karizmallnshroaltozi3

شارك على مواقع التواصل

تتذكر عندما تشم رائحة العطر الخاص والنادر وجوده، وتسبح بعقلها الذكريات فتبتسم...
تنسحب من واقعها لثوانٍ قليلة لتسبح ببحر الخيال الأبدي...
تُنادي بعينيها....
من تجرأ وملك قلبها بلحظات فَيعيرها اهتمامًا ملحوظًا، ولكنه يتلاشى شيئًا فشيئًا حتى تفيق من أحلامها وهي حائرة وتتساءل..
هل ستراه مرة أخرى أم يكتفي بالتطفل على أحلامها...؟!


إلى من وجد السبيل إلى قلبي
وتملَّكه ...

فتحتْ باب الغرفة بهدوء فسمعت تلك الموسيقى الكلاسيكية التي تبعث في النفس السكينة، فترجّلت داخل الغرفة بخطواتٍ كدبيب النمل ، ثم وقفت أمامي في أثناء جلوسي على المكتب الخاص بي وانشغالى بالكتابة، فقالت بصوتٍ عالٍ وأداء شبيه بأداء ممثلي المسارح:
- وكالعادة تسبح في بحر الخيال مع فنجان القهوة المفضل والموسيقى الهادئة والكتابات اللي معرفش عنها أي حاجة دي..
نظرتُ إليها بابتسامة هادئة وحاولت إخفاء ما كتبتُ بيدي، ثم قلتُ:
- "ندى" حبيبتي .. كام مرة قولتلك متدخليش فجأة كدة عليَّ..
- أعتذر أيتها الملكة على اقتحامي مملكتك بدون استأذان.
قالتها بسخرية ضاحكة ومنحنية أمامي مُنكسة الرأس وفاتحة ذراعيها كأنها أمام ملكة حقيقية جالسة على عرشها.
حقًّا أحيانًا أشعر بأن غرفتي هي مملكتي ومكتبي ذاك هو العرش الذي لا يساع لأحد غيري، حتى "ندى" شقيقتي الصغري التي لها الحق باقتحام مملكتي وقتما تشاء ولكن ليس لها الحق بالعرش.
"ندى" جميلة الشكل والروح، مرحة جدًّا واجتماعية إلى حدٍ كبير.
تصغرني بست سنوات ولكن من يرانا يعتقد أننا بنفس العمر حيث نتشابه بطول القامة والبشرة المائلة للبياض والعيون الهادئة العميقة.
"ندى" آخر العنقود كما يقولون، وكان لها مكانة كبيرة عند أبي -رحمه الله- لأنه كان يعلم أنه سيفارقها قبل أن يعطيها الحب والاهتمام الكافي لذلك أوصاني كي أعتني بها جيدًا وأجعلها كما كان يتمنى.
ضحكت على ما فعلته ونهضتُ من على عرشي واتجهتُ ناحيتها، قائلة:
- لا عليكي أيتها الأميرة الصغيرة، ولكن الآن تفضلي اخرجي من هنا بقى عشان أكمل اللي بكتبه، ممكن؟
أخذت نفسًا عميقًا ونظرتْ بجانبي عينيها الواسعتين كالبحر الغاضب بأمواجه السريعة المتلاحقة، وقالت:
- ماشي .. بس ماما عيزاكي ضروري.
رمقتها بنظرة شك، وقلتُ:
- متأكدة .. ولا زي كل مرة؟
عقدت حاجبيها وقالت بنبرة جادة:
- طب تعالي وأساليها حتى.
- ماشي.. روحي أنتِ وأنا هاجي وراكي.
ألقيتُ نظرة قصيرة على ما كتبتُ ثم طويت ذلك الدفتر الخاص بكتاباتي، واتجهتُ إلى غرفة والدتي.
فطرقت الباب الذي كان مواربًا ثم دخلت، فوجدت والدتي تجلس على المقعد بجانب النافذة تنظر خارجًا.
أمي مثل العديد من الأمهات، لكني أراها بعين مختلفة، أراها أعظم وأصلب سيدة في الكون بأكمله، فقد تحملت ما لا أستطيع تحمله حتى بأفكاري فما بالك هي تحملته بالواقع، فلقد عانت منذ أن رأت عيناها النور، ودائمًا تصمت ولا تشكي همًّا وتتحمل، حتى بمرضها لا تشكو ألمًا وهي تحمل كل الألم، لا أعلم لماذا مرّت بكل تلك الجراح والآلآم، لكن من المؤكد أن الله - سبحانة وتعالى- يحتفظ بالحكمة الخفية وراء ذلك ...
فخطوت ناحيتها عدة خطوات ثم سألتها قائلة:
- ماما..حضرتك عايزاني؟
فاستدارت قائلة بنبرة حانية وهي تشير ناحية المقعد المقابل لها:
- تعالي يا "وعد" .. أيوة عايزاكي اقعدي عايزة أتكلم معاكي شوية..
اقتربتُ وجلستُ فنظرتُ إليها في لهفة استقبال النقاش الذي بالكاد أظن أني أعرفه، فقلتُ:
- خير يا ماما تفضلي..
- بصي يا "وعد" .. أنا عمري ما أرغمتك على شيء في حياتك وعمري ما هعمل كده أبدًا، بس أنتِ أكيد عارفة إني عايزة مصلحتك وعايزة أشوفك سعيدة في حياتك ويكون ليكي بيت وزوج وأولاد و....
وبينما كانت تتحدث شرد ذهني قليلًا، وتذكرتُ حلم الزفاف والشخص المجهول الذي يلاحقني في أحلامي دائمًا، يا تُرى من هو؟ ولماذا لا أرى وجهه ظاهرًا؟
وفي أثناء شرودي لاحظتُ أمي تنظر إليَّ في صمت، فنظرتُ إليها في توتر، وسألتها:
- إيه يا ماما .. سكتي ليه؟
- عشان حضرتك مش معايا .. سرحتي في إيه يا "وعد"؟
ابتلعتُ لعابي بصعوبة وتلعثمتُ قليلًا كالطفلة التي تحاول أن تبرر ما فعلته بالحائط الأبيض، وقلتُ:
- ولا حاجة! أنااا بس ساكتة بسمع حضرتك..
- "وعد" .. كام مرة أقولك أنتِ مبتعرفيش تكدبي!
فالتزمتُ الصمت ومكثتُ رأسي في محاولة إخفاء كذبي وبنفس الوقت ليس لديّ ما أقوله، فأنقذتني والدتي كالعادة، وأخذت تُكمل حديثها..
- ما علينا.. طبعًا أنتِ عارفة "وليد" صاحب أخوكي، ولد محترم وجدع وبيحبك من زمان .. وولد طموح وراجل بجد وغير كده مامته بتحبك أوي و.....
قاطعتها بهدوء قائلة:
- يا ماما .. يا حبيبتي .. بس حضرتك عارفة أنا مش بحبه ده أولًا.. وثانيًا وليد متكبر وشايف نفسه أوي وأنا مبحبش كده.
ثم أخذتُ شهيقًا وأردفتُ قائلة:
- يا ماما، أنا عايزة إنسان بسيط يتعامل بتواضع وبساطة وهدوء، غير متكلف، إنسان يفهمني من نظرات عنيا ومن نبرة صوتي، يحتويني ويحس بيا في كل أوقاتي، ويكون الحياة بالنسبة ليا وأكون الحياة بالنسبة له، إنسان يستحق كل الجميل اللي جوايا يستحقني بجد ويستحق حبي واهتمامي وعطائي.
فقالتْ بهدوء:
- كل ده جميل يا "وعد" بس أنتِ أكيد غلطانة في حكمك عليه، يا بنتي متحكميش على حد بالسرعة دي لازم تقعدي معاه وتتكلمي أكتر من مرة وكده يا بنتي، الدنيا مش قفش يعني.
شعرتُ بأن طاقتي أوشكت على التلاشي من تكرار الموضوع وعدم إدراك أمي لوجهة نظري ولكن حاولت أن أتحدث بهدوء، فقلتُ:
- أنا قعدت معاه كتير واتكلمنا ومن خلال كلامنا كوّنت وجهة نظري دي، حقيقي ملحقتش أعرفه أكتر بس العيوب الظاهرة دي كافية تخليني أبعد وكمان أنا مش مرتاحة معاه.
فاستنفذت طاقتها هي الأخرى، وقالت بتذمر وهي تنظر إلى الجانب الآخر بعيدًا عني:
- خلاص أنتِ حرة .. أنتِ تعبتيني معاكي يلا قومي خلاص.
نظرتُ إليها باستغراب ثم نهضتُ وأنا متيقنة أن ما تم في تلك المناقشة سوف يتكرر مرات عديدة، فغادرتُ غرفتها ثم قصدتُ غرفتي وأنا في حيرة، وتساءلت في أعماقي..
هل حقًّا كما يقول أقاربي بأنني لا بدَّ أن أتزوج لأني لم أعد صغيرة؟ هل حقًّا يجب أن يتم الزواج للفتاة قبل أن تتجاوز السن المحدد الذي يضعه المجتمع من وجهة نظرة هو حتى لا يقولون من حولي ويتساءلون "لماذا لم تتزوج حتى الآن؟" وكأن كلمة "متزوجة" في حد ذاتها لا بدَّ من اقترانها بكل هوية فتاة حتى لا تسقط قيمتها في نظر ذلك المجتمع، وتتضارب وجهات النظر وكل من يمتلك كلمة تحتاج للخروج يطلِقها بحقي...
فهل يجب أن أتماشى معهم وأُلقي بحياتي ومستقبلي بين يدي أي رجل حتى "لا أترك القطار يفوتني" كما يقولون! هل يجب أن أخضع لآراء البعض حتى أنجو من نظراتهم القاتلة وكلماتهم الجارحة؟ فلماذا كل ذلك؟
وفي أثناء حديثي لنفسي أرهقتها معي فسبحتْ وهي جالسة على عرشها في الأحلام التي تستحوذ عليها بشكل كبير لا وصف له.

.............................…
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.