Darebhar

شارك على مواقع التواصل

-3-
القدرة العجيبة

مر أسبوع على لقائي بآدم هدأت فيه تمامًا من العاصفة الروحية للقاء الأول، وتمكنت خلاله من إنهاء لوحتي الأولى وكنتْ راضية عنها، كانت تجريدية وبألوان كئيبة بعض الشيء لكني أحببتها فلقد غرقت فيها تمامًا، قررت في تحدي الذهاب للبنك مرة أخرى، ارتديت ثوبًا متوسط الطول أزرق اللون عاري الكتف، وحذاء أبيض اللون ذو كعب عالٍ، وتركت شعري ينسدل في نعومة على كتفي، ووضعت طلاء وجه خفيف وقرطين من اللؤلؤ، كنت أبدو في غاية الأناقة ربما بصورة تفوق مشوار صباحي، لكن لا يهم فأنا سعيدة هكذا... قررت شراء سيارة فارهة طالما حلمت باقتنائها في السابق فذهبت إلى توكيل مرسيدس ولحسن الحظ وجدتها أمامي تمامًا كما تخيلتها بلونها الأسود الفخم.. فقمت بشرائها على الفور وانتهت كافة الإجراءات في وقت وجيز... وأخبرني صاحب التوكيل أن الرخصة لن تستغرق وقتًا طويلًا.
كدت أطير من الفرحة في سيارتي الرائعة الجديدة واستمعت لأغاني مُبهجة... وفي الطريق، خطرت "سارة" على ذهني مقتحمة الهدوء الذي أحاول التَحلي به قبل لقاء "آدم" للمرة الثانية، كانت صديقتي المُقربة يومًا قبل أن تُصبح ألد أعدائي، كيف وثقت بها في البداية بصورة عمياء، كانت بيضاء جميلة بعينين ضيقتين عسليتين وفم مُمتلئ، وشعر أسود قصير ناعم، متوسطة القامة ممتلئة نوعًا ما لكن جسدها متناسق، أتذكر حبها لارتداء أحذية ذات كعب عالٍ.. كانت تتعمد إبراز مفاتنها من خلال ارتداء ملابس ضيقة تكاد تتمزق عليها، كان الأمر يبدو عاديًا نوعًا ما في البداية وإن كان ملفتًا، لكنه لم يعد يناسبها بعد زواجها وإنجابها لطفلين واكتسابها المزيد من الوزن...
يعمل زوجها "محمود" معنا في البنك، فهو وإن لم يكن وسيمًا لكن ملامحه مُريحة وهادئة، خاصة عندما تنظر لعينيه البنيتين الواسعتين، تَشْعر فور رؤيته بأنه بإمكانك الوثوق به والبوح له بكل الأسرار، كان أصلع ونحيف ومتوسط الطول، وكان على النقيض من "سارة" طيب للغاية وخجول، ويحبها حبًا جمًا، حب من النظرة الأولى كما يقولون... ومنذ نحو ثلاث سنوات، انضم شاب جديد إلى البنك من المتخرجين حديثًا "عادل الدالي" وسيم، طويل القامة ذو جسد رياضي، لم يكن من ذلك الصنف من البشر الذي يمكن الوثوق به بسهولة.. تم نقله للعمل بالقسم الذي تعمل فيه "سارة" فكانت رئيسته المباشرة... مع الوقت تطورت العلاقة بينهما وبدأ الجميع يتحدث عنهما بصورة خبيثة في جلسات النميمة حتى أن الأمر وصل إلى مسامعي مصادفة، لكن بالطبع لم يكن أي أحد يجرؤ على التفوه بكلمة أمام "محمود" الذي يكن له الجميع احترامًا كبيرًا ومن القلة التي أجمع كافة الزملاء بالبنك عليها... بدأ "عادل" في اللمعان خلال فترة قصيرة فقد كان ذكيًا سريع البديهة يجيد انتهاز الفرص لأقصى حد، فكانت "سارة" تعتمد عليه اعتمادًا كليًا وتُوكل إليه حضور الاجتماعات الهامة... قابلته عدة مرات في تلك الاجتماعات التي كنا نعقدها بشكل دوري لمناقشة سير العمل والمشاكل التي يتعين إيجاد حلول لها.. كان قد تم تعييني مديرة للفرع، وتم تَخطي من هم أقدم مني مما أثار غيرة وحسد الكثيرين، فكنت قد انفصلت عن "آدم" قبل شهرين فقط من الترقية... أخيرًا أتت ثمار عملي بإخلاص وجد لا ينقطع لمدة عشر سنوات، وتم اختياري كأصغر مديرة للبنك لكنه جاء متأخرًا فلم أشعر بأي سعادة عندما تم إبلاغي بالترقية فقد كنت غارقة في أحزاني.. كنت أرى "عادل" كل يوم تقريبًا، لكن حالتي النفسية آنذاك لم تَسمح لي بالتركيز في تلك الهراءات... حاولت التركيز في عملي لكني اكتشفت أن الاستغراق في العمل لم يكن سوى محاولة للهروب من أوجاعي ولم يزد ذلك روحي سوى خواءً وفراغًا كبيرًا.
رغم ذلك لفت "عادل" انتباهي بالطبع بوسامته وعيناه السوداويين اللتين تشتعلان ذكاء...كان لديه طريقة مميزة في التودد للجميع في اعتداد بالنفس يحسد عليه ومن الصنف الوصولي الذي لا يهمه أي شيء سوى مصلحته وعلى استعداد لفعل أي شيء في سبيل ذلك ولو على حساب الآخرين... كانت علاقته بآدم قوية جدًا، اعتبره "عادل" مثله الأعلى كما كان يقول لي قبل طلاقنا وتوطدت علاقتهما أكثر بعد الطلاق كما سمعت... كان الناس يتغامزون أمامي، كنت ساذجة للغاية لا أفهم التلميحات التي كانت تقال أمامي بخبث وبدون خجل، فعادل على الأرجح كان له دورًا أساسيًا في انفصالي، حيث كانوا يتحدثون عن الفتيات التي يخرجون معهن والسهرات التي كانوا يقضوها سويًا، وبمرور الوقت ترسخت صداقتهما، وتغير "آدم" كثيرًا كان قد مضى على زواجنا ثلاث سنوات، بات يسهر كثيرًا ويشرب الخمر كأنه يعيش حياته الشبابية العابثة مرة أخرى مع "عادل" ونسي أنه مُتزوج...
بدأت الخلافات الصغيرة تتراكم شيئًا فشيئًا حتى انفجر كل شيء وكانت النهاية.. عشت غريبة في هذه الدنيا وخرجت منها دون أن أفهم، كنت أشعر أني بلا قيمة، لكن "لارين" لا أريدها أن تكون بمثل هذه السذاجة التي جعلت "ليلي" ريشة في مهب الريح أمام عواصف الحياة....
أفقت من تأملاتي لدى وصولي للبنك، دخلته وأنا أشعر بأني أكثر قوة وتماسكًا من المرة السابقة... كان الفضول يتملكني لرؤية "سارة"، كنت أريد أن أرى التغييرات التي حلت بها خلال هذا العام، توجهت إلى مكتبها مباشرة وطرقت على الباب، سمحت لي بالدخول... رأيتها جالسة في مكتبها لم تتحرك من مقعدها، كانت مرتدية ملابسًا فاضحة كعادتها لا تلائم مناخ العمل.. نظرت لي متفحصة إياي من قمة رأسي حتى أخمص قدماي... وبدا عليها الغيظ قليلًا كعادتها عندما ترى امرأة أجمل منها.. سألتني بصورة آلية وبالإنجليزية: هل تبحثين عن شيئًا ما؟"
قلت لها أني أبحث عن مكتب أستاذ "آدم" ردت في لامبالاة أنه في الطابق الأول، وألقت عليّ نظرة أخرى أشد عداءً من الأولى كأنها تطلب مني الانصراف لانشغالها، أردت أن أمد الحوار وأنا أسألها عن الكروت الائتمانية فقد كانت مديرة هذا القسم، فقد تمت ترقيتها على الأرجح خلال العام الماضي، كما هو واضح من اللوحة المعلقة أمام الباب... فسألتها في اهتمام: "هل بإمكاني الاستفسار عن بعض الأمور المتعلقة بالكروت الائتمانية، فأنا روسية ولا أعرف النظام المصرفي في مصر، ولدي عشرة ملايين دولار أريد استثمارهم على أفضل نحو، ولا زلت أدرس الخيارات المتاحة أمامي".
فبدا الاهتمام عليها، فأشارت لي بالجلوس بحركة من يديها وناولتني ورقة وقلم حتى أدون ما ستقوله... وبينما هي تتحدث، حدث أغرب شيء على الإطلاق!
كانت شفتاها تتكلم للرد على سؤالي، لكني في نفس الوقت أسمع صوت أفكارها الداخلية بكل وضوح تقول في عقلها "من هذه العاهرة! وما هذه الملابس الخليعة وهذه الأكتاف العارية؟!... يا إلهي لا أعرف ما هذه المصائب التي تحل على رأسي منذ بداية اليوم، ألا يكفي أن "عادل" لم يرد على مكالمتي صباح اليوم، طبعًا هو في شرم الشيخ في إجازة.. هذا الوغد الحقير.. بدأ يتغير منذ أن تمت ترقيته بفضلي أنا متخطيًا أربعة زملاء بدأوا العمل قبله ولا يقلون عنه كفاءة لكنهم لا يستطيعون منافسته في طموحه.. لن أدعه يتركني أبدا مهما حدث، أعرف أنه نزوة عابرة لتبديد ملل حياتي لكني أنا التي ستتخلص منه"..
أكاد أجزم أن الذهول كان باديًا على وجهي، فنظرت لي في استغراب شديد ربما بسبب نظرات البلاهة وعدم التصديق، وسمعت ما يدور في خلدها "يا إلهي شقراء غبية لا تفهم حرفًا مما أقول ليتها تذهب الآن، من أين جاءت بتلك الثروة الطائلة!"...
سألتني في نفاذ صبر: "هل كل شيء واضح؟ هل تريدين الاستفسار عن أي شيء آخر؟ ولم تنتظر ردي وتابعت: "على أي حال بإمكانك التوجه إلى خدمة العملاء في الدور الأرضي، سيتم مدك بكل التفاصيل التي تريدينها"..
شكرتها بإيماءة من رأسي فكنت عاجزة عن الكلام، وغادرت مكتبها على الفور...
ذهبت إلى الحمام لكي اختلي بنفسي حتى أستوعب ما حدث، كيف استطعت أن أسمع أفكارها بمثل هذا الوضوح، كيف جاءتني تلك القدرة، وتذكرت فجأة الملاك عندما نوه في غموض إلى أنني سأكتشف مع الوقت بعض الخصائص والقدرات التي ستمكنني من تحقيق الشرط المنصوص عليه في العقد، والتي لا يستطيع إخباري بها، كان الفضول يلتهمني لمعرفة تلك الخصائص، هل سأتمكن من الطيران مثلًا، أو التواجد في أكثر من مكان في نفس الوقت، لكني لم أفكر وتركت الوقت يكشفها لي، كل شيء كان سهل ومتاح في عزلتي الرائعة في القصر، كنت قادرة وقتها على تحويل أي شيء أتخيله لحقيقة، لكن للأسف، تلك القدرة كانت مقصورة على وجودي في القصر.
يا إلهي بوسعي قراءة الأفكار كم تمنيت في حياتي السابقة أن تكون لي هذه القدرة حتى أستطيع أن أفهم الناس بصورة أفضل.. فكرت في أن الأسبوع الأخير الذي قضيته في جناحي ربما يكون قد ساعدني على تصفية ذهني حتى تتجلى أمامي تلك القدرة الهائلة.... نظرت لوجهي في المرآة وأنا أشعر أني أمتلك قوة خرافية، وأخذت نفسًا عميقًا ثم توجهت لمكتب "آدم".
استقبلتني السكرتيرة الشابة بابتسامتها البشوشة، وقالت لي في انبهار طفولي: "تبدين رائعة اليوم وثوبك جميل للغاية"... وقامت من مكتبها بسرعة وهي تقول: "ثوان سأخبر أستاذ "آدم" بقدومك.. وما هي إلا لحظات حتى خرج "آدم " لاستقبالي بابتسامة واسعة، وأفسح لي المجال لدخول مكتبه أولًا كجنتلمان.
تفحصني وهو يقول في إعجاب: "تبدين رائعة، اعذريني لا أقصد مغازلتك، لكني لا أستطيع السكوت أمام تلك الأنوثة الطاغية".. فشكرته بابتسامة ولم أرد حتى لا يتمادى.
لاحظ ذلك، وسألني: "هل تشاركينني في شرب القهوة أم تحبين شرابًا آخر؟"
قلت: "لا بأس بالقهوة "
فطلب قدحين من القهوة من "العم حسن" من هاتفه الداخلي، وسألني في خبث: "بدون سكر أليس كذلك؟"
"نعم" قلتها على الفور.
"أنا أيضًا أحبها كذلك"... قالها بابتسامة... هو من جعلني أحبها بدون سكر، تعودت أن أشربها مُرة مثله ربما مثل مرارة الأيام الأخيرة التي عشتها معه، لكني مع الوقت بدأت أعتاد عليها هكذا بعد أن كنت أشربها زيادة.
وقام من مقعده وهو يشير لي للجلوس في الصالون الجلدي الأسود، وسألني: "هل قررت إيداع أموالك لدينا في البنك؟"
قلت: "نعم، بكل تأكيد وهذا سبب مجيئي اليوم". تأملته وهو يقوم بإجراء بعض المكالمات للحصول على الوثائق اللازمة... وطلبت منه استخراج كارت ائتماني بمجرد وصول الأموال لحسابي بمبلغ مرتفع، حتى أطيل أمد تلك الإجراءات..
لدهشتي سمعته يحدث نفسه وهو يقول:" اممم رائعة وثرية ويبدو عليها الذكاء، ستفي بالغرض لفترة لا بأس بها.. باردة قليلًا لكن لا بأس لا أريد امرأة متفجرة المشاعر كفاني الألم الذي عانيته من وراء هذا الطراز من النساء... أمم يبدو أنها ليست متطلبة مثل "لبنى" التي ترغب في الزواج مني بأي ثمن.. هل أطلب منها تناول العشاء سويًا خلال هذا الأسبوع، لا لا هذا مبكر جدًا.. أريد أن يسير كل شيء بهدوء، لن أفعل ذلك حتى أتأكد من موافقتها، فصيد ثمين مثلها يجب التعامل معه وصيده بحكمة، وأعتقد أن إنهاء العلاقة معها سيكون أسهل بكثير من الأخريات فالأجانب أكثر عملية ولا يفكرون مثل المرأة العربية المتخمة بالمشاعر المتناقضة... جسدها شهي للغاية، ستكون تجربة ممتعة بلا شك...أنا بحاجة لهذه العلاقة في الوقت الحالي.. "لبنى" أوشكت صلاحيتها على الانتهاء أو انتهت بالفعل يجب أن أقوم بالمواجهة الأخيرة، أعرف أنها ستتألم لكني لا أستطيع الاستمرار لا أريد إضاعة وقتها أو وقتي ستحترم صراحتي حتمًا.. فلقد بدأت في التعلق بي بصورة مرضية كأنه لا يوجد شيء آخر في حياتها تفعله!"...
أذهلتني الصدمة مما سمعته كدت أصرخ في وجهه قائلة: "أيها الوغد المُنحط" لكني تماسكت والكلمات تتصارع للخروج من فمي، فعضضت على شفتاي بقسوة حتى تألمت لأمنع نفسي من الكلام، وتسارعت ضربات قلبي.
ما هي إلا لحظات حتى دخل موظف لم أره من قبل، ربما تم تعيينه بعد وفاتي، كان ممسكًا بالوثائق اللازمة وطلب في أدب وهو يتلعثم ويتحاشى النظر لعيناي الحصول على جواز سفري حتى يقوم بتصويره، فأعطيته إياه مبتسمة فسقط من يده، لم أستطع منع نفسي من الضحك، فارتبك قليلًا وهو يعتذر في توتر واحمرت وجنتاه من الخجل، طلب مني التوقيع على العديد من الأوراق.. وقلت لآدم الذي كان يراقب المشهد أني سأقوم بالتواصل مع البنك لتحويل المال في أسرع وقت.
قال في اهتمام: "لدي أصدقاء كثيرون في سوق العقارات في مصر والذي يعتبر من أفضل الأسواق في المنطقة العربية، وممكن أن أقوم بتعريفك بأفضل السبل الممكنة لاستثمار أموالك إذا رغبتي في ذلك...
قلت له: "سأفكر في الأمر.. وسأقوم بالرد عليك قريبًا"
قال في خبث:" ليس لديكِ رقم هاتف بعد؟، فهو أمر هام في البيانات"، في تلميح مبطن إلى أنني لم أعطيه رقمي بعد".
قلت في اقتضاب وأنا أنظر للأوراق التي أوقعها: "ليس بعد".
كنت قد انتهيت من التوقيع على كافة الأوراق، وهو ينظر لي، فقلت له: "يجب أن أذهب الآن".. وفي نفس اللحظة دخل العم "حسن"، وترك الصينية على الطاولة، وهم بأن يناولني قدح القهوة، لكن "آدم" شكره وقال أنه سيفعل بنفسه، فانصرف، وقام "آدم" وهو يناولني الفنجان بحرص شديد كأنه جراح يقوم بعملية جراحية هامة، وقرب وجهه من وجهى، فتلاقت أعيننا، ارتجف جسدي وأنا أشم رائحة عطره الرجولي الفاخر، عطره المفضل الذي كنت أحبه كثيرًا، بعد فراقنا اشتريت زجاجة منه وكنت أشمها عندما يطيح بعقلي الحنين إليه، فتهدأ نوبة الاشتياق، ها هو الآن أمامي بشحمه ولحمه وليس مجرد خيال... قال لي بنبرة ساحرة كأنه يأمرني: "لن تغادري هذه المرة قبل أن تشربي قهوتك" وعاد لمقعده بعد أن أشعل بداخلي بركانًا من المشاعر الحارقة، ارتعشت يداي وأنا ممسكة بفنجان القهوة، حتى شعرت أنه سينسكب، فوضعته على الطاولة الصغيرة في ارتباك، اختلست النظر إليه ورأيت تلك الابتسامة الماكرة على شفتيه كأنه يدرك تمام الإدراك ما فعله بي لتوه، كقاتل ارتكب جريمة كاملة وهو على تمام الثقة بأنه من المستحيل تقصي أثره والإمساك به، فشعرت بأني طفلة تحبو أمام أمهر عَدَّاء أوليمبي في العالم ومطلوب منها أن تدخل في سباق معه والانتصار عليه وإلا ستموت، لمن ستكون الغلبة إذن!، فعمري لم يتجاوز سوى العام وبضعة أيام منذ عودتي للحياة وإن كنت بجسد امرأة يافعة...
يا إلهي، كنت كفريسة لا حول لها ولا قوة وقعت في الفخ بمحض إرادتها، وها هي تدفع الثمن، بحق السماء كيف سأنفذ هذا الشرط الملعون وأنا عاجزة حتى عن التنفس بانتظام في حضوره، وأفكاري مبعثرة في الكون كله، قاتلي يجلس أمامي ويتلذذ برؤيتي متوترة، لم ينطق بحرف خلال تلك اللحظات التي مرت عليّ كدهر حتى شعرت بأن الزمن توقف.
كان يرتشف قهوته في هدوء وهو يتظاهر بالانهماك بمراجعة الأوراق التي وَقعت عليها، فتناولت قهوتي وأنا أتذكر قصري المسحور حتى أهدأ والأيام الرائعة الهادئة التي عشتها به، فهو ملاذي الآمن في هذه الحياة الجديدة ولو في مخيلتي، ساعدتني مرارة القهوة في العودة للواقع رويدًا رويدًا وتذكرت لحظاتي الأخيرة قبل مغادرة الحياة، فكرت أنني هذه المرة لن أكون ضحيته البائسة، فقد حان دوري لقلب الطاولة، فهدأت العاصفة داخلي لذلك الخاطر... قال لي: "كيف تقضين يومك في مصر يا "لارين"؟
قلت: "أزور الأماكن السياحية، أقابل بعض الأصدقاء وأفعل ما يحلو لي، فأنا في إجازة طويلة"
قال: "إذا رغبتِ في الذهاب لأي مكان أو السؤال عن أي شيء، أرجوكِ لا تتردي في الاتصال بي"
قلت: "شكرا لك، سأفعل بالتأكيد"
سمعته يفكر "ها قد حصلت على وعد أخيرًا، فابتسمت في سري إذن فقد ابتلع الطعم، سنرى.. واستأذنته في الانصراف، ورجوته ألا يوصلني فهناك سيارة في انتظاري، فرضخ لرغبتي، وغادرت أخيرًا.
*****


0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.