Darebhar

شارك على مواقع التواصل

كانت تسير بثوبها الأبيض على الشاطئ أمامه بينما تحزم الشمس حقائبها للرحيل لتغادر ساحة السماء، يلتف حول عنقها قماشة حريرية بيضاء، يداعب الهواء خصلات شعرها الغجري ليتطاير هنا وهناك لتختفي فجأة ويظهر صوت يحدثه:
- مهما كان الشخص نقي الروح فستؤثر عليه اللعنة ليُصبح الموت بذاته يومًا ما.
التفت خلفه حيث ذاك الصوت ولكن لا يجد شيء وبينما كان صاحب الصوت يكمل:
- رُبَّما تتغير الأدوار فلا تصدق كل ما تراه هنا ولا تصدق كل ما أقوله لك، لن أترك لك باب الحقيقة مفتوح تحول الشاطئ الذي يقف على رماله إلى جزيرة تحاصرها المياه مِن جميع الاتجاهات لم يكن يفهم ماذا يحدث؟! وكل مدى تبتلع المياه جزء مِن الجزيرة لِتقترب منه أكثر فأكثر وهو يلتفت في كل اتجاه وقلبه يعتصر مِن الخوف والصوت يكمل:
- ولكنك يجب أن تعلم أنَ يوم الصراع الأكبر هو اليوم الذي ستخرج فيه الحقيقة مِن عرينها وتندلع أمام عينك لِتَعلم مَن وراء هذا كله! غمرت المياه الجزيرة بأكملها وابتلعته.
****
داخل غرفه جدرانها رمادية، شديدة الفوضى، أثاثها بنّي بسيط مرَّ عليه عشرون عامًا، لا زال يحتفظ بمظهره الأول فوق سرير تبعثرت عليه كتب "لحضارة المايا" و"جزيرة القيامة" و"حضاره الأنباط" وتفسيرات ما قبل الطوفان العظيم وما بعده ونظريات وجود "أطلنطس" و"لوميريا" و"تاريخ بابل وقصة سحرتها" في كل أركان السرير، دخلت امرأة في أواخر الأربعينات رُسم على وجهها تعابير سخط مِن سيناريو كل صباح:
- يوسف إنها المرة الخامسة لن أيقظك مرة أخرى
رُسم على وجهه النائم تعبير الخوف لِينتفض مِن نومه شاهقًا كان يلهث وأمه تعيد ترتيب أوراقه وكتبه المبعثرة على السرير وتلك الكتب التي أوقعها وهو نائم:
- كابوس أخر!
- نعم.
- مِن المؤكد طالما تقرأ تلك الخرافات والأسحار لن تنعم بنوم هادئ أبدًا!
- إنها ليست خرافات هذا تاريخ.
- التاريخ خرافات.
- اتركيهم سوف أرتبهم أنا.
- لن تفعل شيء.
- سأرتبهم حينما أعود.
نظرت إليه بخيبة أمل تلك النظرة التي اعتاد عليها كل صباح كانت نظرتها ممزوجة بصوت مذيعة إحدى القنوات الإخبارية على التلفاز الذي تركه مفتوحًا ليلة كاملة، يرفع رأسه لأعلى لِينهض ويجلس قليلًا على السرير ويمسح بيديه على وجههِ وينظر إلى الأسفل ليرتدي نعله كان فتى في العشرين مِن عمرة لديه عين بنية وأخرى تبرية مائلة إلى لون الذهب مثل أبيه بدنه رفيع وقامته طويلة، شعره فحمي شديد السواد، رفع رأسه لينظر إلى صورته حينما كان صغيرًا مع أبيه فيأخذ شهيقًا ويزفره، لقد اعتاد اشتياقه له، وقف ليبدأ يومه وكأن شيء لم يكن، اغتسل ثم بدل ملابسه وأخذ حقيبة ظهره ليضع بها كتاب يتحدث عن "ماذا لو لم تتجدد الحياة بعد الطوفان" ولكنه لا يجده على السرير أخذ يزيح الكتب في مكان واحد ليسحب غطاء السرير ولكن لا شيء أعاد الكتب لبعثرتها وألقى بغطاء سريره فوقها أمسك بهاتفه في حنق لأنه لن يجد شيء يقرأه أثناء ثرثرة دكاترته بالجامعة فرأى كتاب يعلو كومة كتب أُسندت في ركن مِن أركان الغرفة يتذكر هذا الكتاب أنه كتاب يتحدث أيضًا عن الماضي السحيق لم يكمل قرأته لم يجد له عنوان ولكنه نُحت على غلافه الجلدي سيف داخل حجر سداسي غير منتظم وحول السيف نحت عشره أوراق في شكل دائري، أمسك به وأزاح الغبار عن غلافه ووضعه في حقيبته وحملها على ظهره جاء صوت أمه من الأسفل:
- يوسف الفطور.
- قادم.
يخرج مسرعًا لِينزل على الدرج الخشبي نظر إلى أمه وهي تحمل الخبز لتدير وجهها وتذهب إلى طاولة الطعام في منتصف البيت:
- هيا لتأكل
جلسوا على الطاولة:
- حُددت مواعيد اختباراتك؟
- نعم.
- متى؟
- الأسبوع المقبل... كيف عملك؟
- لدينا عمل كثير في المشفى الفترة القادمة ومِن المحتمل أن أقضي الليلة هناك فَلدينا بعض الحالات المتأخرة وتحتاج لعمليات سريعة.
- حسنا.
- إذا فَخالد سيبِت معي الليلة
تنظر إليه لأنه يعلم أنها لن توافق ليبتسم مداعبًا فتقول:
- حسنًا ولكن لا تطلب مني هذا الأمر مرة أُخرى
ثم نظرت في ساعتها:
- لقد تأخرت سنكمل حديثنا لاحقًا وداعًا
- وداعًا
أخذت معطفها وكادت أن تخرج لولا صوته:
- لقد قابلت عم إبراهيم صديق أبي تتذكريه؟ كانت تمسك بمقبض الباب ليكمل:
- سألني عنك وعني وحكى لي بعض مِن رحلاته هو وأبي وقال لي أنه كان غريب في أواخر أيامه حتى أنه سألني على سبيل الهزار "ألم تعلموا كيف مات حتى الآن" ولم أستطع إجابته وحكي لي عن أخر شجار بينهم كان بسب ترك أبي لعمله دون سبب واضح وسألني إن كان قال أبي لي أو لكي شيء حيال هذا الأمر أيضا لن أستطع أن أجاوبه، قالت في ثبات وعينين لامعتين وهي تنظر إلى مقبض الباب:
- لا يهم الناس
- حتى أنا جهلي بهذا السؤال أصبح يزعجني ظلت ثابتة فأنهى طعامه ليصعد إلى غرفته نظرت إليه وهو يصعد لتبتسم بسخرية وتفتح الباب.
****
جلس على سريره ينظر إلى صورته مع أبيه حتى قاطع تفكيره صوت التلفاز الذي نسي أن يغلقه البارحة ليجد تقريرًا يُنبئ عن ارتفاع حالات الوفيات في العالم بشكل مهول ثم اختفى التقرير وظهرت إحدى المذيعات لتقول بلهجة شامية "يبدو الأمر عاديًا في اللحظة الأولى ولكننا إذا نظرنا سنجد أن هناك شيء واحد مشترك بين آلاف المتوفين وهو أن أجسادهم تتوقف بشكل مفاجئ وبعد ليلة أو ليلتين يموتون مثال هذا فيديو لأحد الأشخاص كان على وشك أن يصعد إلى إحدى الحافلات في الدولة العربية الشقيقة مصر وبالتحديد في محافظة الجيزة ثم فجأة توقف وكان إحدى قدميه داخل الحافلة والأخرى على الأرض أخبره السائق أن يصعد أو ليُزيح قدمه ولكنه لم يستجب كما قال كل مَن بالحافلة أنه ظل ساكنًا وكانت عروق جسده منتفخة وعينه يكسوها الحُمرة حاول أحد المارة أن يهزه فلم يستجب حاولوا حمله بعيدًا لتتحرك الحافلة فلم يستجب ثم وفي النهاية ظن الناس أنه ساحرًا فتحركت الحافلة وظل هو معلق بينها وبين الأرض وإحدى قدماه تحتك بالأرض توقف سائق الحافلة عندما رآه على نفس وضعه لم يفهم ماذا يفعل وأخذت الهمهمات تعلو وضجيج الأسئلة تتطاير داخل الحافلة حتى اختفت حمرة عيني الرجل وسحب قدمه مِن الحافلة وذهب بعيدًا ولم يفهم أحدهم ماذا حدث، لم تقتصر تلك الحالات على مصر فقط، بل في مختلف الدول وعندما تكرر الأمر مع الآلاف وانتشار مثل تلك المقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي مِن "فيس بوك وتويتر" تحرك الأطباء والجهات المختصة لكي تنظر في هذا الأمر ولكن حتى تلك اللحظة التي نحدثكم بها سادتي لم تتوصل أية جهة إلى سبب أو دليل علمي يوضح ما حدث، كما أنه صرحت جهات أخرى أن تلك المقاطع المصورة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي حقيقية وليست مزيفة كما ادعى الكثيرون..." قاطع صوت المذيعة جرس الباب كان صديقه يقف أمام الباب منكس الرأس يضع يده في معطفه الجلد لِيَنظر إليه معافر مع فمه الذي بدا عليه أنه لم يتحرك مُنْذُ أيام ويقول في صوتٍ خافت:
- كيف حالك لينظر يوسف إلى هيئته العليلة وإلى عظام وجهه التي بدت كل تفاصيلها لسوء التغذية ويبتسم ابتسامة عابرة:
- بخير، لينزاح عن الباب وأشار له أن يدخل فقال خالد:
- سنتأخر هكذا هيا.
- حسنا سوف آتى بحقيبتي
صار الاثنان وفي طريقهما إلى الحافلة كان كل منهما شارد، كان يوسف يود أن يهون على صديقه ولكن لا يعلم كيف، فهو وحيد لم يكن لديه أحد سوى أخته الذي فقدها مُنْذُ شهرين كان على وشك قول شيء له، ولكن جاء صوت بداخله أن يتركه ويجعله يتعافى مِن حزنه كما يشاء، أحيانًا المرء يحتاج أن يكون وحده ولكن مع أحدهم! شخص يسير بجانبك يكون مستمعًا جيدًا عندما تثرثر، ويحترم رغبتك في بعض الهدوء يحاول أن يمدك بالطاقة، لا يفعل شيء سوى أنه لا يتركك مهما تمنيت الوحدة، فسيظل وجود أحدهم مصدر للأمان ولو كانت الأحاديث بينكم صامتة! ركب الاثنان الحافلة فأنزل يوسف حقيبته وجلس على المقعد بجانب النافذة ووضعها على ركبتيه، نظر إلى خالد الذى وضع سماعات أذنه وغاب عن العالم بين ألحانه ظل ساكنًا يراقب الطريق وهو يمضي، يتذكر يوسف بعض الذكريات القليلة التي يتمكن مِن استرجعها مع والده كان الأمر يؤلمه ولكن في الخفاء، لم يكن لأحد يعلم أن فراقه لوالده مُنْذُ تسع سنوات لا زال يؤلمه حتى الآن، توقفت الحافلة واستقل سيارة أجرى لتقوم بتوصيلهم إلى الجامعة، هكذا كان يفعل خالد بعد حادث أخته يسلك كل الطُرق قليلة الاحتكاك بالبشر، وصلا إلى وجهتهما ونزلا مِن السيارة وكان كل منهم في كلية مختلفة عن الآخر ولكن في نفس الجامعة عندما دلف الاثنان إلى الجامعة وجدها يوسف على سلم الجامعة في ركن هادئ كما اعتادت دومًا، تمسك بدفترها وتخط رسمة جديدة بقلمها الفحمي وشعرها الأسود يتدلى على وجهها ليخفي بعض ملامحها تهزه الرياح هزات طفيفة كان لعينيها الأسبنليتين سحر خاص على روحهِ كانتَ معتمتين كالليل، كانت "ليل" تسحره بهدوئها كان يحب أن يختلس النظر إليها دون أن يلاحظ أحد كان في كل مرة يراها بها يرى شبح الحزن في عينيها، لا يعلم إن كانت روحه المُنطفئة تحب أن تجاور اِنطفاء روحها أم أنه يميل لها حقًا، كان مع صديقه في نفس الكلية فكان يحب أن يخرج مِن كليته مسرعًا؛ لينتظر أمام مبنى كلية صديقه ليراها وهي خارجة خاصة وأنها مع خالد في مدرجات بعض المواد، انتهى اليوم وبدأ ازدحام شوارع المنصورة بخروج الطلاب الجامعيين والمدارس عصرًا، وكانت تلك ساعات الزحام المعتادة كل عام دراسي، أخبره خالد أنه لا يود أن يعود إلى منزله الآن وأنه يريد السير قليلًا، فعرض عليه يوسف أن يذهبا ليجلبا كوبين مِن القهوة ويتمشيا وكان ذلك بالفعل، طال السير والصمت في بداية الأمر حتى اقتربت ساعة المغيب كان خالد بدأ يتحدث قليلًا وظلا يسيرا حتى تعبا، انتظرا أي وسيلة مواصلات تنقلهما إلى بيتهما وأن تقصر المسافة حتى أتت حافلة وصعدا، التزم خالد بالصمت مرة أخرى فأخرج يوسف كتاب الحضارات الذي لم يكمل قراءته وكان على وشك أن يبدأ مِن مكان وقوفه ولكنه تفاجأ أن الكتاب فارغ مِن الأحبار! فظل يقلب يده بين صفحاته فلم يجد شيء، فأغلق الكتاب وتمعن في غلافه جيدًا فوجد كلمات كُتبت فوق الرمز الذي نُقش عليه لم ينتبه إليها مِن قبل بل بعد أن استرجع شكل الكتاب في أول مرة أمسك به؛ ليقرأ ما يحتويه لم يكن على غلافه ولا كلمة قراء تلك الكلمة ليتوقف العالم مِن حوله للحظة تتسع بها حدقات عينه لترى ما عجز البشر عن إدراكه، ينظر إلى يده ليراها ساطعة البياض يخرج منها نور لونه أرجواني ليرى تواريخ ترسم على يديه بقلم لا وجودي يتغير بسرعة كانوا كثريين لا يلمح منهم سوى رقم أو رقمين، يقرب يده إلى وجهه أكثر يود أن يغلق عينيه ولكن هناك شيء يمنعه، يشعر أنه فقد السيطرة على عينيه يقرب يده أكثر فأكثر حتى تختفي الأرقام والتواريخ غير المألوفة؛ ليُرسم على يده أفعى "ألكوندا" وفمها فُتح على مصرَعيه ينظر إليها ويتمعن في تفاصيلها لِتَخرج هذهِ الأفعى كما لو كانت حقيقية مِن يديه نحو عينيه لِتَدخل بها أسرع مِن مسارات الضوء وكأنها ابتلعته ليُصبح بداخل الأفعى أو بداخل عالمها، تُرى كيف عالم الأفاعي؟ اختفت الطرقات والمقاعد ووجد نفسه واقفًا داخل غرفة سوداء ليرى صورة مشوشة لغرفته بعد مسافة ليست ببعيدة يقترب مِن تلك الصورة؛ ليلمسها ثم يجد نفسه داخل غرفته بالفعل ينظر إليه وهو يلتقط هذا الكتاب اللعين يحاول أن يتحسس هذا الشخص الذي في الغرفة -نسخته- ولكن كل شيء يختفي ويظهر الظلام مرة أخرى ينظر إلى جسده ويلتفت حوله هنا وهناك في خوف، وهو يلتفت وجد باب يخرج منه ضوء أبيض تجاهه ثم يزداد الضوء توهجًا فيرفع يده اتجاه عينيه ليحميهما مِن شدة الضوء الذي ازداد أكثر فَابتلع جسده، أنزل يده وفتح عينه ببطء فوجد نفسه على المقعد في الحافلة مرة أخرى، لينظر إلى يده وجسده في رهبة يتطلع حوله لا يجد أحد لا خالد ولا مَن كانوا في الحافلة ليرتقي بنظره إلى النافذة ليرى ما هو أغرب، أوهام الماضي تلك الأشباح التي تلاحق مَن يمتلك هذا الكتاب "ماضي كاستونا"، يري صورة لغرفة ما عالية الشفافية على زجاج النافذة لِيقترب منها ويحملق بها جيدًا فتتوهج النافذة وتتحول الأوهام إلى واقع لِينظر حوله ويجد نفسه داخل هذهِ الغرفة التي رآها لِتوه، كانت الأرض تميد تحت قدمه أمسك برأسه واعتصر عيناه لكثرة الآلام الذي شعر به فجأة لتميد قدمه يمين ويسار وهو لا يرى شيء فيستند على بعض صناديق خشبية لتقع به فيقع على ركبتيه، فيفتح عينه ويفحص المكان بعينه ولازالت الرؤية مشوشة مِن أنين عقله وقلبه يخفق ويعصر في صدره ليلتقط أنفاسه بصعوبة ليأتي رجل غريب يقترب منه، وقف يوسف وراقبه وهو يقترب ثم يختفي كل شيء مِن حوله مرة أخرى حتى لا يرى سوي هذا الرجل، ليسأل: مَن أنتَ؟ وماذا يحدث؟ ليبتسم ساخرًا، لم يترك للفتى مجال للحديث رفع يده وابتسم في غرابة ثم ظهر ضوء مائل إلى الحُمرة وقَذف يوسف بعيد حتى كاد أن يرتطم بالأرض فأشار بيده إلى جسده فثبت مكانه وكأنه تجمد، قبض يده وسحبها لأعلى لتخرج روح يوسف مِن جسده كأنه جسد آخر هُلامي ترى الأشياء مِن خلاله مُطابق لذلك الجسد المُتجمد وتلك الملامح المذعورة يطفو على بعد قريب مِن الأرض، كانت روح يوسف ساكنة تمامًا وكان جسده ثابتًا في الهواء على وشك الاِرتطام بالأرض ظل طيف يوسف الهلامي مُعلق في الهواء كان جامدًا لا يستطيع الحركة بدأ هذا الغريب في تمتمة كلمات غريبة كانت عينيه مثبتة عليه لا يستطيع أن يحرك بصره، وفجأة بدأت قوائم ذلك الشخص بالامتداد ونبت فوق جسده ريشًا رمادي كثيفًا في أقل مِن ثلاث ثوانٍ لتتمزق ملابسه وتنتفخ عضلاته وينتفض جناحاه وقد بدأ بالارتفاع، فنظر إلى هيئة يوسف الجديدة واتجه نحوه فتحرك يوسف بجسده الهُلامي ومكث فوق ظهر ذلك الطائر ليحلق في السماء بسرعة فائقة.
****
"يوسف"
لحظات بين السحابِ، يقف ليقلل الطائر مِن سرعته ويتجه للأسفل بسرعة هائلة فاقت سرعة المذنبات حتى قلل مِن سرعته عند الاقتراب مِن الأرض، ليتقلص حجمه ويختفي هذا الريش والمخالب ومنقاره المقوس ورقبته كثيفة الشعر تحول تمامًا لأرى ذلك الغريب أمامي مرة أخرى لا أعلم لماذا أنا أطفو في الخلاء وهو يسير على الأرض، يتجه نحو هذا البيت الصغير، حاولت مرارًا أن أحرك قدماي أو أن أغير اتجاه بصري ولكنى لم أستطيع بل لا أشعر به، كنت مثل هذا الببغاء الذي يتبع سيده أينما ذهب، دخلنا أنا وهذا الشخص البيت الذي ظهر أمامنا... لا أدري ولكنني في هذه اللحظة كان قلبي عاجز عن استنشاق روحي التي لطالما أرادت أن تكون مع هذا الشخص، قلبي الذي لم يستطيع نسيانه أبدًا، دخلت أنا وهذا الغريب البيت كانت هذه الغرفة التي رأيت بها هذا الشخص مُنْذُ دقائق على لكن الآن أنا أرى ملامح البيت في صورة مرتبة وهناك مَن يجلس على طاولة خشبية بجانب الصناديق التي ارتطمت بها، يعبث ببعض الأوراق يدون القليل مِن الكلمات رموز كثيرة ومعرفة قليلة!... مهلا إنه يضع نفس الكتاب على الطاولة، ما هذا الصفاء الذي أنا به لماذا لست قلقًا، خائفًا، وكأنني اعتدت أن تُسحب روحي من جسدي كل يوم! لنقترب منه رويدًا رويدًا ليلتف جسدي الهلامي أو روحي رُبَّما لأرى وجهه -أبي- خاطرت بها ذاتي داخل عقلي ليأتي الغريب ويقف بيني وبينه وكنت أحاول أن أتحرك لأرى أبي بدأت أغضب وصحت داخل عقلي، ولكن ما بك أنت... ابتعد وكان غضبي يتزايد لعدم قدرتي على الحركة قال في هدوء وكأنه يستطيع سماعي:
- لقد انتهى وقتك هنا نحن لن نريك كل هذا عبثًا يا فتى أعتقد أنك علمت الآن مَن سيساعدك على النجاة، تذكر كل ما حدث لك هنا حتى لا تموت عندما تعد ولا تبوح به لأحد رفع يداه الاثنتين إلى أعلى وقد هبت رياح أخفت البيت وأبي، أصبحت عين الرجل فجوتان معتمتان ليملأ صدره بالهواء:
- يا ملك "كاستونا" أنا ملك أحد أبعادك أطلب منك أن تُبعد ثعبان موتك عن روح هذا الفتى.
لا أعلم ماذا حدث اهتزت الأرض والكوخ كل شيء ليخفض يده فتنتهي هذه الاهتزازات ثم اقترب مني وأغلق عينيه ليفتحها وقد أصبحت أكثر اتساعًا لأرى هذا الرمز الذي على الكتاب يتوسط مقلتي عينيه التي أصبحت فارغة سوى من بعض الظلام داخلها، لم تكن ملامح وجهه توحي بالسرور أبدًا أشتهي الموت الآن وبشدة، أود أن أركض لا أستطيع أن أتوقف عن النظر إليه ولكن لا أستطيع، شعرت بشيء يدور حولنا وبسرعة أبتعد قدمين إلى الوراء لأجد أننا في وسط إعصار رمادي تزداد سرعتها ثقبني بنظرة لا تقل رعبًا عما سبقتها:
- نحن المتحكمون في كل شيء في عالمك.... لا تحاول العبث معنا إن لم تعطنا ما في جوف كتابك سنبيد جنسك كما فعلنا مع الأجناس الأخرى التي حاولت عصياننا... الآن شبح الموت يحلق فوق أرضك لا تجعله يغزو عالمك
انتفضت عضلاته مرة أخرى وتضخمت عروق وجهه ونمى ريشا رماديًا ليغطي جسده، ضرب بجناحيه العظيمين الأرض، ليخرج من فوهة ذلك الإعصار ليضيق عليّ وأشعر بشدة دورانه أكثر فأكثر كلما يقترب ذلك الغبار الرمادي مني، يدفعني لأعلى، بصقني الإعصار خارجه لأجد نفسي خارجًا من البيت بالأرض بالكون! وفجأة أصبحت أتحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء بجانب الآلاف إن لم تكن الملايين مِن النجوم والكواكب ثم توقفت لأجد سواد مرة أخرى كأن أنسجتي تتمايل في بحر من اللاشيء ووسط هذا الفراغ وجدت جسدي معلق كما هو وحوله عتمة موحشة ثم وجدت مَن يقذفني لأرتطم في جسدي فانتفض مثل سمكة أخرجه من الماء لتوها.... لأجد نفسي ملقيًا على الأرض رفعت رأسي فوجدت الصناديق التي ارتطمت بها مثل ما هي فوق بعضها أقف أمام هذا الجثمان المقتول في ثبات الله وحده يعلم كيف لي بهذا الثبات، لأسمع الباب يفتح ليدخل أبي مرة أخرى يسرع عندما يرى هذا القتيل ليمر مِن خلالي وكأن لا وجود لي لأرى كل هذا يختفي من أمامي وسواد مرة أخرى لأرى هذه الأفعى مرة أخرى تقترب حتى لتمر مِن أمامي فأجد على جسدها الذي تحول فجأة وكأنه شاشة سينما تعرض على فيلمًا لكائن ذا جسد أزرق يمتلك أربعه أطراف اثنين منهما قوائم ورجل آخر لديه شعر ولحية بيضاء ويمتلك عينين صفراوتين وبشري مثلنا يمتلك زعانف على جسده المائل إلى الخضار ويتحول مثل ذلك الرجل إلى طائر وآخر هيئته عملاقة وجسده مثل الصخر يمتلك مخالب مميته ونابين حديديين بارزين من فمه وثلاثة بشريين يتقاتلون جميعًا في معركة طاحنة ثم سمعت مَن يهمس:
- أنت... المختار لا تتبعها لا تجعلنا نثور عليك.
ثم اختفى الصوت لثواني وعاد مرة أخرى.
- لا تفقد "كاستونا" فهي ستعود إليك مرة واحدة.... مرة واحدة فقط ثم بدل من أن تكون الملك ستكون مِن مَن لعنتهم.... لا تدعها تلعنك أنت الآخر...... ستقتل، ستقتلون أقسم أنهم لن يرحموا بني جنسك لا تفشل
ثم وجدتني بشكل مفاجئ جالس على الكرسي في الحافلة لأجد الطريق يمر والناس تسير والسيارات تتوالى ما هذا الذي أعيشه! لماذا لا أستيقظ؟! لا أعلم ما الذي حدث لي لقد تسمر جسدي وفتحت حدقات عيني على مصرعيها من الرهبة ونهش الخوف قلبي رأيت هذا الغريب مرة أخرى لا أعلم متى دخل إلى الحافلة التي كانت خالية من الركاب لكنه يقترب ويقترب حتى أصبح أمامي مباشرةً، ليقترب مني فأتكور على نفسي وألتصق بزجاج الحافلة، تتسارع دقات قلبي وكأنه يريد أن يكسر ضلوعي لشدة النبض أنفاسه أشعر بحرارة أنفاس الزفرة حتمًا سأموت لأغمض عيني بقوة وأفتحها على صوت خالد لأرى كل شيء على طبيعته وكأنني كنت أحلم أتلمس الزجاج وخالد حتى يدي لأزفر بخلاص ما هذا الذي كنت فيه!!
- يوسف أنت بخير؟
- ماذا؟ نعم... نعم أنا بخير
- تبدو كمن شاهد كابوسًا وأستيقظ لتوه
لأنظر إلى النافذة وأحدق بها وعاد خالد إلى ألحانه مرة أخرى كنت أخبر عقلي أن كل هذا حلم لا أكثر وأنى غفوت وكل هذا بسبب الكتب وأثارها، لقد أيقظت النصف الأيمن من عقلي على أن أخذ هدنة مِن هذا النوع من الكتب وأقرأ شيء أكثر عقلانية توقفت الحافلة وها هي محطتنا، ليقف خالد وينظر إليّ.
- هيا
جاء صوته ليخرجني مِن شرودي نظرت إليه وأومأت برأسي ثم أغلقت الحقيبة ونظرت إلى النافذة مرة أخرى لأري هذا الرمز الذي كان على يدي مجددًا لتبدأ عيني في الاتساع مجددًا وتبدأ أن تختفي أصوات الزحام في أذني ليأتي صوت خالد مرة أخرى بقوة:
- يوسف
نظرت إليه كان أمام باب الحافلة وقفت وحملت حقيبة ظهري نزلنا أنا هو وسرنا في الشارع متجهين إلى منزل خالد الذي يبعد مسافة شارعين عن منزلي ثم شعرت بأحد يهمس:
- لم يكن حلمًا يا فتى التفت يمينًا ويسارًا لأرى صاحب الصوت ولكني لم أجد أحد! لاحظ خالد التفاتي للوراء فنظر هو الآخر ثم قال:
- ماذا هناك؟
- أقلت شيء؟
- لم أنبس ببنت شفه
- حسنًا عد أنت لمنزلك أود أن أشترى بعض الكتب
- أ آتى معك؟
- لا أنا سأذهب لا عليك
تركته وبدأت أسرع في خطاي وأنا أسمع هذا الصوت بداخل يردد تلك الجمل ووجدتني أهز رأسي كمن أصابه نوبة تشنجية وبدأت أسرع أكثر فأكثر حتى وصلت إلى ممر جانبي مسدود مخفي عن الأنظار لم يكن به سوى بابًا معدني، نظرت خلفي فوجدت خالد يمضي وقد سلك طريق بيته دخلت ذلك الممر ثم أنزلت حقيبتي عن كتفي وأخرجت ذلك الكتاب وتفحصته بعيني جيدًا ثم أخذت أقلب في صفحاته لم أجد شيء كان كتاب يتحدث عن تاريخ بعض الحضارات المخفية بدون عنوان كما كان في أول مرة عندما أخذته من بين أدراج أبي أسندت ظهري إلى حائط أحد الأبنية الشاهقة وألقيت بالكتاب بعيدًا في غضب ضممت ركبتاي إلى صدري وأسندت رأسي عليهم وتمتمت
- ماذا يحدث؟!! ثم رأيت ضوء ما أمامي فرفعت رأسي لأجد هذا الكتاب الملعون قريب مني كثيرًا وكأني لم ألقى به مُنذُ لحظات! مثبت على إحدى صفحاته رغم شدة الهواء ينبعث منه أنوار تبرية ألون نظرت بداخله فوجدت رسمة لقاعة كبيرة وضع بها تسعة أحجار مصطفين كدائرة، ثم قلب الورقة ليظهر ممر اصطف على كلا جانبيه ثلاث بوابات بيضاوية وأخرى في نهايته ثم قلبت الصفحة ورأيت جدار شاهق نحت عليه الكثير من النصوص بأحرف غريبة، ثم قلبت الصفحة مرة أخرى ووجدت رسمة لتميمتان واحدة لازوردية والأخرى زمردية، كانت تلك القلادة الزمردية الخضراء مألوفة بالنسبة إلى ثم قلبت الصفحة لأجد صورة لعشرة أشخاص ذوات هيئات مختلفة كانوا هؤلاء من رأيتهم على جسد الأفعى وكأنهم مِن أجناس وكواكب أخرى! يقفون حول حجر كبير في خشوع وكان بينهم ثلاثه بشريين ولكن أشكالهم متباعدة كل البعد عن بعضهم ثم أغلق الكتاب وشعرت برغبه في أن أعود إلى مكتبة أبي.
****

"عندما يجتمع الماضي مع الحاضر ليحددا مصير المستقبل"

فوق أحد المحيطات الشرقية يحلق رجُل غريب يرتدي معطف بني ثقيل وقبعة سوداء وخلفه رجل في بدايات العقد الرابع من عمرة علي ظهر طائر كبير جسده أبيض، وأطرافه سوداء داكنة، جناحيه يكاد أن يصل طولهما حوالي خمسة أمتار يحملان حقيبة سوداء كبيرة بعض الشيء يتجهان نحو قمة ثلجية بسرعة فائقة، يميل جناحي الطائر يمين ويسار ليحني ظهريهما ولتلتصق ضلوعهما بظهر الطائر ليتجنبوا برودة الهواء وقوة الاصطدام كي لا يسقطان من شدة الرياح تمر الدقائق...
****
بعد ثلاث ساعات مِن التحليق في هذا الطقس المتقلب كنا على وشك الوصول إلى "قمة إيفرست" تسألت بنبرة مترددة بعض الشيء:
- أنت مطمئن لهذا المكان؟
- نعم... لقد بحثت كثيرًا ولا أحد يعلم بوجود هذا المكان داخل الجبل هنا ولا أحد يفكر أن يصعد هنا فسيموت حتمًا كان يتحدث بالعربية الممزوجة باللّهجة الأجنبية المعروف فليس بسهل أن يتقن لسان أعجمي العربية
- أنا قلق فلقد انتهي الأمر منذ حوالي مئتي عام وإذا عُرف فسنموت.
لا تقلق، ثم أنه أنت من أخبرتني بما رأيت في رحلتك الاستكشافية في ماريانا تلك فهدأ قليلًا
- حسنا... ولكن سنعرض حياة البعض للخطر
- أسمع لا تأتي الآن وتتراجع أنت من بدأت وأقحمتنا في هذا، إذا لم تريد أن تأتي معي سوف أعدك من حيث أتيت صمت ولم أنبس ببنت شفه، ثم بعد لحظات أصبحنا نحلق فوق سلسلة جبال الهملايا عندما أرتفع الطائر لأعلى ويحلق بين الغيوم ليصل أخيرًا إلى قمة إيفرست الذي مات عشرة ألف شخص للوصول إليها خفف الطائر من سرعته وأستعد للهبوط ثم تدلينا من أعلى الطائر لتلمس أحذيتنا الجليد فقولت:
- لم أتخيل أنه بهذا الارتفاع.
- .....
- إذا أين الكهف؟
تجنب "أبريز" سؤالي ليحمل حقيبته على ظهره وينظر إليّ:
- سنمشى قليلًا
مرت دقائق وأقدامنا تتصارع مع الثلوج وكادت أطرافنا أن تتجمد مع بشاعة الطقس لأقول:
- ما الذي جعلك تختار هذا المكان؟
صمت قليلًا ثم قال:
- أنه أعلى جبل في العالم في العشرينات حاول أناس الكثير أن يصلوا إلى هذا المكان مِن الجبل المحاولات (أربعة عشر ألف) النجاح (أربعة آلاف) لذا أصبح الإقبال أقل، غير أن مَن وصلوا إلى القمة وصلوا مِن الجنوب أما الشمال لا أحد استطاع الوصول أو على الأقل مَن استطاعوا محدودين ولكنهم لم يعودوا مرة أخرى! ولهذا ما في جوف الجبل لا يستطيع أحد الوصول له لأن بوابته في الشمال "إن كل ما يحتاجه المرء للبقاء بعد علمه بأسرار العوالم الأخرى هو امتلاك (كتاب كاستونا)
(وطائر جمجم) فقط
توقف "أبريز" أمام صخرة مرتفعة في الجبل وأخرج كتاب "كاستونا" مِن حقيبته وتمتم ببعض العبرات فأنار الجليد مِن أمامنا لينصهر الجليد مِن أسفل تلك الصخرة ويظهر سُلم كرستالي دائري لم أرى طوله مِن قبل ليهبط داخل ذلك الغور وكانت جدرانه بالكامل مادة عاكسة، جمال غامر حقًا لا أجد كلمات تصف هذا الجمال فلقد عجز اللسان عن النطق وتوقف القلبُ عن النبض حتى عقلي أشعر أنه سيتوقف عن التفكير....
هذا لا يمكن أن يكون غور في جبل مِن حجارة أبدًا، نظرت فوجدت "أبريز" يتركني ويتجه نحو باب خشبي تحاوطه ماسات ضخمة ملونة مِن كلا جانبيه، حتى أنه لم يكون ظاهرًا بما يكفي
نظر الى:
- تعال لحقت به وألقيت نظرة أخيرة على هذا المشهد الفاتن لأدخل ورائه قاعة خيم عليها الظلام لا أجد سوى ضوء الحجر.
الأزرق اللازوردي الذي أخرجه "أبريز" مِن الحقيبة التي كان يحملها؛ ليقف في نقطة تتوسط تلك القاعة ويضع ذلك الحجر على بقعة في الأرض نقش عليها كلمات بحروف لغة (شعوب الفانا) ليتحول الظلام إلى أنوار كالسيوف تخترق الجدران الحجرية؛ لتتحول فجأة إلى زجاج عاكس كالتي رأيتها بالخارج وكأنها استنشقت تلك الأنوار لتدب بها الحياة، أيرتفع الحجر وعلق في الهواء والغريب في الأمر هذا السقف فهو له سيوف مخروطية مدببة متجمدة وأكبرهم ينبعث منه شعاع ضوء أبيض يخترق الحجر، ليتفرع وتنبعث شعاعات من الحجر باللون الأزرق ألوان مثيرة شغف العين قاطع تأمل هذا المشهد أبريز قائلا:
- هيا لنخرج لقد أنهينا ما قدمنا لأجله
"أقسم لك أن هذا ما حدث يا داود لم أدعه يرى ماذا بعد أن تبعثر الأنوار على جدران الكهف حتى لا يعلم صدقني لم أدعه يرى الكلمات التي نُقشت على الحجر لم أكن أقصد أن يحدث كل هذا أود محادثتك لقد خرب صديقك كل شيء قابلني في المكان الذي اعتدنا أن نحتسي القهوة به غدًا في ساعة الغروب أرجوك"
****
أخيرًا البيت، كان يوسف لا يفكر في شيء سوى سريره كان يقطع الشوارع كالمجنون باحثًا عن بوابة منزله بعد دقائق وصل وقد أخرج مفاتيح بيته وهو لا زال في مقدمة شارعه وضع المفتاح في بوابة العمارة وصعد السلم ليفتح باب بيته الذي كان في الطابق الثاني، وضع حقيبته بجانب الباب؛ ليصعد إلى الطابق الثاني وقد ظن أن يومه قد انتهي بعد! وفور أن وطأت قدميه على سلم بيته الخشبي وجد نفسه داخل لغز جديد وإذا به يسقط إلى غرفة لم يعلم بوجودها قط أو لأنها لم تكن موجودة مِن قبل أخذ يتلوى على الأرض ويئن، ليستند على يديه ويقف ليزيح الغبار عن ملابسي لينظر فوقه ليجد حائط مِن الصخور! ليقول: -أين السلم وأين المنزل؟! يا الله ألا لهذا اليوم أن ينتهي مرة أخرى ظلام ولكن لا يوجد ثعابين أو أرواح فقط نسيم دافئ ذا رائحة عطرة ليرى نفسه قبل عشرة أعوام هو وأباه يشاهد كل الأماكن التي اعتاد الذهاب إليها مع والده وكأنها تعرض أمامه على مسرح خفي! كان هذا الشيء الغريب الوحيد الذي جعل الابتسامة تعلو وجهه اليوم رغم كل ما حدث كان يتذكر كل هذه الأماكن البيت الصغير في أطراف المدينة ومكوثهم مع بعضهم بالساعات في مكتب والده وتلك القلادة التي أعطاه لها يوم رحيله وقف عقله للحظة تذكر بها أنها نفس القلادة التي رآها في الكتاب شعر أن هناك قطع متشابهة ولكنها غير مكتملة، ثم بدأت المشاهد تتوالى أمامه ثم اختفى كل شيء فجأة!! دفعه شيء ما ليتعثر ويقع ليجد نفسه داخل بيته مستند على السُلم وكل شيء بات عاديًا، أخذ شهيقًا وأزفره فكر لبضعة لحظات في أمر القلادة ثم صعد نحو غرفته ليتجه إلى سريره وألقى جسده عليه كما لو كان فاقد الوعي.


"لم أود أن أطول عليك في بيت يوسف فهناك أشياء أخرى تحدث في زوايا موازية لعالمنا يجب أن تراها"


0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.