Darebhar

شارك على مواقع التواصل

يقول الكاهن القديم: إنَّ العائلة سلسلةٌ، ولستَ تتحكم بثقلها ولا بحجمها، ولكن بيدك الألوان فلوِّنها بالذهب أو لوِّنها بالخراء.
ويقول الكاهن أيضًا: ما دخل فيك طيبًا لن تخرجه إلا طاهرًا مقدسًا.
أعرف أنه كان يراني، أعتقد أنه ظل يراقبني بعيدًا في كوخه تحت سقفه المتوهج، أظنها كانت تراني بين يديها كوب شاي.. ترمش.. وتضحك، أحسبني أراهما بعد ذلك يتعانقان ككائنٍ واحد، فليتعانقا كما يريدان كأنهما اخترعا العناق، يتوهمان أنهما عرفا كل الحكاية إذ شاهدا من بعيدٍ أي شيءٍ، ولكنني لن أقبل لهما حقيقة سهلة كتلك، بل سأحكي أيضًا بلهجتي الطريفة كل الحقائق جملةً واحدةً فأعقد عليهما كمَن اخترع التلويث؛ إني أتحداهما بعد ذلك، فليبكيا دفعةً واحدةً كدموعي.
كان الجميع إذن يراني، الكل يتصورني، الكل يهمس، يصرخ إلَيَّ أن أفعل شيئًا، كيف أفعل شيئًا فقط بين كل هذه الأشياء! ليتهم قالوا: افعل أشياء.. هكذا كلام واضح.
في البداية، كنا حول مائدة، وعلى ذلك كانت لي يدان وفم أتذوق به، وبعد ذلك كنا في الخارج، في منتصف ساحة دارنا الخلفية، أنا واقف وهم جالسون، وعلى ذلك كانت لي أقدام؛ ساقان ترفعانني شامخًا عليهم، فما كانوا باكين؛ ما كانوا مكبلين، بل كانوا بجميعهم مرتجفين فكأن جلودهم جلدٌ واحدٌ لا يعرف الأمطار إلا بالزمهرير.
وأمّا أنا فلم أكن أشعر بمطرهم ذاك، ولكنني مع ذلك وأنا أرى سماءهم تنهمر علَيَّ بسخاءٍ أُدرك مبتسمًا بأعلى سخافة أنه لو اكتشف الناس تُرهات الكاهن القديم فلأدركوا أنه صدق فيما يخص المُناخ.
كانت كل الأضواء على وجهي، القمر مع كل العيون، كأن لا شيء هنا غيره؛ هذا الوجه الذي لم يعترف لي بيدين لأنني أمسكت بذلك الحبل فقط، بل لأنه شعر بأناملي تداعب تلك السمكة في المائدة.
ظلت أمي مبتهجة بهيّة.. لأيّ سببٍ؟! لا أدري، المهم فهي التي ساعدتني بعد أن ناضلت بلا جدوى لعمل ثلاث عُقدٍ في حبلٍ واحد؛ وفي الحقيقة لجاهدت طوال الليل لو لم ترني سخية الطريقة الصحيحة لربط العُقد ممثلة بيديها، فقلّدتها إذن كما فعلت حتى اليوم، وعلى ذلك اللطف كانت سابقة الجميع؛ ففي العقدة الأولى أدخلت رأسها جوار رأس والدي الأصلع وغلقتها، والعقدة الثانية وسعتها لرأس أخي جوار ابنته الصغيرة بترددٍ بدت كقُشعريرة نكراء، ولكن رغم عيون تلك الصبية كنت كمكبلٍ يُجر بأصفادٍ فلا يمكنني التوقف.
وبعد أن جزأتهم بأربعتهم هكذا من مقاعدهم، ككيسين محكومين مواجهين بعضهم بجباهٍ ملتصقة، سمعنا والدي يسأل:
- لما هكذا؟
فنطق فمي مجيبًا:
- هكذا دومًا تخيلناكم.
كنت أشعر في أعماقي أن في لحظةٍ كتلك يجب أن تُتوَّج السرعة؛ لأن هكذا سيُوقّع على الأحداث ختم الكابوس، وفي الكوابيس الكل ضحايا؛ الكل خائفون وعلى ذلك سحبت حزمة الحبل بيدٍ متفاعلة وأقدامٍ مرنة سريعة نحو الجانب الأمامي لدارنا، حيث الحفرة العميقة ولم أتخيل تلك الصخرة المجاورة لها قط بذلك الحجم، كأنها تضاعفت كثافة خلال أيام، فربطتها إذن بالعُقدة الثالثة وقبّلتها كأنني أقبّل نفسي، لأتراجع بعد ذلك أدفعها بحماسٍ في حفرتنا، فتسحبها الأعماق كريمة، لتسحب بدورها مع ثقلها عائلتي، فأجلس القرفصاء أترقبهم بأربعتهم لأشاهدهم وهم يتمرغون يقاومون مكرهين على الأرض فيدورون بالدار وسأسمع، يجب أن أسمع لهم بدوي طنّانٍ تفوق كل الرعود.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.