Darebhar

شارك على مواقع التواصل

كانت الشاشة التي تعرض الفيلم عبارة عن شاشة في الحائط ذاته؛ حيث الحائط عبارة عن جدارٍ كهربائي، يبدو عليه شكل الحائط عندما تُطفأ شاشة العرض، وتتغير ملامحه حين تُشغل؛ حيث يكون الحائط هو نفسه شاشة العرض التي تعمل باللمس عن بعد؛ لأن دائرتها الكهربائية تعرفت سابقًا على الأصابع التي تستطيع أن تجعلها تدور عن بعدٍ وهم لأصحاب المسكن فقط؛ إنها التكنولوجيا المتطورة.
كان الرجل المشاهد في العام الأربعين من عمره، ذو شاربٍ يلمع خفيفًا بالشعر الأبيض حيث تراه كالرمادي المسود، ولحية خفيفة عند ذقنه فقط؛ حيث تتصل بالشارب على شكل دوران "دوقلس" له نفس لون الشارب، مما يشير إلى علامات الشيب الأولى، ودائمًا يرتدي قبعةً من القطن يغطي بها رأسه.
غضب المشاهد وأطفأ الشاشة بضغطةٍ بإصبعه وهو في مكانه دون أن يتحرك، ثم نهض من مكانه وقال في حزمٍ شديدٍ:
- بل أرى أنه يستحق كل الاستحقاق يا "ماجد"، كل شيءٍ من الزمن القديم يستحق الاهتمام.
كان "ماجد" شابًا في أوائل العشرينات من عمره، أملس الوجه، قصير الشعر، معتدل القامة بالنسبة للطول، نحيف القوام، أبيض البشرة.
تفاجأ المتعجب السائل "ماجد" من غضب الذي كان يشاهد الفيلم، وسأل مندهشًا:
- لِمَا كل هذا الغضب أيها الخال؟
رد الخال "فهمي" وقال:
- أأنت راضٍ عن حالك هذا يا "ماجد"؟ أيعجبك حال الجميع هنا؟
قال "ماجد" رافعًا كتفيه مُلوحًا بيديه:
- لا بد أن نتقبل واقعنا يا خال.
رد الخال "فهمي" عاقدًا حاجبيه:
- أي واقع هذا الذي نتقبله؟ ليس هذا الواقع الذي يجب أن نعيشه لنتقبله كما هو، إنه واقع مفروض علينا.
اقترب "ماجد" إلى "فهمي" وربَّت على كتفيه مُغيرًا مسار الحديث، وقال:
- أنت تعلم أنني أعتبرك بمثابة خالي؛ لأنك خال صديق طفولتي.
ثم سكت لحظة وأكمل:
- أعز أصدقائي ...
فصمت مرة أخرى كأنه يعيد ترتيب كلامه، ثم أردف:
- بل صديقي الوحيد "آدم"؛ ولهذا أريدك أن تُهدئ من روعك.
نظر "فهمي" إلى ماجد نظرةً ثاقبةً وقال:
- إنه "آدم"، إنه ابن أختي، الوحيد الذي يفهم كلامي، إنني أراه مستقبل عالمنا.
قال "ماجد" ساخرًا:
- أي عالم هذا؟ إنه عالم يحتضر.
فأشار "فهمي" إليه بسبابته بسرعة مجرد ما انتهى من جملته، ورد:
- أترى؟! لقد قلتها بنفسك، إنه عالم يحتضر، أترى أنك تؤمن بكلامي، وتؤمن بأن ليس هذا واقعنا الذي يجب أن نتقبله؟
قال "ماجد" مستسلمًا:
- أعلم جيدًا يا خال، بأن كل كلامك حق، ولكن ما فائدة كل هذه المجازفة، ونحن لا نستطيع أن نفعل شيئًا؟ لا نقدر أبدًا أن نغير هذا الواقع الأليم، لن نستطيع أن نحرك ساكنًا وإلا كُشِف أمرنا.
قال الخال "فهمي" نافرًا:
- لهذا عالمنا يحتضر، يحتضر لأنه يعيش فيه أشخاص أمثالك، أشخاص لا يفكرون لكي يصنعوا مستقبلهم الخاص بهم.
رد "ماجد" هذه المرة في حزمٍ:
- أتستطيع أن تخبرني بما فكرتَ فيه أنت لكي تصنع مستقبلك؟ مستقبلك الذي هو نفس مستقبل الجميع هنا.
صمتَ "فهمي" كأنه لم يجد ما يتحدث به، ثم قال في أملٍ:
- في يومٍ ما سنستطيع، في يومٍ ما سنفعل، في يومٍ ما سنضرب بيدٍ من حديد.
تحدّثَ "ماجد" في غلبةٍ من أمره قائلًا:
- إنهم أقوى من الحديد.
نظر إليه "فهمي" ساكنًا مطأطئ العينين كأنه يقتنع بكلام "ماجد"، ثم جلس في مكانه وسأل "ماجد":
- أتعلم لماذا كنتُ أشاهد هذا الفيلم خصيصًا؟
رد "ماجد" في حيرةٍ:
- لماذا؟
قال "فهمي":
- رغم أنه فيلم خَيالي من نوع الرعب إلا أنه يُذكّرني بالواقع الذي نعيشه الآن.
سكتَ لحظات ثم أردف:
- هذا الفيلم يتكلم عن العالم السفلي؛ حيث يعيش فيه المستذئبون، ومصاصو الدماء، والمنبوذون، والأشرار إنهم يصعدون إلى العالم العلوي حيث عالم البشر؛ ليتغذوا عليهم ويحوّلونهم ليكونوا مثلهم فيزيد من أعدادهم لكي لا ينقرضوا.
صمت مرة أخرى متأملًا ثم أكمل:
- وها نحن الآن، نحن البشر مطرودون من عالمنا الأحق بنا، منبوذون هنا في عالمنا المفروض علينا، مختبئون خائفون.
ثم سكت ناظرًا للأعلى واستأنف:
- ها نحن الآن، نحن البشر مَن نعيش في العالم السفلي.
قاطعه "ماجد" وقال:
- ولن نستطيع أن نصعد إلى العالم العلوي؛ لكي نحولهم ليغدوا مثلنا، فلا نحن مستذئبون أو مصاصو دماء ولا هم بشر.
نظر إليه "فهمي" في فخرٍ وقال له:
- إنها أول جملة صحيحة نطقتَ بها منذ أن بدأ حديثنا، معك حق حين قلت أنهم أقوى من الحديد.
ثم أشاح بنظره إلى الأعلى وأكمل حديثه:
- إنهم من الفولاذ.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.