darbovar

شارك على مواقع التواصل

" حياة أخرى"

لربما كانت الحياة قاسية على الكثيرين الذين لا نعلم عنهم شيئاً ولكن دائمًا هناك خفايا وأسرار لا يعلمها سوى صاحبها، وفي هذه القصة استطعت الدخول إلى قلب إحداهن ومعرفة تلك الخفايا، هذه القصة مستوحاة من قصة حقيقية مع إخفاء وتغيير بعض التفاصيل حفاظًا على حقوق صاحبتها، أتمنى لكم قراءة ممتعة.

فرحة أيمن حامد


"واعلم أن كل نفس ذائقة الموت، لكن ليست كل نفس ذائقة الحياة"
جلال الدين الرومي.
صدق الرومي وصدقت مقولته، فكم من شخص على قيد الحياة لكنه ميت، وأنا أكبر مثال على صدقه، أُدعى حياة لكنني لم يكن لي نصيبٌ من اسمي قط، أو ربما كان لي نصيب فقط من الجزء السيء منه، فالحياة لونان؛ أبيض وأسود ولم أكن طوال أربعة وعشرين عاماً من ذوي الحظ الجيد أصحاب اللون الأبيض في الحياة، بل كنت دائماً من الممقوتين أصحاب اللون الأسود، ربما هو غضب من الله لكنني لا أفعل الكبائر ولا أؤذي أحدًا، أنا بشر أخطيء أخطاءً صغيرة وأتوب عنها في الحال، فالحمد لله أن لدي ضمير يقظ يؤرقني إن فعلت شيئاً خاطئًا وربما يكون ابتلاءً وها أنا أصبر عليه وأرضى .
***
بدأت الحكاية عندما كنت في الحادي عشر من عمري كنت صغيرة مدللة، لم يكن يعنيني شيء في الحياة سوى اللعب كحال جميع الأطفال في عمري، اللعب وركوب الدراجات والتسابق بها لآخر شارعنا مع بنات العائلة، وكنت أسرعهم رغم أنني كنت أستعين بمساند لدراجتي وكنت أضحك كثيرًا وأعيّرهم عندما أربح أن ذات المساند كما كانوا يلقبونني هي من ربحت عليهم ، وهكذا كانت تمر حياتي كأي طفلة في عمري حتى أتى ذلك اليوم المشؤوم، وكنت عند جدتي واتصلت أمي تخبرني أن آتي إلى المنزل لأن والدي يريدني، وليتني لم أذهب، ليتني بقيت في منزل جدتي.
ذهبت إلى المنزل وحينها أخبرتني أمي أن الطبيب سيأتي بعد قليل ويجب أن أكون جاهزة لعملية الختان، شعرت أن الأرض تميد تحت قدمي وأن ثقبًا أسوداً يبتلعني، بكيت كثيرًا فقد كنت أعلم أن هذا اليوم سيأتي لا مفر منه كما حدث مع إخوتي الأكبر سنًا لكنني كنت دائمًا معترضة على ذلك وكنت أكره كشف النساء الذي كانت تجريه لي أمي فجأة وترغمني عليه إن كنت في الوحدة الصحية لأي أمر آخر أو لدى ذلك الطبيب إن ذهبت إليه وأنا مريضة بل كنت أكره أمي ذاتها في ذلك الوقت، كنت أبكي كثيرًا وأعبر لها أنني غاضبة ولا أود ذلك لكنها لم تكن تشفق على بكائي ولم يؤثر بها كثرة امتعاضي من الأمر وأنني لا أحب أن يُكشف جسدي على أحد تحت مسمى الطبيب لأمر غير ضروري بالنسبة لي كما تربيت، فعجبًا لأولئك الآباء يظلون يلقون الأوامر بأن الفتاة المحترمة لا يجب أن تتحدث مع أي شاب وفي الوقت ذاته يحضرون لها طبيباً ينتقص من جسدها ويرى عورتها لأمر غير ضروري، فلو كانت تلك القطعة التي يزيلونها هي من تحفظ عفة الفتاة ولا تجعلها تخطيء لما رأينا عاهرات ولا انتشرت الدعارة وكانت إزالة تلك القطعة هي الحل لكل تلك المفاسد، بل هو الكسل ما يجعلهم يفعلون ذلك، فبدلاً من التقرب من الأبناء ومصاحبتهم ووصلهم وتنمية العلاقة بينهم وبين آبائهم وتربيتهم على طاعة الله بالحب لا بالخوف يلجأون للختان، أتذكر أنني حينها كنت أبكي وأرتجف كثيرًا وأقرأ سورة ياسين حتى أنني من كثرة البكاء لم أعد أرى الأحرف بشكلٍ صحيح وبللت الدموع مصحفي وكان وجهي شديد الحمرة كأن دماء جسدي الذي صبغ باللون الابيض هربت إلى وجهي من شدة الخوف وكنوعٍ من المواساة أجلسني والدي على قدمه وهو يهدأني قائلًا أنها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يمهد لي الأمر كالقصاب الذي يربت على ذبيحته ويطعمها قبل ذبحها ولم يدرك أن هذا اليوم سيكون فيصلًا في علاقتي به وأنه سيبني بيننا جدارًا لا يمكن هدمه وأنني لن أسامحه مهما حييت، فرغم مرور كل تلك السنوات ولم أنسى ذلك اليوم كأنه البارحة أتذكر ملابسي حينها وأتذكر ملابسهم بل وأتذكر حديثهم كأنه يُحكى في أذني الآن وأتذكر الساعة الحادية عشر إلا عشرين دقيقة حينما أتى طبيب العائلة وأخذتني أمي وجدتي إلى الغرفة، أتذكر ذلك المشرط الذي أمسكه الطبيب و..
قاطعني صوت مساعدة الطبيبة النفسية التي تعالجني وهي تخبر الطبيبة أن الحالة التالية حدث لها حالة انهيار ويجب أن تسرع إليها، استأذنتني الطبيبة وخرجت لرؤية الحالة ولم أستطع منع فضولي من رؤية ما يحدث لذلك خرجت أنا أيضاً ورأيت سيدة في نفس عمري تقريبًا ومعها زوجها الذي كان يخبر الطبيبة أنها رأت حادثة القتل التي حدثت في الشارع اليوم ولهذا تذكرت أختها وانهارت، حاولت الطبيبة تهدئتها حتى استكان صراخها قليلاً وظلت تبكي كثيرًا بحرقة حينها سألت الممرضة عن حالتها وأخبرتني أنها تدعى آسيا فقدت أختها منذ أسبوعين في حادث سيارة أمام عينيها ولم تتجاوز الأمر لذلك تتعالج من الإكتئاب والهلاوس فقد أصبحت ترى أختها في أي فتاة أخرى لا تستطيع إنقاذها وعندما رأت ما حدث اليوم عادت إليها حالة الانهيار مرة أخرى.
يا إلهي أنا لا أعرفها وآلمني قلبي على حالها فكيف تشعر هي إذن، أخبرتُ الممرضة أنني سأكمل الجلسة القادمة فلم أستطع المكوث أكثر أشعر أنني سأفقد وعيي إن بقيت ورأيت حالة آسيا أكثر من ذلك،ذهبت إلى مسجد قريب وجلست فيه فلم تعد قدماي تقويان على حملي وما أن سجدت لم أشعر سوى بتلك الدموع تحرق وجنتاي، وعدت إلى المنزل أنتظر حلول الأسبوع القادم حتى ميعاد الجلسة، ولم يشغل تفكيري سوى فيديو قتل الفتاة الذي انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي، المشهد مفجع ولا أفهم كيف لبشرٍ يرى أحدًا يُذبح أمامه ويفكر في تصوير الحادث، فأنا أستطيع فهم من شُلت حركتهم لأنه شيء لا يتقبله عقل أن تُذبح فتاة في الشارع في وضح النهار لكن لا أستطيع فهم من قام بالتصوير كيف خطرت له الفكرة من الأساس فلو كنت هناك لانهرت مثل آسيا أو ربما سقطت فاقدة الحياة بجوارها لكن ربما من كثرة ما نرى ونسمع أصاب التبلد بعض القلوب.
قاطع تفكيري صوت هاتفي كان مديري في العمل فأنا أعمل صحفية في قسم الأخبار، ظل يوبخني لأنني لم أجب على اتصالاته وبسببي فاته سبقٌ صحفي لحادث الفتاة وأنني لا أتحمل المسؤولية وسيُحيلني للتحقيق مع رئيس مجلس الإدارة، أغلق المكالمة وأغلقت هاتفي فلم أكن أستطيع أن أرى جدالًا أكثر حول هذا الموضوع ولم يعد صدري يتسع للمزيد فكل مكان حولي مليء بالأخبار السيئة وأكثرهم عملي حتى أنني لم أقم بكتابة بقية الأخبار التي يجب تسليمها، أصبح كل تفكيري أنني من الممكن أن أكون الضحية القادمة ربما لسارق أو خاطف أو حتى شخص عادي فالأمر لم يعد حكرًا على أحد ووديع اليوم يصبح قاتل الغد دون أي مقدمات، لم أكن أود فعل شيء سوى النوم، وسيلتي الوحيدة للهروب من ذلك التفكير الذي كاد يودي بعقلي أدراج الجحيم، لذا كان النوم أفضل الحلول.
استيقظت في اليوم التالي لأنكب على طاولة المكتب أعمل على كتابة مقالٍ عن حادث أمس، يا إلهي كم أصبحت أمقت الكتابة الصحفية خاصة الأخبار، كأنني آلة تكتب ما يمليه عليها صاحبها ولا يمكنها الشكوى أو الإعتراض أو إبداء رأيها، بل يجب أن تكون روبوت لا يفكر ولا يشعر لكي يكتب بحيادية، وأصبحت أمقت الكتابة أكثر لأنها زادت من عزلتي وانطوائي فلم أعد أستطيع التعبير أو الصراخ سوى من خلالها، أصبحت كالمخدرات سيطرت على جوانحي فلم يعد هناك سبيل سواها.
أنهيت كتابة الخبر وأرسلته إلى مديري الذي لم يقصر في توبيخي كعادته ولكنني لم أرد لأنني حتى لا أقوى على أخذ حقي وقاطعني اتصال هاتفي من عمتي وهي تخبرني عن عريس جديد وأنه قادم غدًا لرؤيتي، غضبت جداً فلم تأخذ رأيي في الأمر ولم يبلغني أحد عن قدومه، خرجت من غرفتي غاضبة وأنا أسأل أمي عن الأمر وكان ردها أن الزواج سنة الحياة وأن ألتقي به أولاً ثم آخذ القرار، علمت أن الجدال معها لن يجدي نفعًا ولن يستمع إلى أحد لذلك رضخت إلى الأمر الواقع وسأقابله غدا، ومن حسن حظي أن موعدي مع الطبيبة بعد أسبوع سأحكي لها كل شيء وأفرغ كتلة الغضب التي بداخلي.
***
في اليوم التالي جاء العريس المنتظر وجلست معه على مضض لكن للحق كانت والدته سيدة لطيفة للغاية أما هو فبقي صامتًا لم يتحدث سوى مع والدي في أمور العمل والحياة ثم بعد ذلك جلست معه وحدي في الشرفة الموجودة في حجرة المعيشة التي يجلس بها أهلنا، بقيت صامتة أنتظر مبادرته بالحديث وبعد ما يقرب من الخمس دقائق تحدث بالفعل، لكنه باغتني بسؤال لم أتوقعه سألني إن كنت مرغمة على الجلوس معه، توترت قليلاً فلا أحب أن أحرج أحداً وقلت له أنني لا أفكر بالزواج لذلك تفاجئت عندما أخبروني عن قدومك ولم تكن هناك فرصة لأخذ رأيي في الأمر لذلك أشعر ببعض الضيق، ابتسم وأجابني قائلاً أنه إن كنتُ لا أود تلك الجلسة فسيحترم رغبتي ويخبر والدي أن كل شيء نصيب لكنه يطلب أن أعطيه فرصة ليعرفني عن نفسه ولي كل الحق بعد سماع ما يقول.
وافقت على طلبه فجلس يحدثني عن نفسه وأن اسمه يمان يعمل في مصنع للملابس وحدثني عن حياته وعمله ومدى حبه لأهله وكيف يرى الزواج أنه مودة ورحمة وحياة مشتركة بين اثنين لا يطغى فيها أحد على الآخر وأن حب الزوجان غرس ستجنى ثماره في الأبناء وأنه مسؤولية مشتركة بين الزوجان وهكذا، في الحقيقة أعجبت بحديثه وشعرت بالارتياح وأخبرهم والدي أنه سيبلغهم الرد بعد يومين.
ومر الأسبوع وجاء يوم موعدي مع الطبيبة،
دلفت إلى غرفة الطبيبة وكالعادة قابلتني بابتسامتها المعهودة وقدمت لي كوبًا من عصير الليمون ثم طلبت مني أن أكمل حيث توقفت المرة السابقة، لا أعلم لِمَ تملكني الغضب وسألتها قائلة: لماذا تصرين على معرفة الماضي ولن يجدي ذلك نفعًا، بماذا سيفيدني التحدث، لم لا تسألينني عن الحاضر.
الطبيبة (ملاك) : الماضي هو مرآة المستقبل يا حياة، إن كان الماضي مشوهًا ستكون مرآتك مكسورة بالمستقبل وحاضرك مشوش، الأمر ظلّ بداخلك لفترة طويلة كان يرسب الخوف وعدم الأمان في تكوين شخصيتك، الأن يؤثر على تعاملاتك اليومية وعملك فقط لكن إن تركتي الأمر دون علاج سيؤثر على مستقبلك أيضاً.
هدأت قليلًا وشربت كوبًا من الماء ليهديء من روعي ثم بدأت أكمل من حيث توقفت المرة الماضية.
حينما أخرج الطبيب ذلك المشرط واصلت بكائي بشكلٍ أعلى فما كان من أمي سوى أنها كممت فمي بوضع يدها عليه علّها تستطيع كتم صوتي آمرة إياي أن أصمت، فماذا سيقول الجيران أنهم يفعلون بي لأصرخ في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل، حينها ودون شعور مني قمت بِعَض يدها، لم أكن أتألم جسديًا فحقنة المخدر كانت قد قامت بعملها وبدأ مفعولها لكنني كنت أتألم نفسيًا إلى درجة كبيرة، قمت بِعَض يدها قهرًا وغيظًا منها، أتذكر أنني حينها وقبل العملية أحضرت دفترًا قديمًا من دفاتر المدرسة وكتبت فيه بخط كبير أكرهكم يا أبي ويا أمي ولكنني حينها كتبت أسمائهم فلم يكن قلبي يكن لهم سوى غيظًا عظيمًا يمنعني حتى من كتابة أبي وأمي، وبعدما انتهى الطبيب ورحل ذهب أبي ليحضر طعامًا للاحتفال وبعدها بيوم جاءت العائلة والجيران للاحتفال بي وأعطوني نقودًا للمباركة، يالهم من أناس غريبي الأطوار فما الذي يدعو للاحتفال في الأمر، أنا لست صبيًا ليكون الأمر سنة يُحتفى بها، أنا فتاة بالغة كان من المفترض ألا يمس أحد عورتها فحتى في الحالات الطبية كالولادة وغيرها يوصي علماء الدين بالبحث أولًا عن طبيبة وإن لم يكن متاحًا وجودها ففي هذه الحالة يمكنها الكشف عند طبيب كاستثناء لعدم وجود امرأة، لكن في مجتمعنا المغلوط كان الختان شيئًا يدعو للفخر فهذه الفتاة أصبحت طاهرة الآن في وجهة نظرهم ولا توجد لديها شهوة تدفعها للخطأ، كأن بقية الفتيات كتلة من المعاصي والشهوات تسير على الأرض، أليس أمرًا يدفع للجنون؟
_ملاك: أتقصدين الختان؟
_حياة: أقصد التناقض، الذي يدفع الناس للتفكير في الأمر وضده في آن واحد، يفكرون في ستر الفتاة فيقومون بختانها أو تزويجها في عمر صغير، يعرضونها للخطر وكل ما يهمهم قضية الشرف، كيف لا يضعون احتمالية موتها في تلك الحالة؟ كيف يثقون أن الأمر سيتم بسلام ولن تمر بنزيف حتى الموت أو تعاني من تشوه جسدها، ربما كنت أقل ضرراً من غيري جسديًا لكن مئات الفتيات تلقين حتفهن بسبب ذلك، ربما لعب حظي دورًا ومر الأمر بسلام ولم يحدث لي ذلك ولكن ماذا إن كان حدث؟ هل كانوا سينقلونني إلى المستشفى ويعرضون أنفسهم للمسائلة القانونية أم كانوا سيتركونني ألقي حتفي خوفًا على أنفسهم؟
_ملاك: ألم تواجهيهم بمشاعرك تلك من قبل يا حياة أو حتى تجربين الأمر؟
_حياة: في باديء الأمر كنت أخاف كثيرًا لكن ما إن وصل الأمر إلى تكرار تلك المأساة مع أختي الصغيرة حتى أفرغت غضبي وأخبرت أمي بكل ذلك ولا أخفي عليكِ هددتها بأنهم إن فعلوا ذلك لأختي سأقدم بلاغًا ضدهم وضد الطبيب لكنها لم تجب سوى بأنها لم تحسن تربيتي وكيف أقول ذلك وأنني بحاجة إلى التأديب ولم أستطع مواجهة أبي سوى مرة واحدة عبرت له عن رفضي للأمر فما كان منه سوى السخرية من أفكاري وأن هذا من السنة.
_ملاك: هل سألتي عالمًا في الدين عن الأمر أو قرأتي عن حكمه؟
_حياة: نعم قرأت فتوى الأزهر وسألت شيخًا وأجابني أنه سنة للفتيان ولا يجوز الخفاض إلى الفتيات إلا في الحالات التي تستدعي ذلك وليس كل الفتيات كما يفعل الجميع بل هو مكروه للفتيات لما فيه من ضرر عليهن نفسيًا وجسديًا.
وحتى وإن كان سنة فهو ليس فرضًا يجب العمل به كالصلاة مثلًا، وكأننا نعمل بكل الفروض والسنن ولم يبقى سوى الختان، المجتمع لا يعلم من الدين شيئًا سوى الختان وتعدد الزوجات، لماذا لا نطبق غض البصر أو شروط الحجاب الصحيحة أو الصيام أو الصلاة، فهذا رجل لم يركع ركعة واحدة طوال حياته لكنه قام بختان بناته لأنها سنة، وآخر يدخن في نهار رمضان لكنه قام بختان بناته لأنها سنة وتزوج اثنتين ليقلل من عدد الفتيات العازبات ويعف مسلمة،وذاك قام بختان بناته بحجة إعفافهن لكنه لم يجلس مرة مع بناته وحاول ضمهن وإخبارهن كم يحبهن وأغرقهن بحنانه حتى يعففهن، نحن نأخذ قشور الأمور ونترك لُبها، ولو اجتمعت كل الدنيا على إقناعي بغير هذا لن يفلحوا، بالنسبة لهم أنا مريضة نفسية وبحاجة إلى علاج أو مجنونة ومضطربة وأنا أراهم هم المجانين، هم المنافقون يقولون أشياء ويفعلون أشياء أخرى على الأقل أنا واضحة لا أتلون لذلك ينفرون مني.
_ملاك: لأنك مختلفة عنهم، الاختلاف يولد العند والكبر عند البعض، هكذا بدأ الدين في باديء الأمر، بدأ غريباً عنهم ومختلفًا فلم يتقبلوه، بعضهم رفضه دون أذى والبعض ملأ الكبر قلبه، إنها لعنة ال " أنا" التي تجعل كل شخص يتمسك بمعتقداته ولو كانت خاطئة الأهم أن يظهر أمام الناس أنه على حق ولو كان غير ذلك، الأهم أن يقول الناس فلان لا يخطئ رغم أننا بشر جميعنا نخطىء ولكن ليس الجميع يدركون ذلك، وإن حاول أحدهم إقناعهم بغير ذلك قالوا كما يقول المتكبرون أن هذه عقيدة آبائهم، وهو المنهج المتبع في أغلب البيوت يربون أولادهم كما رباهم آباؤهم ولا يدركون فرق الأجيال واختلاف الزمن والناس وطرق التفكير، كأنها طريقة تم تلقينهم إياها كالطالب الذي تم تلقينه وحين دخل إلى الامتحان كتب على صفحة ناصعة البياض كل ما تلقى بمعاناته وألمه بنفس الطريقة دون أن يفكر لَربما اختلفت الأسئلة، لهذا يفشل معظم الأهالي في تنشئة أبنائهم بطريقة سوية وكانت النتيجة هي مجتمعنا الحالي، أنتِ لستِ مجنونة يا حياة، المجتمع هو المريض ومع الأسف لن نستطيع علاجه.
لم أشعر بنفسي سوى ودموعي تهطل على وجنتاي كالمطر وأشعر بقلبي يتمزق وتتقطع نياطه وأردفت قائلة: إذن سيبقى الوضع كما هو عليه فلن يتغير المجتمع ولا أنا سأنسى، أشعر حتى أن هذا العلاج مضيعة للوقت.
_ملاك: تحتاجين الآن إلى الإنتقال للمرحلة الثانية من العلاج، ستنضمين إلى جلسات الدعم النفسي في المرة القادمة، والآن أخبريني كيف مر أسبوعك
_حياة: تقدم شخص للزواج بي، لكن لم أتخذ قراراً بعد، أشعر بالراحة تجاهه لكن...
_ملاك: هل تخشين الزواج
_حياة: لا أعلم لكن فكرة التعرف إلى رجل والزواج به لم تكن ضمن أولويات تفكيري كنت دائما أفكر في العمل وأن أجمع أموالاً بالقدر الذي يؤمن حياتي لكي لا أحتاج لأي أحد ولا يستطيع أحد التحكم بي بحجة أنه يؤمن لي مأكلي وسكني وملابسي، أخشى أن أوافق فيكون نسخة من قطيع الذكور ولا أرى منه ما أسمع، أخشى أن يعاملني بحدة أو يهين كرامتي فنحن الإناث حتى لو عشقنا الرجل حد الموت إن مس كرامتنا ولو بكلمة ننسى العشق كأن لم يكن ولا ننسى تلك الكلمة التي جرحت كبريائنا أبد الدهر، حتى وإن سامحنا فالنسيان بالنسبة لنا معجزة لا يدركها سوى الأنبياء، وأخشى أن أظلمه فيكون زوجًا صالحًا ولكنني لا أصلح له، لا يمكنني تقبل فكرة أن يكون رجل في حياتي فدائمًا كنت أرى أنهم وحوش لا يعرفون سوى الأذى والنماذج التي كانت حولي كانت تثبت لي ذلك، دائمًا كانت أولوياتي أن أعيش لنفسي وبنفسي
_ملاك: لا تتسرعي في اتخاذ القرار فكري على مهل وإن شعرتي بالطمأنينة خذي خطوة فليس كل الرجال هكذا هناك رجال جيدون ذوي خلق ولو كانوا قلة في هذا الزمان، وكما أخبرتك حين تنضمين لمجموعة الدعم سيساعدك هذا على تجاوز تلك المرحلة، وأكملَت بداخلها: أنتِ لست مجذوبة يا حياة أنت فقط خائفة وهذا أشد وطأة.
أومأت برأسي موافقة وسألتها عن آسيا فلقد أثارني الفضول تجاهها، أخبرتني أنها توقفت عن العلاج وأخذها زوجها وسافرا خارج البلاد وستكمل علاجها هناك، كم أنه أمر قاسٍ ما مرت به أولاً أختها وبعدها تلك الفتاة التي ذُبحت أمامها.
***
مرت الأيام وشعرت بالارتياح تجاه يمان وأخبرت والدي بموافقتي وتمت الخطبة وذهبت إلى جلسات الدعم النفسي، كنا ثلاث فتيات؛ أنا وماسة ورحيل، سمعت منهن قصصًا تشيب لها الرأس من شدة الألم وعلمت أن ما أصابني أخف وطأة من ما أصابهن، واليوم كان ميعاد الجلسة الخامسة وستنضم إلينا فتاة جديدة تدعى جميلة وحين رأيتها أدركت أنها اسم على مسمى، كانت جميلة للغاية ذات بشرة حنطية وغمازتين وعينان امتزجت فيهما خضرة الأوراق الزيتونية ونضارة الأغصان البنية، لكن وجهها شاحب حزين وعيناها تتلألأ بالدموع، وأخبرتنا الطبيبة أن جميلة هي من ستبدأ هذه المرة لكي تعتاد الأمر وبدأت بالفعل وليتها لم تتحدث.
_جميلة: أُدعى جميلة تخرجت من كلية الطب العام الماضي، أعاني من اضطراب الشخصية الاجتنابية وفقدان الثقة بالنفس، حينما كنت صغيرة تعرضت لما يسمى "الختان الفرعوني" مما أدى إلى إصابتي بالتشوه و تلف في الجهاز البولي ما زلت أتلقى العلاج منه حتى الآن لكن هذه ليست المشكلة الوحيدة بل كانت نفسي التي تشوهت، فجسدي يمكن علاجه لكن نفسي ما زالت تتألم، كان والداي دائمًا يقولان أنني جميلة لهذا يجب أن يقوموا بختاني حتى لا أنحرف ولكي لا يتحدث الناس عني، أصبح جمال شكلي لعنة على حياتي لدرجة أنني كرهت شكلي واسمي، فقدت الثقة في كل شيء حولي حتى في نفسي، أصبحت خائفة من كل شيء ولا أستطيع فعل شيء، حتى أنني لم أستطع تكوين صداقات، كنت دائمًا خائفة من حكم الناس علي، كنت أفعل كل ما بوسعي لإرضائهم حتى على حساب نفسي، في مرة استطعت تكوين صداقة مع فتاة من فصلي في المدرسة وكنت أعتبرها أختي فقد كانت صديقتي الوحيدة لكنها اتفقت مع زميلاتنا في الفصل وقاموا بضربي في الفناء الخلفي للمدرسة لأنها سمعت بعض الفتيات يقولون أنني أجمل منها وقالت لي أنني مجرد فتاة مشوهة لكن لا أحد يعلم ذلك سواها لأنني أخبرتها بالأمر، حينها لم أستطع فعل شيء سوى الصمت، خشيت أن أضربها فتخبر والداي ويقومان بضربي لأن الناس سيقولون أنني غير مهذبة لأنني ضربت زميلتي، فدائماً كان همهما الوحيد هو الناس، وأصبحت مثلهم حتى أصبت بالرهاب الاجتماعي والاضطراب، فكرت في الانتحار عدة مرات وبالفعل قمت بذلك لكنهم أنقذوني، حينها قررت دراسة الطب حتى أساهم في منع الختان، وخلال تدريبي في هذه السنة قابلتني عشرات الحالات التي أصيبت بالنزيف إثر الختان آخرهم كانت فتاة في العاشرة من عمرها ماتت على يدي قبل ساعتان من الآن.
ساد الصمت بيننا بعد جملتها الأخيرة تتخلله بعض التنهيدات التي خرجت مع دموعنا جميعاً على تلك الصغيرة التي لم تحظَ بطفولتها لتموت في هذا العمر بسبب عادة خاطئة ومجتمع لغى عقله وانساق خلف العادات والخوف من الناس ولم يخش الله وهو أحق أن يخشاه.
حان دوري ولم أكن قد استوعبت صدمة حديث جميلة بعد لكنني قررت المواجهة وعدم التراجع فلقد جئنا جميعًا إلى هنا لنجد حلًا يحسن حياتنا، لذلك بدأت حديثي حيث توقفت المرة الماضية: أعتقد أنني أظلم يمان معي، يقوم كثيرًا باحتواء الأمر بحديثه أو بهدية بسيطة كالأزهار ليهديء من روعي ولكنني لا أستطيع تخطي الأمر، لا أستطيع مجابهة خوفي وتفكيري أنه يمكن أن يتغير، لا أعلم كيف أغير تفكيري، حتى أنه لاحظ تهربي من مقابلته، فكلما اتصل على والدي يستأذنه ليأتي أو ليحادثني أعتذر بحجة المرض أو أتظاهر بالنوم، لدرجة أنه فكر أنني لا أود الزواج به لشخصه وأخبرني أنه سيخبر والدي أن المشكلة تخصه وأننا لا نناسب بعضنا حتى لا يسبب لي المشاكل مع أهلي، لكنني أحبه ولا أود فسخ الخطبة، أشعر أنني بين نارين إحداهما خوفي والأخرى فقدانه ولا أعلم ماذا أفعل.
_ماسة: أخبريه يا حياة، أخبريه بكل مخاوفك وسيقدر ويحتوي الأمر ويتفهم أفعالك بل وسيشجعلك على العلاج إن كان يحبك، لا تفعلي مثلي، أنا فقدت زوجي من شدة الخوف ولأنني لم أستطع مواجهته، كلما حاول الاقتراب مني وتهدئة خوفي كنت أتذكر الطبيب والعملية وأحبس نفسي في غرفة وأبكي، كان يحاول تخفيف خوفي بحديثه ومشاركته إياي الطعام والمجلس ولطف أخلاقه، لكنني لم أستطع إخباره بشيء فظن أنني مجبرة على الزواج منه وطلقني، إن كان يحبك بصدق أخبريه عن مخاوفك وسيساعدك على تجاوزها، فنحن لا نجد من يحبنا ونشعر بالطمأنينة والأمان بجواره كل يوم.
خرجت من العيادة وكلمات ماسة تتردد في أذني،
أمسكت هاتفي في تردد لكنني تذكرت جملتها الأخيرة" نحن لا نجد من يحبنا ونشعر بالطمأنينة والأمان بجواره كل يوم" وقمت بالاتصال بيمان أخبرته أنني أود التحدث معه وأخبرني أنه سيأتي بعد ساعة، ذهبت إلى المنزل وأخبرتهم بمجيئه ودلفنا إلى الشرفة، كنت متوترة للغاية حتى أن الكؤوس التي كانت على الطاولة أمامنا اهتزت من حركة قدمي، لاحظ يمان توتري وأردف قائلًا: إن كان وجودي يوترك لتلك الدرجة سأذهب إذن ولا تخافي سأخبر والدك أنني أنا من أود فسخ الخطبة
_أردفت مسرعة: ليس هذا ما أردته، أنا لا أكرهك ولا أرفضك لشخصك كما تفكر، أنا أخاف من كل شيء حولي، أخشى الشوارع والناس وكل شيء، أخشى الرجال وأخاف من الزواج، أخشى أن تتغير معاملتك معي بعد زواجنا، لا أستطيع تقبل فكرة وجود رجل بجانبي ولا أعلم إن كنت ستتحملني أم لا، أخشى أن أظلمك معي وأنت تستحق فتاة أفضل، تستحق فتاة سوية لم تتشوه، أنا أذهب للعلاج النفسي لعلاج الأمر لكن التقدم في حالتي بطيء للغاية، كيف ستتحمل ذلك ولماذا ستصبر على ذلك وليس لك ذنب في كل هذا ؟!
_يمان بهدوء: إن انتهى حديثك فيمكنني الرد
أومأت برأسي ليردف قائلاً: أتفهم خوفك يا حياة فالأحداث حولنا لا تنم عن الخير وأتفهم واقعنا المرير الذي يفرض علينا أفكارًا وأمورًا لم نكن نضع لها بالًا، وأتفهم علاجك وصدقيني هذا ليس أمرًا يدعو للخجل، العلاج النفسي بأهمية العلاج الجسدي، أتفهم أنك مررت بشيء جعلك تفكرين هكذا وتخافين هكذا لكنني أعدك أمام الله أنني لن أضغط عليك، ستستمرين في العلاج إلى أن تتحسن حالتك وحياتك وسأكون داعمًا لك دائمًا، كما أخبرتك مسبقاً الزواج ليس مجرد إمضاء على ورقة وشخصين يعيشان في منزل واحد، الزواج مشاركة في كل شيء، إن كنت أنا مريضاً طريح الفراش كنت ستبقين بجانبي وأنا سأفعل الشيء ذاته سأبقى بجانبك حتى تتحسن حالتك وتطمئني
ومع ذلك خذي وقتك في التفكير وإن كان جوابك بالرفض أعدك أنني لن أخبر شخصاً عن السبب وإن كان بالموافقة أعدك أن أكون دائمًا بجانبك.
رحل يمان وبقيت كما أنا أفكر في حديثه ولكنني شعرت بالطمأنينة من تفهمه للأمر وقررت أن أوافق وأخبرته بذلك.
***
مرت ستة أشهر وتحسنت حالتي قليلًا خاصة بعد زواجي بيمان فلقد كان نعم الزوج ونعم السند، كان يدعمني دائمًا ويتابع علاجي حتى أنه من أصبح يوصلني إلى العيادة بنفسه وينتظر في السيارة حتى أنتهي، وفي يوم بعدما أوصلني يمان إلى العيادة سلمت على الفتيات ولاحظت غياب جميلة، أخبرتني الفتيات أنها ذهبت إلى عملها لأن هناك حالة طارئة واستدعتها المستشفى، جلسنا جميعاً وبدأت كل منّا تروي قصتها من حيث توقفت حتى أتاني اتصال من أهلي يخبرونني أن آتي للمستشفى لأن أختي في حالة خطيرة خرجت إلى السيارة مهرولة وأخبرت يمان ليسرع إلى المستشفى، وما أن وصلت حتى وجدت والداي في حالة انهيار وبكاء وعلمت من أختي الكبيرة أنهم كانوا يختنون أختي وحدث لها نزيف فقاموا بنقلها إلى المستشفى، وحينما خرجت الطبيبة وجدتها جميلة اقتربت منها وقلبي يكاد يخرج من مكانه، أنظر إلى عينيها دون أن أتفوه بحرفٍ واحد وأتوسل إليها ألا يكون ما أخشاه قد حدث، ربتت على كتفي والدموع في عيناها قائلة: سامحيني، نزفت كثيراً ولم أستطع إنقاذها، البقاء لله.
لم أشعر بنفسي سوى وصرخاتي تملأ المستشفى ويمان بجانبي يضمني ويحاول تهدأتي دون جدوى، نهضت من الأرض بجمود وذهبت ناحية جميلة أخبرتها أن تتصل بالشرطة، حاولت أختي الكبيرة منعي ودفعتها وقعت أرضاً في صدمة من رد فعلي وأنا أصرخ بها لو أنني فعلت ذلك مسبقاً لكانت أختي على قيد الحياة، ليتني أبلغت عنهم مسبقًا، ليتني لم أخف، هل هذا ما كنتم تودون فعله، هل ارتاحت نفوسكم المريضة الآن، هل حافظتم على شرفكم بموتها، لن أسامحكم، لن أدعكم تنعمون بحياتكم بعدما قتلتموها.
خارت قواي ولم تعد قدماي تحملانني فوقعت أرضاً وجميلة ويمان يحاولون تهدئتي وأنا أحدثهم باكية: أنا الآن فقط أشعر بما شعرت به آسيا، الآن فقط أتفهمها وأتفهم حالتها، لم أستطع إنقاذ أختي منكم، أنتم من أخطأتم وهي التي دفعت الثمن، وأي ثمن، فتاة في الثالثة عشر من عمرها فقدت حياتها بسبب جهلكم وعاداتكم فقدت حياتها لأن خطأها الوحيد أنها ابنتكم، حسبنا الله ونعم الوكيل لن أسامحكم مهما حييت.
نزل يمان ليكمل إجراءات المستشفى وجائتني جميلة تسألني للمرة الأخيرة إن كنت أود الإبلاغ عنهم، نظرت إلى والداي وجدت والدي ساكناً لا يتحرك يجلس القرفصاء ويضع رأسه بين يديه في مواجهة قدمه ولا يظهر منه سوى شعره الأبيض، ووجدت أمي تبكي وهي تحاول إزاحه يده حتى ينظر إليها وتقول له: هيا انهض سنأخذ صغيرتنا لنشتري لها هدية، اليوم عيد ميلادها هيا بنا لا تدعنا نتأخر، نظرت لهم أختي في صدمة وهي تقول لأمي: ماذا تفعلين يا أمي ماذا تقولين
_أجابتها قائلة: سنشتري هدية لبشرى اليوم عيد ميلادها، هيا أخبريها أن ترتدي ملابسها، بشرى، يا ابنتي هيا سنذهب لتختاري هدية عيد ميلادك، هيا يا ابنتي استعدي، هيا يا أمين لماذا لا تنهض
اقتربت أختي من أبي وجدته ساكنًا ودب الرعب في قلبها لتبعدها جميلة وتقوم هي وأحد الممرضين بوضعه على نقالة لتقيس نبضه وتجد أن قلبه توقف، يا لفجاعة الحياة، أختى وأبي في آن واحد لم أستطع استيعاب الصدمة، وقفت بجواره أحدثه أن ينهض، أرجوك انهض لن أبلغ الشرطة، لن أفعل شيئاً لكن أرجوك لا تتركنا، نهضت أمي وهي تبتسم وتسألنا: أين أمين؟ لماذا لم يستعد إلى الآن ؟ وأنت لم تقفين هنا ألم أخبرك أن تقومي بوضع الزينة، اليوم عيد ميلاد أختك، وأين بشرى، جاء يمان وما أن رأي الغطاء على وجه أبي فهم ما حدث وحاول تهدئة أمي وأن يجعلها ترى أبي لكي تستفيق من صدمتها لكن الصدمة أنها لم تعرفه وظلت تتسائل عنه وعن بشرى وأنا وأختي في حالة من الصدمة، لقد جُنت أمي ومات أبي وأختي، كلها صدمات متتالية في آن واحد لم أشعر بنفسي وآخر ما رأيته كان ضوءًا أبيض قبل أن أغمض عيناي، أخذ يمان جثمان أختي وجثمان أبي وذهب مع رجال العائلة لدفنهما وكأن روحي دفنت معهما، ودخلت أمي مصحة للعلاج وأصبحت أزورها كل يوم أنا وأختي تارة تتذكرنا وتارة لا تعرفنا، أصبحت حياتي واجمة وتدهورت حالتي بعدما تحسنت وعدت للعلاج مرة أخرى ولولا وجود يمان وهو يخفف عني وجلسات العلاج لكنت لحقت بأختي منذ وقت طويل، هم من يفعلون الجريمة ونحن من نعاقب مدى الحياة لكن هذه المرة كان جزاؤهم قاسياً جدا على قلوبنا، ينتهكون أجسادنا بحجة الوصاية علينا ويدمرونها ويدمروننا معها، كانوا يظنون أنهم يعففننا بالختان لكنهم قاموا بقتلنا أحياء، ومن نجا منا بحياته عاش مكسورًا مشوهًا مفطور القلب على من قُتل.



تمت بحمد الله
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.