Darebhar

شارك على مواقع التواصل

في منطقة هادئة بها عدد قليل من المباني يحاوطها سور، وقفت السيارة أمام بيت شبه مهجور بالقرب من شاطئ روميل، بيت لا يبعد عن رمال البحر إلّا بضعة أمتارٍ.. بمجرد أن وطأة قدمي الأرض شعرت بثقل سقط مِن على كاهلي، أمام المنزل الذي انقضت فيه سنون طفولتي على فترات متقطعة عندما كان يأخذنا أبي لقضاء شهور الصيف هنا في مرسى مطروح، هذا المكان الذي طالما كُنت أمرح فيه وألهوّ وكانت ضحكاتنا تملأ أرجاءه، أصبح الآن مُجرد شاهد على زمن انتهى ورحل.
وقفت أمام الباب الحديدي مناديًا عم موسى حارس المنزل، فلم يجب، تطلعت إلى فناء المنزل من الداخل أبحث عنه، لأرى غرفته مُظلمة، على الأرجح لم يكُن موجودًا، حاولت كسر القفل الحديدي وأنا أدفع الباب بقوة مُصدر ضجيج عالٍ نتيجة محاولاتي، وإذا بشخص يظهر من أحد الأنحاء يصيح في وجهي.
– يااا أنت.. ماذا تفعل؟
إلتفت إلى الصوت وأنا أحاول معرفة وجه المنادي، لكن دون جدوى فأنا مُصاب بقصر النظر، وربما تساعدني نظارتي الطبية أحيانًا، لكن دون جدوى، وتبقى الأشياء البعيدة عنّي ضبابيةً لا أستطيع تحديدها، الأمر أشبه بحياتي، كما أنها الساعات الأولى من اليوم، غير أن إضاءة الشمس لم تعد كما كانت عليه، أصبحت ساعات النهار أشبه بلحظات الغسق الطويل التي يليها ليل أطول، وإذا بالرجل يقترب وهو يحمل في يدهِ مِصباح، اقتربت منهُ وأنا أسألهُ:
– أين أجد عم موسى حارس هذا المنزل؟
بدأت ملامح وجه تبدو أكثر ألفة كلّما أقترب مني أكثر، وإذا به يقف أمامي وهو يرفع المصباح مباشرة إلى وجه حتى يراني جيدًا، ثم قال مُتعجبًا:
– نوح إبراهيم!
دققت النظر إليهِ وأنا أضيق بنظري محاولًا تفادي إضاءة المصباح المتوجه إلى عيني..
– عم يونس.. كيف حالك يا رجل يا طيب؟
– ما الذي أتى بك هنا.. هل هناك خطب ما؟
أخذني سؤاله الغير مُرحب، مما جعلني ارتبك ولا أستطيع نطق جملة واضحة مُباشرة، فشعر هو بارتباكِ موضحًا.
– لا تؤاخذني بما سألت.. لكن أنظر حولك ليس هناك شيء كما كان.. هل أنت بخير؟
– لا تقلق.. أنا بخير.. فقط أين أجد عم موسى، أريد أن أدخل إلى البيت كيّ أستريح من عناء السفر.
– موسى ذهب إلى بلدته مع بداية الأحداث، تاركًا لي مفتاح البيت.. قال لي إنه يريد أن يقضي ما تبقى من الزمن وسط عائلته.
أومأت برأسي متفهمًا، وطلبت منهُ المفتاح كي أستطيع عبور الباب الحديدي للدخول إلى المنزل، رفض طلبي موضحًا أن هذا لا يمكن أن يحدث الآن، وعليّ أن آتي معهُ إلى منزلهِ كيّ أستريح بعض الشيء ثم أخبره بسبب مجيئي إلى هنا في هذه الظروف التي يمرّ بها العالم.
مجرد أن خطت قدمي عتبات منزل عم يونس، رأيت كلّ شيء يميل إلى اللون الأصفر نتيجة انعكاس ضوء المصابيح المُتفرقة في جميع أركان البيت، وكأنها تعويضًا عن ضوء الشمس الذي غاب، على الحائط كانت توجد صورة كبيرة مُعلقة بها أسرة مكونة من عم يونس وزوجتهِ وأبنهما عمران، لم أرَ منهم سوى هذا العجوز الذي دعاني إلى الجلوس ثم غاب عنّي ليعود وهو يحمل في يدهِ صينيّة عليها براد من الشاي وكوبين صغيرين، هذا الشاي البدوي كما نطلق عليهِ نحن أبناء العاصمة، جلست على الأريكة أما هو فقد جلس في الجهة القابلة لي على كرسي خشبي مُبطن هابط، بدا عليه علامات الجلوس لفترات طويلة..
بدأ يسكب الماء الساخن داخل الأكواب، وجاء سؤالي إليه:
– أين عمران؟
قدم لي الكوب وعلى وجهِ حزن نبي.
– لقد رحل عن عالمنا هو وزوجتي.. لم يتركوا لي سوى صوفي.
شعرت بأسى.. حتى تلعثم لساني عاجزًا عن الرد، لتأتي الجملة المُعتادة في مثل هذه المواقف.
– رحمهم الله.. وصبرك على فراقهم يا رجل يا طيب.
ثم أكمل حديثهُ..
– يرحم الله الأحياء.. فالأموات رحماء مُنذ اللحظة التي رحلوا فيها عن تلك الحياة.. هم الآن بصحبة الله.. طيلة عمري وأنا أرى أن الموت نجاةً.. الحياة عديمة الرحمة ليس الموت كما نظن.. وإن كانت رحيمةً معي فالرحمة في حياتي هي صوفي أبنة عمران.. لا يهم هذا الآن.. عليك أن تستريح بعض شيء من سفرك.. ثم تخبرني عن سبب مجيئك.
أومأت برأسي مُجيبًا حاضر ثم قلّت:
– فقط أريد مفتاح المنزل.. كما لو يوجد إمكانية أن يأتي أحدهم ينظفها ويعيدها لما كانت عليه.
أجاب عليّ بنعم وهو يقوم من جلسته ويشير بيدهِ إلى الغرفةِ التي سأستريح بها الآن حتى ينتهي تحضير منزلي.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.