hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

الأسماء سمة بشرية تستغني عنها الحيوانات، لكننا نحن البشر نحب إطلاق الأسماء على
أنفسنا والعالم من حولنا، هذا فضلًا عن نَظْم شبكات ومجموعات متداخلة متقنة من
التي « جزيرة الدكتور مورو » الأسماء في الروايات على سبيل المثال. ظهرت رواية ويلز
تتناول فكرة الإنسان الحيوان وسط زخم إبداعي استثنائي أدى أيضًا إلى تقديم رواية
عام « حرب العوالم » عام ١٨٩٥ (التي ينحط فيها البشرإلىصور حيوانية)، و « آلة الزمن »
١٨٩٨ (التي تشهد فيها الحضارة تدميرًا على يد كائنات فضائية وحشية). كان هناكشيء
ما في ذهن ويلز؛شيء دارويني؛ فقد تتلمذ على يد مُريد داروين، توماس هنري هاكسلي.
كان ذلك الشيء يتعلق بالتقارب بين الطبيعة البشرية والحيوانية. قبل داروين، آمن البشر
بأنهم كائنات متفردة خلقها الإله، وأنهم يختلفون اختلافًا جوهريٍّا عن الحيوانات. وقال
داروين إن البشر ليسوا سوى حيوانات تحولت بفعل التطور.
أول رواية بارزة تعبر عن تلك الثورة الفكرية الشاملة، « جزيرة الدكتور مورو »
وهي قصة مُقتضبة، ممتعة في قراءتها، وتعلق في الذاكرة إلى الأبد. تدور أحداثها حول
رجل إنجليزي ينحدر من أصول نبيلة يُدعى إدوارد برينديك، تسوقه الأقدار إلى جزيرة
بالمحيط الهادئ لا يسكنها سوى عالم تشريح الحيوانات الحيَّة دكتور مورو (ومساعده
مونتجومري)، بالإضافة إلى عدد من أنصاف البشر الذين استحدثهم مورو بالوسائل
الجراحية وغيرها من التدخلات في الحياة الحيوانية. وبعد تجسيد الرواية في العديد من
الأفلام، واقتباسكتاب آخرين لها،صار اسم الدكتور الآثم رمزًا لسادية مشرِّح الحيوانات
الحية وللحيوانيَّة المبتكَرة.
««. مورو! أعرف هذا الاسم » : قلتُ » . قبل انتصاف الرواية، يعي الراوي الأمر فجأة
بالفرنسية “Moreau” أولى النقاد اهتمامًا كبيرًا للأسماء الواردة في هذه الرواية؛ فكلمة
ومع أن مورو في رواية ويلز ناصع بياضالبشرة ،« ذا البشرة الداكنة، مثل المغاربة » تعني
ذو لحية طويلة بيضاء (في محاكاة للإله الأب)، فهو أيضًا محور المشكلات التي تثيرها
الرواية حول العِرق، وتمازج الأجناس، والتلوث، وهي الأمور التي مثلت جانبًا مهمٍّا من
الإطار العام للحياة في بريطانيا الإمبريالية في التسعينيات من القرن التاسع عشر. وقد
“morte” أو “mors” اقترح نقاد آخرون أن المقطع الأول من اسم مورو يشير إلى كلمة
ويعني الماء، فيشير إلى انعزال “eau” بالفرنسية التي تعني الموت، أما المقطع الثاني، وهو
ساكن الجزيرة في الرواية، أو ربما إلى الانسيابية التي يتعامل بها مورو مع الجسد.
لكن يمكننا الإسهاب في القول أكثر؛ فلطالما بدا لي اسم مورو نسخة محرَّفة من
وهو مَن كتب عن المدينة الفاضلة (يوتوبيا) لأول مرة في العالم، وهي قصة ،« مور » اسم
أخرى تدور أحداثها على جزيرة نائية حيث صُقلت الطبيعة البشرية وأدُخلت تعديلات
وهو اسم يشير، على نحو تهكمي، إلى النُّبل، ؛« جزيرة نوبل » عليها. اسم جزيرة مورو هو
تورية « يوتوبيا » ويحاكي في الوقت نفسه رواية مور الأصلية في مقطعه الأول (فاسم
التي يصورها ويلز، هي ،“No-bles” معروفة تعني المكان المثالي واللامكان). وجزيرة
على نحو واضح. أما جزيرة مور، “un-blessed” وملعون ،“No-” مكان غير موجود
التي تقع في المحيط الهادئ، فهي مكان مثالي تملؤه السعادة. شوَّه ويلز في قسوة ذلك
النموذج الجليل إلى صور بشعة منفرة.
ماذا عن إدوارد برينديك؟ شخصيٍّا اعتقدت أن لقبه يحمل بين طياته معنى المُدَّعِي،
ومع أن الراوي—إدوارد—مُسمٍّى تيمنًا باسم أمير ويلز وقتها، فالحقيقة .“pretender”
تشارلز إدوارد. لكن ما « المُدَّعي الصغير » أن العمل يقدمه لنا ابن أخيه المسمى تيمنًا باسم
الذي يدَّعيه برينديك؟ إنه على ما يبدو يدَّعي طبيعته البشرية؛ فما كان يُعد حجر أساس
علم الوجود تبين، بعد داروين، كونه قشرة خارجية لأساس حيواني في الأصل.
تحمل هذه الرواية معاني رمزية غاية في الثراء حتى إنه يمكن المبالغة في تفسيرها،
كما هو الحال هنا في موضوع الأسماء. تقدِّم مارجريت آتوود — في مقال استهلالي شهير
كتجربة فكرية تطورية، « مورو » : عن الرواية—عشرقراءات مختلفة في تتابعسريع، وهي
كقصة مغامرات من العصرالإمبريالي تعود للتسعينيات من القرن التاسع عشر، كرواية
لشكسبير، أو الكتاب المقدس، أو قصيدة « العاصفة » علمية، كإصدار معدل لمسرحية
لكولريدج. لكن، على الرغم من ألمعية كل هذه الأفكار، فلا يمكنني منع « البحار العجوز »
نفسي من التفكير في أن هذا الإفراط في التأويل قد يُبعدنا عن هدف ويلز من الرواية؛
بسيطة، ووضوحها الشديد هو جوهر سحرها « جزيرة الدكتور مورو » فالحقيقة أن رواية
الدائم. تتسم الرواية بالبساطة لأن الحيوانات بسيطة نسبيٍّا؛ فنحن نحتفظ بالحيوانات
الأليفة، ويفضلها بعضنا على البشر، لأن هذه الحيوانات تمنحنا أمورًا هامة—مثل الرفقة،
والولاء، والحب، والتسلية — دون كل التعقيدات التي تنطوي عليها العلاقات بين البشر
البالغين. وبساطة الحيوانات لا تعني البراءة بالطبع؛ بل من السذاجة اعتقاد ذلك، لكن
البراءة جزء محوري مما تمثله الحيوانات لدى البشر(يتسم هذا التحفظ الأخير بالأهمية؛
فالبساطة أو التعقيد مفاهيم بشرية في نهاية الأمر، ولا تعني أي شيء للحيوانات إلا في
إطار علاقتها مع البشر).
برع ويلز كثيرًا في التعبير عن عواقب هذه البساطة: ليس فقط من ناحية إمكانية
إذا استخدمنا تعبيرًا أكثر ثراءً — بل أيضًا من ناحية « البربرية » تضمنها للعنف — أو
بريقها الغريب الذي يجمع بين السحر والغرابة. وأعتقد أن هذا البريق سمة تشترك فيها
جميع الأشياء البسيطة بحق، لأن التعقيد والثراء الجوهريين في الوجود الإنساني يجعلان
ما هو بسيط حقٍّا أمرًا مغايرًا تمامًا ومحببًا إلى النفس، لكنه غير إنساني. ومن ثم، فمن
التي اتسم بها البشر الحيوانات « الوجوه الشبيهة بوجوه الجن الصغار » الأمثلة على ذلك
كانوا يرتدون عِمامات أيضًا، وأنعموا النظر فيّ » : الذين التقى بهم برينديك أول مرة
من تحتها بوجوههم التي تشبه وجوه الجن الصغار، وجوه يبرز منها فك سفلي وعيون
«. أذنا مساعد مونتجومري مدببتا الطرف، وعيناه البراقتان » وأيضًا ،« لامعة
لكن ويلز سبقه في ،« الحضارة وسخطها » تناول فرويد هذه القضية بحِنكة في كتابه
باستيعاب كامل فكرة أن العنف يصبح أمرًا عاديٍّا « جزيرة الدكتور مورو » ذلك. تعرض
عندما تكون الحضارة (التفاوض، التسوية، الإخضاع) أمرًا معقدًا. ويحكم مورو سيطرته
وهو مرادف لفظي للألم الذي يمثل وسيلته ،« القانون » على حيواناته البشرية باستخدام
في ابتداعهم. يُعد ذلك استراتيجية بسيطة، لكنها محفوفة بالمخاطر. وتقوم أحداث الرواية
على انحلال، أو انحطاط، هذه البنية المفروضة على تلك الكائنات.
عندما قرأت هذه الرواية للمرة الأولى أزعجني كثيرًا الألم الذي ألحقه مورو بكائناته،
ولا أعني هنا من الناحية الأخلاقية (وإن كان ذلك أمرًا مؤكدًا بالطبع)، بل من الناحية
العملية. فلماذا لم يستخدم مخدرًا؟ تدور أحداث الرواية في عام ١٨٨٧ ، وكان الإيثير
والكلوروفورم يُستخدمان على نطاق واسع في الجراحة منذ الأربعينيات من القرن التاسع
عشر. لكن كلا؛ فمورو يرفضتخدير ضحاياه؛ لماذا؟ لأن الألم جزء من أدواته الجراحية،
في كل مرة أغُمِر فيها » : شأنه في ذلك شأن أي أداة أخرى. ويتضح ذلك في كلماته المرعبة
كائنًا حيٍّا في بحر من الألم الرهيب أقول: هذه المرة سأقضي على الحيوان بالكامل، هذه
ولهذا الأمر اسم أيضًا؛ ألا وهو السادية. ما يفعله ويلز هنا «. المرة سأصنع كائنًا عقلانيٍّا
هو المبالغة في تمجيد السادية؛ أي الألم كأفق ميتافيزيقي للوجود.
ففي إحدى المرات، سأل ؛« السادية » لكن ينطوي الأمر على أكثر مما يشمله وصف
بدا لي » : وأضاف قائلًا ،« اتخاذ الشكل البشري نموذجًا له » برينديك مورو عن سبب
ومن الواضح للغاية «. حينذاك — ولا يزال يبدو لي — أن ثمة شرٍّا غريبًا في ذلك الاختيار
ليست الحقيقة. وربما يكون برينديك (« أنه اختار هذا الشكل مصادفة ») أن إجابة مورو
الذي يصيبه بالغثيان — كُفرًا. لكنني أعتقد أن الرواية تعبر — « الشر الغريب » قد اعتبر
عنشيء آخر يقودنا إلى اسم مختلف تمامًا؛ ألا وهو الحب.
بالعديد من صور البشر الحيوانات، لكن هناك أنثى « جزيرة الدكتور مورو » تزخر
واحدة في الرواية ابتُكِرت بعناء (بالمعنى الحرفي للكلمة) من أنثى كوجر (من فصيلة
القطط) على مدار الأحداث. وقد أشار العديد من النقاد إلى وجود معنى باطني جنسي
وويلز — ؛« مُومِس » كانت مرادفًا عاميٍّا في العصر الفيكتوري لكلمة « قطة » هنا؛ فكلمة
أي النمر المرقط) ) « جاجوار » الذي كان معروفًا بتعدد علاقاته الجنسية — سمَّى نفسه
أي الفهد الأسود). يبدو ) « بانثر » عندما كان مع محبوبته ريبيكا ويست، مثلما كانت هي
الأمر بالتأكيد وكأن مورو يستحدث رفيقة لنفسه.
لكن هذا أيضًا السبب وراء سقوطه؛ فمع أن تذوق البشر الحيوانات للدم هو الذي
شجعهم على التمرد، فإن هروب المرأة الكوجر هو ما أدى إلى هلاك مورو. وأعتقد أننا
ندرك العدالة في ذلك؛ فقدرة هذه المرأة التي أطُلق لها العنان ستدمر بساطة الجنة التي
صممها مورو. الحيوانات بسيطة، والألم بسيط، لكن الحب ليس بسيطًا، وقد أدى إلى
انهيار فردوس مورو الوحشي. ويأتي اسم مورو أيضًا معبرًا عن ذلك، كما لو أن ويلز
قد توصل إليه في لعبة أوراق التاروت التي يمكنها التنبؤ بنهايته؛ فاسمه مشتق من
وتعني المحبين. والإشارة هنا تهكمية، شأنها في ذلك “Lamoureux” الكلمة الفرنسية
شأن معالجته لفكرة المدينة الفاضلة (يوتوبيا) التي وضعها مور؛ فالحب هو الشيء
الوحيد الذي تفتقر إليه هذه الرواية البسيطة الرائعة والمثيرة.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.