٢٨٧ ،« حملات محمد علي وإبراهيم البحرية » فقد ذكره الأميرال دوران فييل في مؤلفه
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
. ص ٣٨٠ ،« مصرفي القرن التاسع عشر » : ⋆إدوار جون
وتعريبه:
قد تُوفي الأميرال إسماعيل الجبل الأخضروهو في عرضالبحر في طريق عودته
إلى الإسكندرية متأثِّرًا بمرضأصابه في جزيرة رودس، وقد كان شيخًا لا يغيب
عنهشيءٌ ما إلا ما يمتُّ إلى صناعته. وكان ملمٍّا بلغات أهل بلاد الشمال، وحبَّذا
لو كان أقل جهلًا بفنون البحر إذ كانت الكوارث التي أصابت البحرية المصرية
أقل فداحة.
وربما كانت أحسن شهادة بكفاءة إسماعيل جبل طارق ومقدرته تلك التي جاءت
وضمَّنه أحد تقاريره، إذ قال: ،De Reverseaux على لسان المسيو دي ريفرسو
Si l’on ex excepte Isamil Djebaltar qui commande avec distinction
la flotte du Vice-Roi d’Egypte, et que j’ai vu l’an dernier (en 1822)
parcourir audacieusement l’Archipel avec une simple frégate, pas
un amiral turc ne peut passer pour avoir du talent, de l’expérience
et même de la bravoure.
وتعريبه:
إذا استثنينا إسماعيل جبل طارق الذي يتولى قيادة أسطول والي مصر بمهارة
فائقة، والذي شاهدته في العام الماضي(سنة ١٨٢٢ ) يمخر بفرقاطة واحدة مياه
الأرخبيل بكل شجاعة، فإن ما من أمير بحار تركي يمكن اعتباره ذا كفاءة أو
خبرة أو حتى بسالة مثله
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.