Darebhar

شارك على مواقع التواصل

أبو سلمى زيتونة فلسطين:
عبد الكريم الكرمي، وكُنيته أبو سلمى، ولقبه زيتونة فلسطين، ولد في بلدة طول كرم بنابلس 1907م، لأسرةٍ مكونة من عشرة أفرادٍ ذات علمٍ، وأدبٍ، وشعرٍ، وثقافةٍ، وكان والده له الفضل الكبير في توجيهه ورعايته، وقد أتم دراسته الابتدائية بدمشق، ثم سافر إلى عمّان مع والده، وهناك أتم دراسته الثانوية، وكان يحب دمشق حبًا شديدًا، وكان يشعر أنه وطنه الثاني بعد فقده لوطنه الأول فلسطين وقد قيل عن السبب في لقبه بأبي سلمى أن المقصود بسلمى فلسطين، وقيل إن سلمى فتاة كان يحبها، وقيل أنه أنشد قصيدة على أستاذه في أثناء دراسته، وكانت القصيدة غزلية لفتاة تسمى سلمى، ومنذ أن سمعها أستاذه وهو يناديه بأبي سلمى.
ويتناول هذا البحث التشكيل الأسلوبي للديوان الآخر لأبي سلمى، والذي يحتوي على قصائد لم يتضمنها ديوان الكرمي، وهذا الديوان قامت بجمعه وإعداده الباحثة غادة أحمد بيلتو، وقد نالت عليه درجة الماجستير في الأدب العربي الحديث، وسوف أتخذ هذا الديوان وحده موضوعًا للدراسة، ولن أتعرض للديوان الأصلي للشاعر؛ لأن الغرض من هذه الدراسة القصائد التي لم تنشر في الديوان الأصلي للشاعر؛ نظرًا لأن هذه القصائد لم تتناول بالدراسة من قبل.
وتطمح الدراسة إلى الكشف عن الخصائص الأسلوبية التي تميز شعره، وتجعل له خصوصيته الذاتية وكينونته الفردية.



مدخل
مفهوم الأسلوبية:
إن علم الأسلوب وليد الدراسات النقدية الغربية الحديثة، وإن كان لهذ بدايات غير واضحة في النقد العربي القديم؛ ولذلك ينبغي أن نبحث في جذر الكلمة اللغوي في اللغات الأوربية، فكلمة أسلوب (Style) ترجع إلى الكلمة اللاتينية (Stylus) وتعني الريشة أو القلم أو الأداة المستخدمة في الكتابة، ثم انتقلت إلى مجال الدراسات الأدبية؛ لتعني طريقة الكتابة، ومنها جاء (Stylistics).
وتنطلق الأسلوبية -أساسًا- من دراستنا للعمل الفني من بنيته اللغوية، بتتبع ما فيه من قيمٍ تعبيرية وخصائص لغوية وإبرازها؛ وذلك بهدف الكشف عن القيم الجمالية والوصول إلى أعماق فكر المؤلف من خلال نصه الأدبي.
"فالتناول الأسلوبي إنما ينصب على اللغة الأدبية؛ لأنها تمثل التنوع الفردي المتميز في الأداة، بما فيه من وعي واختيار، وبما فيه من انحرافٍ على المستوى العادي المألوف، بخلاف اللغة العادية التي تتميز بالتلقائية، التي يتناولها الأفراد بشكلٍ دائم، وغير متميز؛ ولذا يمكننا القول بأن علم اللغة هو الذي يدرس ما يقال، بينما الأسلوبية هي التي تدرس كيفية ما يقال، مستخدمة الوصف والتحليل في آنٍ واحد." (1)
وعلاقة الأسلوبية بالمناهج اللغوية تتمثل في الاعتماد على مبادىء علم اللغة الحديث؛ فهي -بطبيعتها- تتعمق في مجال الدراسات اللغوية، ولمنها تتخذ لنفسها شكلًا متميزًا مستقلًا عن المناهج اللغوية، يتفق وصيغة الخطاب الأدبي؛ "لأن النص الأدبي لغة متمايزة يستلزم مناهج متمايزة عن المناهج اللغوية." (2)
وإذا كانت الأسلوبية تستفيد كثيرًا من مناهج علم اللغة الحديث، وتستمد منه كثيرًا من التقنيات والوسائل التي تستخدمها أثناء البحث، لكننا نجد أن النهج اللغوي الذي يعالج الظاهرة اللغوية ينظر إليها على أنها عبارة عن عناصر متراكمة، يتميز كل عنصر منها بخاصية مستقلة، تكشف عن هويته، دون عناية خاصة بعلاقاتها، أو توزيعها؛ فهو يتناول بالتفصيل -مثلًا- الأصوات، والمفردات، والتراكيب وغيرها دون أن يكشف عن وجه الجمال فيها، أو درجة تمازجها، وتكاثفها داخل الخطاب؛ لذلك قد يتناول بالوصف عناصر كثيرة لا قيمة لها في معرفة العمل الأدبي.
لكن الأمر يختلف بالنسبة للأسلوبية؛ حيث أننا نجدها تقوم بعملية اختيار وانتقاء للظواهر الأسلوبية التي تكمن في بنية النص، والتي ترى أنها تلعب دورًا هامًا في تشكيل أسلوب المؤلف، ثم تقوم بوصفها وتحليلها، ومعرفة الوظيفة التي تؤديها داخل العمل، وكيف استطاع المؤلف أن يحقق لها هذه الوظيفة، من أجل الوقوف على النظام الكلي الذي يحكم بنية هذا العمل.
"فالأسلوبية أو علم الأسلوب مجال من مجالات البحث المعاصرة، يعرض بالدرس للنصوص الأدبية، وغير الأدبية، محاولًا الالتزام بمنهج موضوعي، يحلل على أساسه الأساليب؛ ليظهر جميع الرؤى التي تنطوي عليها أعمال الكتاب، ويكشف عن القيم الجمالية لهذه الأعمال، منطلقًا من تحليل الظواهر اللغوية والبلاغية للنص." (3)
وتقوم الأسلوبية بمهمة النقد الأدبي في شكلٍ حيادي، دون أن تلقي أحكامًا انطباعية تخضع للأهواء والميول؛ وذلك عن طريق التحليل اللغوي للنص الأدبي، ولكن على الرغم من أن الأسلوبية بعيدة عن الحدس أو الجانب الانطباعي، إلا أنها -أحيانًا- تلجأ إليه، وخاصة في تحديدها للظواهر الأسلوبية. بل إن الباحث يعتمد على الحدس والانطباعية منذ اللحظة الأولى التي يختار فيها عملًا أدبيًا أو كتابيًا معينًا، أو فترة زمنية محددة فإنه يؤمن -مبدئيًا- بأنه ذو قيمة أدبية جديرة بالبحث، وهو في هذا يعتمد على الحدس، وعلى الحساسية النقدية التي يتمتع بها، ولكن على الرغم من ذلك يظل هذا الاختيار محددًا، ويظل مبتعدًا بالأسلوبية عن الانطباعية.
وإذا كان اللغويون يميزون في النظام اللغوي بين ظاهرتين هما: اللغة باعتبارها نظامًا من الرموز، والكلام باعتباره الاستعمال الفعلي لهذا النظام. ومجال الأسلوبية يتجسد في الظاهرة الثانية؛ "فطول الجملة أو قصرها، أو غلبة الأفعال فيها أو الأسماء، واستخدام حروف بطرائق معينة، ووفرتها أو ندرتها، وتحليل الأصوات اللافتة، ودراسة الأوزان ودلالتها، وغير ذلك من ملامح خصائص يتصف بها النص كل هذا هو مجال بحث الأسلوبية، وأي تغييرٍ في ترتيب أجزاء الجملة يتبعه تغيير في المعنى؛ فالألفاظ كما يقول (باسكال) ذات الترتيب المختلف لها معانٍ مختلفة، والمعاني ذات الترتيب المختلف لها تأثيرات مختلفة." (4)
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.