DrMohamedZaki

شارك على مواقع التواصل

تمت الخطبة ثم كان الزواج سريعا وعشت معه في فيلا مستقلة بجوار فيلا والديه كانت الحياة هادئة ولكنهم كانوا يتعجلون ولي العهد, سبب لي هذا الأمر شعور بالقلق بدء خافتا ثم أزاد شيء فشيء مع ازدياد إلحاحهم في ذلك.
كان هاني غير متعجل الإنجاب, بل كان يرى أننا مازلنا صغارا,ويجب أن نستمتع بحياتنا, وقد سافرت معه بلدان كثيرة, إما لأنه لديه عمل فيها, أو للسياحة, تقريبا سافرت معظم البلدان, المتحضرة مثل أوربا, وأمريكا, المكسيك, البرازيل وغيرها من دول أمريكا الجنوبية. وكذلك اليابان وكوريا والهند, ودول أخرى كثيرة, تعرفت على حضارات وثقافات مختلفة, شعرت معه بصدق مشاعره, وبأنه يريد إسعادي فتسرب حبه لقلبي, رويدا رويدا, وان استمرت مشاعري تجاه محمد حبيب كما هي لا تتغير, حدث الحمل الأول لي, كنت سعيدة به, لم يكن يشغلني أن يكون ولد أو بنت, ولكن ما كان يشغلني, هو وجود كائن حي في أحشائي, أنه إحساس غريب, لم أكن أظنه كذلك أبدا, ونوع خاص من العلاقة, ربما توصف بالصداقة, أو غيرها, ولكنها نوع خاص من العلاقات, والتي يغمرها الحب, وخاصة حين تنفخ الروح, فتشعري بروح أخرى مع روحك, ولكنها ليست خارجة عنك, وليست داخلة فيك, فبرغم اعتمادها جسديا عليك, في كل شيء, ولكنها تستقل رويدا رويدا, فيصبح لها قلب أخر, وعقل أخر, داخل هذا العقل وداخل هذا الجسد, ولكن في الحقيقة لكلا منها استقلاليته.
مرت شهور الحمل سريعة, وكنت أخاف لحظات الولادة من كثرة ما سمعت ورأيت, كما كنت لا أريد أن يستقل هذا المخلوق عني فقد اعتدت عليه, وأصبح ملازما لي.
ولكن مع تقدم الحمل, وثقل الجنين, وكثرة حركته, بدأت أشعر بشيء مختلف, أريد الاستقلالية التي كنت عليها, أريد نفسي كما كنت, بمفردها, لقد أصبح الطرف الأخر أيضا له استقلالية, وكان هو الأخر يريد الانفصال, بدأ هو يبحث عن طريق وبدأت أنا أيضا أمهد الطريق, أصبحت أريده بين يدي, وأمام عيني وليس في أحشائي, هو شعور غريب, ربما لم أستطيع وصفه بشكل حقيقي, فليس كرها له أردته خارج أحشائي, ولكنني أحبه ويزداد حبي له يوم بعد يوم, ولكن لا أريده في أحشائي, كذلك كان هو هذا المخلوق لا يريد أن يبقى في أحشائي, فهم بالخروج من جسدي, وكذلك ساعدته أنا, وسعت له طريقا ضيقا ليخرج, شعرت بخروج جسد من جسد, وروح من روح, ونفس من نفس. وشعرت براحة بعدما, وعادت لي نفسي مطمئنة, واكتملت سعادتي , حين رأيت الوليد, ففرحت بها وسميتها فرحة, كانت ابنتي تنظر لي, لست أعرف إن كانت تعرفني أما لا, فقلت لها كأنني اذكرها, نعم أنا هي من كنا معا شهور طويلة, نتعايش سويا, كواحد وما كنا بواحد, أنا أمك, التي تحبك, نظرت لعيناها, فكأنها قالت لي, نعم أعرفك جيدا, أنت أمي التي أحبها.
كان شعور جديدا, أن يعتمد أبنك عليك في غذائك وتريه بعينيك أمامك ترضعيه فتري في وجهه الحب والسعادة, كلما أعطيته حبا مع الحليب كلما أعطاك سعادة, أن تريه يكبر أمام عينك, شيء جميل وخاصة أنه يكبر بجزء من جسدك. لقد فهمت جزء من العلاقة بين الأم والابن, هي علاقة غريبة, مهما جحدها الابن, فلا تستطيع الأم جحودها, بالرغم من أن الابن هو من الأم, وليس العكس. إلا انه يجحد هذا الحب, وهذه العلاقة.
كان الجميع من أهل زوجي, حتى هاني نفسه, غير سعيد بفرحة, كونها بنت, كنت متعجبة منهم, فهم يعلمون أن هذا أول مولود لنا, فمن الممكن أن هناك صبيان وبنات كثر فيما بعد, وثانيا, أنه رزق من الله, فيجب حمده عليه, وثالثا أن الرجل هو المسئول عن ذلك, فلماذا يغضب مني, فليغضب من نفسه. لذلك لم يعارضوني في تسميتها, فقالت له أمه, سمي أنت البنت, وسوف أسمي أنا الولد. ضحكت أمامها, وقلت لها, كيف لا تفرحي بحفيدتك, وكيف لا تفرحي بها وهي أنثى مثلك, نظرت لي في تعجب, ثم نكست رأسها ولم تجيب ولو بكلمة. كيف تدافع المرأة عن حقوقها, ثم حين يرزقها الله, ببنت تغضب, شيء عجيب هذه المرأة, قال والد هاني, الحمد لله على كل حال, ونظرت لهاني لعله يطيب خاطري فقال بسخافة, في المرة القادمة سيكون أفضل من هذا, تبسمت له في غضب, ونظرت لفرحة, وقلت ليس هناك أفضل من فرحة أبدا. غضبت منهم جميعا, ولم يبل ريقي إلا أمي ومارجريت, والتي قالت فرحة اسم جميل, ويا ليته يكون ياسمين, تبسمت لها, وقلت بل فرحة, ليفرح كل من سمع باسمها كما فرحت أنا, وكما يفرح كل من رآها. كان أبي صامت, كأنه يفكر في شيء ما, لم يكن من الصعب فهمه, كان يعلم أن هذه العائلة تريد صبيان كثر, ليرثوا هذه الثروات الضخمة, وليس فتيات, يأتي زوجها ليشاركهم هذه الثروات. لذا كان قلق, أما أنا لم أهتم بسخافتهم هذه, وعشت اللحظة مع ابنتي, وأمي ومارجريت, حيث كنا سعداء بفضل الله, ننظر إليها, وهي تتثاءب, وهي تتنطع, وعينها تزوغ يمينا ويسارا, فنبتسم لها, ونضحك, بينما الطرف الأخر كأنه في جنازة.
عشت معها ثانية بثانية ودقيقة بدقيقة وساعة بساعة ويوم بيوم وعاشت معي هذه اللحظات مارجريت التي لازمتني طوال إقامتي عند أمي, حتى السبوع, أكاد اجزم أنها ربما لم تنام, كانت تشعر أنها ابنتها, أو حفيدتها من بنتها ياسمين, كانت هي أول من ساعدتني في أول استحمام لفرحة, كانت تمسكها بيدها برفق وحرص شديد, كانت رأت كثيرا من الفيديوهات حول هذا الأمر وكانت تطبقه بطريقة أكاديمية بينما أنا اضحك من طريقتها, كنت أرى في وجهها سعادة لم أراها من قبل. كانت أكثر مني سعادة بفرحة, وربما أكثر حبا.
كانت يوم السبوع تمارس طقوسه كمصرية بنت مصرية, تفعل كل شيء, حتى أنها كانت تزغرد من الفرحة, ولكن بطريقة مضحكة, ولما جاء وقت عودتي للبيت, وجدتها تبكي, لم تحاول أن تخفي هذه المشاعر, لذا ألمني ذلك أكثر وأكثر, ولكن لم يكن في الأمر حيلة, كانت تزرني مرة أو مرتان كل أسبوع, وتنتظرني يوم الخميس من كل أسبوع حين أزور أهلي, شعرت أنها لا تهتم بأحد غير فرحة, تقبلني حين تراني, ثم تتسلم مني فرحة, فلا تعيدها إلا حين أهم بالرحيل على مضض, وهي تبكي, كانت يحدث شجار بجب بين أمي وبين مارجريت على فرحة, تنتهي بأن يتركونني كلاهما ويأخذون في اللعب مع فرحة, كنت اضحك واضحك على ذلك, وأقول لهما جاءت لأركما, فتتركوني, فيردان علي بنظرات حب لي ولفرحة, فاضحك, وقد قلت لهما مرة, لقد جعلتموني اشعر بالغيرة من فرحة, لشدة محباتكم لها, فضحكت مارجريت وقالت, ما أحببتها لا لحبي لك.
كان موقف هاني هو الأغرب, لم يكن يهتم بالأولاد من الأساس, ولكن عندما رزقه الله بفرحة, حزن, تذكرت قول الله, بسم الله الرحمن الرحيم ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم) وبالرغم من أن الأمر اختلف مع الوقت فبدء يقترب من فرحة ويلاعبها أحيانا, ولكنه ظل في نفسه شيء.
اختلفت العلاقة بيننا, بعد الولادة, كان في ظني في البداية, أنه ربما لزيادة وزني أثناء الحمل, ولكن بعد الولادة, وبعدة أسابيع, لعدت لوزني قبل الحمل تقريبا. ولكن الأمور لم تتغير كثيرا, فقلت في نفسي أ يكون بسبب بفرحة كونها بنت؟. ولكنني لم أصل لشيء, كانت العلاقة غير مستقرة, أحيانا تتحسن وأحيانا تسوء, ولكنها لم تعود أبدا لما كنا عليه من قبل الزواج وفي بدايته.
كنت قد عدت للعمل الجامعي, واجتهدت فيه في محاولة مني لتخطي ما أشعر به, وكنت سعيدة لأنني اترك فرحة عند أمي ومارجريت, التي كانت لا تذهب للجامعة إلا لتلقي المحاضرات فقط, وتبقي في البيت لتعمل بالترجمة في غياب فرحة, أو لتجلس مع فرحة في حالة وجودها عند أمي, كانت كأنها هائمة بحبها.
مرت الأيام بطيئة, وكنا نحاول بكل الطرق أن ننجب مرة أخرى, كان التفكير في هذا الأمر منذ ولادة فرحة, وربما من قبل ذلك, ولكن لم يشأ الله, حاول هاني أن يقنعني بطفل الأنابيب, ولكنني كنت ارفض, ولكن مع كثرة الإلحاح وافقت ولكنها فشلت, أجريناها أكثر من مرة في داخل مصر وخارجها, ولكن دون فائدة. سمعنا عن الحقن ألمجهري, وكان تقنية جديدة, وأجريناها في الخارج وفي واحد من أكبر المستشفيات, ولكن دون جدوى, جربنا كل الطرق المعروفة, ولكن لم يتغير الأمر. كنا نبحث عن معجزة, ولكنها لم تأتي في هذه المرة, ربما لأن الحب قد ذهب, أو ربما كان عقاب الله لهاني وأهله الذين لم يرضوا بفضل الله, وهاني الذي قال المرة القادمة ستكون أفضل, نسى أن الأمر لله من قبل ومن بعد, وظن أن المرة القادمة ستأتي لا محاولة ولكنها لم تأتي حتى الآن, لقد أصبحت شبة موقنة أنها ربما لن تأتي أبدا, بل أصبحت أخاف أن يسحب الله هديته من شدة ما رأيت من التعنت. كنت أدعو الله أن يرحمني, ولا يسترد هديته من أجلي. لست أعرف لما قد ينسى إنسان كل نعم الله المختلفة التي وهبها الله له, من مال وأب وأم وزوجة وابنة, وجاه وسلطان, وكذا, وكذا, وكذا, ماله ينسى كل هذا؟ ويفكر فقط في أن الله لم يرزقه بولد حتى الآن, ربما يعطيه له غدا أو بعد غد, وربما لا يعطيه له, لأن ذلك خيرا له أو لأنه ابتلاء يجب الصبر عليه, لقد كنت أحاول أن أناقشه, ولكن دون جدوى, كنت أقول أصبر الصبر مفتاح الفرج, ولكنه لم يكن يسمع, قلت له لا تضيع كل شيء بلا سبب إن فضل الله عليك عظيما, فلم يكن يسمع, كنت أقول له, أحمد الله على فضله, فلم يزده إلا فرارا. كنت أقول له يكفيك أنني احبك وأنت تحبني, فلم يكن يهتم, بكيت بين يديه وقلت له, لقد خدعتني, لقد أقسمت أن تفعل كل شيء لإسعادي, وها أنت تغضبني بلا سبب, سوف تضيع نفسك وحياتك وأخشى أن تخسر كل شيء. ولكنه كان ينظر لي دون اهتمام وعيناه حائرة زائغة, كنت انظر في عينيه, فلا أرى الحب, ولا أري الرجولة. أصبحت تعيسة, من خوفي عليه, لم يكن يخفف من ذلك إلا فرحة, التي كنت انظر لها فيروق بالي ويصفو, وأخذ أداعبها وألاعبها, حتى أنسي كل شيء معها, كنت أتمنى لو يصفو هاني كما أفعل أنا, ويعود لرشده, ويلعب مع فرحة التي تكبر كل يوم وتزداد جمالا, وشقاوة, حاولت معه كثيرا, وقلت له ذات مرة, ربما يأتي اليوم الذي ستندم فيه انك لم تعش هذه اللحظات الجميلة مع فرحة ومعي, فكان يتأثر أحيانا, ويكون معنا سعيدا, ثم يعود سريعا, لوحدته وحزنه وشروده. ربما كان أهله يضغطون عليه في هذا الأمر, ولكن كنت أشعر أن هذا الأمر مستقر في داخله, يريد أبناء كثر وذكور.
قلت له ذات مرة, لا تكن مثل الملك فاروق الذي خسر حبه, وصفاء نفسه, ليكون له ولد يرث ملكه, فلما جاء الولد ذهب الملك. نظر لي نظرة يملئها الدموع, ولم يتحدث, احتضنته, وقلت له, إن من في مثل سنك لم يتزوج قط, وربما لم يفكر أصلا, وقد رزقنا الله, بفرحة, التي هي فرحة حقا, فاسعد بها وبحبي وحبها لك, وبحبك لنا, ودع الغد على الله, وتب إليه, مما في ذهنك من فكر سيء, وثق أن الله وقتها سيعطيك ما تريد وأكثر ما دام ذلك خير لك.
نظر لي هاني, وقال هل سيعطينني الله الولد؟.
قبلت رأسه, وقلت له, يا هاني, لا تشترط على الله, وقد جربت ذلك,و لم تفلح, الله لا يعاند, ولا تكون إلا مشيئته.
نظر لي مرة أخرى, والدمع يملئ وجهه, أريد أبناء كثيرون كما كنت احلم, أريد ست صبيان على الأقل, يكون كل واحد مسئول عن استثماراتي في كل قارة, حقيقة أريد أكثر من ذلك, ربما مائة, لقد حرم أبي كثرة الأولاد, فلم يكن له إلا أنا, وكنا أنا وهو نضع كل أحلامنا في ذريتي, أننا نعاني من قلة وفاء من يعمل معنا, مهما بذلنا لهم من العطاء, ولكن عندما يكون عندي أبناء كثيرون, فسوف يكونون مسئولون عن شركتهم وسوف يكونون بالطبع مخلصون لشركتهم.
قلت له بهدوء, أبوك لم يضيع حياته في الفكر لأنه لم ينجب غيرك, وكان عنده أمل فيك, فليكن عندك أمل في فرحة.
قال هاني, أنت لم تفهمي, ندم أبي كثيرا أنه لم يهتم بكثرة الأولاد, ولم يكن يريد أن يكون له أبناء من أكثر من أم, حتى لا يكون بينهم خلافات, فقد كان لجدي أولاد كثيرون من زوجات متعددة, فكان بينهم خلافات كثيرة بعد وفاة جدي, ولذلك كان أبي يريد أولاد كثر من أم واحدة يربيهم على حب بعضهم, وحب العمل والنجاح, ولكن إرادة الله كانت غير ذلك, ومات كل أخوتي صغارا.
قلت له, لقد رأيت بنفسك أن الله لا يعاند, وأن أرادة الله تكون دائما أفضل, فمن يدريك ألا يكون بينك وبين أخوتك الأشقاء خلافات, فكل من حولنا يؤكد عكس ذلك, وربما تسبب ذلك في ضياع كل شيء, فلا تعجل في هذا الأمر, وفوض أمرك لله.
قال هاني, لقد فقدت الحافز الحقيقي على العمل, كنت أعمل لأجل أبي ونفسي, وأبنائي, فلمن اعمل الآن؟.
شعرت بالغيظ, وقلت له, ماذا تقول؟. لقد أعطاك الله فرحة, وهي رزق من الله, ربما ما كان يعطيك أبناء أبدا, مثل مارجريت, هل رأيتها يوما غاضبة من ذلك, لا على العكس, فقد جعلتني كابنتها, وعلمتني وجعلتني تلميذتها ثم زميلتها, لقد قالت لي مرة, ربما لو كان لي بنت ما كانت لتكون قريبة لي مثلك, فأنت ابنتي وأختي وصديقتي.
ضحك هاني وقال, لم أكن في حاجة لفرحة, ومارجريت تحاول أن تصبر نفسها.
قلت له في غضب, استغفر الله يا هاني فليس لك عند الله حق, الفضل كله منه وله, من خلقك, إلي رزقك, إلي كل شيء, فلا تجحد كل شيء, فتخسر كل شيء. ومارجريت إنسانه عاقلة ترى في كل مشكلة حل بل أكثر من حل وتمتع بأفق واسع, ونفس مطمئنة.
نظر لي متجهما, وتركني وهو يهمهم بكلمات لم أفهمها, ولكنني فهمت مراده.
اجتهدت في عملي حتى حصلت على الماجستير ثم الدكتوراه, وكان فضل مارجريت كبير جدا, لقد بذلت كل ما تستطيع وسخرت جهدها لتساعدني بكل الطرق حتى شحب لونها وكان زوجها يضحك ويقول لنا لست أعرف من منكما التي تحضر رسالة الدكتوراه. لم يكن هناك من طريقة لأشكرها بها, فالكلمات كانت تعجز عن ذلك, لذا كان الصمت ونظرات الامتنان أفضل تعبير لذلك. وكنت أحاول أن أجد بصفة مستمرة رابط, أو شيء مشترك بيني وبين هاني, ولكن كان دائما هناك شيء يحول بيننا. وكنا نتباعد أكثر وأكثر بدون سبب حقيقي, كنت قد اتخذت قرارا خاصة بعد الدكتوراه أن اسخر كل جهدي, لزوجي وبيتي, في محاولة مني للحفاظ على بيتي, وساعدني على ذلك, أمي ومارجريت, فعدت اهتم بمظهري العام, ولباقتي المعتادة التي كان يعجب بها هاني, كنت أنظر لنفسي في المرآة فأري ياسمين بنت العشرين عاما وليست دكتورة الجامعة, ولكن هذا لم يغيره كثيرا, كان الموضوع أكبر بكثير من المظهر الخارجي, مع ذلك لم أشعر باليأس, بل زاد ذلك من إصراري, فأظهرت له كل مشاعري تجاه, وأكثر, لقد بالغت فيها كثيرا, حتى صدقتها, وربما ذلك ما ألمني أكثر بعد ذلك, ولكن لم تتغير الأمور, قلت له, لقد قلت لي قديما سأفعل أي شيء لتكوني سعيدة, أما الآن فأنا أقول لك, سأفعل كل شيء لتكون سعيدا.
نظر لي نظرة فيها حب اشتقت لها منذ فترة بعيدة, وقال أي شيء؟.
دار في نفسي أشياء كثيرة قد يطلبها مني, فقلت له أي شيء, ودار في خلدي أن يتزوج علي, فلم يغير ذلك من تصميمي.
قال سنحاول بكل الطرق أن ننجب أطفال.
قلت له, لك هذا, سآخذ أجازة من الجامعة, وسوف أسافر معك حيثما تريد, حين يمن الله علينا بفضله, ولكن عليك أن تتوب من كل ذنب,وأن تسأل الله أن يرزقك الذرية الصالحة.
قال لي نعم سأفعل لعله يرزقني بالولد.
قلت له, عليك أن تتوب توبة حقيقة لله.
قال في غضب, لقد قلت لك سأفعل.
سافرنا للندن, وأجرينا كل الفحوصات المطلوبة, التي أكدت عدم وجود أي موانع للحمل سواء من جانبي أو جانبه, وطلبنا إجراء كل الطرق الحديثة للإنجاب وكان لنا ما أردنا, ولكن لم تكن إرادة الله أن احمل في هذه الفترة.
لم افقد الأمل, قلت له لنسافر لأمريكا, وسافرنا يحدونا الأمل ولكن دون جدوى. كلما سمعنا عن طبيب معين, أو مستشفي ما, كنا نسافر, وكل الأطباء يعجبون من عدم إنجابنا, وكانت هناك نصائح كثيرة مثل الفترة الأفضل للعلاقة , ووصفوا لنا بعض الأدوية, ولكن دون جدوى, وكان أي طبيب يعجب عندما يسمع عن كم المحاولات التي قمنا بها للإنجاب بلا فائدة, ويحاول بكل الطرق, ولكن كانت كلها تبوء بالفشل, حيث لا يحدث إخصاب.
جن جنون هاني, وبدأ يدمن الخمر, وكنت أنا أكاد اجن أكثر منه, لماذا هو حزين كل هذا الحزن, ولماذا لا يصبر, ولماذا لا يتوب بصدق لله, فبدلا من ذلك ذهب يزيد من غضب الله عليه, فيداوم على الخمر.
كنت كما قلت اتخذت قرارا, بأن أحافظ على بيتي بكل الطرق, ولكنه طلب مني شيء لم أكن أتوقعه.
لقد طلب مني الذهاب إلى دجالة تدعي العلم يسمونها الشيخة فدوه, كنت اسمع عنها, من بعض الناس, وكنت أراهم مجانيين إذ يلجئون لذلك, فهو حرام شرعا, ومرفوض عقلا, كيف لنا أن نخالف الشرع, ونذهب لمثل هؤلاء, فنظن أن بإمكانهم تغيير القدر, وصنع المعجزات, وكيف نخالف العقل, وننساق وراء الجهل, وكيف ننكر رفض قلوبنا لذلك, ونجري وراء وهم لا نطمئن إليه.
كنت أرى أن رجال الدين, والعلم يتحملون مسئولية كبيرة في ذلك. رفضت بالطبع رفضا شديدا, ولكنه لم ييأس, وحاول مرات ومرات, وتحدث مع أمي وأبي وحتى مارجريت, ولكنني كنت أرفض, قلت لأبي أتريدني أن أخالف ديني, وعقلي وقلبي, واذهب وراء الدجل والشعوذة, أنني راضية بما رضي الله لي, ولن أخالف ما أؤمن به. لكن الضغوط تزايدت, أكثر وأكثر, حتى كدت أجن, كان مارجريت مثلي ترفض هذا الأمر, ولكن أمي وأبي, قالا وماذا سيضرك, في ذلك. وكان معهم والد ووالدة هاني.
لست أعرف كيف يقولون مثل هذا, فهم على درجة علمية, ومستوى ثقافي راقي بل ومتدينون, كيف نصل لذلك؟ أصررت على الرفض لأكثر من عام, عانيت خلالها ما لم أكن أتخيل, وشعرت أني أتدمر من داخلي, عانيت من أمراض كثيرة, أصبح ارتفاع الضغط شيء عادي, وكذلك ارتفاع السكر في الدم, وأصبحت أعاني من صداع مزمن, يكاد لا يبرحني, شعرت أن حياتي قد دمرت, وأنني خسرت كل شيء, كنت حزينة, أبكي كثيرا, أقول يا رب, لقد تعبت مما أنا فيه, كرهت الحياة, وتمنيت الموت, وربما فكرت في الانتحار, كنت أرى الحياة نقمة, وليست نعمة, قرأت كثيرا, لأبي العلاء المعري, وأصبحت أؤمن بما يقول, وخاصة, هذا ما جناه أبي على, وما جنيت على أحد, ولكنني للأسف جنيت على ابنتي, فرحة, التي أصبحت هي الوحيدة التي تسري عني قليلا حين أراها. كنت أشعر أنني أخطأت في حقها لأنني جلبتها لهذه الحياة.
استمر الضغط من جميع الجهات, فاضطررت للموافقة وذهبت إلى هناك منقبة كي لا يراني احد ومع ذلك كنت اشعر أني عارية, بل أكثر من ذلك, دهشت حين رأيت كم الحشود التي تنتظر, كانت اتخذت مكان في الصحراء, على طريق مصر الإسكندرية, كان عدد السيارات مخيف, وأنواعها تدهشك, من نصف النقل والنقل, والميكروباس, وسيارات قديمة مثل 128, وسيارات حديثة بماكارت مختلفة, وسيارات فارهه من المرسيدس, وبي ام دبيلو وغيرها, وبعضها هيئات دبلوماسية, وغير ذلك, قال هاني أنه دفع أكثر من عشرين ألف جنيها حتى يدخل سريعا, دهشت من هذا الرقم, أنه يفوق راتبي عدة أشهر في الجامعة الأمريكية, شيء يعجز أي شخص على تخيله, قال هاني لما رأي كل هذه الدهشة, هناك من يدفع أكثر حتى مائة ألف جنيها, فقط ليدخل بشكل أسرع, ناهيك عما تطلب بعد ذلك. لم أكن أعرف هل أبكي أم اضحك, مما وصل له الناس وأنا معهم, انتظرنا قرابة ساعة لندخل على فدوه, وقد رأيت أناس ينصبون خيم, ليقيموا فيها, انتظار لدورهم منهم من بقى أكثر من شهر.
عندما دخلت غرفتها, شعرت بغثيان غريب, تبعه قيء شديد, كنت أنظر في كل شيء فاشمأز, ولكن أكثر من ذلك كان وجهها, أنه وجه شيطاني, مما قرأت عنه كثيرا, لست أعرف كيف يمكن لأي شخص أن يثق بها الشخص, كيف يرجو خيره من ورائه, أنه وجه لا يأتي إلا بالشر, لم استطيع أن انتظر تراجعت مسرعة إلى السيارة أهرول بأقصى ما عندي, ومازال القيء مستمرا, حتى جلست في السيارة, انتظر هاني, الذي جاء بعد دقائق قليلة, ووجه به ما به من معاني كلها سيئة, لم نتحدث ولكنه نظر لي نظرة كلها شرا وكراهية, لست أعرف لماذا لم تزعجني هذه النظرة, بل شعرت براحة غريبة.
لم يعد وجه هاني هادئا ولا صافيا مرة أخرى, وقد علمت من والدته أن فدوى قالت له, أنني يركبني جن شديد, وقد خاف حين دخل عليها, لذا حدث ما حدث. وانه أي هذا الجن من الشياطين, وأنه سيمنعني نهائيا من الذهاب مرة أخرى للشيخة فدوى, وأنه يجب إجباري على الذهاب إليها, لاستخراج هذا الجني, والذي سيكلفنا مبلغ ضخم لم تحدده بعد.
في هذه اللحظة, بكيت وضحكت, في أن واحد, وظللت هكذا وقت طويل, وقلت لعنة الله على كل شيء, وتركتها وغادرت.
لقد شعرت في هذه اللحظة, بما كنت قد نسيت أو تناسيت, محمد حبيب, نعم كنت في حاجة له في هذه اللحظة, وأنا في هذا السن, لهذا الطفل, الذي كنت أشعر بجواره بهذه الطمأنينة, عجبت من نفسي, اذ كيف استنجد بهذا الطفل, وكيف لي أن أفكر في رجل أخر غبر زوجي, كنت ابتسم في نفسي وأقول, ما هو إلا طفل صغير, وحتى لو كان رجلا ما كان ليفعل لي شيء.
أصبح الوضع بيني وبين هاني, يوحي بأنه سيكون هناك نهاية قريبة لكل شيء, أو هكذا كنت أشعر, اتخذت قرارا بأن أفعل ما أؤمن به فقط, وألا افعل أي شيء أراه غير صحيح مهما كانت النتائج. ورغم محاولات هاني المتكررة وغيره بأن أذهب لمن تدعى الشيخة فدوه إلا أني رفضت بشدة هذا الأمر, وبحزم وحسم كامل, رغم معرفتي بما قد ينجم عن هذا القرار, ولكنه لم يعد يشغلني, كان يدور في ذهني أمور كثيرة بالطبع مثل مستقبلي كمطلقة, وكذلك مستقبل أبنتي, ولكنني إن سرت معه في طريقه فسوف أخسر كل شيء, وأول شيء هو نفسي, وهذا ما كنت أرفضه تماما.
بدء هاني يحب شابة كانت تعمل سكرتيرة له في الشركة, وقع في شباكها أو أوقعها هو, أو كلاهما أراد ذلك, بدا ذلك جليا فبدأ يهتم بنفسه مرة أخرى, وعاد له بعض رونقه, ولكنه لم يعود كما كان قديما, وقد عرفت هذا الأمر عن طريق بعض أصدقائي وهو ما حاولت أن أرفضه, ولكن هذا كان مستحيلا فقد أصبح يرافقها بشكل دائم, في العمل وخارجه, بل ويسافر معها في داخل مصر وخارجها, لم يكن يهمني إلى أين وصلت العلاقة, فكونه يفكر في غيري فهو عندي خيانة, واجهته بالأمر, لم ينكر, ولم يشعر بأي تأنيب بالذنب تجاهي, مما جعلني أستشيط غيظا,فبكيت بكاء حارا وقلت له وأنا انظر في عينيه, أبحث عن تلك النظرة التي طلب مني يومها يدي, انك لم تحبني يوما يا هاني, لقد خدعتني, كنت قد أقسمت أن تفعل كل شيء لأكون سعيدة, وها أنت تفعل أي شيء, لأكون تعيسة, إن قلبي يتقطع ويتمزق حزنا, أنه يكاد يتوقف تماما, بل أنا أريد هذا, يا ليت الموت يأتي الآن, حتى لا أرى تلك النظرة, نظرة ألا مبالاة في عينيك, التي تقتل ألف مرة أكثر من نظرة الكراهية, لم يعد للحياة معنى, منذ هذه اللحظة. ثم سقطت وقد أغشي على, ظننت لفترة وأنا غائبة عن الوعي أنه ربما قد مت, انتابني, أحاسيس مختلفة, إحساس بالراحة من الألم والعذاب, وإحساس بالحزن على مفارقة أبنتي, وإحساس جميل كان يسيطر كثيرا, وهو إحساس بالراحة وخلو البال, لم أكن أعرف من قبل هذا الإحساس, أنه يشبه إحساس طفل رضيع, لا يشعر بالخوف, لا يفكر في ماضي ولا مستقبل, ولا موت ولا حياة ولا أي شيء, غير لحظته هذه, ذهن صافي تمام, يستمتع فقط, شعرت برغبة في التحليق بعيدا, ففعلت. شعرت أني أريد أن المس القمر, واحتضن الشمس ففعلت, أرادت أن أخرج خارج المجرة ففعلت, دخلت في نواة الذرة,بل داخل الإلكترون, لم أجد أي شيء لا استطيع أن افعله, حتى أحببت أن أكون تحت العرش ففعلت, أرادت أن أصل سدرت المنتهى ففعلت, عندها شعرت أنني ذبت تماما, شعرت بحالة جديدة من السعادة, لم أكن أظن أنه يوجد مثلها أبدا. تمنيت أن أظل هكذا, وحين هممت أن أرقى أكثر من ذلك, وجدت نفسي في غرفة ضيقة, شعرت فيها باختناق شديد لا يوصف بعد إحساس كبير بالراحة والسعادة, رفضت كل هذا, ولكنني لم استطيع, كنت أحاول أن احلق بعيدا, بينما الأطباء يريدونني أن أعود, حاولت جاهدة أن ابعد, ولكنهم كانوا يعملون بإخلاص, لا اعرف سببه, قاومت كثيرا حتى كدت أنجح, حتى كأنني رأيت طيفا, يلوح لي بيده, فنظرت لما أشار إليه, فوجدت أبنتي فرحة تبكي بكاء شديد. لما استطيع أن أقاوم هذه الدموع, وظننتها أشارة بأن أعود, فعدت على مضض.
مرت أيام بطيئة, كنت أدعي النوم فيها لفترات طويلة, لأنني لم أكن أود أن أتحدث إلى أحد, كنت استيقظ فقط إذا جاءت فرحة, فأقبلها واحتضنها, ثم أتظاهر بالنوم مرة أخرى. تمنيت لو استمر كذلك بعيدة عن كل شيء, بعيدة عن الحياة بكل ما فيها.
جاءت اللحظة التي كانت لابد أن تأتي, جلس أمامي هاني, وأنا لا اقدر أن أنظر إليه, أما هو فكان ينظر للأرض, وقال, يا ياسمين, لقد وصلت العلاقة بيننا, لمرحلة لابد من أن نجلس فيها سويا لننظر إلي حالنا ومستقبلنا, لقد توترت علاقتنا بسبب عنادك, كان من الممكن أن تحل كل مشاكلنا لو وافقت للذهاب للشيخة فدوى.
لم أكن اصدق ما اسمع, فنظرت له بحدة, وقلت له, وأنا عيني تبكي, وابتسم له في سخرية في وقت واحد, أنني لا افهم ما تقول ولا أقدر أن استوعبه أبدا, كيف تقول ذلك يا هاني؟ لقد أعطاك الله أكثر بكثير مما تظن وتحلم, ثروة عظيمة, وشركات ناجحة, وزوجة أنت تعرف عنها أكثر مما أعرف, وأب وأم عظيمان, وأكثر من ذلك ابنة آية في الروعة والجمال, وفوق كل هذا صحة جيدة, ثم أنك تجحد كل هذا, وتأتي لنقطة واحدة, ربما أخرها الله لك أو منعها كاختبار لك, فتقع في المحظور, أنك حقا ابن ادم لقد أخطأت خطأ فادح, تركت كل النعم, وفوقها رضا الله, فتذهب لتعصي الله وأنت تعلم أنك تعصيه, وليس هذا فحسب بل تريدني أنا أن أذهب معك في هذه الخطيئة, تريدني أن اعصي الله, واحتقر عقلي, واذهب وراء الدجل والشعوذة, ماذا لو لم يريد الله أن يعطيك أبناء, هل هذه المرأة ستفعل, بالطبع لا وأنت تعلم ذلك, ولكننك مصر على أن تعصي الله, وأنا أنصحك للمرة الأخيرة, عد لرشدك, حتى لا تخسر كل شيء بعدما خسرت نفسك, فيكفيك خسارة نفسك, وهي أكبر الخسائر لو كان لك عقل وقلب, ثم أدرت وجهي عنه.
قال لي, وهو يحاول أن يوجه وجهي تجاهه بيده, لو وافقت على الذهاب للشيخة فدوى, فسوف أنسى كل شيء سنعود أنا وأنت كما كنا وبل وأفضل مما كنا.
كانت رأسي تغلي وعلى وشك الانفجار, ولكن الله هداني لبعض كلمات, فقلت له, هب أنني وافقت على ذلك, فهل تعطيني وعدا أن يكون لي ولد منك هذا العام.
نظر لي متعجبا ثم نظر للأرض وقال, كيف لي بهذا يا ياسمين, الأمر لله في هذا الأمر وأنت تعرفين ذلك.
ضحكت بغيط وقلت له, مادمت تعرف ذلك فلماذا تسير وراء الباطل ثم أعطيته ظهري, وغطيت جسدي كله حتى وجهي.
خرجت من المستشفي على بيت والدي, كنت حزينة على ما حدث ولكن ليس هناك شيء أفعله, كنت في المستشفي لا أفكر كثيرا فيما حدث, لا اعرف لماذا, ربما لما حدث لي أثناء الغيبوبة, أو لأنه كان عندي ربما أمل في أن ينصلح حال زوجي ونعود لما كنا عليه, ولكن حين وصلت بيت أبي, كان الأمر أصبح مستحيلا, بدأت أفكر في معنى أني مطلقة, في نظرتي لنفسي ونظرت المجتمع كذلك, وأيضا فكرت في أبنتي فرحة, كان هذا الأمر يؤلمني كثيرا, ولكن ليس في اليد حيلة.
ما حدث بعد ذلك لم أكن أظنه أو أتوقعه أبدا, شيء لم أصدقه في البداية وكذلك أظنكم أنتم لن تصدقوه, ذهبت لأبي في مكتبه, وذهب هو معي للمحامي, محمد عبد الهادي, وهو أحد محامي الشركة, وعندما دخلنا لمكتبه, رأيت ما لا أظنه, كنت أشعر بدقات قلب تتزايد منذ دخلت لمكتبه, ولكنني فوجئت به أمامي, اللوحة على مكتبه محمد حبيب عبد الهادي, أنه هو وقد تأكدت من نظرته هي هي النظرة, لا أنساها, نظرة رجولة ممزوجة بدفء وحب, تزايدت ضربات قلبي أكثر وأكثر, وكدت اسقط على الأرض.
لقد شعرت باحساسين متناقضين, الأول كنت أتمنى أن أرتمي في حضنه, لعل حضنه أن يدفئ قلب الذي يشعر بالبرد, ولعله يخفف قليلا مما أشعر, أما الإحساس الأخر فهو الخجل, نعم كنت أخجل منه, أن يراني بعد كل هذه السنوات, وأنا متزوجة, بل في زواج فاشل, كاد أن ينتهي أمره. نظرت للأرض وأنا أتمنى أن أنظر في وجهه, بل في عينيه, لأرى هذه النظرة التي تملئني طمأنينة,و هدوء, ولكني لم استطيع,
جلست في الكرسي المقابل لأبي أمام المكتب, وحكي له أبي الموضوع باختصار, ثم قال ونريد أن نسير في أجرأت الطلاق.
صمت محمد طويلا ووضع رأسه بين يديه ثم قال لي بهدوء , ولكن إلا يوجد طريقة للرجوع خاصة من أجل الابنة, ثم نظر لي على استحياء وقال بعيون يملئها الحب والشوق, ولكن ما قاله أزال كل هذا من ذهني,
هل يمكن يا... يا ...مدام ياسمين أن نفكر في عدم الطلاق من أجل أبنكتي فرحة, ومن اجل العشرة الطويلة بينكم؟ وبالطبع كان بينكم حبا؟.
دارت بي الأرض الأف المرات, ولم استطيع الكلام, بل كدت اسقط على الأرض مغشيا علي, كيف يقول ذلك؟. هل لا يحبني كما كنت أظن؟. هل تزوج وله أبناء؟. هل كان يحبني ولكنه نسيني؟. هل... وهل... وهل, أسئلة كثيرة, شغلتني عن الحوار الذي دار بينه وبين أبي. كنت أقول في نفسي كم خدعني قلبي طوال سنوات طويلة, لقد كنت على خطأ, لم يكن يحبني. جاءت لنفسي فكرة أنه ربما لم يعرفني, لذا قال ما قال, حاولت أن أقنع نفسي بهذا الأمر.
سمعته يقول لأبي, سأفعل ما علي والباقي على الله, ثم نظر لي نظرته التي أحبها.
خرجت من عنده لا اعرف مشاعري تجاهه, وقد شعرت بالضياع, الضياع في كل شيء.
عندما عدت للبيت, كانت حالتي سيئة, فلم ابتسم لفرحة التي أقبلت إلي فرحه سعيدة تبتسم لي وتنتظر مني الكثير ألا أني تجاهلتها واكتفيت بقبلة باردة شعرت هي بها فذهبت وارتمت في حضن أمي, وهي تدفن رأسها فيه, وتبكي, رق قلبي لها ولكني لم استطيع أن أفعل شيء, دخلت لغرفتي وجلست على فراشي, واضعة رأسي بين ركبتي أبكي, وأتحسر على حالي.
حاولت ألا أفكر في الأمر قدر الإمكان ولكن كان الأمر صعبا, كان ينتابني بين الحين والأخر, أفكار عن بيتي الذي أوشك على الانهيار, عن مستقبلي أنا وابنتي, أما أشد ما كان يؤلمني هو محمد حبيب, قلت لنفسي هو ليس محمد حبيب, وقلت هو يحبني ولكنه يخفي ذلك, وقلت هو يحترم أني زوجة رجل أخر, وهو وهو,,... كنت أحاول بكل الطرق إنكار الحقيقة, أنه لا يهتم لي.
كنت أتابع تطور الوضع مع أبي, ورفضت الذهاب معه لمكتب محمد حبيب رغم إلحاحه, ورغم ما كان يدور في قلبي من حب لرؤيته, ورؤية تلك النظرة التي اعشقها, إلا أني رفضت ذلك, عرفت أنه التقى زوجي هاني أكثر من مرة, ولم يصل معه لحل نهائي بشأن زواجنا وابنتنا, فقلت لأبي على استحياء, يبدو يا أبي أنه محامي غير كفأ.
تبسم أبي لي وقال, كنت أظن مثلك حين تعاملت معه في البداية, كان يتكلم ببعض التلعثم, ويتحدث عن طرق غير قانونية لحل المشاكل, وجلسات عرفية أحيانا حين يكون بيننا خلافات في الأراضي مع أطراف أخرى وخاصة لو مع البدو, كان هذا يعطيني شعور بأنه محامي غير كفأ, ولكنه في كل قضية أوكلناها له ربحناها, مهما كان الطريق, وهو جهبذ في أثبات الحقوق, ويتحدث بثقة وبلاغة يحسد عليها في المحاكم, فثقي به ولا تقلقي سوف تكسبي معه أكثر مما تريدي. وسيجعل الخصم راضي تماما بالحكم القضائي, وسينفذه أسرع مما تظني.
لم أعرف هل أفرح أم أحرن مما سمعته, ولكنه أثلج قلبي, وسعدت لما هو عليه, وزاد حبي له وأصبح مع الحب احترام وتقدير.
قمت بزيارة مارجريت, تحدثت معها كثيرا وفي أمور كثيرة, وكانت ابتعد واقترب من الموضوع الرئيسي ولكنني لم أتحدث معها عن محمد حبيب, هي كانت تفهم أن داخلي شيء ما, وانتظرت هادئة حتى تلعثمت قليلا ثم قلت, هل تعرفي من هو المحامي؟.
نظرت لي منبهة وقالت, من هو يا حبيبتي؟.
قلت لها بعد صمت وتردد, هو محمد حبيب.
ظلت صامتة قليلا كأنها تتذكر هذا الاسم ثم قالت, محمد حبيب, هل هذا معقول؟.
تبسمت ابتسامة خفيفة, وقلت لها هو يا مارجريت, سبحان الله, وفي هذا الوقت بالذات.
ضحكت وقالت سبحان الله, أمر غريب, ولكن لعله خير.
صمت قليلا ثم قلت وقلبي يتقطع, ولكن لا تعرفي ما فعله معي, فنظرت لي في تعجب, بينما أنا قلت لها, لقد تجاهلني.
نظرت لي في تعجب ودهشة, وقالت, لا يمكن يا حبيبتي.
بكيت وأنا أشهق ثم قلت, نعم هذا ما حدث. هل تصدقي ذلك؟. لم أكن أتخيل هذا أبدا.
نهضت مارجريت سريعا, واحتضنتني بحب وعطف, ثم قالت, لا اصدق ما تقولي, صفي لي ما حدث.
حكيت لها كل ما حدث, فقامت تمشي في الغرفة ذهابا وإيابا, ثم قالت ما تقوليه عجيب, لا أكاد أصدقه.
قلت لها, ولا أنا.
جلست في مقابلي وقالت, لا أريدك أن تتعجلي في الحكم عليه, لعل لهذا الأمر سبب ما.
قلت لها, لم أكن أريد منه أي شيء غير أن يبدي لي حبه.
احتضنتني بدفيء ثم قالت, أنا لا اعرفه جيدا, ولكن ما حكيت عنه يجعلني أثق فيه, قلت لها, ولكن الإنسان يتغير مع الزمن, فهو كان صغيرا بريئا ولكنه الآن يختلف كثيرا.
لزمت الصمت قليلا ثم قالت نعم الإنسان يتغير مع الزمن, ولكن من الصعب أن يصبح إنسان أخر, إلا لو حدث له حدث كبير, ولذلك مازلت أثق به, وعليك الانتظار وعدم التسرع في الحكم.
قلت لها, وهل عندي غير هذا, ثم أجهشت بالبكاء.
دارت محادثات طويلة بين هاني ومحمد, حاول محمد خلالها إرجاع المياه لمجاريها بكل الطرق, وكان هذا يزيد من غضبي وغيظي, لم أكن اصدق أبدا انه أحبني ولو لدقيقة واحدة.
تم الطلاق وبهدوء تام, ويرجع الفضل في ذلك لحكمة محمد حبيب حيث استطاع, أن يكسب ود هاني وأسرته لطريقته السلسة والمهذبة لحل المشاكل, وكان الاتفاق الهام وهو فرحة أن تكون معي, وأن يحق لهاني أن يطلب رؤيتها, بل والمبيت معه وقتما يريد, وكان هذا الأمر غريب, ولكن هذا الاتفاق جنبنا جميعا المشاكل, حيث جعل فرحة في حضانتي بشكل مستمر دون أن يطلب هاني حضانتها في أي سن أو تحت أي وضع حتى لو تزوجت, إلا باتفاق الطرفان على ذلك.
تعجبت من كلمة الزواج, كيف لي أن أتزوج من رجل أخر, كيف لي أن أكون في بيت رجل أخر, وعلى فراشه, بل وفي حضنه, كيف يكون بيني وبينه كل ما بين الرجل وزوجته لقد أصبحت أرى صعوبة ذلك, لقد عاد لي مشاعر الفتاة العذراء ولكن ربما أصعب, لقد فهمت وعرفت ما معنى أن أصبح زوجة وبالرغم من أنني لم أكن أحب هاني, إلا أنني اعتدت على ذلك معه, ولكنني لم أكن أصدق أنني سأعيد هذه التجربة مرة أخرى, لقد أثرت السلامة والبعد عن الرجال.
مرت الأيام بطيئة متثاقلة وعدت للعمل الجامعي, يحدوني الحماس أحيانا والإحباط أحيانا, لم أعد أنا ياسمين كما كنت, كرهت في هذه الفترة أن انظر لنفسي في المرآة, فأنا لم اعد أنا, كنت حين أنظر لنفسي في المرآة, أشعر بالسعادة والرضا, كل شيء كان يرضيني, وجهي بكل تفاصيله, خاصة عيني, وجسدي بكل تفاصيله, وأكثر من ذلك ثقتي, وحبي لنفسي, وفوق كل ذلك الرضا بكل معني هذه الكلمة, أما الآن, فالوضع اختلف كثيرا, لم أعد بتلك المشاعر, فالعين انطفأ نورها وأصبحت باهته تدل على انكسار صاحبتها وعدم ثقتها وسعادتها, ناهيك عن ملامح الوجه, وبعض التجاعيد التي بدأت تظهر حول العينين, أما الجسد فقد فقد تناسقه, واعتداله, ورشاقته, بل والوقفة التي توحي برشاقة وثقة صاحب هذا الجسد.
كانت صورة محمد حبيب وهو صغير تملئ عيني لم أعد أشعر بأي خجل وخاصة أمام نفسي من تذكره, كنت في السابق حين تهف ذكراه في مخيلتي, اشعر ببعض الحرج لأنني كنت متزوجة, أما الآن فلا معنى لذلك, أفكر فيه كما أشاء, ولكن صورته الحالية فلا تعطيني إحساسي وهو صغير, على الرغم, من أنني كنت المح في عينيه نظراته الدافئة وهو صغير, إلا أن كلامه وأفعاله كانت توحي بغير ذلك, وبالرغم من أنني اعتدت أن اتبع قلبي, ولكن قلبي الآن متحير, ورغم أنني أثق في العين أكثر من أي شيء أخر, ولكن أخاف أن اصدق ذلك, فينتابني صدمة من ذلك, بالرغم من أنني لم أكن أفكر في هذا الوقت في الارتباط بمحمد أو غيره, وخاصة محمد الذي ابدي برودا تجاهي, ولكن كنت أتمنى أن يكن لي بعض الحب, ولو قليل, فهذا الأمر كان يعني لي الكثير, فلقد كنت أحبه مهما حاولت أن أخفي ذلك, ومهما حاولت أن أنساه.
رأيت محمد مرة قبل الطلاق, كنت أشعر وقتها, بأن رد فعله تجاهي متوازن ولكن لم تظهر منه عواطف, أما يوم الطلاق, فشعرت بأنه متأثر لحالي, وبدا عليه الحزن, والألم, وكان ينظر لي بين الحين والأخر, نظرات مختلفة, أعطتني معاني أنه ربما يهتم لأمري, ولكنها لم تشفي صدري.
بدأت أفكر أن أعود للترجمة, وحاولت أن أجد نص جيد, سواء عربي أو انجليزي ولكني لم احصل عليه, وربما كان هذا بسبب سوء حالتي النفسية, وكذلك عرضت علي مارجريت بعض الكتب وشجعتني على ذلك, ولكني لم أكن متحمسة لذلك.
بعد مرور عدة أسابيع على طلاقي, بدأت أفكر في كل ما حدث لي, كنت أشعر بغضب تجاه القدر, وكان أشد ما يؤلمني هو أنني رفضت الباطل, ومشيت في طريق الحق فكان هذا جزائي, كنت أقول في نفسي, على استحياء, لماذا كل هذا؟.
لماذا هذه التجربة بأكملها؟ ما كان أغناني عن الزواج برمته وما كان أغناني عن كل هذه المشاكل, وكنت أبكي كلما اختليت بنفسي, وأشعر بحزن داخلي شديد, وأقول لما كل هذا يا رب؟. ويزداد الدمع انهمارا من عيني.
حاولت أن اقرأ كل ما حدث, وأن أجد مبرر لكل المشاكل, أي حاولت أن افهم الهدف وراء ما حدث, ولكني لم أصل لشيء.
في لحظة جاءني هاتف, قال لي بصوت حاد وجاف, ما أسوء نفسك, كنت تأخذي على هاني أنه ترك كل ما أعطاه الله من الخير, وانشغل بشيء واحد منعه الله منه أو أخره لحكمة لا يعلمها إلا الله.
ها أنت تفعلي مثله, أعطاك الله من الخير ما لا يحصى ثم اختبرك في شيء واحد فتركت كل الخير وحزنت على هذا الشيء, وأبديت غضبك تجاه الله المنعم, ولم يكن لك فضل في كل ما أعطاك فهو أعطاك كل شيء وأولها الحياة ذاتها.
كان لهذا الهاتف اثر كبير علي, وجعلني أفكر في كل شيء بشكل مختلف, ورأيت أن ما أعطاه الله لي كان كثير, فاستغفرت الله كثير, وحمدته أكثر وأكثر, وشعرت بأنني صغيرة جدا أمام الله.
مرت شهور العدة, وكان أبي يحاول خلالها أن يفتح بابا لأعود لهاني, ولكنني كنت ارفض هذا الأمر بشكل قاطع, لم أكن أعرف إن كان لمحمد يد في هذا أو لا, ولم أكن أعرف.
كانت كلمة شهور العدة تشعرني بالدونية, وانكسار الجناح كما يقولون وكان هذا يزيد من جرحي, وإحساسي بالألم. وكنت أقول لنفسي, وأنا ابكي ويعتصر قلبي هذا الإحساس, يا رب لقد كنت في غنى تماما عن هذا الإحساس, كنت أظنك ستجنبني مثل هذا الإحساس, أنه إحساس أصعب بكثير من أن أصفه, ولكني واثقة من أن أي امرأة ستفهمه وان لم تتعرض له, وكذلك كل رجل له قلب رقيق سيتفهم هذا النوع من الإحساس, وأنا على يقين من أنه لن يعرض زوجته أبدا لمثل هذا الإحساس. ربما تمنيت في هذه اللحظة لو كنت رجلا, أو أنني لم أتزوج من الأساس. بل تمنيت لو لم يهبني الله الحياة نفسها, لم أكن أشعر في هذه اللحظة بأن الحياة نفسها نعمة بل ربما نقمة, رجع لنفسي اضطرابها, ولم أشعر بالرضا تجاه الله, كان هذا الشعور يؤلمني ولكن كان هذا هو ما بداخلي.
دعي أبي محمد للغداء, كنوع من الامتنان لما فعله, وكان قلبي يهفو لرؤيته فسعدت كثيرا بهذا الأمر, وتأنقت يومها بقدر ما استطيع, وكان لا أعرف مصادفة أو قصدا, أن جلست أمامه, وجلست لجواره فرحة, التي أصبحت تحبه, فهو رفيقها في أغلب الأوقات حين تزور أبيها, كانت تعود من عند أبيها سعيدة, فقد أصبحت تلقى حبا كبيرا من هاني ومحمد معا, بالإضافة طبعا لكثير من اللعب من الطرفين.
حين جلست في مقابله, كنت أنظر له بين الحين والأخر فكنت أرى نظرة سعادة في عينيه لم أراها من قبل, وحين التقت الأعين رأيت نظرته المعتادة التي كنت أعشقها, كنت أسال نفسي هل هو متزوج, انه لا يضع في يده خاتم زواج أو خطوبة, ولكنى أعرف أن كثير من الرجال لا يضعون في أصابعهم خاتم, وكذلك كيف لي أن أعرف إن كان يحب امرأة أخرى, وليس هناك رابط رسمي بينهم, حاولت أن أتحدث معه, كانت كلمات قليلة بيننا, ولكنني شعرت بسعادة غامرة, وقضيت الليلة كلها سعيدة, استمع لأغاني الحب الرقيقة.
التقيت بعدها بمها جارتي القديمة, وصديقة الطفولة التي رويت لكم حكايتها وكانت وقتها قد عادت لزوجها محمود, وحكيت لي كل ما حدث لها, ورأيتها حكاية غريبة, وأعطتني هذه القصة دفعة للأمام وأمل كبير في مستقبلي. بالرغم من أنني ومها كنا نفترق كثيرا, ولفترات طويلة ولكن الود بيننا كان مستمر, كان نوع من الحب الصافي, كل واحدة منا كانت تحب الأخرى وتتمنى لها الخير, نتناصح بصدق, نفترق على أمل اللقاء, وكل واحدة منا تدعو للأخرى, مهما بعدت الأجساد, كانت الروح تتلاقى, كانت لقاءاتنا المتباعدة تحمل لكل واحده معنى, فقد تبدو صدفة ولكن حينما نتبادل أطراف الحديث نعرف أنها لم تكن صدفة. ففي هذا اللقاء بيننا شعرت أنها رسالة من الله الذي كنت أشعر تجاهه بأنه ظلمني ووضعني في موقف كنت لا أريده, كان مفاد هذه الرسالة, لا شيء يحدث عبثا, كل شيء بقدر, انتظري واصبري, هذه مها قد اختبرت بطريقة مختلفة, هل أيهما أسهل على نفسك, أن تكوني مطلقة أو زوجة ثانية. قلت في نفسي كان الله في عون مها تجربتها أصعب, بينما هي كانت تقول في نفسها, أن تجربتي أصعب, رضا كلا منا بتجربته وحمد الله عليها, وكانت مها قد أعطتني أمل في الغد فيما قالته عن مشاعر الحب التي بدأت تجمعها مع زوجها ونادية والبنتان, وقالت لي كلمة جميلة, الحياة لا تنتهي عن حدث ما, وهي تستمر فعلينا أن ننظر لكل ما يحدث لنا بطريقة مختلفة حتى نستطيع تجاوز الأزمات.
استمر محمد في زيارتنا من حين لأخر, كان يبدو الشوق والحب في كل كلمة وحركة, ومليء عينيه لمعان جميل, عاد إلي ما كان عليه وهو طفل, عين جميلة واسعة تمتلئ حب وشجاعة, ممزوجان سويا بشكل رائع, ظننت أنه ربما سيتكلم معي أو مع أبي عن ارتباطي به, وكنت سأوافق بالطبع حتى قبل أن يكمل طلبه, ولكنه لم يفعل.
كنت اغضب منه أحيانا بهذا السبب, ولكنني سرعان ما أنسى ذلك, ويعود لي صفائي مرة أخرى.
في إحدى الزيارات, وفي حضور مارجريت, قامت مارجريت بما يجب, وما لا استطيع أنا أن أفعله, سألته مباشرة, لماذا لا تحضر زوجتك معك لنتعرف إليها؟.
انتبه متعجبا من السؤال, وقال, زوجتي, ثم صمت قليل وقال, أنا لست متزوج.
قالت مارجريت, ولست خاطب يا محمد؟.
قال محمد, لا.
قالت مارجريت وهي ترسم على وجهها علامات التعجب بينما تخفي سعادة داخلية, لا تقارن بسعادتي بالطبع,
ولماذا يا محمد, أنك شاب وسيم, ناجح في عملك, طيب القلب, فلما تحرم نفسك من زوجة, تحبك, وتحبها, ويكون له منها ذرية تضيف سعادة إلي سعادتك, وحياة إلى حياتك.
نظر محمد ألي, ثم رفع نظره للسماء, كأنه يخفي دمعة وقال, كان لي حبيب أحببته من صغري, ولن ولم أحب غيره. ولن أتزوج غيره أبدا.
قالت مارجريت, وكنت أتمنى أن أقول مثلها, ولماذا لم تتزوجها؟.
ظل محمد صامت, كأنه يفكر فيما يقول ثم أردف قائلا, لقد أحب غيري, وتزوج بغيري.
ارتعش جسدي وأنا اسمع ما قال, وشعرت بطنين في أذني جعلني لا اسمع شيء, وكأنني عزلت عن العالم أجمع في لحظة واحدة. لم يشغلني ما دار بينهما من حوار بعد ذلك, فقد عرفت ما يهمني, كان محمد يحبني منذ صغره كما كنت أظن, ولابد أنه بحث عني حتى يأس ثم رآني, وأنا متزوجة, واذهب له من أجل أن يساعدني على الطلاق.
ولكن كيف عرف إن كنت أحبه أو لا؟.
ولماذا يقول أنني تزوجت عن حب؟.
لماذا يحكم علي بهذا الشكل؟.
أعرف أنني كنت مخطئة حين تخليت عن حبي , ولكنني لم أعرف إن كان يحبني أو لا؟. ولا حتى كنت أعرف أين هو, وهل مازال حي ,أو مات مثلا. لقد انقطع كل خبر عنه, كأن الأرض قد ابتلعته, أو كما يقولون فص ملح وذاب.
ولكنه كان أفضل مني, فهو لم يفكر في الزواج بغيري, رغم أنه يظن أنني أحببت غيره, وتزوجت.
بكيت كثيرا, بكاء لم أبكه من قبل, بكاء حتى ظننت أن نفسي ستخرج مع دموعي, وكان أشد ما يؤلمني هو سوء ظنه بي. قلت في نفسي, ليتني لم أعرف الحقيقة, ويا ليتني, لم أعرف أنه يحبني, وكنت أظن أنني سأطير من السعادة حين أعرف ذلك, ولكن لسوء الحظ, كان العكس هو الصحيح, لقد شعرت بانكسار وحزن لم اشعر به من قبل, الظهر الذي كنت استند عليه في الملمات, ها هو الآن يكسر ظهري. لقد جبرني حين استطاع أن يطلقني بهدوء وبدون مشاكل مع هاني رغم تعنته, ولكنه الآن يكسر ظهري بلا رحمة. يا ربي, لما تضيق علي الأرض كل يوم أكثر من ذي قبل, والي أين سأصل, أظن أنها ضاقت إلي منتهاها, ولا أظن أنها من الممكن أن تضيق أكثر من ذلك. لقد فقدت كل شيء.
انتبهت فوجدت نفسي جالسة على فراشي في غرفتي, تساءلت للحظة, كيف وصلت إلى هنا, ولكنني تناسيت السؤال سريعا فما حدث كان اكبر بكثير مما خطر لي على بالي, أن كيف تركتهم ووصلت إلي هنا, تمددت على الفراش برفق, والدمع يسل من عيني ساخن, وحارا لا يتوقف, شعرت بيد صغيرة رقيقة, تفتح الباب وتنسل إلي الفراش, ثم تدفن نفسها داخل جسدي, كأنها تستجير بي من الدنيا القبيحة, كنت أكثر حاجة منها لهذا الحضن, احتضنتها بقوة كما فعلت هي, وبت أفكر فيما وصلت له, لقد كنت أظن أن الصفاء النفسي قد عاد إلي بعدما وصلت لقناعة أن كل ما حدث قد حدث, وأن نعم الله علي أكثر بكثير من أن أصفها, وعلي بالرضا بكل ما أنا فيه, فكم من امرأة, حين طلقها زوجها, لم تجد ما تنفق به على نفسها وأبناءها, وكم هنالك من أرامل, وكم .. وكم... وكم, بالرغم من علمي بكل هذا, وبالرغم من أنني كنت أحمد الله, ولكن قلبي كان أكثر من مكسور.
كانت مارجريت لأنها تعرفني جيدا, لم تحاول في تلك الليلة ولا حتى التي تلتها لتتحدث معي, وكنت بالفعل قد شعرت بحاجة ملحة بالحديث معها, وقد وجدتها على باب غرفتي, في أكثر ألحظات التي كنت أدعو الله أن تأتي, وجدتها تدق الباب, وتدخل دون انتظار, كأنها تعلم جيدا, أنني انتظرها, وأن الله قد أرسلها لي.
كنت اجلس حينها على كرسي مكتبي, فجلست هي أمامي وقمت أنا وجلست على الكرسي المقابل لها, نظرنا لبعضنا كثيرا, ورغم أني كنت أحاول أن أخفي أي دمعة, وكنت أصدها بكل قوة, إلا أني فجاءه شعرت بدمعة حارة تجري على خدي, شعرت بلسعتها, ولم استطيع كبح أي دمعة, كأنني كنت اختزن الدمع خلال اليوم السابق, لينهمر أمام مارجريت, وضعت مارجريت يدها برفق على ركبتي, وقالت لي, لا تحزني يا حبيبتي, فما كان يرجو أبدا أن يؤذيك, لقد بدا الحزن على وجه بشكل لن تصديقه حين لاحظ ما حدث لك, لقد أصبح هو شاردا بعدما غادرت, وغادر هو بعدك سريعا.
مسحت دمع عيوني بيدي وقلت لها, هل رأيت كيف ينظر لي يا مارجريت يظن أني تركته, وتزوجت غيره, وانهمر الدمع أكثر وأكثر, وقلت يظنني أحببت غيره, بل يظنني لم أحبه من الأساس , والله لقد ظللت مع هاني طوال هذه السنوات وخاصة حين كانت علاقتنا ممتازة وحين كان يفعل كل شيء ليرضيني كي أحبه, ولكني ما استطعت ذلك, فيأتي هو الآن ليقول أنني تركته وأحببت غيره, لقد ظلمني, وجرحني, كان يجب عليه حتى أن يستمع لي, ثم يظن بعد ذلك ما يشاء بي.
قالت مارجريت, وهي متأثرة بما أقول, ولكنه لم يقل ما يغضبك لهذا الحد, هو قال ما يظنه, ويمكن أن نصلح هذا البس الذي بينكما.
نظرت لها في تعجب واستنكار وقلت, ومن سيخبره بهذا إن شاء الله؟.
نظرت لي مارجريت في توتر, وقالت, ولما كل هذا الانفعال, يا حبيبتي, كما تريدي لن يخبره احد. ولكنني شخصيا ضد هذا. ليس بين الأحبة هذه الأمور.
مرت أيام طويلة لم يزورنا خلالها محمد, وشعرت برغبة شديدة أن أراه رغم كل شيء, ولكنه لم يأتي, حتى ظننت أنني لن أراه مرة أخرى. وكان هذا الأمر يشعرني بمزيد من الحزن, قلت في نفسي, ما أغناني عن رؤيته الآن, كفى يا قلب حزنا وحنقا,
لم أجرأ أن أسأل أبي عن السؤال عن محمد, ولكن فرحة فعلت, فقال أبي, لقد سافر لفرنسا يا فرحة, ولم يخبرنا متى سيعود؟.
عرفت أنه قد هرب بعيدا, ليبتعد عني, شعرت بحزن أعمق لأنه ابتعد ولأنه ابتعد بسببي. وتمنيت أن يعود وأن أراه حتى لو كان يظن بي السوء, وحتى لو لم يجمعني وإياه أي رابط بيننا, فيكفي أن أمليء عيني منه كل فترة.
عرفت فيما بعد أن مارجريت قد التقت محمد بدون علمي, حين ظهر فجاءه كما اختفى فجاءه. حين علمت بعودته كان كمن رجع له روحه, شعرت مارجريت بذلك, فطلبت مقابلته, ودار بينهما حديثا, لم أعرفه إلا بعد وقت طويل, كانت كلمة مارجريت له, انك ظلمت وأساءت لياسمين حين قلت لها, أنها تركت وتزوجت بل وأنها أحبت غيرك. انك لم تعرف الحقيقة.
قال محمد لمارجريت, أنني لم اقل ذلك لتحزن, وان حزنها ليحزنني أكثر منها بكثير, وما كرهتها حين تزوجت غيري, فكيف لي بذلك, إن من يحب لا يكره, وحبي لها لا يلزمها بأن تحبني, فالحب مشاعر من عند الله, لا يملك الشخص, ولذلك كنت أتنمى لها السعادة, من كل قلبي.
قالت مارجريت, ولكنها تحبك.
تبسم محمد, وبدت بعض السعادة على وجه وقال, أن تحبني ياسمين هذا أمر يسعدني أكثر مما تتخيلي, ولكن كيف تحبني وتتزوج غيري؟.
قالت له مارجريت, أنني لا أريد أن أتكلم بلسانها, فليكن بينكم لقاء يتحدث كل واحد عن كل ما في نفسه, وأنا على ثقة لو التقيتما, فسيعرف كل واحد منكما كم يحبه الأخر, وستندم على أنك ظننت بها ولو لدقيقة واحده أنها لا تحبك.
قدم محمد لزيارتنا, ومعه هدايا كثيرة لفرحة ولكنني شعرت أنها لي, كنت العب بها كثيرا, وأقبلها بحب شديد فهي العاب قد امسك بها حبيبي, كانت فرحة سعيدة بذلك, قبلته بحب وكنت أتمنى أن أفعل مثلها لولا الحياء,كانت نظرات محمد مختلفة هذه المرة فيها كثيرا من الحب والارتياح المغلف بالاطمئنان, كان يتحدث لي بين الحين والأخر, فأتحدث إليه وقلبي يخفق بشدة, كنت سعيدة بذلك وراضية, لم استطيع أن أطلب من الله أكثر من ذلك, كنت أرى أنني سأكون طماعة جدا, حمدت الله على نظراته التي بها بعض الحب الصافي, ولكنه قطع كل هذا, حين طلب مني أن نجلس سويا, في أي مكان لنتحدث سويا,كان يتحدث أمام الجميع, لم أصدق ما اسمع وارتجف كل جزء مني, تسمرت في مكاني, لم أستطيع أن أقول أو أن أفعل شيء, أعاد محمد الطلب, وقال كطفل صغير, يقول ما يشاء, لا يبالي بأحد حوله, بينما شعرت أنا أنني فتاة عذراء, تسمع أول كلمة حب من حبيبها, أمتلئ وجهي خجلا, واحمرت خدودي بشدة, كنت سعيدة, ولكني لم أتكلم, فقال محمد, إذا لنذهب الآن, أمسك بيدي, لم يهتم بأحد, كانت لحظة من الجنون, وجدت نفسي, في أحدى النوادي, تحدث محمد معي, وهو سعيد كان ينظر في عيني, شعرت أنه يحتضنني بشدة, كنت أنا أيضا سعيدة, قال لي,
هل تعرفي كم أحبك؟.
لم أعرف ماذا أقول له, كنت أريد أن أقول وهل تعرف كم احبك؟, ولكنني وجدتني أقول وأنا انظر بعمق في عينيه, وقد زال كثير من الخجل,
أريد أن أعرف يا محمد كم تحبني؟.
تبسم وقال, إذا لابد أن تعرفي أولا منذ متى وأن أحبك؟.
قلت له, أنني أعرف منذ متى.
قال وهو واثق أنني لن أجيب عليه بما يريد, منذ متى؟.
منذ كنا معا في المدرسة الابتدائية, هذا ما قلته له.
تبسم وقال, إذا ما أحببت ذلك الحب,
قلت له إذا تحدث أنت.
قال لي, سأقول لك ما يمكن أن تستوعبيه الآن, ولكن في الحقيقة أحبك من قبل ذلك بكثير, من قبل أن نأتي لهذه الحياة, حين كانت أنفسنا نفس واحده حين زوجها الله, ولكنني سأقول لك, شيء ربما تذكريه, هل تذكري أننا كنا نصلي العيد في الساحات المنصوبة في الحي, رأيتك أول مرة في هذا العالم عرفتك سريعا, كنت وقتها قد تعلمت المشي حديثا, تذكرتك جيدا, وتذكرت حبي لك, زرع حبي لك في هذه الحياة من وقتها, ولم ولن يخرج أبدا, مهما حدث, لأنه نبت سريعا, وأصبحت جذوره أعمق من أن يصل إليها أحد, فيقطعها, أما فروعها فقد ارتفعت للسماء, وغلظت, فلا يستطيع أحد قطعها مهما بلغ من قوته,
كنت مذهولة مما يقول, لم أكن أذكر مثل هذا الحدث, عصبت ما بين عيني في محاولة بائسة لأتذكر مثل هذا الشيء, ولكن بالطبع لم أتذكر, بهرني ما يقول, قلت لنفسي ربما كان يكذب علي, نظر لي كأنه فهم ما دار في ذهني, شعرت بأنه حزين أنني لم أصدقه, قال لي, بصبر كبير, هل تذكري حين كنت رأيت مرجيحة, فتركتي يد أبيك و جريت عليها وصدمتك هذه المرجيحة, هل تذكري أول من كان أمام عينيك حين استعدت وعيك, كنت أنا, يا ياسمين لقد تركت يد أبي, وتعثرت في طريقي حتى وصلت لك, وجلست على الأرض واحتضنتك, وسط ذهول الجميع, حين أطمئن الجميع, كانوا يضحكون ويتعجبون مما فعلت. وترك هذا الحادث هذه الندبة التي في ذقنك أسفل الشفاه السفلي, وهي زادت من جمالك.
لا أعرف لماذا تذكرت هذا الحضن الدافئ, وتذكرت هذه الحادثة. لأول مرة شعرت أنني يمكن أن أتخطى حدود الواقع والمعقول وأن أتذكر أشياء مثل هذه, ولكنه لم يمهلني كثيرا فقال, لقد أعطيتك يومها بالون وأعطيتني أنت أيضا بالونا, فهل مازلت تحتفظي بها,
تبسمت وقلت له كيف هذا, يا محمد؟.
تبسم لي وقال, كهذه, وكان قد أخرج من محفظته, كيس وضع فيه أثار بالون قد بلي تقريبا, ضحكت وقلت له, لا يا محمد لم أحتفظ بمثل هذا, وكنت أشعر بالخجل.
قال لي لا تخجلي أبدا, فما أنا وأنت إلا واحد, نفس واحدة في جسدين فقط, وهل تريدي أن تعرفي أكثر؟.
تبسمت وقلت له لقد عرفت ما يكفي, كنت أشعر أنني لا أحبه كما يحبني, بل كنت على يقين, وسوف أظل كذلك, فما يقدمه لي من حب بطرق مختلفة لم أكن استطيع أن أجاريه فيه, كان هذا أحساس خاص, أن يحبك شخص بهذا المقدار أمر رائع, الجميع يحلم به, وأنه تبادليه نفس الإحساس لهو أمر أكثر روعة, ولكن حين يكون حبه لا منتهى له, فكيف لك أن تباريه, كنت اشعر بالخجل حين أقول له احبك لأنني أعرف أن حبي له لا يقارن بحبه لي, ولكنه أحساس رائع, وخاصة أنني كنت أحبه كل يوم أكثر و أكثر و هو كذلك كان يحبني كل يوم أكثر وأكثر, لذا لم أتفوق عليه, ذكرني ذلك حينما كنا صغار, ونريد أن نكبر لنكون أكبر من أحد الأقارب فان هذا لم ولن يحدث أبدا, وعلى الرغم من ذلك كنت في غاية السعادة ومع ذلك كنت مصممة أن أحاول.
قلت له, هل تريد أن تعرف كم أحبك؟.
قال لي مبتسما, أتمنى ذلك, ولكن ألا تريدي أن تعرفي باقي حكايتي؟.
قلت له, نعم ولكنني أريد أن أحكي أنا أيضا, اشتاق لأسمع منك, ولأحكي لك في وقت واحد.
قال هي وهو سعيد, إذا لتحكي القليل.
قلت له وقد غمرني الإحساس بالحياء, أحبك يا محمد أكثر مما تظن أنني أحبك, وأنا إن كنت لم أشعر بما تشعر به في هذه السن المبكرة, ولكنني أحببتك منذ وعيت, أحببتك حتى من قبل أن تدافع عني, وان كان ذلك قد زاد من حبي لك, ولكنني أحببتك من اليوم الأول الذي التحقنا فيه بالمدرسة حين رأيتك لأول مرة, شعرت تجاهك بإحساس مختلف عن كل الطلاب الآخرين, لم افهم وقتها لما ولكن هذا ما حدث, وعندما كنت تدافع عني, أحببتك أكثر وأكثر, وأحسست وقتها تجاهك بما لم أشعره تجاه أي رجل أخر, كنت أراك أنت وحدك الرجل, وكل الرجال بما فيهم أبي, ليسوا بشيء.
تبسم محمد وقال لي, لقد وقفت معك لأنني أحبك, ولأنني كنت أشعر أنك على حق, وقال في استحياء, هل تذكري, حين كنت أخذ منك كراساتك لأذاكر منها, ما كنت أنام إلا وهي إلى جواري, ثم تبسم وقال, وهل تذكري الكراسة التي قلت لك أنها ضاعت مني؟.
تبسمت وقلت نعم, أتذكرها.
قال لي, وهل تذكري, كم بكيت حينها؟.
قلت له نعم لقد بكيت كثيرا.
قال لي, في الحقيقة أنا احتفظت بها ومازلت أفعل.
قلت له في غيظ, وتركتني أبكي كل هذا.
قال لي, كنت أحب أن يكون معي شيء منك باستمرار, رغم أنني في الحقيقة لم أكن في حاجة لذلك, لقد كنت معي دائما. وكنت أحب أن أراك وأنت تبكي.
تعجبت وقلت له تحب أن تراني ابكي, انه لشيء غريب!.
ضحك وقال, انك ستزدادين جمالا حين تبكي.
قلت له وأنا أضحك, هل مازلت تحتفظ بها.
قال لي, نعم أنني أفعل.
قلت له, أريد أن أراها.
قال لي محمد, سأحضرها معي في الزيارة القادمة.
شعرت بشيء من الجرأة, وقلت له وهل تذكر القلم الذي أعطيتني إياه لترضيني.
قال لي وهو يضحك, نعم والغريب أنك توقفت عن البكاء حين أعطيتك إياه.
تبسمت ونظرت في عينيه السعيدة المملوءة بالدموع, ألم تعرف لماذا؟.
قال, بالطبع أعرف, هل مازلت تحتفظي به؟.
قلت له, بالطبع مازلت أحتفظ به.
لم نستطيع في هذا اللقاء أن نتكلم عن كل شيء, فمازلت أريد أن اعرف كل ما حدث له منذ تفرقنا, وكذلك كان هو ولذلك فقد التقيت به مرات أخرى, تحدثنا عن فترات كثيرة في حياتي, أما ما يخصه هو فقد قال لي,
لقد حزن حزنا شديدا, حين تركنا الحي الذي كنا نسكن فيه, وكان يبكي كثيرا على ذلك, حتى أصبح الجميع يعلم ذلك, وبالرغم من أن أمر كان من المفترض أن يسبب لي الحرج, إلا أن ذلك لم يحدث, فلم أهتم لذلك الأمر, إذ كيف لنا أن نخفي الحب, بينما نبدي الكراهية, وهذا من عجائب البشر, يتحرجون من الحب ولا يتحرجون من الكراهية. مع الوقت لم أكن استحي من ذلك, بل أصبحت افتخر بذلك,
كانت كلماته هذه, تزيد من حبي فيه, ومن ثقتي فيه, كنت بجواره أشعر بالثقة والطمأنينة, بل الأمن نفسه. نظرت له بإكبار وحب, بينما قال هو, والأكثر من ذلك أنني سافرت مع والدي للخليج, اضطررنا للبقاء هناك عدة سنوات دون العودة لمصر, فزاد ذلك من حالتي سوء, تأثرت حالتي النفسية أهملت دروسي وكل شيء, لم يكن لي صديق كنت اجلس بمفردي دائما, ونادرا ما أتحدث لأي شخص, حاول معي والدي بمساعدة والدتي أخراجي مما أنا فيه, عرضوني على أكثر من طبيب, واحد فيهم قال لأبي, إن أبنك ليس مريضا بل يحب, قال له أبي, إن هذا هو المرض العضال, تبسم الطبيب وقال له, ليتنا كلنا نعاني منه, قال أبي, نعم يا طبيب لو الكل يعاني منه ولكنه بمفرده سيصبح على خطأ كبير وسيعاني كثيرا, لكن الطبيب قال له, لا لن يعاني كثيرا, سوف يصل لنقطة ما عندما لن يعاني أبدا.
تعجب أبي وقال له, لن يعاني أبدا بعدها!.
تبسم الطبيب وقال له, نعم لن يعاني بعدها أبدا.
قال أبي, متى ذلك؟.
قال الطبيب, الله وحده يعلم ذلك, من المحبين من يعاني فترات قليلة ومنهم من يعاني فترات طويلة, ولكن لحظة واحدة تعيش في الحب تعادل العمر كله ويتوقف عندما الزمان ويكون لا معنى للمكان, وينتهي عندها كل معني للمعاناة.
مع الوقت وحينما وصلت الأمور للذروة, وأصبحت على وشك الموت واتتني فكرة جديدة,
إن الحب لا يقف شيء دونه, وليس معنى فيه للزمان ولا المكان, وهو باقي لا يموت, فكيف لمن يتسم بالخلود أن يعوقه أي شيء, فان كانت ياسمين قد باعد بيني وبينها المكان والزمان, فان الحب بيننا لا يباعد بينه وبين الأحباب شيء, وهو يبقى بعد موت الأجساد, يعبر كل حواجز الزمان والمكان, ويستقر ويمتزج في الأرواح التي لا تفنى, فيخلد معها حتى مع زوال السموات والأرض, حتى لو أفنى الله الأرواح, فان الحب سيبقى, لأن الحب من الله واليه, فكل حب هو في الأصل من الله وله, فحين نرى ما يبهرنا لا نقول إلا الله, وحين نحب فأننا نحب الله في الحقيقة لأنه واهب الحب, فالحب منه وله, قد ساعدني على فهم هذا المعنى كتاب صغير يتحدث عن الحب, لا أعرف كيف وصل لي, كانت صفحاته قليلة, تناول الكتاب فكرة الحب, عن أنه نحب من الله ولا نحب إلا الله, وكان الكتاب يستخدم مصطلح الحب الصافي, ولا يرى أي شيء غير هذا يسمى الحب, ويصفه, بأنه الحب الذي يخلو من كل شيء معه, هو الحب من أجل الحب وهو الذي لو استقر في القلب امتزج به, فلا يمكن أن تفرق بينهما, وحين ذلك, يخرج من القلب كل ما سوى الحب, ولا يوجد معنى للكراهية’ تحب الجميع محبة في الحبيب, تموت الكراهية عندها, قبل ذلك ليس هذا بالحب من الأساس, لأن الحب حين يكون في القلب ولم يصل لدرجة الحب الصافي, يمكن للكراهية أن تدخل للقلب حينها يخرج هذا الحب, لأنه مثل الملائكة لا يصارع من أجل الوجود, فإذا دخلت الشياطين, خرجت الملائكة, كذلك إذا دخلت الكراهية, هرب الحب, أما حين يمتلئ القلب بالحب الصافي ينغلق على ما فيه ولا يفتح أبدا, فلا تدخل الكراهية ولا غيرها, ويصفو حينها كل شيء, وترى كل شيء بعين الحقيقة, ويتساوى عندك كل شيء, فلا تحزن أبدا, وتعيش مع الله وأنت على الأرض, وبالرغم من أنك الكتاب يتحدث عن الحب الإلهي, ألا انه يقول أن الحب كله من الله وله.
كنت قد فهمت هذا الكتاب واستوعبته بشكل كبير, وكنت أقرأه أكثر من مرة, وحينها بدأت انظر للحياة بشكل مختلف,
كنت أحبك, حبا لا منتهى له, وفكرت حينها, أن أجرب مع عرفت, فكنت استحضر صورتك أمامي طوال الوقت, وبعد محاولا ت نجحت في ذلك, أصبحت أراك دائما, لم أعد أشعر أنك بعيدة عني أبدا, أصبحت لا أتوحش عدم وجودك معي, بل أصبحت معي دائما, وعشت معك هكذا, تخيلتك وأنت تكبري كل يوم أمام عيني, وكان ما شعرت حقيقي, فهو رأيتك بعد عودتي من فرنسا حين أنهيت دراستي في سيربون, حيث درست القانون هناك.
بدت علي علامات الدهشة السور بون !, يا محمد, لأول مرة أعرف هذه المعلومة.
تبسم محمد وقال, كان لأبي صديق تعرف عليه في الخليج, كان قد درس القانون في السير بون, وكان يحظى باحترام وتقدير من كل من حوله, وكانت طريقة تفكيره مختلفة وراقية, وكان يحاضر في جامعة السور بون, وكنت أسعد حينما أتكلم معه, أشعر باختلاف في تفكيره عمن حوله, ليس لأنه درس هناك فحسب بالطبع, ولكنه كان يقر أن دراسته هناك غيرته كثيرا, تحمست للدراسة مثله,و كذلك كان أبي,وبالرغم من أن هذا الأمر سيكلف الكثير, إلا أنني فعلت وساعدني أستاذي ممدوح عبد الله, في هذا الأمر كثيرا, كان شخصا معطاء بطبعه, كان يعتبرني مثل أحد أبناءه, علمني أنا وأبنه الذي كان في مثل سني,و وكان يدرس معي في السور بون, معنى عظيم, هو أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك, وليس ذلك فحسب, بل أن نعمل معا بروح الفريق, كنا نذاكر سويا في المرحلة قبل الجامعية, علمنا أن نحب بعضنا, لقد كنت اهتم بدرجاته العلمية أكثر من نفسي وكذلك كان يفعل هو , كنت احزن لو كانت درجاته أقل مني, كنت أتمنى له الخير أكثر من نفسي, وكذلك هو, اعتادنا على التعاون والتكامل, وأن ننجح سويا, وكان ما أردنا, فكان لنا مكتب محاماة في فرنسا, ولكنني عدت لمصر من أجلك, وفتحت هذا المكتب في مصر, كنت أتتبع أخبارك وأتمنى لك الخير دائما.
قلت له, ولماذا لم تعود لتسأل عني؟.
قال محمد, من قال هذا, لقد حاولت أكثر مما تظني, في أول أجازة بحثت عنك بكل الطرق ولم أصل إليك, عدت أدراجي في الأجازة التالية وهكذا, حتى رأيت كتاب مكتوب عليه ياسمين عبد الله, في مكتبه في فرنسا سعدت بذلك, لا اعرف لماذا شعرت أنه أنت, قرأت الرواية التي كنت تترجميها مع مارجريت, تمنيت أن أرى رواية من ترجمتك أنت, بل من كتاباتك أنت, حتى أصل لروحك يا ياسمين, كانت روحك ظاهرة في ترجمتك, وان كانت مختلطة مع روح مارجريت, وبالطبع مع روح الكاتب, حتى وجدت رواية أخرى لك, من ترجمتك بمفردك, شعرت أن روحك قد سمت فوق الجميع, حتى فوق الكاتب, وأصبحت أشعر بأن روحك ترفرف حولي, اشتقت لك, لكي تكوني معي, إلى جواري, روحا وجسدا, عدت أبحث عنك, من جديد, حتى عرفت طريقك, ذهبت للجامعة الأمريكية, وجدت كما تخيلتك تماما, ولكنني أخذت وقتا حتى استعيد وعي, فوجدتك تركبي سيارتك, وتنطلقي بسرعة, انطلقت وراءك, حتى وصلت لكازينو على النيل مثل هذا, بل ربما هذا, وفوجئت بشخص يقابلك, كان هاني....
تذكرت هذا اليوم سريعا فهو اليوم الذي طلب فيه هاني يدي, لقد عادت لي هذه الذكرى سريعا, تذكرتها وقد جف حلقي, وأصبح أكثر مرارة من العلقم, بينما هو قال لي, جلست على طاولة قريبة منكم, بيني وبينك عدة أمتار, كنت أنظر إليك, لا اعرف مع من تجلسين أنتظر بفارغ الصبر, أن تنتهي المقابلة, كنت أقول من هذا؟. قلت لعله أخيك, أو زميل دراسة, أو أي شيء, لكنني لم أشعر أنك تحبيه, لذا اطمئن قلبي قليلا, فكرت أن اقترب منك, وأن أتحدث معك في وجود هذا الشخص, لم أعد أطيق الانتظار خاصة, أنني كنت أشعر انك غير سعيدة بالجلوس معه, لكن حين اقتربت, سمعت ما لم أكن أحب أن أسمعه, سمعته يطلب يدك, فجلست على الطاولة التي خلفكم, وفي مواجهتك, نظرت لك وجسدي يرتجف, انتظرت أن ترفضي, بل كنت واثق خاصة حين رأيتني, ولكنني سمعتك تقولي له, قد مليء وجهك الحب, وعيناك تنظران له بسعادة, موافقة.
عندما قال هذا, نظر لي ووجدني أبكي بطريقة هسترية, قال لي وهو يبكي, لا يا ياسمين, لا أحبك أن تحزني, فقد حدث ما حدث وهو ما قدره الله, وأنا غير ندمان على ما حدث, فلعله خير.
لم استطيع أن أتوقف عن البكاء, بل زاد البكاء أكثر وأكثر, وضع محمد يده على كتفي وقال لا تبكي يا حبيبتي, ثم مسح الدموع من عيني, بينما زادت الدموع انهمارا, نظرت في عينيه, فوجدت الدموع تنهمر من عينيه بشكل لم أصدقه, في هذه اللحظة استطعت أن أتحدث, قلت له, لا تبكي يا محمد.
قال محمد, لا تشغلي بالك بي, ما يهمني هو أنت.
قلت له لا تنشغل بي, فأنا بخير.
تحرك محمد وجلس في كرسي في جواري, واحتضنني, شعرت براحة كبيرة عند ذلك, وقلت له, أنك لا تعرف لماذا بكيت كل هذا البكاء؟.
رويت له كل ما كان وأنني لم أكن موافقة على الزواج من هاني, وقد حاول هو وأهله, بل وأهلي الضغط على للموافقة’, ولكنني كنت أرفض, لم تقف معي بشكل حقيقي إلا مارجريت, صارحتها بمشاعري تجاهك, فشجعتني على البحث عنك, بحثت عنك في كل مكان تقريبا, ولكنني لم أصل إليك, ومع ذلك لم افقد الأمل, حتى كان اليوم الذي طلب فيه هاني مقابلته, وحين قابلته في الكازينو وطلب يدي, نظرت إليه, فوجدت نظرتك التي أحبها, والتي لا أستطيع مقاومتها, فوافقت على الفور, رغم أنني ندمت بعد ذلك, وبالرغم من أنني كنت أبحث عن هذه النظرة بعد ذلك عند هاني ولكنني لم أجدها أبدا, أجهشت في البكاء, وقلت له لقد كانت نظرتك أنت, ليتك لم تقترب مني في هذه اللحظة.
نظر محمد بحزن للأرض ثم لزم الصمت عدة دقائق ثم قال, قدر الله وما شاء فعل , إن شاء الله خير, لا تفكري في كل هذا الماضي, إن كل شيء عند الله بقدر, وما حدث لابد له من حكمة حتى لو لم نفهمها, المهم عندي الآن أن تفرحي, حاولي أن تنسي كل الماضي, ولنبدأ معا, ثم نظر في عيني تلك النظرة التي أحبها, وقال لي إنني أطلب منك, أن تكوني شريكتي مدى الحياة, بل للأبد, نظرت له بعمق, الحب كان يملي كل خلية في جسدي, ولكن للأسف انتابتني لحظة خوف بل فرغ شديد, أن تخدعني عيني مرة أخرى, ولكن قلبي طمئنني, ومع ذلك لم أطمئن, مددت يدي بحذر وخوف حتى وضعت يدي على وجه محمد, ونظرت أعمق وأعمق في عينيه, حتى تأكدت أنني في حقيقة وليس خيال وان من يجلس أمامي هو محمد, ولكنني كانت أخاف أيضا أن أوافق, احتضنته ووضعت رأسه على قلبي لأطمئن, ووضعت يدي على قلبه, كان ينبض بشدة, شعرت بالطمأنينة, ارتاح قلبي وعقلي, سمعتني أقول له من أعمق قلبي, وأنا أرفع وجهه لأرى عينيه الجميلتين, وقلت له أنا موافقة. تبسم محمد واحتضنني, وسمعت أصوات تصفيق من حولي, من كل اتجاه, ملئني الحياء, تمنيت لو تبلعني الأرض من الخجل, تبسم لي محمد وقال, لا تخفي الحب يا ياسمين, فأولي أن نخفي الكراهية ونظهر الحب.
حكي لي محمد فيما بعد ما حدث له بعدما رآني في المطعم مع محمد كان أشد ما ألمه هو أنه شعر أنني لا أحبه, لقد ألمه ذل أكثر من أن أتزوج, كان هناك صراع كبير داخله, هو صراع الحب الروحي والحب الجسدي, قال لي محمد,أجمل شيء أن ينعم الحبيب بحبيبه, حيث يكون الحبيبان جسدا واحد وروحا واحدة, ولكن هذا قلما يحدث للأسف, في الأصل كانت نفسا واحدة خلق الله من الأنفس جميعا, الأنفس هذه زوجية, كل نفس في حقيقتها شقان,شق أنثوي وشق ذكوري كأنهما الموجب والسالب, إذا اجتمعا سويا يحدث الاندماج التام والتعادل, في كثير من الأوقات لا تلتقي الأنفس في هذه الحياة, وان التقت قليل ما تتزوج. وكنت أعلم أنك الشق الأخر لنفسي كنت سعيد أنني التقيت بك, وكنت أشعر وأدعو الله أن يجمعنا سويا, زوجان في هذه الدنيا, بعد الفراق وبعد كل محاولاتي للعثور عليك, عثرت عليك وأنت ترتبطي بشخص أخر, أشد ما ألمني أنني شعرت أنك تحبيه, كاد هذا الإحساس يقتلني, كان الصراع على أشده بين نفسي وجسدي, بين أن أرضى بالحب الروحي وأنسى كل الحب الجسدي, وبين الحب الجسدي الذي له متعته أيضا, الجسد يريد أن يكون قريب من الحبيب, أما الروح فلا يشغلها هذا الأمر. جاهدت كثيرا في هذه الحرب, حتى انتصرت الروح, تمنيت لك الخير وكنت أدعو الله كثيرا لك, أكثر مما تظني وتشعري, علمت فيما بعد بالمشاكل التي كانت بينك وبين هاني, كنت أدعو الله لكما, ولكن نفسي كانت حزينة, كنت أبكي حزنا على ما يحدث لك, كانت نفسي تتمزق, علمت كم يسيء لك هاني, وكم يخطئ في حقك, كنت أقول يا رب, انك تعلم حبي لها, ولو كنت قد أعطيتني إياها زوجة وحبيبة كنت تعلم يا رب أنني لن أؤذيها أبدا, كنت تعلم أنني سأحسن عشرتها, سيكون بيننا ود وحب أنت تعلم به, كنت سأعلم أولادي منها لو قدرت لي ذلك, كل معاني الحب, كانوا سيكونون سفراء للحب بين البشر, أقسم لك يا رب وأنت أعلم مني ما كنت أبكيها يوما أبدا, وما كانت لتغضب مني أبدا, ولا أن أغضب أنا منها أبدا. يا رب رحمتك بجاريتك الرقيقة ياسمين. قدر الله لي أن أكون من يقف لجوارك في محنتك, حاولت في البداية أن أعيدك لزوجك ظنا مني أنك تحبينه, وكذلك من اجل فرحة, كنت أدعو الله, أن يرجعك لزوجك لو كان سيحسن معاملتك, أو يبعدك عنه إن كان سيفعل العكس, تمنيتك زوجة, ولكن كان يؤلمني انك لا تحبيني, بالرغم من أنني رفضت نهائيا أن أتزوج من غيرك, لكنه كان صعب علي أن أجعلك زوجتي وأنت لا تحبيني, كانت هذه هي المشكلة, ولكن كان يمكنني أن أقف معك في كل وقت وان ابذل نفسي من أجلك بل أفعل كل شيء تريدينه, كنت أؤمن أنه حتى لو أصبحت زوجة لغيري, فهو وضع مؤقت في حياة قصيرة سرعان ما ستنتهي, ولكنك في النهاية ستكون لي زوجة أبدية, يجمعنا الحب الصافي.
قص محمد على ياسمين, كم كان يعاني كلما علم أن هاني يٌسيء لها, كان يبكي ويدعو الله
كثيرا أن يرحمها, كان يقول يا رب, أنك تعلم لو زوجتني إياها ما كنت أُسي إليها يوما أبدا, بل كنت معها سأكون زوج محبا مخلصا, ومع ذلك كان يدعو لهما, بأن يصلح الله ما بينها.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.