darbovar

شارك على مواقع التواصل

نهضت من المكتبة وأنا في حالة من الذهول بسبب ما قرأت؛ فأنا عَزمتُ على أني سأقوم بتنفيذ الوصية، ولكنني مشتت لا أعلم أين سأذهب؟ وكيف سأبدأ؟ ومن أين أبدأ؟ فأنا في موضع حيرة كبرى، كما أنني لا أعلم شيئًا عنها، ولا أعلم كيف سأقوم بتنفيذ ما عَهدت به؟
وأنا في حيرتي، قررت أن أعود إلى منزلي؛ لأفكر في كيفية جمع المعلومات عنها، ومعرفة من أين يجب عليَّ أن أبدأ، ثم انتصبت للذهاب إلى النوم؛ ولكن لا زال تفكيري متعمقًا في هذا الأمر، وما إن وضعت جسدي على الفراش حتى خلدتُ إلى النوم، لا أعلم كيف أو متى ولكني لم أستطع النوم، فاستيقظت باكرًا وقد حسمتُ أمري على الذهاب إلى الجامعة التي كانت تدرس بها، فهي من تلك المدينة ويحتم أنها قد التحقت بالجامعة الوحيدة هنا، وكانت جامعة لندن، وهي من أكبر الجامعات ويأتي إليها العديد من الطلاب من المناطق المجاورة؛ لذلك سأجد شيئًا ما يدلني عليها.
وبالفعل ذهبت إلى الجامعة، واستعلمت عن اسمها كاملًا، وعلمتُ أيضًا أنها قد أنهت دراستها منذ فترةٍ ليست بالبعيدة، ثم بعد ذلك غادرت، وقد قررتُ الذهاب إلى قسم الشرطة؛ لكي أكمل البحث عن أشياء أخرى قد ترشدني إليها، ولكنني بعد عودتي من هناك،
ومعرفتي بما حدث حينها فقط، تيقنت أنها تُوفيت منذ مدة في جزيرة تسمى "الجزيرة المحرمة"
‏ثم قُلت في أعماق ذاتي لماذا كثُر الهرجُ والجريمة في كل مكان في المنطقة؟ صارت الأخبار حديثها واحد، جريمة قتل في وضح النهار، وأمام أعين الناس، لا حراك، ولا سُبل للإنقاذ، كأننا في غابة مليئة بالحيوانات ليس بالبشر، كل هذا كان له أثرٌ في النفس غير معهود، الانتقام أصبح عادة من عادتنا، وكأنه زرعة سامة نبتت، وأصبح النبت سيئًا, حتى جعلنا نستيقظ كل صباح على حادثة مروعة، وفي المساء هل سيهدأ الأمر؟ كلا تجدُ زوجًا يقتل زوجته دون وجه حق، ورجلًا آخر يزمجرُ غضبًا، ويطعنه في الصدر، نفوس البشر أصبحت تجتمع حول شيء واحد، الانتقام هو من يجلب الشرف، الانتقام هو سيد الموقف، الانتقام، ثم الانتقام إلى متى؟ أين رحمة البشر؟ أصبح العالم مليء بالأفاعي، يغريك بأنه محب، طيب القلب، ودود، وفجأة طعنات متتالية، كيف لِطفلٍ أن يولد في عالم مثل هذا؟ عالم مليء بالجريمة، والحقد، والإسفاف، أتعلم عزيزي القارئ، العيب ليس في الانتقام، ولا في الجريمة، ولا حتى في الطفل الذي سيأتي، ولا في أي جيل سيأتي بعدنا، العيب يستكين بـداخلنا، في ضمائرنا التي ماتت، والآن أصبح الأمر اعتياديًا، وكأنه جزء من حياتنا اليومية، نقرأ الخبر، أو حتى نسمعه في تجلد، وكأن هذه الروح ليست مثلنا، عزيزي القارئ الأمر أصبح صعبًا للغاية.
بعد ذهابي للجزيرة بعدة أيام, أصيب الجميع بالهلاوس السمعية، والبصرية، لم يهتم أحدٌ بذلك إلا عندما مرض ابن شيخ الجزيرة، وذهب للباحث كي يتكفل بعلاجه، في تلك اللحظة علم الجميع بأن هناك مرض منتشر يملأ الأرجاء، ومع مرور الوقت ماتت جميع الحيوانات، والحمام الزاجل، واحترقت المراكب، وعندها انقطع اتصال الجزيرة بالأرجاء التي تحيط بها، ومن ثم توالت الأيام، وبدأت ليالي الانتقام تقترب؛ حيث سادت الحيرة داخل أرجاء الجزيرة، ومرضت المدينة بأكملها من أطفال، وشباب، ونساء، وشيوخ، وكانت الحيرة تملأ قلوبهم, تساءل بعضهم البعض ماذا يحدث؟ ما الذي يجري هنا؟
‏كيف لمرضٍ غريبٍ أن ينتشر بهذه السرعة؟ وكيف يموت الحمام الزاجل؟ وكيف لُوث الهواء؟
‏خرج رجل من بينهم يدعى "اليرون" كان أجش الصوت يبدو على ملامحه التعجب قائلًا بصوته الهادر: هل ظلمنا أحدًا؟ وهل سنموت بسبب ما يحدث؟ حقًا لا نعلم ما الذي يجري هنا؟
وفي تلك الأثناء جَلْجَل صوت بين الجميع فَذُعِر الكل: لابد أن نذهب لشيخ الجزيرة, ونعلم منه هل يعلم حقيقة ما يحدث؟
‏تتوالى الليالي, لازال الخوف في قلوب سكان الجزيرة كالسرطان المستكين بداخل الجسد.
أثناء الظلام الكالح، حدثت جريمة فزعت لها الجزيرة عن بكرةِ أبيها؛ حيث قتل أحد أشهر أبناء الجزيرة والذي يدعى إبرهام, إبرهام شاب أسمر اللون ذا شعر أسمر، عيناه بنيتان، متوسط القامة, دائمًا يرتدي ملابس على الطراز الفكتوري، وبعد الفحص من قبل الباحث تبين أنه طُعن أسفل رقبته بخنجرٍ حاد مثلما قُتلت الفتاة، وأن الطعنة باليد اليُسرى، وأن هناك كلمة تتكون من أربعة حروف مكونة من (لارا) كتبت بدمه على يده معكوسة في المرآة، حيث كان ملقى على كرسي خشبي أصفر اللون مكتوف الأيدي مغمى العينين يبدو على ملامحه الذعر كأنه رأى شيئًا غريبًا، أو يكاد يكون شبح. ‏
‏في بيت الباحث,
‏أتى شيخ الجزيرة للباحث وهنا دار الحوار كالآتي:
‏شيخ الجزيرة -ويبدو على ملامحه الاستنكار: هل تظن أننا نحلم، أم أن هذه ليست سوى الحقيقة؟
استدار الباحث, وسار عدة خطواتٍ باتجاه المنضدة وقال وهو ما زال يفكر:
لا يوجد فرق بين الحلم و الحقيقة؛ ففي أغلب الأحيان ما يكون الحلم حقيقة، والحقيقة تصبح حلمًا، ومن الممكن أيضًا أن تكن الحقيقة أعجب بكثير من الخيال، وهناك حلم وأنتَ بداخله تعلم بأنه حلم, لكن لا يمكن الاستيقاظ منه بإرادتك، ولكن ستستيقظ فقط حينما يقرر الحلم أن ينتهي.
وغالبًا لا تأتي الرياح كما تشتهي السفن، والدليل على ذلك أن أثناء ليل ذلك اليوم المشئوم ظهر طيف القتيلة لارا؛ كأنها تُعلن عن جريمة أخرى ستحدث، أو لَرُبما انتقام جديد وكأنه إنذار عن غضبها، وعَمت الأصوات المفزعة جميع أنحاء الجزيرة، وكان الصوت أقرب لِستموتون جميعًا، ثم بعد فترة انتشرت الأمراض، كانت الأمراض قاتلة اقتلعت الأخضر واليابس، وازداد تعداد الموتى يوم بعد آخر.

***
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.