artherconan

شارك على مواقع التواصل

كان لدى المفتش مارتن من الكياسة ما جعله يسمح لصديقي بإنجاز المهمة على
طريقته الخاصة، واكتفى بتدوين النتائج بدقة. كان جرَّاحُ المنطقة، وهو رجل مُسنٌّ
أشْيَب، قد نزل لتوه من حجرة زوجة السيد هيلتن كيوبت، وأعلن أن جروحها خطيرة،
لكن ليستْ مميتة بالضرورة؛ إذ نفذت الرصاصة عبر مقدمة دماغها، ويُحتمل أن يتطلب
الأمر بعضالوقت قبل أن تتمكن من استعادة وعيها. وعندما سُئل هل أطُلقَت الرصاصة
عليها أم هي أطلقتْها على نفسها، لمْ يجرؤ على الإفصاح عن أيِّ رأي حاسم، لكن المؤكد أن
الرصاصة قد أطُلقت من مسافة قريبة جدٍّا. ولمْ يُعثر في الغرفة إلا على مسدسٍ واحد قد
أفُرِغَت أسطوانتاه. أما السيد هيلتن كيوبت فقد أصُيب برصاصةٍ في القلب. كانت احتماليةُ
أن يكون هو مَن أطلق عليها الرصاصثم على نفسه متساويةً مع كونها هي الفاعلة؛ لأن
المسدس كان مُلقًى على الأرضفي منتصف المسافة بينهما.
«؟ هل نُقلتْ جثته » : فسأل هولمز
«. لمْ ننقل أيَّشيءٍ باستثناء السيدة. لمْ نستطِع تركها ممددةً على الأرضوهي مُصابة »
«؟ منذ متى وأنتَ هنا، يا دكتور »
«. منذ الساعة الرابعة »
«؟ أيوجد أي أحد غيرك »
«. نعم، هذا الشرطي »
«؟ وأنتَ لمْ تمسَّ أيَّشيء »
«. مُطلقًا »
«؟ لقد تصرفتَ بحرصشديد. من الذي أرسل في طلبك »
«. خادمة المنزل، ساندرز »
«؟ هل كانتْ هي من طلبت المساعدة »
«. هي والسيدة كينج، الطاهية »
«؟ وأين هما الآن »
«. في المطبخ، على ما أعتقد »
«. أظن إذن أنه يجدرُ بنا سماعُ ما عندهما على الفور »
تحولت القاعة العتيقة، التي تزينها ألواحُ خشب السنديان وترتفع نوافذها عاليًا، إلى
ساحة للتحقيق. جلس هولمز على كرسي كبير قديم الطراز، وعيناه العنيدتان تلمعان في
وجهه المنهك. كنتُ أقرأ فيهما عزمًا أكيدًا على تكريس حياته لهذا التحقيق حتى يُؤخذ في
النهاية بثأر عميله الذي أخفق في إنقاذ حياته. كنت أنا والمفتشالأنيق مارتن وطبيب البلدة
الأشيب وشرطي قروي متبلد الحس نشكل بقية تلك الرفقة الغريبة.
قصَّت المرأتان ما تعرفانه بالوضوح الكافي: لقد استيقظتا من نومهما على صوت
انفجارٍ تبعه بعد دقيقة انفجارٌ آخر. كانتا نائمَتَين في غرفتَين متجاورتَين، فهُرعت السيدة
كينج إلى ساندرز ونزلتا على الدرج معًا. كان باب حجرة المكتب مفتوحًا وثمة شمعة
تشتعل فوق المنضدة وسيدهما ممدد على وجهه في وسط الحجرة وقد فارق الحياة بالفعل.
أما زوجتُه فكانتْ جاثمةً بجوار النافذة، ورأسها مائل على الحائط. كانتْ إصابتها رهيبة،
والدماءُ تصبغ صُدْغها بلونها الأحمر، وكانت تتنفس بصعوبة، لكنها لم تكن قادرة
على قول أي شيء. كان الدخان ورائحة البارود يغمران الممر والغرفة، والنافذة موصدة
ومحكمة الإغلاق من الداخل يقينًا. أبدت المرأتان استجابة إيجابية حيال الحادثة؛ إذ أرسلتا
على الفور في طلب الطبيب والشرطي، ثم عمدتا إلى نقل سيدتهما الجريحة إلى غرفتها،
بمساعدة سائس الخيل وفتى الإسطبل. كانت هي وزوجها قد أويا إلى غرفة النوم؛ إذ
شُوهدت مرتدية ثوبها، وشُوهد الزوج مرتديًا روبًا فوق ملابس النوم. لمْ يتحركشيءٌ من
مكانه في غرفة المكتب. بقدر ما تعلم الشاهدتان فإنه لم يقع أيُّ شجار بين الزوج وزوجته
مطلقًا؛ فقد كانتا دائمًا تريانهما زوجَين متآلفَين جدٍّا.
كانتْ هذه النقاطَ الرئيسية في شهادة الخادمتَين. عندما سألهما المفتش مارتن عن
أبواب المنزل، أكدتا أن جميع الأبواب كانتْ محكمة الإغلاق من الداخل، وأنه لمْ يكن أحدٌ
ليستطيع الهروب من المنزل، كما أجابتا هولمز على سؤالٍ له بأنهما تذكران تمييزهما لرائحة
البارود من لحظة إسراعهما بالخروج من حجرتَيهما بالطابق العلوي. فقال هولمز لزميل
إنني أوصيك بتوجيه عنايتك الفائقة إلى هذه المعلومة. والآن أعتقد أننا مستعدون » : مهنته
«. للشروع في فحصٍ شامل للغرفة
اتضح من الفحص أن حجرة المكتب حجرةٌ صغيرة، تصطف الكتب على ثلاثة من
جوانبها، وبها طاولة للكتابة تقع في مواجهة نافذةٍ عاديةٍ مُطلةٍ على الحديقة. كان أول
ما لفت انتباهنا جثة مالك الضيعة التعيس الحظ، التي كان بنيانها الضخم ممددًا فوق
أرضية الغرفة. كانت ثيابه غير المهندمة تدل على أنه قد أوُقظ من نومه على عجل. لقد
أطُلقت الرصاصةُ عليه من الأمام، وبقيتْ في جسده بعدما اخترقت القلب. من المؤكد أن
موته كان فوريٍّا ولم يكن مؤلمًا. لمْ يكن هناك أثر للبارود على روبه ولا على يديه، وبحسب
ما قال جراح البلدة، فقد كانت هناك بقع على وجه السيدة، أما يدها فلم يكن عليهاشيء.
إن عدم وجود أثر للبارود لا يعني شيئًا، ولكن وجودَه قد يعني كل » : قال هولمز
شيء. فقد يستطيع المرء إطلاق العديد من الطلقات دون ترك أي أثر ما لمْ يرتد عليه
بارود الخرطوش السيئ الصنع. أرى أنه يمكن إزالة جثمان السيد كيوبت الآن. أظن أنك
«؟ لمْ تستخرج بعدُ الرصاصة التي أصابت السيدة، يا دكتور
سيحتم هذا إجراءَ عملية خطيرة. ولكن لا يزال هناك أربعة خراطيش في المسدس. »
«. أطُلق اثنان ووقعتْ إصابتان، لذا يمكن معرفةُ أين ذهبتْ كل رصاصة
قد يبدو الأمر كذلك، لكن ربما يمكنك أيضًا أن تضع في اعتبارك الرصاصة » : قال هولمز
«؟ التي من الواضح جدٍّا أنها أصابت حافة النافذة
واستدار فجأةً، وإذا بإصبعه الطويل الرفيع يشير إلى فجوةٍ حُفرتْ في إطار زجاج
النافذة السفلي مباشرةً على مسافة بوصةٍ تقريبًا فوق القاعدة.
«؟ يا إلهي! كيف استطعتَ رؤيةَ هذا » : فصاح المفتش
«. لأنني كنتُ أبحث عنها »
مدهش! إنك محق تمامًا سيدي. إذن فقد أطُلقتْ رصاصة ثالثة، » : قال جرَّاح البلدة
وعليه فلا بد أن شخصًا ثالثًا كان موجودًا. ولكن من عساه يكون هذا وكيف استطاعَ
«؟ الهرب
هذه هي المشكلة التي نوشك أن نحلها الآن. ألا تذكر، أيها المفتش » : قال شيرلوك هولمز
مارتن، عندما قالت الخادمتان إنهما وجدتا رائحة البارود فوْرَ مغادرة حجرتَيهما أنني
«؟ عقبتُ على ذلك بأن هذه النقطة بالغة الأهمية
«. بلى يا سيدي، لكن أعترف أنني لمْ أدُركْ ما رميتَ إليه على نحوٍ تام »
يشير هذا إلى أن النافذة وباب الحجرة كانا مفتوحَين لحظة إطلاق النار، وإلا لما »
انتشرَ دخان البارود في المنزل بهذه السرعة. كان هذا يستلزم وجود تيار هواء في الحجرة.
«. بيد أن الباب والنافذة لم يفتحا إلا لفترة وجيزة جدٍّا
«؟ كيف يمكنك إثبات هذا »
«. لأن الشمعة لمْ تذُب »
«! ممتاز! ممتاز » : فصاح المفتش
وإذ تيقنتُ أن النافذة كانتْ مفتوحةً وقتَ حدوث المأساة، تصورتُ أنه ربما كان هناك »
طرف ثالث في القضية، وقد وقف خارج هذه الفتحة وأطلق النار من خلالها. يمكن لأيِّ
طلقة تُصوَّب على هذا الشخص أن تصطدم بإطار النافذة. فبحثتُ، وإذا بأثر الرصاصة
«! هناك ظاهر بالفعل
«؟ ولكن كيف أوُصِدت النافذةُ وأحُكِم إغلاقُها »
قد يكون أول ما دفعت غريزةُ المرأة إياها إليه هو قفل النافذة وإحكام إغلاقها. لكن، »
«؟ مهلًا! ما هذا
كان فوق طاولة الغرفة حقيبة يدٍ نسائية — حقيبة يد صغيرة أنيقة مصنوعة من
جلد التمساح والفضة. ففتحها هولمز وأخرج محتوياتها. كان بها عشرون ورقة من فئة
الخمسين جنيهًا الصادرة عن مصرف إنجلترا، وكانتْ مربوطة بشريط من المطاط — ولا
شيء غير ذلك.
يجب الحفاظعلى هذه؛ فسيكون » : قال هولمز، وهو يسلم الحقيبة ومحتوياتها للمفتش
لها أهمية في المحاكمة. ومن الضروري الآن أن نحاول إلقاء بعضالضوء على هذه الرصاصة
الثالثة، التي يبدو واضحًا، من خلال تشقق الخشب، أنها أطُلقتْ من داخل الغرفة. أود
رؤية السيدة كينج، الطاهية، مرة أخرى. لقد قلتِ، سيدة كينج، إنك استيقظتِ على صوت
«؟ انفجارٍ مُدوٍّ. عندما قلتِ هذا، هل كنتِ تقصدين أنه بدا لكِ أكثر حدةً من الانفجار الثاني
«. حسنٌ، سيدي، لقد أيقظني من نومي؛ لذا فمن الصعب أن أقرر. لكنه بدا عاليًا جدٍّا »
«؟ ألا تظنين أنه ربما أطُلِقَت الرصاصتان في اللحظة نفسها تقريبًا »
«. لا أستطيع الجزم، يا سيدي »
أعتقد أن الأمر كان كذلك دون شك. وأكاد أرى، أيها المفتشمارتن، أننا قد استنفدنا »
الآن كل ما يمكن لهذه الغرفة أن تخبرنا إياه. فهلا تتفضل بمرافقتي، علَّنا نرى ما لدى
«. الحديقة من أدلة جديدة تقدمها
لاحظنا وجود حوضأزهار ممتد حتى نافذة حجرة المكتب، وقد أصابنا جميعًا الذهول
عندما اقتربنا منه. كانت الأزهار قد سُحقتْ والتربة الرخوة مختومةً في كل جزء منها بآثار
أقدام. كانتْ آثار قدمَيْ ذكر ضخمة ذات أصابع طويلة حادة الأطراف بطريقةٍ غريبة.
وراحَ هولمز يفتش بين العشب وأوراق النباتات وكأنه كلبُ صيد يتعقب طائرًا جريحًا. ثم
انحنى للأمام، وهو يصيح صيحة رضًا، ملتقطًا جسمًا أسطوانيٍّا نحاسيٍّا صغيرًا.
كنتُ أتوقع هذا، المسدس به قاذفٌ للطلقات الفارغة، وها هو ذا الخرطوش » : وقال
«. الثالث. أعتقد حقٍّا، أيها المفتش مارتن، أن قضيتنا قد حُسمتْ تقريبًا
أظهرتْ ملامح وجه مفتش البلدة دهشته الشديدة من التقدم السريع البارع الذي
أحرزه تحقيقُ هولمز. صحيح أنه قد أظهر بعض الميل إلى تأكيد مكانته في بداية الأمر،
ولكن الإعجاب غلبه الآن وصار مستعدٍّا لاتِّباعِ هولمز أينما قاده من دون مناقشة.
«؟ فيمن تشتبه » : وسأل
سوف أفُصِّل هذا لاحقًا. إن في هذه القضية العديدَ من النقاط التي لمْ أتمكن بعدُ »
من توضيحها لك. أما الآن وبما أني وصلتُ إلى هذه النقطة من التقدم فيحسنُ بي أن أكُمل
«. الأمر بطريقتي الخاصة، ثم أوضح الأمر كله بصورةٍ نهائية
«. كما تُحب، يا سيد هولمز، ما دمنا سوف نتوصل إلى المجرم »
أنا لا أنوي اختلاق الألغاز، ولكن يستحيل الدخول في تفسيراتٍ طويلة ومعقدة لحظةَ »
أداء المهمة. إنني أمُسك بخيوط هذه القضية كلها في يدي، وحتى إن لم تستعِد هذه السيدةُ
وعيَها أبدًا فما زال بإمكاننا أن نعيد تخيل أحداث ليلة أمس، وأن نضمن تحقق العدالة.
نزل » ولكن قبل كل شيء أود أن أعرف إن كان يوجد أيُّ نُزُلٍ في الجوار يُعرف باسم
«؟« إلريدج
أجرينا استجوابًا للخدم، ولكن لمْ يكنْ أحد منهم قد سمع بمثل هذا المكان، لكن الفتى
الذي يعمل في الإسطبل ألقى ضوءًا على الموضوع عندما تذكَّر أن هناك مُزارعًا يحمل هذا
الاسم ويعيش على بُعد بضعة أميال باتجاه قرية إيست راستن.
«؟ هل مزرعته هذه في مكان معزول »
«. إنها معزولة تمامًا، سيدي »
«؟ ربما لمْ يسمعوا بعد بكل ما حدث هنا أثناء الليل، أليس كذلك »
«. نعم يا سيدي، ربما »
وفكَّر هولمز قليلًا ثم بدأت ابتسامةٌ غريبةٌ تتراقصعلى وجهه.
«. أسرِج فرسًا، يا فتى. أريدك أن تحمل رسالة إلى مزرعة إلريدج » : وقال
أخرج هولمز من جيبه قصاصات الورق المتنوعة التي تحمل أشكال الرجال الراقصين،
ووضعها أمامه على المكتب وراحَ يعمل لبعضالوقت. وأخيرًا سلَّم رسالةً للفتى، وأمره أن
يسلمها يدًا بيد للشخص الذي كُتبتْ له، وأكد عليه ألَّا يُجيبَ عن أي أسئلةٍ من أيِّ نوعٍ
قد تُطرحَ عليه. رأيتُ مظروفَ الرسالة، كان عنوانها مكتوبًا بأحرف مبعثرة غير منتظمة
ومغايرة تمامًا لكتابة هولمز الدقيقة المعتادة. كانتْ موجهةً إلى السيد آيب سليني، بمزرعة
إلريدج، قرية إيست راستن، مقاطعة نورفك.
أعتقد، أيها المفتش، أنه يحسنُ بك أن تُرسل ببرقيةٍ تطلب فيها » : علَّق هولمز قائلًا
بعضالحرس؛ لأنه، إذا صحَّتْ توقعاتي، فمن الممكن أن تقبضعلى سجين بالغ الخطورة
لا بد من إرساله إلى سجن المقاطعة. يمكن بلا شك للفتى الذي سيحمل هذه الرسالة أن
يبعث ببرقيتك. إذا كان هناك قطار يتجه إلى المدينة في فترة بعد الظهر، يا واطسون، فأظن
أنه يحسُن بنا أن نستقله؛ فأنا لديَّ تحليل كيميائي مهم أريد أن أنجزه، وهذا التحقيق
«. يدنوسريعًا من نهايته
بعد إرسال الفتى بالرسالة أصدر شيرلوك هولمز تعليماته للخدم. أمرهم شيرلوك ألَّا
يُفصِحوا عن أي معلومات عن حالة زوجة السيد هيلتن كيوبت لأيِّ زائرٍ قد يأتي سائلًا
عنها، بل عليهم أن يصطحبوه على الفور إلى قاعة الاستقبال. أكد عليهم هولمز أهمية الالتزام
بهاتَين النقطتَين مبديًا أقصى درجات الجدية، وفي النهاية تقدَّمَ إلى قاعة الاستقبال وهو
يشير إلى أن الأمر لمْ يعد بأيدينا الآن، وأنه ينبغي لنا أن نمضيالوقت بأفضل صورة ريثما
نتبين ما يخبئه لنا الغيب. غادر الطبيب بعدها إلى مرضاه، ولم يبقَ غيري أنا والمفتش.
قال هولمز، وهو يسحب كرسيه صوب المكتب ويبسط أمامه الأوراق المختلفة التي
أظن أنني أستطيع أن أساعدكما على » : دُوِّنت عليها أشكال الرجال الراقصين الغريبة
تمضية ساعةٍ من الوقت بطريقة ممتعة ومفيدة. أما بالنسبة إليك، صديقي واطسون، فأنا
مدين لك بكل تعويضٍ لصبرك عن إشباع فضولك الطبيعي طوال هذه المدة. وأما عنك،
يا حضرة المفتش، فقد تروق لك الواقعة كلها بوصفها دراسة احترافية بارزة. يجب عليَّ
أن أخبركما أولًا بجميع الملابسات المثيرة للاهتمام والمتعلقة بالمشاورات التي أجراها السيد
ثمَّ أعاد هولمز باختصارسرد الحقائق «. هيلتن كيوبت معي من قبل في شارع بيكر ستريت
إن أمامي هنا هذه الرموز الفريدة، التي كان المرءُ » : التي أوردتها بالفعل، وتابع قائلًا
سيضحك منها لو لمْ يثبتْ أنها كانتْ نُذُر مأساةٍ فظيعةٍ كهذه. إن جميع أنواع الكتابة
السرية مألوفة لديَّ إلى حد ما، وأنا نفسيألفتُ كتابًا متواضعًا عن هذا الموضوع، وقد حلَّلتُ
فيه سر مائة وستين شفرة مختلفة، ولكني أعترف أن هذه الكتابة جديدة كليٍّا بالنسبة
إليَّ. من الواضح أن هدفَ من اخترعوا هذه الطريقة كان أن يُخفوا أن هذه الرموز تحمل
معنى، وأن يعطوا انطباعًا أنها مجرد تصاوير عشوائية من صنع الأطفال.
لكن، بمجرد أن أدركتُ أن هذه الرموز تمثلُ حروفًا، وعندما طبقتُ عليها القواعد
التي ترشدنا في جميع أنواع الكتابات السرية، أصبح الحل سهلًا بما فيه الكفاية. كانت
أول رسالة سُلمتْ إليَّ قصيرة جدٍّا بحيث كان من المستحيل أن أتوصل إلى ما هو أبعد من
القول، ببعضالثقة، إن هذا الرمز:
هو الحرف الأكثر شيوعًا بين حروف الهجاء E كما تعرفان، فالحرف .E يمثل الحرفَ
الإنجليزية، وهو غالبُ الورود فيها بدرجةٍ ملحوظةٍ جدٍّا بحيث يتوقع المرءُ أن يجده الأكثر
تكرارًا حتى في الجمل القصيرة. ومن بين خمسة عشر رمزًا تضمنتهم الرسالة الأولى كان
صحيح أن .E هناك أربعة رموز متطابقة، لذا كان من المعقول أن أعد هذا الرمز حرف
الشكل كان يحمل علَمًا في بعض الأحيان ولا يحمله في بعضها الآخر، لكن يحتمل — من
خلال طريقة توزيع الأعلام — أنها كانت تُستخدم لتقسيم الجملة إلى كلمات. تقبلتُ هذا
كان يُمثَّل بهذا الرمز: E التصور باعتباره فرضية، ودونتُ أن حرف
لكن بعد ذلك واجهتني الصعوبة الحقيقية في التحقيق؛ فترتيب شيوع الحروف
غير محدد على الإطلاق، وأيُّ رجحانٍ قد يبدو لأحد الحروف E الإنجليزية فيما بعد الحرف
،T على غيره في صفحةٍ عادية مطبوعة يمكنُ أن ينتقضبجملة واحدة قصيرة. فالحروف
تأتي على هذا الترتيب تقريبًا من ناحية تكرارها، لكن الحروف L ،D ،R ،H ،S ،N ،I ،O ،A
تتكرر بنسبةٍ متقاربة جدٍّا، وستكون تجربة كلِّ مزيجٍ منها بهدف الوصول I ،O ،A ،T
إلى معنًى مهمة لا تنتهي؛ لذا انتظرتُ وُرودَ رسوم جديدة. وفي لقائي الثاني بالسيد هيلتن
كيوبت استطاعَ أن يعطيني جملتين قَصيرتَين أخريَيْن ورسالة واحدة، وقد بدتْ — لعدم
وجود أعلام فيها — أنها كلمة واحدة. ها هي الرموز. والآن، فإن لديَّ بالفعل في الكلمة
وهما واقعان في الترتيب الثاني والرابع لكلمة من خمسة أحرف. قد تكون E المفردة حرفي
مستحيل). ما من شك أن الكلمة المحتملة ) Never أو Lever أو Sever هذه الكلمة هي
بصورة أكبر هي الكلمة الأخيرة بوصفها ردٍّا على طلبٍ ما، وقد أشارت الملابسات إلى كونها
ردٍّا كتبتْه السيدة. وبافتراضصحة هذا الاحتمال، يمكننا الآن أن نقول إن هذه الرموز:
.R ثم ،V ثم ،N تُمثل — بالتتابع — الحروف
حتى بعد الوصول إلى تلك المرحلة، فقد كنتُ واقعًا في صعوبة كبيرة، لكن خاطرةً
موفقةً مكنتني من الاهتداء إلى حروف عديدة أخرى. خطر ببالي أنه لو كانتْ هذه الطلبات
قد وردت، كما توقعتُ، من أحد الأشخاص الذين كانتْ تربطهم صلةٌ قوية بالسيدة في
بينهما ثلاثة أحرف E أول حياتها، فإنه من المحتمل جدٍّا أن يرمزَ مزيجٌ مكون من حرفيَْ
وعند الفحصوجدتُ أن هذا المزيج من الرموز .ELSIE أخرى إلى اسم السيدة بالإنجليزية
شكَّل خاتمة الرسالة التي تكررتْ ثلاث مرات. لقد كانت بالتأكيد طلبًا ما موجهًا إلى
ولكنْ أي نوع من الطلبات قد يكون .I ،S ،L وبهذه الطريقة حصلتُ على أحرف .« إلسي »
.E وكانتْ تنتهي بحرف ،Elsie هذا؟ كان ثمة أربعة أحرف فقط في الكلمة التي سبقتْ
تعالي). جربتُ كل كلمة أخرى تتكون من أربعة أحرف ) COME لا بد أن هذه الكلمة هي
،O و ،C ولكن لمْ أجد بينها ما يلائم الملابسات. وهكذا أصبحتْ معي الحروف ،E وتنتهي ب
وأصبحتُ مستعدٍّا للشروعِ في دراسة الرسالة الأولى مرة أخرى، فقسمتُها إلى كلماتٍ ،M و
ووضعتُ نقاطًا مكان كل رمزٍ لمْ أكن عرفته بعد. عندما تعاملت مع الرسالة بهذه الطريقة
أصبحتْ بهذا الشكل:
..M .ERE ..E SL.NE
وهو اكتشافٌ عظيم النفع؛ لأنه يظهر بما ،A والآن لا يمكن للحرف الأول إلَّا أن يكون
أيضًا في الكلمة الثانية. H لا يقل عن ثلاث مرات في هذه الجملة القصيرة، ويظهر الحرف
والآن تصبح الجملة كالتالي:
AM HERE A.E SLANE. (. (أنا هنا آ.ب سلين
أو تصبح، عند ملء الفراغات الواضحة في الاسم:
AM HERE ABE SLANEY. (. (أنا هنا آيب سليني
فأصبح لديَّ عندئذٍ عدد كبير جدٍّا من الحروف بحيث استطعتُ التقدم بقدرٍ كبيرٍ من
الثقة إلى الرسالة الثانية، التي تكشفت عن الآتي:
.A. ELRI.ES
مكان الحرفَين المفقودَين، G و T لم أستطع الحصول على معنًى مفهوم إلَّا بوضع حرفيَ
«. وأن أفترضَأن هذا الاسم كان اسم منزلٍ أو نُزُلٍ ما حيث كان يُقيم كاتب الرسائل
جلستُ أنا والمفتش مارتن نستمع باهتمامٍ بالغٍ إلى الوصف الكامل والمفصل لكيفية
توصل صديقي إلى النتائج التي مكنتنا من مثل هذا التغلب التام على مصاعبنا.
«؟ وماذا فعلتَ بعد ذلك، يا سيدي » : سأله المفتش
كان لديَّ كل الأسباب التي تجعلني أفترضأن آيب سليني هذا كان أمريكيٍّا، لأن كلمةَ »
لفظةٌ أمريكية مرخمة، ولأن مبتدأ المأساة كلها كان خطابًا واردًا من أمريكا. وكان « آيب »
عندي كذلك كل الدوافع لأعتقد أن الأمر كان ينطوي علىسرجنائي؛ فتلميحات السيدة عن
ماضيها ورفضها إطلاع زوجها على أسرارها يشيران إلى هذا الاحتمال؛ لذا أرسلتُ برقيةً
إلى صديقي ويلسن هارجريف، في مكتب شرطة نيويورك، الذي استفاد أكثر من مرةٍ من
معرفتي بعالم الجريمة في لندن. سألته إذا ما كان الاسم آيب سليني مألوفًا بالنسبة إليه.
في المساء نفسه الذي تلقيتُ فيه ردَّه أرسلَ «. أخطر محتال في شيكاجو » : وها هو ذا رده
إليَّ هيلتن كيوبت آخرَ رسالة وصلته من سليني. وبترجمتها إلى الحروف المعروفة، اتخذَت
الرسالةُ الصورة التالية:
ELSIE .RE.ARE TO MEET THY GO. (. (إلسي .ست.دي لملاقاة رب
معنى الرسالة التي فهمتُ منها أن الوغد انتقل من الاستمالة D و P أكملتْ إضافةُ حرفيَ
إلى التهديدات، وأهَّلتْني معرفتي بمحتالي شيكاجو للانتباه إلى أنه ربما ينفذ كلامه بمنتهى
السرعة، فأتيتُ على الفور إلى نورفك برفقةصديقي وزميلي الدكتور واطسون، لأجد، آسفًا،
«. أن أسوأ الأمور قد وقع بالفعل
إنه لشرف لي أن أشترك معك في حلِّ إحدى القضايا، ولكني » : قال المفتش، بحرارة
أستميحك عذرًا في التحدث إليك بصراحة. أنتَ لستَ مسئولًا إلَّا أمام نفسك، أما أنا فمضطر
لتبرير أفعالي لرؤسائي. فلو كان آيب سليني، المقيم في مزرعة إلريدج، هو المجرم بالفعل،
«. وتمكَّن من الهرب وأنا جالس هنا، فسأقع في ورطة خطيرة بالتأكيد
«. لست مضطرٍّا للقلق. فلن يحاول الهرب »
«؟ وما أدراك بهذا »
«. لأن الهرب سيكون اعترافًا بالذنب »
«. إذن فلنذهب للقبضعليه »
«. إنني أترقب مجيئه هنا في كل لحظة »
«؟ ولكن ما الذي يضطره للمجيء »
«. لأنني كتبت إليه أستدعيه »
لكن هذا لا يصدق، يا سيد هولمز! ما الذي يدفعه للمجيء لأنك استدعيته؟ أليس من »
«؟ الممكن أن يثير مثل هذا الطلب شكوكه ويتسبب في هربه
أظن أنني تمكنتُ من صياغة الخطاب بالطريقة المناسبة. في » : قال شيرلوك هولمز
الواقع، إذا لم أكن مخطئًا تمامًا، فها هو ذا الرجل نفسه يتقدم ناحية الطريق الخاصة
«. بالمنزل
ونظرنا فإذا برجلٍ يخطو خطًى واسعةً على الممشى المؤدي إلى باب المنزل. كان رجلًا
داكن البشرة طويل القامة وسيمًا، مرتديًا بذلة رمادية من صوف الفلانيلَّا الناعم ويعتمر
قبعة من القش، ذا لحية سوداء منتفشة وأنف ضخم معقوف ينبئ عن شراسة وعصًا
يلوح بها أثناء سيره. راح يختال وهو يسير على الممشى وكأنه صاحب المكان، ثم سمعنا
دقاته الحادة الواثقة على الجرس.
أظن، أيها السادة، أنه يجدر بنا أن نتخذ مواقعنا خلف الباب. » : قال هولمز، بهدوء
يتحتم اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة عند التعامل مع مثل هذا الرجل. ستحتاج لأصفاد
«. اليدين التي معك، أيها المفتش. يمكنكما أن تتركا التحدث لي
انتظرنا في صمتٍ مدة دقيقة — واحدة من تلك الدقائق التي لا يسع المرء نسيانها
أبدًا. ثم انفتح الباب ودخل الرجل، وفي لمح البصرصوَّب هولمز مسدسًا نحو رأس الرجل
وطوَّق مارتن معصمَيه بالقيود. حدث هذا كله بسرعة وبراعة بالغتَين حتى إن الرجل
أضحى فاقدَ الحيلة قبل أنْ يتنبه إلى أنه قد هُوجم. راح يحملقُ فينا واحدًا بعد الآخر
بعينَين سوداوَين متوهجتَين غاضبتَين، ثم انفجر في ضحكة ساخطة.
حسنٌ، أيها السادة، لقد أوقعتم بي هذه المرة. يبدو أنني سقطت في شَرَك لا قِبَل »
لي به. ولكني أتيتُ إلى هنا تلبيةً لخطابٍ من زوجة السيد هيلتن كيوبت. لا تقولوا لي إنها
«؟ طرفٌ فيما يحدث هنا، ها؟ لا تقولوا لي إنها اشتركت في نصبشركٍ لي. أفعلتْ هذا
«. لقد أصيبتْ زوجة السيد هيلتن كيوبت إصابة خطيرة وهي على حافة الموت »
فصرخ الرجلصرخةَ أسًىبصوته الأجش دوَّتْ في أنحاء المنزل.
أنتَ مجنون! لقد كان هو الذي أصُيب، وليست هي. من كان سيؤذي » : صاح بشراسة
الرقيقة إلسي؟ ربما أكون هددتُها، وليسامحني الرب، ولكني لم أكن لأمسشعرة من رأسها
«! الجميل. تراجع عما قلت يا رجل! قل إنها لم تُصب بمكروه
«. لقد وجدوها — بجوار زوجها القتيل — مصابةً إصابة بالغة »
فغرق الرجل في الأريكة وهو يئن أنينًا عميقًا ودفن وجهه في يدَيه المصفدتَين. ظل
ساكتًا مدة خمس دقائق، ثم رفع رأسه مرة أخرى، وأخذ يتكلم بهذا الهدوء الفاتر الذي
يُرافق فقدانَ الأمل.
ليس لدي ما أخفيه عنكم، أيها السادة. إن كنتُ أطلقت النار » : استهل حديثه قائلًا
على الرجل فقد أطلق هو الآخر النار عليَّ، وليستْ هذه بجريمة قتل عمد. ولكن إن كنتم
تظنون أنني كنتُ أستطيع إيذاء تلك المرأة، فأنتم لا تعرفونني إذن ولا تعرفونها. إنني أؤكد
لكم أنه ما من رجلٍ في هذه الدنيا أحبَّ امرأةً قط أكثر مما أحببتُها أنا. لقد كان لي الحق
فيها. كانت رهنًا موقوفًا لي منذ سنين. من كان هذا الرجل الإنجليزي حتى يتسنى له أن
«. يحول بيننا؟ أؤكد لكم أنني كنتُ أحق بها من البداية، وأنني إنما كنتُ أستعيد حقي
لقد تخلصتْ من سلطانك عندما اكتشفتْ حقيقة ما أنتَ عليه، » : قال هولمز بصرامة
وهربتْ من أمريكا لتبتعد عنك، ثم تزوجتْ من رجلٍشريف في إنجلترا، فتعقبتَها ولاحقتَها
وجعلتَ حياتَها تعيسةً كيْما تحرضها على تركِ زوجها الذي أحبَّتْه واحترمتْه والهرب
معك، وأنت الشخص الذي كانتْ تخافه وتكرهه. فانتهيتَ إلى التسبب في موت رجلٍ نبيل
ودفعِ زوجته للانتحار. ذلك هو سجل أفعالك، يا سيد آيب سليني، وستُحاسب عليه أمام
«. القانون
وفتح إحدى يدَيه ونظر «. لئن ماتتْ إلسي فلن آبه بما يقعُ لي » : قال الرجل الأمريكي
اسمع، أيها السيد. أنت لا » : إلى رسالةٍ مكوَّرة في راحة يده، ثمصاح، وفي عينَيه التماعة شك
تحاول إخافتي، أليس كذلك؟ إذا كانتْ إصابةُ السيدة بهذا السوء الذي تتحدث عنه، فمن
وقذف بها على المنضدة. «؟ الذي كتب هذه الرسالة
«. أنا كتبتُها لآتي بك إلى هنا »
أنتَ كتبتَها؟ ما من أحد مطلقًا خارجَ عصابتنا يعرف سر الرجال الراقصين. كيف »
«؟ تسنى لك أن تكتبها
ما يستطيع إنسان أن يخترعه يستطيع آخر أن يكتشفه. هناك عربة » : فردَّ هولمز
قادمة لنقلك إلى مدينة نوريدج، يا سيد سليني. لكن، ريثما تأتي، فإن لديك وقتًا لتقدم
تعويضًا بسيطًا عما اقترفته يداك. أتعرفُ أن ثمة شكوكًا خطيرة كانت تحوم حول زوجة
السيد هيلتن كيوبت، متهمةً إياها بقتل زوجها، ولمْ ينقذها من التهمة إلَّا وجودي هنا
والمعلومات التي تصادَف أني أعرفها؟ إنَّ أقل ما تدينُ لها به أنْ توضح للجميع أنها لم
«. تكن بأي طريقة، مباشرة أو غير مباشرة، مسئولةً عن نهايته المأساوية
لا أطمع فيما هو أكثر من هذا، وأظن أن خيرَ ما يمكنني أن » : قال الرجل الأمريكي
«. أبرر به موقفي هو قول الحقيقة المطلقة المجردة
فصاح المفتش، معبرًا عن النزاهة العظيمة التي يتصف بها القانون الجنائي
«. يجب عليَّ أن أحذرك أن هذا قد يُستخدم ضدك » : البريطاني
سأجازف بهذا. أولًا، أريدكم أن تعلموا أيها » : فهز سليني كتفَيه في غير اكتراث، وقال
السادة أني أعرف هذه السيدة منذ أن كانتْ طفلة. كنَّا سبعة أعضاء في عصابة في مدينة
شيكاجو، وكان والدُ إلسي كبير جماعتنا. كان رجلًا ذكيٍّا كبير السن، يُدعى باتريك، وهو
الذي اخترع طريقة الكتابة هذه، التي قد تعدها عبث أطفالٍ لو لم تتفق لك معرفةُسرها.
حسنٌ، لقد تعلمتْ إلسي بعضًا من أساليبنا، لكنها لمْ تستطع تحمُّل الأمر، وكان لديها
قليل من المال الذي جنته بطرقشرعية، لذا أفلتتْ منا جميعًا وهربتْ إلى لندن. كانتْ إلسي
مخطوبة لي، وأظن أنها كانتْ ستتزوجني لو أنني كنتُ اتخذتُ لنفسي عملًا آخر، لكنها
لمْ تكن مستعدةً للانخراط في أيِّ شيءٍ غير شريف. لمْ أتمكن من معرفة مكانها إلَّا بعدما
تزوجتْ من هذا الرجل الإنجليزي، فكتبتُ إليها، ولكني لمْ أتلقَّ أيَّ رد. وبعد ذلك جئتُ إلى
هنا، ولأنَّ الخطابات لم تُجدِ نفعًا، وضعتُ رسائلي حيثُ تستطيعُ أن تراها.
حسنٌ، لقد مر شهر على وجودي هنا حتى الآن. أقمتُ في تلك المزرعة، حيث كان لديَّ
غرفة هناك بالطابق السفلي، وكنتُ أستطيع الدخول والخروج كل ليلة، دون أن يكشف
أمري أحد. لقد بذلتُ وسعي لاستمالة إلسي، وقد عرفتُ أنها كانت تقرأ الرسائل، لأنها
كتبتْ ردٍّا تحت إحداها ذات مرة. ثم بلغ مني الانفعال مبلغه، فبدأتُ أهددها. أرسلتْ
إليَّ إلسي خطابًا عندئذ تتوسل إليَّ فيه أن أرحل وتقول إنَّ قلبها سوف ينفطر لو أن أيَّ
فضيحةٍ لحقتْ بزوجها، وأضافت أنها مستعدةٌ للخروج أثناء نوم زوجها في الثالثة صباحًا
والحديث معي من خلال نافذة البيت الأخيرة، إذا كنتُ سأرحل بعد ذلك وأدعها وشأنها.
بالفعل أتتْ إلسي ومعها بعض المال، في محاولةٍ منها لرشوتي حتى أرحل. لقد أفقدني
تصرفها صوابي، فأمسكتُ بذراعها وحاولتُ جذبها من خلال النافذة، وفي هذه اللحظة
اندفع الزوج إلى داخل الغرفة حاملًا مسدسه في يده، فسقطتْ إلسيعلى الأرض، وأصبحتُ
أنا وهو وجهًا لوجه. كنتُ مسلحًا كذلك، فصوَّبتُ مسدسينحوه أخيفه حتى يدعني أذهب،
لكنه أطلقَ عليَّ رصاصةً أخطأتْني، فما كان مني إلا أن أطلقتُ النار أنا الآخر في اللحظة
نفسها تقريبًا، فسقطَ أرضًا. هربتُ بعدها عبرَ الحديقة، وعند مغادرتي سمعتُ النافذة
تنغلق خلفي. هذه هي الحقيقة الكاملة، أيها السادة، في كل كلمةٍ منها، ولمْ أسمع المزيد
عن الأمر حتى أتى إليَّ ذلك الفتى على جواده حاملًا رسالةً جعلتْني آتي إلى هنا بقدمي،
«. كالأحمق، وأضع نفسي في قبضتكم
وصلتْ عربةٌ أمام المنزل أثناء حديث الرجل الأمريكي، بداخلها رجلاشرطةٍ في زيهما
الرسمي، فنهضالمفتش مارتن ووضع يده على كتف سجينه.
«. آن لنا أن نذهب » : وقال
«؟ أيمكنني أن أراها أولًا »
لا، إنها غائبة عن الوعي. سيد شيرلوك هولمز، إنني آملُ فقط أن يسعدني الحظ »
«. بوقوفك إلى جانبي إذا حدث وواجهتني قضيةٌ مهمةٌ
وقفنا عند النافذة نشاهد العربة وهي تبتعد عن المنزل. وعندما استدرتُ لمحتْ عيني
كرةَ الورق الصغيرة التي قذف بها السجين على المنضدة. لقد كانت الرسالة التي استدرجه
هولمز بها.
«. حاول أن تقرأها، يا واطسون » : قال هولمز، وهو يبتسم
لم تحتوِ على أي كلمة، وإنما كان بها هذا السطر القصير من الرجال الراقصين:
تعالَ » : إذا استخدمت الشفرة التي شرحتُها فستجد أنها تعني ببساطة » : قال هولمز
كنتُ واثقًا أنها دعوة ما كان له أن يرفضها؛ لأنه لمْ يكن ليتصور أبدًا «. إلى هنا في الحال
إمكانيةَ ورودها من أي أحدٍ غير السيدة إلسي. وهكذا، عزيزي واطسون، فقد انتهينا إلى
تحويل تلك الأشكال الراقصة إلى أداة للخير مع أنها طالما كانت وسيلة للشر، وأظن أنني
أنجزت وعدي لك بتقديم شيء استثنائي تضيفه إلى مفكرتك. إن قطارنا ينطلق في الثالثة
«. وأربعين دقيقة، وأظن أنه يجدر بنا الرجوع إلى شارع بيكر ستريت من أجل الغداء
أختتمسردي بكلمة واحدة فقط. حُكم على الأمريكي، آيب سليني، بالإعدام في جلسات
محكمة الجنايات المنعقدة شتاءً بمدينة نوريدج، لكنْ تغيرتْ عقوبته إلى الأشغال الشاقة
مراعاةً للظروفِ المخفِّفة للعقوبة، ونظرًا لحقيقة أن هيلتن كيوبت كان هو من أطلق
الرصاصة الأولى. بالنسبة إلى زوجة السيد هيلتن كيوبت، فلا أعلم عنها سوى أنها تعافتْ
بالكلية، وأنها لا تزال أرملةً، مكرسةً حياتها كلها لرعاية الفقراء وإدارة ممتلكات زوجها
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

الفصل الأول الفصل الثاني
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.