نظرْنا بين فروع الأشجار فرأيْنا ذلك الجسد «! ها هو هناك » : همسَ بينيت مَذعورًا
الطويل المُنتصِب يظهر من باب الصالة ناظرًا حوله. وقفمائلًا إلى الأمام، ويداه تتأرْجَحان
أمامه، بينما يستدير برأسه من جانبٍ إلى جانب. لوَّح إلينا المُساعِد بتحية أخيرة وتسلَّل بين
الأشجار، وسُرعان ما رأيناه ينضمُّ إلى ربِّ عمله من جديد، ويدخُلان إلى المنزل معًا بينما
يدور بينهما حديثٌ حيويٌّ بل وحماسيأيضًا.
أظنُّ أنَّ العجوز قد خمَّن حقيقة الأمر. لقد » : تحدَّث هولمز ونحن نسير باتِّجاه النُّزُل
ألُقيَ في رَوعي من ذلك الوقت القليل الذي رأيتُه فيه أنَّه يتمتَّع بذِهنٍ مَنطقيٍّ شديد التركيز.
سيُفجِّر لنا مُفاجأةً عنيفة بالطبع، لكنَّه يرى من وِجهةِ نظره أنه لا بدَّ له من أن يفعل
ذلك إن بدأ المُحقِّقون يَعترِضون طريقه واشتَبَهَ في أنَّ أهل بيتِه وراء هذا. إخال أنَّ ذلك
«. الصديق، بينيت، يُواجِهُ وقتًا عَصيبًا بالداخل
توقَّف هولمز عند مكتب بريدٍ في طريقنا وأرسل برقية، ووصَلَنا الردُّ في المساء، فقرأه
ثم ناوَلَني إيَّاه.
زار طريق كوميرشال رود وقابل دوراك. شخص لطيف وكبير في السنِّ من
أصول بوهيمية. يمتلِك مَتجرًا عامٍّا كبيرًا.
ميرسر
إنَّني أتعاوَنُ مع ميرسر منذ بدأتُ التعاون معك. إنه مُساعدي ذو » : تحدَّث هولمز
الخدمات العامة والذي يؤدِّي المَهامَّ الروتينية. كان من المُهمِّ أن أعرِف شيئًا عن الرجل
«. الذي كان البروفيسور يتواصل معهسرٍّا، وقد اتَّضَح أنَّ جنسيته لها علاقة بزيارة براج
حمدًا لله أنَّ ثَمَّ رابطًا بين أمرَين. يبدو أنَّنا نُواجِه في الوقت الحالي » : تحدثتُ قائلًا
سلسلةً طويلة من الأحداث غير المفهومة والتي لا علاقة لبعضها ببعض. فعلى سبيل المثال،
ما هي الصِّلة المُمكنة بين كلبٍ ذِئبي غاضب وزيارة إلى بوهيمي، أو صِلة أيٍّ منهما برجلٍ
يزحَفُ على الأرض ليلًا؟ أمَّا بالنسبة إلى التواريخ التي تحرِص على تسجيلها، فذلك هو
«. الأمر الأكثر غموضًا على الإطلاق
ابتسم هولمز وراح يفرُك يديه. كُنَّا جالسَين في غرفة الجلوس القديمة بذلك الفندق
العتيق، ومعنا زجاجة من الخمر المُعتَّق الشهير على الطاولة.
ضمَّ هولمز أطراف أصابعه إلى بعضها وبدأ في الحديث وكأنه يُخاطب صفٍّا دراسيٍّا:
حسنًا، لنتناول التَّواريخ أولًا. إنَّ مُفكرة هذا الشابِّ الرائع تُخبِرنا بعدَم استقرار الأمور »
في الثاني من يوليو، ويبدو، منذ ذلك التاريخ، أنَّ هذا الاضطراب يحدُث كلَّ تسعةِ أيام،
فيما عدا استثناءً واحدًا، حسْبما أتذكَّر. إذن، وقَعَ الحادث الأخير يوم الجمعة في الثالث من
سبتمبر وهو يَتناسَب مع ذلك التسلسُل، وكذلك حادِث السادس والعشرين من أغسطس
«. الذي سبَقَه. لا يُمكن أن يكون الأمر مُصادَفة
لم يكن أمامي بدٌّ من المُوافَقة.
فلنبدأ إذن بتكوين نظريَّةٍ مُؤقَّتة، وسنفترِضفيها أنَّ البروفيسور يتناوَل عقارًا قويٍّا »
كلَّ تسعة أيام، وهذا العقار له تأثير بالِغُ الضَّرر، لكنَّه مُؤقَّت، وهو يُعزِّز من طبيعته
الفِطرية العنيفة. اعتاد البروفيسور على هذا العقار وهو في براج، وهو يَحصُل عليه الآن
«. من وسيطٍ بُوهيميٍّ يعيش في لندن. إنَّ ذلك كله يتلاءم معًا يا واطسون
«؟ لكن ماذا عن الكلب، والوجه على النافذة، والرَّجُل الزاحف في المَمر »
حسنًا، حسنًا، لقد تَوصَّلنا إلى البداية. لا أتوقَّع حُدوث أيِّ مُستجدَّات حتى الخميس »
القادم. لا يَسعُنا حتى ذلك الحين إلَّا أن نَبقى على تواصُلٍ مع صديقنا بينيت، ونستمتِع
«. برفاهية هذه البلدة الساحرة
في الصباح، مرَّ بنا السيد بينيت مُتسلِّلًا ليُخبِرنا بآخِر الأخبار. وكما توقَّع هولمز، لم
يكن الأمر سهلًا بالنسبة إليه؛ فبالرَّغم من أنَّ البروفيسور لم يَتَّهِمه مُباشرةً بأنه المسئول
عن حضورنا، فإنه كان فظٍّا وغليظًا للغاية في الحديث. ومن الواضح أنه كان يَعتريه
شُعور بالظلم الفادح، لكنه في هذا الصباح، بدا في حالته الطبيعية تمامًا، وألقى مُحاضرته
بعيدًا عن نَوباته العصبية » : البارِعة كالعادة علىصفٍّ مُزدحِم بالطلاب. تحدَّث بينيت قائلًا
الغريبة، أجِدُ أنه يتمتَّع بالفعل بطاقةٍ وحيوية تَفُوقان ما عَهِدته عليه من قبل على الإطلاق،
كما أنَّ ذِهنه لم يكن أشدَّ صفاءً ممَّا كان عليه هذا الصباح. لكنه ليس هو، لا يُمكن أبدًا
«. أن يكون الرجل الذي عرَفْناه
أعتقِد أنَّهُ لاشيءَ يدعوك إلى القلق الآن، ولمُدَّة أسبوع على الأقل. أنا لديَّ » : أجابَه هولمز
أشغالي، والدكتور واطسون لدَيه مَرضاه، فلنتَّفِق على أن نلتقي هنا في هذا التوقيت يوم
الثلاثاء القادم. ولا أظنُّ أنَّنا سنُغادر مُجدَّدًا قبل أن نتمكَّن من تفسير مَتاعِبك، حتى وإن
«. لم نَتمكَّن من أن نضَعَ لها حدٍّا. راسِلنْا بما يحدُث حتى يَحين لقاؤنا
لم أرَ صديقي على الإطلاق في الأيام القليلة التالية، لكنَّني تلقَّيتُ منه رسالةً قصيرة
في مساء الإثنين التالي، يطلُب منِّي فيها أن ألقاه في اليوم التالي في القطار. وفقًا لما أخبرَني
به ونحن مُسافران في القِطار مُتَّجِهَيْن إلى كامفورد، كان كلُّ شيءٍ يسير على ما يُرام، ولم
يحدُث ما يُعكِّر السلام في منزل البروفيسور، وكذلك كانت تَصرُّفاته طبيعيةً تمامًا. كان
لقد » . ذلك أيضًا هو ما أخبرَنا به السيد بينيت حِين زارَنا في مَقرِّنا القديم في نُزُل تشيكرز
تلقَّى اليوم خطابًا من مُراسِله في لندن، وكذلك طردًا صغيرًا، وكِلاهما كان عليه علامة
الصَّليب أسفل الطابع، وهي العلامة التي تُحذِّرني بألَّا أفتح أيٍّا منهما. لم يحدُث أيُّ شيء
«. آخَر
هذا قد يُثبِتُ لنا ما يكفي تمامًا. والآن يا سيد بينيت، أعتقد أننا » : تحدَّث هولمز عابسًا
سنتوَصَّل إلى نتيجةٍ ما هذه الليلة. إذا كانت استنتاجاتي صحيحة، فسوف نَحظى بفُرصة
لدفْع القضية إلى نُقطة الحَسْم، وفي سبيل ذلك يلزَم أن يبقى البروفيسور تحت المُلاحظة؛
ولهذا فإنني أقترِح أن تظلَّ مُستيقظًا ومُتأهِّبًا. إذا سمعتَه يمرُّ ببابك، فلا تُقاطعه، واتبَعْه
بأقصىما تستطيع من الحَيطة. وسنبقى أنا والدكتور واطسون على مقرُبة. بالمُناسبة، أين
«؟ مِفتاح الصندوق الصغير الذي تحدثتَ عنه
«. إنه في سلسلة ساعته »
أعتقد أنَّ بحْثَنا يجِب أن يتركَّز في هذا الاتجاه إذن. في أسوأ الأحوال، لن يكون القُفل »
«؟ منيعًا للغاية. هل يُوجَد في المنزل غَيرك من الرجال الأشدَّاء
«. يُوجَد الحُوذِيُّ، ماكفيل »
«؟ أين ينام »
«. أعلى الإسطبلات »
مِن المُمكن أن نحتاج إليه. حسنًا، لا يُوجَد ما نفعله أكثر من ذلك حتى نرى إلامَ »
«. ستئول الأمور. إلى اللقاء الآن، لكنَّني أتوقَّع أننا سنلتقي قبل الصباح
كان الوقت يقترِب من مُنتصف الليل حين اتَّخذْنا مَواقِعنا بين بعضالشُّجيرات التي
تقَع أمام باب صالة البروفيسور مُباشرةً. كانت ليلةً لطيفة، لكنها لم تَخلُ من البرودة؛
فسُرِرْنا بمعاطفنا الثقيلة الدافئة. هبَّ النسيم وراحَتِ السُّحب تجري عبر صفحة السماء،
فتحجُبُ بين الحِين والآخر وجهَ البدْرِ المُنتصِف. كانت ستُصبِح نَوبة مُراقبةٍ كئيبة لولا
ما كان يغشانا من التوقُّع والإثارة، ولولا تأكيد رفيقي أنَّنا قد أوشَكْنا غالبًا على الوصول
إلى نهاية سلسلة الأحداث الغريبة التي شغلتِ انْتباهنا.
إذا كانت دَورة الأيام التسعةصحيحة، فسوفيكون البروفيسور » : بدأ هولمز بالحديث
في أسوأ حالاته الليلة. بالنظر إلى أنَّ هذه الأعراضالغريبة قد بدأت بعد زيارته إلى براج،
وإلى مُراسلاته السِّرِّيَّة مع ذلك التاجر البُوهيمي في لندن، والذي أعتقِد أنه يَنوب عن شخصٍ
ما في براج، وإلى تلقِّيه طردًا منه اليوم تحديدًا، فإن كلَّ شيءٍ يصبُّ إذن في اتِّجاهٍ واحد.
إنَّ ما يتناوله، والسبب الذي يَتناوَلُه لأجلِه، هذا هو ما لا نعرفه بعدُ، لكنَّنا نعرف أنه يأتي
من براج، وهذا واضِح بما يكفي. وهو يَتناوله وفقَ تَوجيهاتٍ مُحدَّدة هي التي تُنظِّم دورة
الأيام التسعة، وهي أول ما لفتَ انتباهي. لكنَّ أعراضَهُ لافتة للنظر بشدَّة. هل لاحظتَ
«؟ مفاصِلَ أصابِعه
كان عليَّ أن أعترِف بأنِّي لم أفعل.
إنها سميكة وصُلبة بشكلٍ لم أعهدْه ولم يُصادِفْني من قبل. عليك دائمًا أن تنظُر »
إلى الأيدي أولًا يا واطسون، ثم إلى المَعاصِم ورُكبتَي السروال والحِذاء. إنَّ مفاصل أصابعه
توقَّف «… غريبة للغاية، ولا يُمكن تفسيرها إلَّا من خلال طريقة التقدُّم التي لاحَظَها
أوه، واطسون، واطسون، يا لي من أحمق! يا لي » : هولمز فجأةً وصفَّق بيدِه على جبينه قائلًا
من أحمق! يبدو الأمر غير معقول، لكنه لا بُدَّ أن يكون صحيحًا. إنَّ كلَّ الأمور تُؤدِّي إلى
اتِّجاهٍ واحد. كيف فاتَني الانتباه إلى هذا الرابط بين الأفكار؟ هذه المفاصل، كيف أمكنَني
أن أغُفِلَها؟ والكلب! واللبلاب! لا بدَّ أنَّني كنتُ غارقًا في مَزرَعة أحلامي الصغيرة. انتبِهْ
«. يا واطسون! ها هو ذا! سوف تتسنَّى لنا فُرصة رؤيته بأنفسنا
فُتح باب الصالة ببطء، وعلى خلفية ضوء المصباح، رأينا الجسد الطويل للبروفيسور
بريسبري، مُتَّشِحًا في رِداء نَومِه. ظهر البروفيسور في مدخل الباب، وقد بدا مُنتصبًا لكنَّه
كان مائلًا إلى الأمام، بينما تتدلَّى ذِراعاه، تمامًا كما رأيناه آخِر مرَّة.
والآن، ها هو يخطو إلى الأمام نحو الطريق، وقد حلَّ عليه تغيُّرٌ عجيب؛ فقد برك على
الأرضرابضًا، وراح يتحرَّك على يدَيه وقدَميه، قافزًا بين الحِين والآخَر كما لو كان يَفيض
طاقةً وحيوية. مرَّ بواجهة البيت ثُمَّ انحرَف إلى جانبه، وعندما اختفى، انسلَّ بينيت بهدوءٍ
من باب الصالة وتَبِعَه.
فانسللْنا بهدوءٍ من بين الشُّجيرات حتى «! هيا يا واطسون، هيا » : صاح هولمز فيَّ
وَصلنا إلى بقعةٍ نستطيع أن نرى منها الجانِب الآخَر من المنزل، والذي كان غارقًا في
ضوء القمر نِصف المُكتمل. تمكنَّا من رؤية البروفيسور بوضوح: كان رابضًا أسفل الجِدار
المُغطَّى باللبلاب. وبينما كُنَّا نُشاهده، بدأ يتسلَّقُه فجأةً برشاقةٍ مُدهشة، فراح ينتقل من
غُصنٍ إلى غُصن، واثِق الخُطى، مُحكِمًا قَبضتَه، وهو يتسلَّق في ابتهاجٍ خالِصبِقُواه، دون
أن يكون هناك أيُّ هدفٍ مُحدَّد. راح رداؤه يخفق على جانِبَيه، فبدا وكأنه خُفَّاش ضخم
مُلتصِق على جانب منزله، أو رُقعة مُربَّعة ضخمة قاتمة جاثمة على الجِدار المُضيء بنور
القمر.
سُرعان ما ملَّ هذه المُتعة، فراح يهبِط من غُصنٍ إلى غُصن، إلى أن جثَم مُجدَّدًا وشرَع
يتحرَّك نحو الإسطبلات زاحِفًا بالطريقة الغريبة نفسها كما كان يفعل من قبل. كان الكلب
الذِّئبي بالخارج آنئذٍ ينبَحُ بشراسة، وازداد استثارةً عن ذي قبل حِين لمَحَ صاحِبَه. راح
الكلب يجرُّ سلسلته ويهتزُّ في هَياجٍ وغضب. أقْعى البروفيسور بحرصٍشديد حتى أصبح
في مأمنٍ منه، ثم بدأ يَستفزُّه بكلِّ طريقةٍ مُمكنة؛ فأخذ حفناتٍ من الحصى من الطريق
ورماها في وَجهه، ثم نَخزَه في جِسمه بعصًا كان قد التقطها، وكذلك راح يُلوِّح بيده أمام
فمِهِ المَفغُور. لقد حاولَ بكلِّ طريقة مُمكنة أن يزيد من غضب الكلب، والذي كان قد خرج
عن حدِّ السيطرة بالفعل. في كلِّ مُغامراتنا التي خُضناها، لا أذكرُ أنَّني رأيتُ مَشهدًا أغربَ
من ذلك المشهد؛ هذا الرجل مُتبلِّد الشعور، لكنه لا يخلو من وَقارٍ في الوقت نفسه، وهو
يربُضُ على الأرض مُقَرفِصًا كالضفدعة، مُستفزٍّا الكلب المُستَشيط غضبًا، وقد راح يَثُور
ويَمُور أمامه، لكي يُبدي المَزيد من الانفعال والغضب، وقد فعل ذلك بجميع طُرُق القسوة
الماهرة والمدروسة.
وفي لحظةٍ واحدة، حدَث ما حدَث! لم تنكسِر السلسلة، وإنما انزلَقَ الطَّوق؛ فقد كان
مصنوعًا في الأصل لكلب نيوفاوندلاند غليظ الرَّقَبة. سمِعنا صلصلة المَعدِن وهو يسقط،
وفي اللحظة التالية، كان الرجل والكلب يتدحرجان معًا على الأرض، أحدُهما يزأر في غضبٍ
والآخر يُطلِقصرخةَ رُعبٍ غريبة شديدة الحدَّة. كان البروفيسور على شفا الموت، فقد أطبَقَ
الكائن المُتوحِّش على حلقِه وأنشبَ فيه نابَيه بِعُمق. فقد البروفيسور وعيَه قبل أن نصِل
إليهما ونُفرِّق أحدَهما عن الآخر، وهي مُهمَّة ربما كانت تُمثِّل خطورة علينا لولا أنَّ حضور
بينيت وصوته أعادا الكلب إلى رُشدِه على الفور. وصلصوت العواء إلى غُرفة الحُوذي النائم
فأيقَظَه وأتى به مذهولًا من غرفة نومه الموجودة فوق الإسطبلات، وقد هزَّ رأسه قائلًا:
لست مُتفاجئًا، فقد رأيتُه من قبل وهو يُحاول استفزازه، وكنتُ أعرف أنَّ الكلب سينال »
«. منه عاجلًا أم آجلًا
ربطنا الكلب وحملنا البروفيسور معًا إلى غرفته، وهناك ساعدني بينيت، الذي كان
يحمل شهادة في الطب، على مُعالجة حلقه الجريح. كانت الأسنان الحادَّة قد اخترقتْ حلقه
وكادت تقترِب من الشريان السباتي، فكان النزيف بالغًا. في غضون نِصف ساعة، زال
الخطر، وأعطيتُ المريضحقنة مورفين، فغاب في نومٍ عميق. وحينها، فقط حينها، تمكنَّا
من أن نتبادَلَ النظرات ونستوعِب الموقِف.
«. أعتقِد أنَّنا يجِب أن نعرِضه على جرَّاح مُتخصِّص » : بدأتُ أنا بالحديث قائلًا
بربِّك، لا! إنَّ الفضيحة الآن في حدود منزلنا فحسْب، ونحن سنحفظها، » : صاح بينيت
أما إذا تخطَّت هذه الجُدران، فلن تتوقَّف أبدًا. فكِّر في مركزه في الجامعة، وسُمعته في
«. أوروبا، وكذلك مشاعر ابنته
معك حق، أعتقِد أنَّ بوُسعنا أن نُبقي الأمر فيما بيننا وأن نمنع تكراره، » : ردَّ هولمز
لا سيما أنَّ لدَينا الآن كامل الحرية في التصرُّف. ناوِلْني المفتاح الموجود في سلسلة الساعة
يا سيد بينيت، وسيرعى ماكفيل المريضَويُخبرنا إن جدَّ جديد. أما الآن، فلنرَ ما يُوجَد في
«. صندوق البروفيسور الغامض
لم يكن به الكثير، لكنه كان كافيًا؛ قِنِّينة فارغة وأخرى لم ينقُص منها إلَّا القليل
ومِحقنة وعدَّة خطابات قد كُتبت بخطٍّ غريب تصعُب قراءته. ووجدْنا على الأظرُفالعلامات
التي كانت قد أثارت قلقَ المُساعد، وقد ظهر على كلٍّ من تلك الخطابات التاريخ الصادر
لم تكن إلا مُجرَّد فواتير تُثبت إرسال .« إيه دوراك » من طريق كوميرشال رود، مع توقيع
زجاجةٍ جديدة إلى البروفيسور بريسبري أو إيصالًا يُثبت استلام النقود. غير أنَّنا وجدْنا
مظروفًا واحدًا مُختلفًا، قد كُتِب بخطٍّ مُتمكن، وعليه طابع البريد النمساوي والختم البريدي
«! ها نحن نحصُل على ما نبغي من معلومات » : لبراج؛ فصاح هولمز وهو يفتح المظروف
[بدأ الخطاب كالتالي]:
زميلي المحترم
منذ زيارتك الجليلة، وأنا أطُيل النظر في حالتك، وبالرغم ممَّا لدَيك من أسبابٍ
خاصَّة تستدعي العلاج، فإنني أدعوك إلى تَوخِّي الحذَر؛ فقد أثبتت نتائجي أنَّ
الأمر لا يخلو من خطورةٍ ما.
ربما كان مَصْل إنسان الغاب أفضل. لقد استخدمتُ اللانجور الأسود الوجه،
كما شرحتُ لك، وذلك لأنَّني استطعتُ الحصول على عيِّنة. اللانجور بالطبع
يزحَفُ ويتسلَّق، على عكس إنسان الغاب الذي يسير مُنتصبًا، وهو أقرب من
جميع الوجوه.
أرجو منك أن تتَّخِذ جميع الاحتياطات المُمكنة لكيلا يَذيع أمر تلك التجربة
قبل أوانها. ليس لديَّ إلا عميل آخَر في إنجلترا، ودوراك هو وَسيطي لكليكما.
سأكون مُمتنٍّا لتقاريرك الأسبوعية.
خالصمودَّتي وتقديري.
إتش لوفنشتاين
لوفنشتاين! ذكَّرني الاسم على الفور بقصاصةٍ من جريدةٍ كانت تتحدَّث عن عالم
مغمور، يُكرِّسجميع جهوده في البحث عنسرِّتجديد الشباب وإكسير الحياة. لوفنشتاين
من براج! لوفنشتاين ومَصْله العجيب الذي يمنح القوَّة، والذي حظرته الدوائر العلمية
لرفضه الإفصاح عن مصدره. قلتُ ما قد تذكَّرتُه في هذه الكلمات القليلة. أما بينيت، فقد
اللانجور، أحد القِرَدة العُليا »» : تناوَلَ مَرجِعًا في عِلم الحيوان من فوق الأرفُفوراح يقرأ فيه
السوداء الوجه التي تعيش في مُنحدرات الهيمالايا، وهو أضخم القِرَدة المُتسلِّقة وأكثرها
لقد عرَفْنا الكثير من التفاصيل، وبفضلك يا سيد هولمز تَمكنَّا من تتبُّع «. شبهًا بالإنسان
«. هذا الشرِّ وصولًا إلى مصدره
إنَّ مصدره الحقيقي يكمُن بالطبع في تلك العلاقة الغرامِيَّة غير » : تحدَّث هولمز
المُناسبة، والتي أقنعَتِ البروفيسور المُندفع بأنَّه لن يحصُل على مُراده إلَّا إذا عاد شابٍّا من
جديد. عندما يُحاوِل المرء أن يتحدَّى الطبيعة ينتهي به الحال إلى الوقوع تحت رحمتها.
جلس «. إن أشدَّ الرجال رُقيٍّا قد ينتكِس إلى الحَيوانية إذا حاد عنصِراط القدر المُستقيم
إذا أرسلتَ إلى » . هولمز مُتأمِّلًا لبُرهة والقنِّينة في يده، ينظر إلى ذلك السائل الصافي بداخلها
هذا الرجل أخبِرْه بأنَّني أحُمِّله المسئولية الجنائية عن تَداوُل هذه السموم، فلن نُعاني مزيدًا
من المتاعب، لكنَّ الأمر قد يتكرَّر مرة أخرى، وقد يجِد آخرون طريقةً أفضل لتحقيقه. ثَمَّ
خطر يكمُن في ذلك، خطر حقيقي بالفعل على الإنسانية. تخيَّل يا واطسون أنَّ هؤلاء الذين
لا يُهمُّهم سوى السعي وراء المادة، وكذلك مُتتبِّعو اللذَّة والمُتهالكون على الدُّنيا؛ إن جميعهم
قد أطالوا من حَيواتهم التي لا قِيمةَ لها. وأما الرُّوحانيون، فلن يَمتنعوا عن السعي إلى
ما هو أسمى. سيكون البقاء إذن للأقلِّ صلاحًا. أيُّ بالوعة قاذورات سيُصبح عليها عالمُنا
أعتقد » : وفجأة، اختفى هولمز الحالِم، ونهضهولمز رجل الأفعال من مقعده وقال «؟ البائس
أنه لا يُوجَد أكثر من ذلك من المُمكن أن يُقال يا سيد بينيت. ستجِد أنَّ الوقائع المُختلفة
تندمِج الآن من تلقاء نفسها لتُكمل الصورة العامَّة. لا شكَّ في أنَّ الكلب قد أدرك التغيُّر
أسرعَ منك بكثير؛ فحاسَّة شَمِّه تؤهِّله لذلك. إنَّ روي لم يُهاجِم البروفيسور، وإنما هاجم
القرد، وكذلك فإنَّ القرد هو الذي كان يَستفزُّ الكلب. لقد كان التسلُّق مُتعةً بالنسبة إلى
هذا الكائن، وأعتقِد أن الصُّدفة المَحضة هي التي حمَلتْه إلى نافذة ابنتِه بينما كان يُمارس
هذه المُتعة. يُوجَد قطار مبكر سيذهب إلى المدينة يا واطسون، لكنَّني أعتقِد أنه بإمكاننا
«. أن نتناول قدحًا من الشاي في تشيكرز أولًا قبل أن نلحَق