hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

اتَّكأ الرجل ذو الندبة على وجهه مستندًا إلى الطاولة، ناظرًا إلى باقة الأزهار التي أحملها.
«؟ هل تلك زهرات أوركيد » : بادرني سائلًا
«. بعضٌمنها » : أجبتُه
«؟ هل هي من جنسِ خفِّ السيدة » : فأضاف
«. أغلبها » : فرددتُ
تلك الجزرَ منذ « زرتُ » هل من جديد؟ كنت أعتقد أنه لم يَعُد هناك أيُّ جديد. لقد »
خمسة وعشرين أو سبعة وعشرين عامًا. إذا وجدتَ شيئًا جديدًا هناك، فلا شك أنه سيكون
«. جديدًا تمامًا؛ فأنا لم أترك الكثيرَ ليُجمَع بعدي هناك
«. أنا لا أعمل في جمع الأشياء » : قلت
بَدَا كأنه «! كنتُ شابٍّا آنذاك. يا إلهي! كم اعتدتُ التجوالَ حول العالم » : فتابَعَ قائلًا
«. أمضيت في الهند الشرقية سنتين، وفي البرازيل سبعًا، ثم توجَّهت إلى مدغشقر » . يتفحصني
أعرف أسماء بعضالمستكشفين. لحسابِ مَن كنتَ » : قلت، مترقبًا سماع حكاية مثيرة
«؟ تجمع الأشياء
«؟ شركة دوسن. أتراك سمعتَ باسم بوتشر من قبلُ » : أجاب
بَدَا للاسم حضورٌ مبهم في ذاكرتي، ثم تذكَّرتُ قضيةَ بوتشرضد «؟ بوتشر… بوتشر »
حقٍّا؟ أنت مَن قاضيتَهم ليسدِّدوا لك راتبَ أربع سنوات أمضيتَها هائمًا في » : دوسن، فقلت
«؟… جزيرةٍ نائية مهجورة
جزيرة الإيبيورنيس
خادمك. كانت قضيةً غريبة، أليس كذلك؟ كنتُ ذلك الشخصَالذي » : فأجاب منحنيًا
كوَّنَ ثروةً طائلة على تلك الجزيرة، دونَ أن أبذل أيَّ مجهود، وكانتشركة دوسن عاجزةً
تمامًا عن الوصول إليَّ وإخطاري بإقالتي. كثيرًا ما أمتَعَني التفكيرُ في الأمر حين كنت هناك؛
لقد أجريتُ عملياتٍ حسابيةً كثيرة لتقدير تلك الثروة وسجَّلتُها في جميع أنحاء الجزيرة
«. المرجانية اللعينة بأرقامٍ ورموزٍ مزخرفة
«. كيف حدث ذلك؟ لا أتذكَّر القضيةَ بالضبط » : سألته
«؟ حسنًا … أسمعتَ عن طائر الإيبيورنيس »
بالتأكيد. كان أندروز يحكي لي عن فصيلةٍ جديدة كان منشغلًا بدراستها منذ شهر »
تقريبًا، قُبَيْل إبحاري مباشَرةً. إنَّ لهذه الفصيلة عظمةَ فخذٍ يبلغ طولها ياردة كاملة تقريبًا.
«. لا بد أن هذا الكائن كان وحشًا ضخمًا
وحشًا ضخمًا بالفعل؛ لم يكن رُخُّ « كان » أنت على حقٍّ، لقد » : فردَّ الرجل ذو الندبة
«؟ السندباد سوى أسطورةٍ مستلهَمة منه. لكنْ متى وجدوا تلك العظام
«؟ منذ ثلاث أو أربع سنوات، عام ١٨٩١ حسبما أعتقد. لماذا »
مَن وجدتُها — يا إلهي! — مضى على ذلك ما يقرب من عشرين « أنا » لماذا؟ لأنني »
عامًا. لو لم تتعامل شركة دوسن بحمقٍ مع مسألة الراتب تلك، لَأمكَنَهم تحقيق شهرةٍ
السيطرةَ على القارب اللعين ومنعه « أستطع » واسعة وثروةٍ طائلة من تلك العِظام … لم
«. من الانجراف مع التيار
أعتقد أنه المكان ذاته؛ مكانٌ ما يشبه المستنقعات يقع » : صمت برهةً ثم واصَلَ قائلًا
على بُعْد حوالي تسعين ميلًا شمال أنتاناناريفو. أتعرفه؟ عليك أن تستقلَّ قاربًا لتصل إلى
«؟ ذلك المكان الواقع على طول الساحل. ربما لا تتذكَّر ذلك
«. لا أتذكَّر. أعتقد أن أندروز ذكرَ شيئًا عن مستنقعٍ ما »
لا بد أنه المكان الذي أَعْنِيه، إنه على الساحل الشرقي. يوجد بطريقةٍ ماشيءٌ في المياه »
يحفظ الأشياءَ من التحلُّل. إن رائحته تشبه مادة الكريوزوت، لقد ذكَّرني بترينيداد. هل
وجدوا المزيدَ من البيض؟ كان بعض البيض الذي عثرتُ عليه يبلغ طوله قدمًا ونصفَ
قدم. يحيط المستنقع بالمكان ويعزله عن بقية المنطقة، كما أن أغلب مائه مالح. حسنًا
… يا له من يوم … ذلك الذي عثرتُ فيه على تلك الأشياء! لقد وجدتُها بمحض الصدفة.
كان هدفنا العثور على البيض، أنا ورجلين من السكان الأصليين، ووجدناه في واحد من
زوارق الكانو الغريبة التي وُصِل بعضها ببعض، وعثرنا على العظام في الوقت ذاته. كانت
لدينا خيمة ومؤن تكفينا أربعةَ أيام، وحططنا الرحالَ في إحدى المناطق المستقرة الراسخة.
إن مجرد التفكير في ذلك المشهد يستدعي إلى أنفي رائحةَ القار الغريبة. إنه عمل عجيب؛
تذهب لتفتش داخل الوحل باستخدام قضبان حديدية، وعادةً ما يتهشم البيض. تُرى كَمْ
من الوقت مضى على وجود كائنات الإيبيورنيس؟ تذكرُ الإرسالياتُ التبشيرية أن السكان
الأصليين يردِّدون أساطيرَ بشأن الزمن الذي عاشت فيه تلك المخلوقات، لكنني لم أسمع
أيٍّا منها قط. (ملحوظة: لم يُسمَع من قبلُ عن رؤيةِ أيٍّ من الأوروبيين لطائر إيبيورنيس
حيٍّ، باستثناء مكاندرو، الذي زار مدغشقر عام ١٧٤٥ ، وهو استثناء محل شك (إتش
جي دبليو).) لكنْ مما لا شك فيه أن البيضالذي وجدناه كان طازجًا وكأنه وُضِع لتوِّه.
طازجًا! بينما كان الرجلان المساعدان لي ينقلان البيضَإلى الزورق، أسقَطَ أحدهما بيضةً
على إحدى الصخور فتهشَّمت. كم كنتُ قاسيًا فيضربِ الرجل! لكنها كانت لذيذة، وكأنها
وُضِعت لتوِّها، وحتى رائحتها لم تكن كريهة، وكأنَّ التي وضعَتْها لم يمر أربعمائة عام
على موتها. قال الرجل إن حريشًا قد لدغه. يبدو أنني أحيدُ عن مسارِ القصة. أمضينا
النهارَ كله ونحن ننقِّب داخلَ الوحل لإخراج البيضسليمًا، وقد غطَّتْنا جميعًا طبقةٌ قَذِرة
من الوحل الأسود، وكنتُ غاضبًا بطبيعة الحال. كان ذلك البيضالذي وجدتُه هو الوحيد
الذي استُخرِج سليمًا، على حدِّ علمي. لقد توجَّهت لاحقًا لأرى البيضالمعروضفي متحف
التاريخ الطبيعي في لندن، فوجدتُه جميعًا متصدِّعًا وملتصقًا بعضه ببعض وكأنه قطعة
فسيفساء، مع فقدان بعض الأجزاء، أما البيض الذي اكتشفتُه فكان كاملًا وسليمًا، وقد
عزمتُ على أن أذُيع أمرَه فور عودتي. لا شكَّ أنني كنت منزعجًا من إضاعة هذا الأخرق
«. السخيف ثلاثَ ساعات من العمل بسبب حريشٍ. لقدضربتُهضربًا مبرحًا على أية حال
أخرَجَ الرجل ذو الندبة غَلْيُونًا مصنوعًا من الفخار، فوضعتُ أمامه جرابَ التبغ
خاصتي. ملأ غَلْيُونه وقد بَدَا شاردًا.
«… قلت له: ماذا عن البيضالآخَر؟ أعُدْتَ به إلى الوطن؟ لا أذكر »
أجابني قائلًا: ذلك هو الجزء الغريب من القصة: لقد عثرتُ على ثلاث بيضات »
أخرى، كانت طازجة تمامًا. حسنًا، لقد وضعناها في الزورق، ثم ذهبتُ إلى الخيمة لإعداد
بعض القهوة تاركًا مساعِدَيَّ الجِلْفين بالقرب من الشاطئ، يحاول أحدهما مداوَاةَ لدغته
ويساعده الآخَر. لم يخطر ببالي قطُّ أن الوغدين سيستغلان الموقف الغريب الذي كنتُ فيه
لاختلاق مشكلة، لكنني أعتقد أن معاناة أحدهما من سمِّ الحريش والضرب الذي تلقَّاه
مني قد أغضباه — كان دائمًا شخصًا مشاكسًا — وأقنَعَ صاحبه بخطته.
أذكر أنني كنت جالسًا أدخن وأغلي المياه فوق مَوْقِدي الكحولي الذي اعتدْتُ اصطحابه
معي في مثل هذه الرحلات الاستكشافية. كنت مستمتعًا، بالمناسبة، بمنظر المستنقع تحت
شمس الغروب؛ إذ اصطبَغَ كله بالسواد والحمرة القانية في خيوطٍ في مشهد جميل. وفي
الأفق بَدَت سُحبٌ رمادية وضبابٌ متصل حتى التلال، والسماء خلفهما حمراء، وكأنها
فوهة تنُّور. وقف خلفي على بُعْد خمسين ياردة هذان الهمجيان اللعينان — غير آبهَيْن
تمامًا بصفاء المشهد وهدوئه — يخطِّطان للهرب على متن الزورق وتركي وحيدًا خاليَ
الوفاض، اللهم إلا من مؤنةٍ تكفي لثلاثة أيام وخَيمةٍ من قماش، ودونَشرابٍ سوى برميل
ماء صغير. سمعت ضجةً قصيرة خلفي، فالتفتُّ لأجدهما في زورق الكانو — إن جازت
تسميته زورقًا — وقد ابتعدا عن اليابسة بنحوِ عشرين ياردة.سرعان ما أدركتُ ما يحدث.
كانت بندقيتي داخل الخيمة، وكانت خاليةً من الطلقات — لم يكن بها سوى طلقات
لصيد البط — كان الوغدان يعلمان ذلك، لكنني كنت محتفظًا بمسدس صغير في جيبي،
فأخرجتُه بينما أركضنحو الشاطئ.
«. عودَا » : قلت ملوِّحًا به
أجابا بشيء لم أتبيَّنه، ثم صاح مَن كسَرَالبيضةَ متهكِّمًا. صوَّبت المسدسَنحو الآخَر؛
لأنه لم يكن مصابًا وكان يتولَّى التجديف، لكنني أخطأته.ضحك الرجلان، لكنني لم أنهزم.
كنت أعلم أن عليَّ الحفاظ على رباطة جأشي، فحاولتُ إصابتَه مجدَّدًا وجعلته يقفز فزعًا
من دويِّ الطلقة. لم يضحك تلك المرة. في المرة الثالثة، نجحتُ في إصابة رأسه، فسقط ومعه
المجداف. كانت إصابةً موفَّقة للغاية من مسدسٍ صغير كهذا؛ أظنني أصبتُه وهو على بُعْد
خمسين ياردة، وسقط في الماء على الفور. لا أدري ما إذا كنتُ أصبته، أم أنه صُعِق من
دويِّ الطلقة وسقط غريقًا. ثم بدأتُ أصيح داعيًا الثاني إلى العودة، لكنه انكمشعلى نفسه
داخلَ الزورق ورفضالاستجابةَ لطلبي؛ لذلك وجَّهتُ نحوه طلقاتي، لكنها لم تَمسَّه البتَّة.
يسعني إخبارك أنني شعرتُ بأنني أحمق بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنًى. وقفت
وحيدًا فوق هذا الشاطئ الحالك البائس؛ المستنقعاتُ الضحلة من خلفي، والبحرُ الساكن
أمامي، وقد بدأَتِ البرودةُ تَسْري في الجو بعد المغيب، وهذا الزورق الأسود يُبحِر مُبعِدًا
بثبات نحوَ عُرْضالبحر. أؤكِّد لك أنني لعنتُشركةَ دوسن وشركةَ جامرك والمتاحفَ وكلَّ
ما له علاقةٌ بالأمر، ودعوتُ عليهم بما يستحقُّون. أخذتُ أصيح آمِرًا ذلك الغبي بالعودة،
حتى صار صياحي صراخًا.
لم يكن أمامي سوى ملاحقته سابحًا وتجربة حظي مع أسماك القرش. فتحتُ
مِطْواتي وثبَّتُّها بين أسناني، ثم خلعت ملابسي وخضتُ في ماء البحر. غاب الزورق عن
بصري بمجرد نزولي الماء، لكنني كنت عازمًا على اعتراض طريقه كما قررتُ. كان أملي
معقودًا على أن يكون الرجل شديدَ الإصابة بحيث يعجز عن التجديف، وأن يظل الزورق
ينجرف في نفس الاتجاه.سرعان ما ظهر الزورق مرةً أخرى في الأفق متَّجِهًا نحو الجنوب
الغربي. كان شفق المغيب قد تلاشىوبدأت عتمةُ الليل تزحف نحو السماء، تتخلَّلها النجوم.
الحقُّ أنني سبحت كالأبطال، بالرغم من أن أطرافيسرعان ما آلَمَتْني.
غير أنني تمكَّنت من الاقتراب من الزورق حين تألَّقت النجوم. ومع اشتداد ظلمة الليل
بدأت أرى جميعَ الأشياء المتوهِّجة في الماء؛ الوميضالفسفوري، كما تعلم. لقد أصابني ذلك
بالدوار في بعضالأحيان، ولم أكن قادرًا على تمييزِ النجوم من ذلك الوميضالفسفوري إلا
بشِقِّ الأنفس، ولا تحديدِ ما إذا كنتُ أسبح ورأسيإلى أسفل أم عقبي. بَدَا الزورق في سواد
الفحم والموجُ تحته كأنه ألسنة لهب. كنتُ بلا شك حَذِرًا في محاوَلة تسلُّق الزورق، وحريصًا
على أن أرى أولًا ما يخطِّط له الرجل. حين رأيتُه بَدَا مُتكوِّرًا على نفسه عند مقدمة الزورق،
وكانت مؤخرة الزورق مرتفعةً عن الماء تمامًا. ظلَّ الزورق ينجرف في حركة دائرية وكأنه
يؤدِّي رقصة، ربما. توجَّهتُ إلى مؤخرة الزورق وجذبتُها إلى الأسفل، متوقِّعًا أن توقظ
الحركةُ الرجل، ثم بدأت أتسلَّق الزورق والِمطْواة في يدي، مستعِدٍّا لأيِّ هجومٍ مفاجئ، لكن
الرجل لم يحرِّك ساكنًا؛ لذلك، قبعتُ عند مؤخرة الزورق الصغير وهو ينجرف بعيدًا، على
صفحة مياه البحر الفسفورية الهادئة وتتوهَّج فوقي كوكبةٌ من النجوم، في انتظارِ حدوثِ
شيءٍ ما.
بعد فترة طويلة، ناديتُه باسمه لكنه لم يُجِب البتَّة. كنت في غاية الإنهاك، فلم أحاول
المخاطَرة والاقتراب منه؛ لذلك ظللنا جالسَيْن هناك. أظنني غفوتُ مرة أو مرتين. حين
طلع الفجر وجدتُه جثةً هامدة، وقد انتفخ جسده واصطبغ باللون الأرجواني. كانت
بيضاتي الثلاث والعِظام موضوعةً وسط الزورق، ووجدتُ برميلَ ماء صغيرًا وبعضَ
القهوة والبسكويت داخل لفافةٍ من ورق صحيفة كيب آرجوس عند قَدَمه، وتحته علبة
من الكحول المغيَّر. لم يكن على متن الزورق مجداف، ولا أي شيء في الحقيقة يمكنني
استعماله كمجداف سوى علبة الكحول؛ لذلك عزمتُ على ترك الزورق ليجرفه التيار إلى أن
ينتشلني أحدهم. فكَّرت في أسباب وفاته، وتوصَّلت إلى أنه ربما يكون قد لَقِي مصرعه إثرَ
لدغةِ ثعبان، أو عقرب، أو حريش مجهول. ثم ألقيتُ بجثته في البحر.
بعدها تناولتُ شربةَ ماءٍ وبعضَ البسكويت، والتفتُّ حولي. أعتقد أن رجلًا منهَك
القوى ومحبَطًا مثلي لن يرى على تلك المسافة البعيدة للغاية؛ لم يكن لمدغشقر أثرٌ على
أية حال، ولا لأية يابسة مطلقًا. رأيتشراعًا متَّجِهًا نحو الجنوب الغربي، وبَدَا كأنه لمركب
شراعي لكن جسمه نفسه لم يظهر قطُّ. سرعان ما علت الشمس إلى أن استقرت في كبد
السماء وبدأت تلفحني بأوارها. يا إلهي! كان دماغي على وشك الغليان. حاولتُ غمْرَ رأسي
في ماء البحر، لكنَّ عيني وقعت بعدَ برهة على صحيفة كيب آرجوس، فاستلقيتُ ممددًا في
القارب باسطًا الصحيفة فوقي. كم هي رائعة تلك الصحف! لم يسبق لي أن قرأت صحيفة
كاملة بتمعُّن، لكن الوحدة تدفعك لفعل أشياء غريبة، وكان هذا حالي. أحسب أنني قرأت
ذلك العدد القديم من تلك الصحيفة اللعينة عشرين مرة. تصاعَدَ الدخان من القار الموجود
على الزورق بفعل حرارة الشمس، وارتفع سطحه على هيئة فقاعات كبيرة.
ظللتُ هائمًا في عُرْضالبحر عشرةَ أيام. ربما يبدو » : واصَلَ الرجل ذو الندبة روايتَه
لك هذا أمرًا هيِّنًا، أليسكذلك؟ كانت كلُّ أيامي متشابِهة. لم أكن أتطلَّع حولي إلا في الصباح
والمساء؛ فقد كان القيظ بَشِعًا للغاية. لم أَرَ أية أشرعة بعد الأيام الثلاثة الأولى، وتلك التي
رأيتها لم تلاحظني نهائيٍّا. في الليلة السادسة مرت بي سفينة على بُعْد نصف ميل فقط
مني، وكانت جميع أضوائها متوهجة ومنافذها مفتَّحة، وبَدَتْ وسطَ سواد الليل كيَرَاعةٍ
كبيرة مضيئة. كانت أصواتُ الموسيقى تنبعث من داخلها. نهضتُ وصحتُ وصرختُ مناديًا.
في اليوم الثاني ثقبتُ إحدى بيضات الإيبيورنيس، وقشَّرتها شيئًا فشيئًا وذقتُها، وابتهجتُ
حين وجدتها صالحةً للأكل. كانت بها نكهة بعضالشيء — أعني على نحوٍ غير سيئ —
لكنْ كان بها شيءٌ من مذاقِ بيضِ البط. كان هناك ما يشبه البقعةَ المستديرة، عرضها
حوالي ست بوصات، على أحد جوانب المُحِّ، ولاحظتُ فيها شعيراتٍ دمويةً وعلامةً بيضاء
تشبه السلم أثارَتِ استغرابي، لكنني لم أفهم دلالتَها حينئذٍ، ولم أكن ميَّالًا إلى الإفراط في
التدقيق. ظللتُ ثلاثةَ أيام أقتات على البيضة، مع بعضِ البسكويت وشربةِ ماء، بالإضافة
إلى مضْغِ حبوب القهوة أيضًا كنوعٍ من المنشطات. أما البيضةُ الثانية ففتحتُها في اليوم
«. الثامن تقريبًا، وقد أفزعني أمرها
«. أجل، كانت تنمو » : صمت الرجل ذو الندبة هنيهة، ثم قال
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

الفصل الأول الفصل الثاني
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.