lmsaebda3

شارك على مواقع التواصل

أُحِبُكَ نَبِي
(السِيرَة النَبَوية العَطِرَة)
_______________________________________
الجُزْءُ الأَوْلَ: أحدَاثٌ هَامَة قَبْلَ مَوْلِد الرَسُول ﷺ


الفصل الأول: العالم قبل مولد وبعثة الرسول ﷺ

************_____________***********
وُلِدَ الرسول ﷺ في 20 ابريل سنة 571 ميلادية
فكيف كان شكل العالم في هذا العام، وهو عام 571 م أو في هذا القرن، وهو القرن السادس الميلادي ؟
كان العالم حين وُلِدَ الرسول ﷺ تحت سيطرة قويتين كبيرتين استعمارتين، وهما: الإمبراطورية البيزنطية في الغرب، والامبراطورية الفارسية في الشرق، وكل امبراطورية كانت تسيطر تقريبًا على نصف العالم القديم.

____________________
الإمبراطورية البيزنطية (الدولة الظالمة)
الإمبراطورية البيزنطية كانت قد تأسست عام 330 م على يد الإمبراطور "قسطنطين الأول" وكانت تضم ثلاثة أرباع أوروبا تقريبًا، ومناطق من آسيا، ودول حوض البحر المتوسط كلها، أي أنها تضم عشرات الدول الموجودة الآن.


    الإمبراطورية الرومانية في أقصى اتساع لها
وكانت الدولة البيزنطية دولة ظالمة، فكانت تفرض على الشعوب المحتلة ضرائب باهظة جدًا مما أدي إلى فقر شديد لكل الشعوب التي تحكمها، وكانت الامبراطورية تعمل على نهب ثروات الشعوب التى تحتلها، ومصر مثلًا كان يطلق عليها "سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية"
وكان الأقباط في مصر والشام مخالفين لمذهب الامبراطورية، فكانوا يتعرضون للقتل والسجن والتعذيب، ولذلك فان "عمرو بن العاص" فتح مصر بأربعة آلاف مقاتل فقط، لأنه كان يعلم ما يعاني منه المصريون في ذلك الوقت، ويعلم أن المصريين سيساعدونه، وقد ساعدوه بالفعل.
أما في داخل الدولة البيزنطية نفسها، فقد كانت هناك طبقتين بينهما تفاوت شديدًا: وهما طبقة النبلاء الذين يعيشون في ترف شديد، والطبقة الثانية وهي كل الشعب يعيشون في فقر مدقع، ونتيجة ذلك الفقر الشديد، تأخر سن الزواج وانصرف الشباب الى الزنا.
وكانوا يعشقون اللعب واللهو، وألعابهم فيها دموية، مثل لعبة المصارعة التى يجب أن تنتهي بقتل أحد المتصارعين، بينما الجمهور المتفرج يهلل ويشجع، وأحيانًا هناك مصارعة بين أحد العبيد مع أسد أو نمر أو حيوان مفترس آخر، لدرجة أن بعض الحيوانات انقرضت بسبب كثرة استخدامها في هذه الألعاب، وكان كل ذلك في سبيل أن تضحك الناس وتتسلي بالقتل.


 

 اللعب واللهو عند الرومان كانت مصارعات دموية تقشعر لها الأبدان 
واذا كان هذا هو اللعب واللهو فقد كانت العقوبات فظيعة تقشعر منها الجلود، ولا داعي لذكرها.
وعندما استولي الرومان على مدينة القدس، أمروا اليهود بقتل أبنائهم ونسائهم، ثم أخذوا يجرون القرعة بين كل يهوديين، ومن يفوز بالقرعة يقوم بقتل صاحبه حتى ابيد اليهود في القدس عن آخرهم.
وكانت ديانة الدولة البيزنطية هي الديانة المسيحية، ولكن كانت تعاليم المسيح –عليه السلام- التى غرسها من نحو 600 سنة قد ضاعت، وتم تحريفها حتى اقتربت جدًا من الوثنية.
________________
 الامبراطورية الفارسية (دولة الكفر)
في الشرق كانت الامبراطورية الفارسية، وكانت أكبر في مساحتها من الامبراطورية البيزنطية، واحتلت مصر في أحد فتراتها.


 الإمبراطورية الفارسية في أقصى اتساع لها
  وكانت –أيضًا- فيها طبقتين بينهما تفاوت كبير جدًا: وهي طبقة شديدة الغنى والترف وهم الحكام والكهان، وطبقة ثانية شديدة الفقر، وهم بقية الشعب.
وفي الامبراطورية الفارسية كانوا يعبدون النار، وكان لها معابد منتشرة في كل الامبراطورية، وكانت هذه النار لا تطفأ ابدأ لأن هناك نوبتجيات لاستمرار اشتعالها، وكان داخل المعبد آداب وشرائع دقيقة، أما خارج المعبد فهم أحرار يفعلون ما يريدون.
  

في الامبراطورية الفارسية كانوا يعبدون النار
وكانوا يبيحون زواج المحارم من الأمهات والأخوات والعمات وبنات الأخ، ومثلًا "كسري يزدجرد الثاني" كان متزوجًا من ابنته ثم قتلها، وكانت المرأة في فترة الحيض تنفي الى مكان بعيد خارج المدينة.
وكان هناك تقديس للأكاسرة والناس يسجدون لهم، كما يسجدون لقيصر في الدولة البيزنطية، واذا دخل أحد على كسري فانه يقف منه على قدر طبقته، فالأمراء يقفون على مسافة خمسة أمتار، ومن ليس من الأمراء يقف على مسافة عشرة أمتار.
__________________

الهند (دولة المائة ديانة)
كذلك كان الحال في الهند، تفاوت صارخ بين الطبقات، ولديهم أكثر من مائة ديانة، وكان من عادتهم حرق المرأة التى يتوفي عنها زوجها لأنه لم يعد لها قيمة بعد وفاة زوجها.

_____/___________
أوروبا (قارة الجهل والتخلف)
وأوروبا كذلك كانت تعيش في عصر مظلم ينتشر فيه الجهل والأمية، وضياع القيم، وظلم المرأة.
وكان من جهلهم أنهم لا يستحمون الا مرة واحدة فقط خلال العام، وربما يعيش المرء حياته كلها لا يستحم، لأن الاستحمام في اعتقادهم كان يضر الصحة، وكانوا كذلك لا يغسلون ثيابهم أبدًا حتى تبلي، وكانوا يعتقدون أن الوسخ الذي فيها من عرقهم تصح به أبدانهم، حتى أن مؤرخًا غربيًا قال "لا بد أن رائحة أوروبا في ذلك الوقت لا تطاق"
وكان المثقفون في أوروبا مشغلون بقضايا غريبة، مثل هل المراة انسان أم حيوان ؟ وهل الروح التى في المرأة روح انسان أم حيوان ؟
_________________

الأمريكتين وأستراليا (الطفولةالحضارية)
بالنسبة للأمريكتين واستراليا فقد كانت تعيش في طفولة حضارية، وحياة بدائية تمامًا.

_____________________
الحياة البدائية في أمريكا الشمالية

أظلم فترة في التاريخ
يقول المؤرخ الإنجليزي "هربرت جورج ويلز" عن هذه الفترة:
"لم يشهد العالم فى تاريخه فترة أظلم ولا أسوأ ولا أكثر يأسًا فى المستقبل من القرن السادس الميلادى، فقد أصاب العالم فى تلك الفترة الشلل الكامل، و كانت أوروبا أشبه برجل ضخم مات و تعفنت جثته، وكان ذلك حتى ظهر محمد نبى المسلمين"


هربرت جورج ويلز 

هذا هو حال العالم وقت ولادة وبعثة الرسول ﷺ ولكن تغير شكل العالم تمامًا بعد بعثة الرسول ﷺ حتى العالم الحديث وهو الأمريكيتين واستراليا، والذي كان مجهولًا وقت بعثة الرسول ﷺ تغير شكله بعد بعثة الرسول ﷺ لأنه بعد اكتشاف هذه القارات، تأثرت بالعالم القديم الذي كان قد تغير بالفعل نتيجة بعثة الرسول ﷺ
ان منهج الكتاب الشهير "العظماء مائة وأعظمهم محمد ﷺ"  هو ترتيب العظماء بحسب قوة تأثيرهم في العالم، ولذلك وضع ﷺ على قمة هذه القائمة، لأنه أكثر شخصية في التاريخ، كان لها تأثيرًا ايجابيًا على العالم كله


 غلاف كتاب العظماء مائة المترجم الى العربية
____________

نقترب في الفصل التالي أكثر من البيئة التى ظهر فيها الإسلام، فنتحدث عن الجزيرة العربية وقت بعثة النبي ﷺ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الفصل الثاني: الجزيرة العربية وقت مولد وبعثة النبي ﷺ
______________

الجزيرة العربية قبل الرسول ﷺ سياسيًا

كانت الجزيرة العربية –سياسيًا- مجموعة من القبائل، والقبيلة هي مجموعة من الناس يرتبطون مع بعضهم بوحدة النسب، وكل قبيلة لها زعيم.
وكان القتال بين هذه القبائل منتشرًا جدًا، والقوي يأكل الضعيف، وكان هذا القتال يحدث لأسباب واهية، وقد يستمر لسنوات طويلة، مثل حرب "البسوس" والتى استمرت أربعين سنة بسبب قتل ناقة، وحرب "داحس والغبراء" و"داحس" و"الغبراء" اسم فرسين سبقت احداهما الأخري، فقامت حرب طاحنة بين قبيلتي عبس وذبيان، وهناك "حرب الفجَار" والتى استمرت أربعة سنوات، وهكذا.
وقد تكون اغارات القبائل على بعضها للإستيلاء على ممتلكات هذه القبيلة، فكانت كل قبيلة لا تأمن أن تنقض عليها قبيلة أخري في أي ساعة من ليل أو نهار، فيقتلون رجالها، ويسبون نسائها ويخطفون أطفالها ويباعوا رقيقًا، وينهبون القبيلة بالكامل، ويتركون ديارها خاوية تمامًا.
لذلك كان العرب يعيشون في خوف مستمر وعدم أمان، باستثناء قبيلة "قريش" لأنها كانت القبيلة التى تعيش عند الحرم، وهي المسئولة عنه، فلا تستطيع أي قبيلة أن تهاجم الحرم، ولا تستطيع أي قبيلة أن تتعرض لتجارات قريش الذاهبة شمالًا الى الشام في الصيف، أو جنوبًا الى اليمن في الشتاء، لأنها هذه القبيلة ستأتي الى قريش في ديارها عندما تريد الحج.
ولذلك امتن الله تعالى على قريش بنعمة الأمان التى لم تكن موجودة في أي مكان في الجزيرة الا في مكة فقط، يقول تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلهم)
وهكذا قل شأن العرب جدًا سياسيًا، وأصبحوا يعيشون على هامش التاريخ، ولا يتعدون في أحسن الأحوال إلا أن يكونوا تابعين للدولة الفارسية او الرومانية.


كان القتال بين القبائل يحدث لأسباب واهية

**************

الجزيرة العربية قبل بعثة الرسول ﷺ دينيًا
أما دينيًا فقد كان العرب قديمًا على ديانة ابراهيم –على نبينا وعليه الصلاة والسلام- ثم أصابها التحريف الشديد، وعَبَد العرب الأصنام، وكانت كل قبيلة لها الأصنام الخاصة بها، حتى أن قريش وضعت فوق الكعبة 360 صنمًا بعدد قبائل الجزيرة العربية، وذلك ارضاءًا لتلك القبائل، وحتى تؤمن قريش طرق تجارتها في الجزيرة.
روي البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العُطاردي قال:
كنا نعبد الحجر، فاذا وجدنا حجرًا آخر هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فاذا لم نجد حجرًا جمعنا جُثوة من تراب –يعنى كومة من تراب- ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به (!)
ورغم هذا كان هناك عدد قليل جدًا جدًا من الحنفاء الذين يرفضون عبادة الأصنام، وكان منهم "زيد بن عمرو بن نفيل"
وهناك بعض العرب قد تنصر، وذلك عن طريق الرهبان الذين عاشوا في الجزيرة، ومن هؤلاء "ورقة بن نوفل" والذي كان أول من آمن بالرسول ﷺ وكان هناك أيضًا جالية يهودية، ولكن أغلبية العرب كانوا وثنيين يعبدون الأصنام.


عبد العرب الأصنام، وكل قبيلة كان لها الأصنام الخاصة بها

************
الجزيرة العربية قبل الرسول ﷺ اجتماعيًا
أما اجتماعيًا فقد هيمنت بعض التقاليد والأعراف على حياة العرب، مثل التفاخر الذي لا حد له بالأنساب والأحساب.
وكان عند العرب أنواع كثيرة من الزواج:
من ذلك: زواج الشغار، وهو أن يزوج الرجل ابنته الى آخر، على أن يزوجه هذا الآخر ابنته، ولا يكون بينهما صداق، (يعنى لا آخذ منك مهر، ولا تأخذ أنت منى مهر)
وهناك زواج المتعة: وهو الزواج المحدد بوقت معين. (وهو موجود عند الشيعة الآن، وعند أهل السنة زنا)
وهناك زواج البدل: أي يتبادون الزوجات، فكان الرجل في الجاهلية اذا أعجبته زوجة رجل آخر، يقول له: أنزل لي على امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك.
وهناك نكاح الاستبضاع: وهو أن يقول الرجل لزوجته اذا طهرت من الحيض، اذهبي الى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يقربها أبدًا، حتى تحمل من هذا الرجل الآخر لأنه رجل ذو نجابة، فيكون الولد كذلك نجيبًا !
وهناك زواج أكثر غرابة، هو أن يجتمع مجموعة من الرجال، ويعاشرون امرأة واحدة، فاذا حملت تختار من هؤلاء الرجل أبًا لإبنها وتنسب الابن الى أحبهم اليها.
وكان هناك –ولا شك- زواج مثل الزواج الذي أقره الإسلام بعد ذلك
.
وكان من أعرافهم أيضًا:
اذا كانت هناك علاقة بين رجل وامرأة فليس فيه مشكلة طالما كان في السر، فاذا ظهر فهو عيب، فكانوا يقولون: "ما استتر فلا بأس به، وما ظهر فهو لوم" وهو ما أطلقواعليه في أعرافهم "الخدن" وقد أنكر الله تعالى هذا الأمر فقال تعالى (وَلَا مُتّخذَاتٍ أَخْدَان)
.
 وكانوا يحلون الجمع بين الأختين في الزواج، ويحلون زواج زوجة الأب، وكانوا يبيحون تعدد الزوجات دون التقيد بعدد، ويمارسون الطلاق أيضًا بغير عدد محدود.
وكانت المرأة ليس لها حق قي الميراث، بل ليس لها الحق في التملك، بل ان كل أموالها حق لزوجها.
 أما أسوأ شيء فهو أنتشار عادة وأد البنات، فكان كثير من العرب اذا ولدت زوجاتهن انثى، يدفنون بناتهن وهن أحياء.
يقول تعالى فى سورة النحل (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ)
أما الحالة الخلقية فكانت قد ساءت تمامًا، فانتشر شرب الخمر، ولعب القمار، واغتصاب الأموال، والسرقة، والتعامل بالربا.


بدو الجزيرة العربية

***************
الصفات الطيبة عند العرب
ومع ذلك فقد تميز العرب ببعض الصفات الطيبة، مثل السخاء، فقد كان الواحد منهم لا يكون عنده الا ناقته فيأتيه الضيف لا يعرفه فيسارع الى ذبحها له، وكان بعض العرب لا يكتفي باطعام الانسان بل كان يطعم أيضًا الوحوش والطيور، وهناك قصص عديدة عن كرم بعض العرب مثل "حاتم الطائي"
وكان العرب أهل شهامة ومرؤة، فكانوا يأبون أن ينتهز القوي الضعيف أو المرأة أو الشيخ.
وكانوا أيضًا أهل شجاعة، ويتمادحون بالموت قتلًا، ويتهاجون بالموت على الفراش، أي اذا أراد أحدًا أن يذم آخر، فانه يذمه بأنه مات على فراشه ولم يمت قتلًا.
وحتى قال أحدهم لما بلغه قتل أخيه:
"ان يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه، إنا والله لا نموت حتفًا، ولكن قطعًا بأطراف الرماح، وموتًا تحت ظلال السيوف"
وكان العربي يتميز بقوة البدن، كما كان يتميز بالصبر والقدرة على تحمل الشدائد، وقد اكتسبوا هذا من بيئتهم الصحراوية الشديدة القاسية، فربما كان أحدهم يسير عدة أيام مكتفيًا بتمرات قليلة يقيم بها صلبه، وقطرات من الماء.
لذلك وبرغم ما كان في المجتمع العربي من مساويء كثيرة ولكن كانت فيهم صفات من الخير أخري كثيرة، جعلتهم أفضل المجتمعات في ذلك الوقت، وأهلتهم لحمل راية الاسلام.

*********
هكذا ينتهي حديثنا عن العالم، وعن الجزيرة العربية وقت مولد وبعثة النبي ﷺ
وهو كما قدمنا عالم مرعب، وعالم غارق في الانحلال والظلم والجهل.
وقد ذهب كثير من المؤرخون على أن القرن السادس الميلادي هو أظلم فترة في تاريخ العالم.
فكان مولد وبعثة النبي ﷺ هو الفجر الذي يأتي بعد بلوغ الليل لذروة ظلامه.
وقد تغير العالم تمامًا بعد بعثة النبي ﷺ ولذلك انتهي الكتاب الشهير "العظماء مائة وأعظمهم محمد" الى أن الرسول ﷺ هو الأعظم تأثيرًا في تاريخ البشرية.
لقد تغيرت جزيرة العرب، وتغيرت آسيا، وافريقيا وأوروبا، حتى الأمريكيتين واستراليا تغيروا بعد ذلك.
كان العالم قبل بعثة النبي ﷺ في حال، وبعد بعثته ﷺ في حال آخر، وصدق تعالى في كتابه العظيم.
(وما أرسلناك الا رحمة للعالمين)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الفصل الثالث: ((قصة أصحاب الأخدود))
********

"المشهد الأول"
تدور أحداث هذه القصة في أوائل القرن الخامس الميلادي، أي قبل بعثة النبي ﷺ بحوالى مائة عام.
وتبدأ القصة برجل من أتباع نبي الله عيسى –عليه السلام- اسمه "فيميون" الراهب، كان يعيش في الجزيرة العربية، وكان رجلًا صالحًا، مجتهدًا في العبادة، زاهدًا في الدنيا، وكان يعمل في مهنة البناء، ولا يأكل الا من عمل يده.
وكان "فيميون" الراهب مستجاب الدعوة وله كرامات، وكان كلما عُرِّفَ واشتهر بقرية تركها وذهب الى قرية أخري.
وأثناء سياحته بالجزيرة العربية، وبينما هو في رحلته من قرية الى قرية أخري، اختطفه مجموعة من الرجال، كما كان الحال في الجزيرة العربية، وباعوه في منطقة يطلق عليها "نجران" وهي الآن في جنوب الجزيرة العربية، عند حدود المملكة السعودية مع دولة اليمن.
اشتري "فيمون" رجلا من وجهاء نجران، وكان "فيمون" اذا جاء الليل قام يصلى، فكان البيت كله يضيء، ورأي سيده هذا فأعجب به وتبعه علي دينه، وبدأت الديانة المسيحية تنتشر بين أهل نجران، حتى وصل الأمر الى مسامع الملك.
وكانت "نجران" عليها ملك اسمه "أبو نواس" وكان ملكًا ظالمًا، يدعي الألوهية، ودائمًا الملوك الذين يدعون الإلهية هم أكثر الملوك ظلمًا وبطشًا وقسوة، مثل النمرود الذي كان في زمن ابراهيم –عليه السلام- ومثل فرعون موسى وغيرهما.
وبطش الملك بأتباع الراهب من المؤمنين وقتلهم جميعًا، وهرب "فيمون الراهب" واعتزل في خيمة على أطراف المدينة
°°°°°°°°°
المشهد الثاني
°°°°°°°°°
تمر سبع سنوات ليبدأ الفصل الثاني من القصة:
كان لهذا الملك ساحر، يستعين به في أن يصنع أشياء تجعل الناس تصدق أنه اله، فكان مثلًا يسحر أعين الناس فيجعلهم يرون السحاب في السماء يكتب اسم الملك.
وتقدم العمر بالساحر وخشى أن يندثر علمه، فطلب من الملك أن يدفع اليه غلامًا يعلمه السحر، فدفع اليه غلامًا عمره أربعة عشر عامًا، اسمه "عبد الله بن ثامر" وبدأ هذا الغلام يتردد على الساحر ليعلمه علم السحر.
وكان الغلام في طريقه كل يوم الى الساحر يمر على "فيمون الراهب" في خيمته، فكان يجلس اليه ويستمع الى حديثه ويعجب بكلامه.
وكان الغلام يمر على "فيمون الراهب" في أول النهار قبل أن يذهب الى الساحر، ويمر عليه مرة ثانية في آخر النهار بعد أن ينتهي يومه مع الساحر، وكان من شدة تعلقه بالراهب وبكلامه، يجلس معه كثيرًا حتى يتأخر على الساحر، ثم يجلس معه كثيرًا أيضًا وهو في طريق عودته حتى يتأخر على أهله، فكان الساحر يضربه عندما يتأخر عليه، وكان أهله يضربونه عندما يتأخر عليهم.
وشكي الغلام للراهب، فقال له الراهب: إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر.
واستمر الغلام على هذا الأمر فترة من الزمن: وكان لابد له أن يختار أحد طريقين: اما طريق الراهب أو طريق الساحر، وكان يميل بقلبه وعقله للراهب، ولكن كان الراهب وحيدًا مطاردًا، بينما الساحر يمثل الجاه والمال والنفوذ والمستقبل الواعد.
وبينما هو في طريقه في أحد الأيام، فاذا بحيوان مفترس يسد الطريق، فقال الغلام في نفسه: "اليوم أعلم أيهما أفضل: الساحر أم الراهب" ثم أخذ حجرا وقال: "اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس" ثم رمى الحيوان فقلته، ومضى الناس في طريقهم، فتوجه الغلام للراهب وأخبره بما حدث، فقال له الراهب:
يا بنى، أنت اليوم أفضل مني، وإنك ستبتلى، فإذا ابتليت فلا تدلّ عليّ.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
ترك الغلام الساحر ولم يعد يتردد عليه ولزم الراهب، وبدأت تحدث له كرامات عظيمة، فكان -بأمر الله تعالى- يبريء الأكمه –وهو الذي ولد كفيفًا- ويبريء -بأمر الله تعالى- الأبرص –وهو مرض جلدي- ويبريء -بأمر الله تعالى- من جميع الأمراض، حتى انتشر أمره بين الناس، وسمع به أحد جلساء الملك، وكان ابن عم الملك وصديقه، وكان هذا الرجل قد فقد بصره، فجمع هدايا كثيرة وتوجه الى الغلام، وقال له:
أعطيك كل هذه الهدايا ان شفيتني.
فقال له الغلام:
أنا لا أشفي أحد، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك.
فآمن جليس الملك، ودعا له الغلام، فشفاه الله تعالى.
ثم ذهب جليس الملك في اليوم التالى، وقعد مع الملك كما كان يقعد قبل أن يفقد بصره، فقال له الملك:
من ردّ عليك بصرك؟
فأجاب الجليس بثقة المؤمن:
ربّي.
فغضب الملك وقال:
ولك ربّ غيري؟
فأجاب المؤمن دون تردد:
ربّي وربّك الله.
فثار الملك، وأمر بتعذيبه. ولم يزالوا يعذّبونه حتى دلّ على الغلام، فأمر الملك بإحضار الغلام، وكان الملك يعرفه أنه تلميذ الساحر، ثم قال له مخاطبا:
يا بني، لقد بلغت من السحر مبلغا عظيما، حتى أصبحت تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل.
فقال الغلام:
إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى.
فأمر الملك بتعذيبه، فعذّبوه حتى دلّ على الراهب، فأُحضر الراهب وقيل له: ارجع عن دينك، فأبى الراهب ذلك وجيء بمنشار، ووضع على مفرق رأسه، ثم نُشِرَ حتى مات ووقع نصفين.
ثم أحضر جليس الملك، وقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فَفُعِلَ به كما فُعِلَ بالراهب.
ثم جِيء بالغلام، ولم يأمر الملك بقتل الغلام كما فعل مع الراهب وجليسه، لأن الراهب وجليسه لم يكونا معروفان للناس، أما الغلام فقد كان معروفًا، وكان الملك يريد أن يعود عن دينه أمام شعبه، خوفًا من افتتان الشعب به.
فأمر الملك بأخذ الغلام لقمة جبل، وتخييره هناك، فإما أن يترك دينه أو أن يطرحوه من قمة الجبل.
فأخذ الجنود الغلام، وصعدوا به الجبل، فدعا الفتى ربه وقال: "اللهم اكفنيهم بما شئت"
فاهتزّ الجبل وسقط الجنود، ورجع الغلام يمشي إلى الملك، فقال الملك في ذهول:
أين من كان معك؟
فأجاب:
كفانيهم الله تعالى.
فأمر الملك جنوده بحمل الغلام في سفينة، والذهاب به الى وسط البحر، ثم تخييره هناك بالرجوع عن دينه أو إلقاءه.
فذهبوا به، فدعى الغلام الله: "اللهم اكفنيهم بما شئت"
فانقلبت بهم السفينة وغرق من كان عليها إلا الغلام، ثم رجع يمشي إلى الملك.
فبهت الملك وصرخ في وجهه:
أين من كان معك؟
فأجاب الغلام في هدوء:
كفانيهم الله تعالى.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
كل هذا والشعب يراقب، ولكن لا أحد يريد أن يؤمن بالله تعالى وحده، ويترك عبادة الملك، من شدة خوفهم من بطش الملك.
فلما رأي الفتى ذلك، قرر أن يضحى بحياته في سبيل أن يؤمن شعبه، فقال للملك:
إنك لن تستطيع قتلي حتى تفعل ما آمرك به
فقال الملك:
ما هو؟
قال الغلام:
تجْمَعُ النَّاس في صَعيدٍ واحدٍ، وتصلُبُني عَلَى جذْعٍ، ثُمَّ خُذ سهْماً مِنْ كنَانتِي، ثُمَّ ضعِ السَّهْمِ في كَبدِ القَوْسِ ثُمَّ قُل بأعلى صوتك: بسْمِ اللَّهِ ربِّ الغُلاَمِ، ثُمَّ ارمِنِي، فإنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتنِي.
فأمر الملك فجُمَع النَّاس في مكان واحِدٍ، وصلب الغلام عَلَى جذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سهْماً منْ كنَانَتِهِ، ثُمَّ وضَعَ السَّهمَ في كبِدِ القَوْسِ، ثُمَّ قَالَ بأعلى صوته: "بِسْم اللَّهِ رَبِّ الغُلامِ"
ثُمَّ رمَاهُ فَوقَعَ السَّهمُ في صُدْغِهِ. (الصدغ هو الذي ما بين العين والأذن)
فَوضَعَ الغلام يدَهُ على صُدْغِهِ ومَاتَ .
فصرخ النَّاسُ : آمَنَّا بِرَبِّ الغُلاَمِ
وكان عدد الذين آمنوا في ذلك المشهد عشرون ألف.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
وجن جنون الملك، فأمر بحفر الأخاديد، والأخدود في اللغة هو الحفرة المستطيلة، أي "خندق"
حفرت الأخاديد أو الخنادق وأمر أن تشعل فيها النيران، ثم أمر جنوده بتخيير المؤمنين: اما الرجوع عن الايمان بالله تعالى وحده أو الإلقاء في النار، فاختار كل العشرون ألف الإلقاء في النار، ورفضوا العودة الى الكفر وعبادة هذا الملك الظالم


مدينة الأخدود الأثرية
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
وسجل القرآن العظيم هذه القصة المروعة في سورة البروج
قال تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) قسم بالسماء، وبالكون كله وما فيه من نجوم عظيمة وكواكب وأجرام.
(وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) قسم باليوم الموعود وهو "يوم القيامة" (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)
ثم يأتي جواب القسم ((قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ)) و " قُتِلَ" أشد من اللعن وأشد من الهلاك.
(النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ) أي قعود على حواف الأخاديد مستمتعون بمشاهدة تعذيب وحرق المؤمنين.
(وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُود) أي شهود على أنفسهم، لأنهم هم الذين سيشهدون على أنفسهم يوم القيامة.
(وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِالْحَمِيد)
(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
الله تعالى شَهِيدٌ على كل شيء، يري كل شيء.
ولاحظ كم مرة تكررت في السورة لفظ الشهادة
°°°°°°°°°
المشهد الثالث
°°°°°°°°°
لم ينج من هذه المذبحة البشعة من المؤمنين الا رجل واحد فقط، استطاع أن يهرب وينجو بنفسه، واتجه الى روما مباشرة، وقابل القيصر وقص عليه كل ما حدث.
وكان قيصر وروما على النصرانية، فغضب القيصر غضبًا شديدًا، ولكن كان يعلم أنه لا يستطيع أن يحرك جيشًا الى جنوب الجزيرة العربية، والملك الظالم "ذو نواس" كان يعلم هذا أيضًا، ولذلك تجرأ على ما فعله بالمؤمنين من النصاري.
ولكن كانت الحبشة في ذلك الوقت على النصرانية وتابعة للإمبراطورية الرومانية، فأرسل قيصر مع هذا الرجل رسالة الى النجاشي ملك الحبشة -والنجاشي هو لقب كل من يحكم الحبشة، مثل فرعون لقب من يحكم مصر، وقيصر لقب من يحكم الدولة الرومانية، وكسري لقب من يحكم الإمبراطورية الفارسية-
وأمر قيصر "النجاشي" أن يتحرك الى أرض نجران، وينتقم لما حدث للنصاري هناك.
وتحرك الجيش بالفعل تحت قيادة رجل اسمه "أرياض" وكان من قادة الجيش رجل طموح اسمه "أبرهة" الذي سيحاول بعد ذلك هدم الكعبة.
وحدث القتال بين جيش الحبشة تحت قيادة "أرياض" وجيش نجران تحت قيادة "أبو نواس" وانهزم "أبو نواس" وطارده جيش الحبشة فدخل بفرسه في البحر ومات منتحرًا غريقًا.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
وأصبحت منطقة نجران واليمن تابعة للحبشة، والتى هي تابعة بدورها للإمبراطورية الرومانية، وأصبح "أرياط" هو حاكم اليمن أو والى النجاشي في اليمن، وكان ذلك في عام 525 م أي قبل البعثة بحوالى 100 سنة.
وظل "أرياط" حاكمًا على اليمن حتى قتله بعد ذلك "أبرهة الأشرم" وهو كما قلنا كان أحد قادة الجيش، ويصبح "أبرهة الأشرم" حاكم اليمن حتى حاول بعد ذلك أن يهدم الكعبة في قصة أخري .
المهم أن الديانة المسيحية انتشرت في اليمن، وأصبحت هي ديانة هذه المنطقة، وهي منطقة نجران واليمن.


آثار من مدينة الأخدود
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
انتهت القصة، وانتصر الغلام والراهب، وانهزم الملك الظالم وجنوده، وكل الذين رفضوا الإيمان.
هذه القصة برغم ما فيها من عبر عظيمة جدًا ودروس، ولكن نحن نذكرها ونحن نتحدث عن السيرة لأنها أولًا من أهم الأحداث قبل بعثة النبي ﷺ وثانيًا حتى نعرف كيف دخلت النصرانية الجزيرة العربية، ونحن نتحدث عن شكل الجزيرة وقت بعثة النبي ﷺ ولأنه سيأتي بعد ذلك وفد من نصاري نجران لمقابلة ومناقشة الرسول ﷺ في المدينة بعد الهجرة، وسيكون لها فصل خاص ان شاء الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الفصل الرابع: ((زيد بن عمرو بن نفيل))
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
لازلنا في حديثنا عن أهم الأحداث قبل مولد النبي ﷺ فنتحدث عن شخصية هامة ظهرت قبل بعثة النبي ﷺ وهو "زيد بن عمرو بن نفيل"
و"زيد بن عمرو بن نفيل" من الشخصيات التى تستغرقني منذ نعومة أظافري، ولا زلت منبهرًا بهذه الشخصية العظيمة.
و"زيد بن عمرو بن نفيل" من القلائل جدًا الذي رفضوا عبادة الأوثان، ليس هذا فحسب بل هو رفض اليهودية والنصرانية، وأخذ يبحث عن الدين الحق، يعنى أخذ يبحث عن الاسلام قبل أن يُبْعَث النبي ﷺ.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
البداية

تقول سيرة "زيد بن عمرو بن نفيل" أن قريشًا في أحد أعيادهم كانوا يذبحون عند وثن لهم، فاجتمع نفر من قريش، وهم:
"زيد بن عمرو بن نفيل"
و"ورقة بن نوفل" ابن عم السيدة خديجة -والذي سيكون بعد ذلك أول من يؤمن بالنبي ﷺ-
و"عثمان بن الحويرث"
و"عبد الله بن جحش"
كانوا جميعًا يعرفون بعضًا جيدًا، ويعلمون أيضًا أنهم يرفضون عبادة الأصنام، وقالوا:
تعلمن والله ما قومكم على شيء، ما وثن يعبد لايضر ولا ينفع ؟ فابتغوا لأنفسكم.
(يعنى كل واحد يبحث بنفسه عن الدين الحق)
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
رحلة البحث عن الدين الحق
خرج "زيد بن عمرو بن نفيل" هو و "ورقة بن نوفل" الى الشام يبحثان عن الدين الحق، وجلسا مع علماء اليهود، وجلسا مع علماء النصاري.
واقتنع "ورقة بن نوفل" بالنصرانية وتنصر، وقرأ كثيرًا بعد ذلك في كتب النصاري، وتعلم اللغة السريانية والعبرية، وترجم التوراة الى اللغة العربية، وأصبح من علماء النصاري في عصره.
.
أما "زيد بن عمرو بن نفيل" فبحث حتى وصل الى أكبر عالم من علماء اليهود، وقال له:
أخبرني عن دينك.
فقال له هذا العالم:
لا تكون على ديننا، حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله.
(لأن هذا العالم يعلم أن اليهود مغضوب عليهم بسبب ذنوبهم)
فرفض "زيد بن عمرو" اليهودية، وقال له:
ما أفر الا من غضب الله ! وأني أستطيعه ؟!
(يعنى كيف أطيق غضب الله تعالى علىَّ)
ثم قال لهذا العالم:
هل تدلني على غيره ؟
قال:
ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا.
قال زيد :
وما الحنيف ؟!
قال:
دين إبراهيم، لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله.
.
ثم بحث "زيد بن عمرو" حتى جلس مع أكبر عالم من علماء النصاري، وسأله عن دينه، فقال له:
لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله.
قال :
ما أفر إلا من لعنة الله ! وأني أستطيعه ؟!
ثم قال لهذا العالم أيضًا:
هل تدلني على غيره ؟
فأجابه بنفس اجابة العالم اليهودي، قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا، قال زيد: وما الحنيف ؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله.
.
هكذا اجتمع رأي أكبر عالم في اليهود، وأكبر عالم في النصاري على أن الدين الحق هو دين ابراهيم، فخرج زيد من عندهما ورفع يديه وقال:
"اللهم إني أشهد أني على دين إبراهيم"
وأخذ "زيد بن عمرو بن نفيل" يبحث عن هذا الدين، دين الحنيفية، دين ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- فسافر الى الشام والى الموصل –في العراق الآن- والجزيرة كلها يبحث عن دين ابراهيم
.
ولكن دين ابراهيم-عَلَيْهِ السَّلامُ- كان قد اندرس واختفي، لأن الوقت بين ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- وبين بعثة النبي ﷺ كان ألفين وثمانمائة سنة، فكان "زيد بن عمرو بن نفيل" يدعو ويقول:
"اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به، ولكني لا أعلم"
لم يعد من دين ابراهيم الا بقايا، مثل تعظيم الكعبة، والحج اليها، وكانت بعض شعائر الحج لا تزال موجودة، مثل الطواف بالكعبة، ومثل السعي بين الصفا والمروة، ولذلك المسلمون تحرجوا عند الحج والعمرة من السعي بين الصفا والمروة، لأنه أمر كانوا يفعلونه في الجاهلية، فنزل قول الله تعالى في سورة البقرة { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } يعنى يسعى بينهما.
ولكن باستثناء ذلك فقد كانت باقي الشعائر قد حرفت، فكانت هناك تلبية، ولكن كانت صيغة التلبية "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، الا شريكًا هو لك تملكه وما ملك" وكان هناك ذبح أضاحي، ولكن كان الذبح للأصنام، وهكذا...
وبدأ "زيد بن عمرو بن نفيل" يعمل عقله في كل ما يراه من شعائر دينية وعادات اجتماعية، فاذا كانت موافقة للعقل والفطرة السليمة فهي من بقايا الحنيفية التى سلمت من التحريف، واذا لم تكن موافقة للعقل والفطرة فهي من تحريف العرب.
فكان مثلًا لا يوافق على أن تذبح الذبائح للأصنام، ولا يأكل الا ما ذكر عليه اسم الله، وكان ينتظر وقت زوال الشمس، وهو وقت صلاة الظهر فيستقبل الكعبة، ويصلى باتجاه الكعبة ركعة فيها سجدتين.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
المواجهة مع قريش
وبدأ "زيد بن عمرو بن نفيل" ينكر على قريش عبادتها للأصنام، ويقول أنها أحجار لا تضر ولا تنفع.
وينكر الذبح للأصنام ويقول:
الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء ماء، وأنبت لها من الأرض، لم تذبحوها على غير اسم الله؟
وكان ينكر الزنا، وانتشاره في قريش ويقول:
يا معشر قريش إياكم والزنا، فإنه يورث الفقر.
وكان ينكر كذلك وأد البنات، ليس هذا فقط بل كان اذا علم أن رجلًا يريد أن يقتل ابنته يذهب اليه ويقول:
لا تقتلها، ادفعها إلي أكفلها، فإذا ترعرعت فإن شئت فخذها.
وبدأت قريش تسخر من "زيد بن عمرو بن نفيل" وتؤذيه، وكان أكثر من يؤذيه هو خاله "الخطاب بن نفيل"
وهو أبو عمر بن الخطاب، كما كان عمر قبل اسلامه هو أكثر قريشًا ايذاءًا للمسلمين.
و لم يكتف "الخطاب بن نفيل" بذلك، بل كان يوصى شباب قريش وسفهائها بايذاء "زيد بن عمرو بن نفيل" لدرجة أنهم طردوه خارج مكة، فكان لا يدخل مكة الا سرًا، فاذا علموا به آذوه وأخرجوه.
وكان ممن يؤذيه -كذلك- زوجته "صفية بنت الحضرمي" فكان اذا دخل مكة، أخبرت الخطاب، ليؤذيه.


وبدأ "زيد بن عمرو بن نفيل" ينكر على قريش
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
"زيد بن عمرو" يترقب ظهور الرسول ﷺ
برغم ايذاء أهل مكة لزيد بن عمرو بن نفيل فقد كان مصرًا على البقاء بمكة، وربما يخرج الى الشام أو غيرها ولكنه كان يعود الى مكة بعد ذلك، لأنه كان قد سمع من علماء اليهود والنصاري أن هذا الزمان هو زمان ظهور نبي، وأن هذا النبي سيظهر بمكة، وأنه آخر الأنبياء وأفضل الأنبياء، لذلك كان مصرًا على البقاء بمكة، أو على الأقل أن يخرج منها كلما اشتد عليه الإيذاء ويعود اليها مرة أخري.
.
عن عامر بن ربيعة قال: سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول:
أنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل، ثم من بني عبد المطلب، ولا أراني أدركه، وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السلام، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك."
قلت:
هلم! (يعنى أخبرني عن صفته)
قال:
هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليست تفارق عينه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب، فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه، فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكان من أسأل من اليهود والنصارى والمجوس يقولون: هذا الدين وراءك، وينعتونه مثل ما نعته لك، ويقولون: لم يبق نبي غيره.
يقول عامر بن ربيعة: فلما أسلمت أخبرت رسول الله ﷺ قول زيد بن عمرو، وأقرائه منه السلام، فرد ﷺ عليه السلام وترحم عليه، وقال:
«قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا»
يعنى عليه ملابس من ملابس الجنة يسحبها.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
وفاته
ظل "زيد بن عمرو بن نفيل" في الشام هربًا من ايذاء أهل مكة، ثم يعود الى مكة مرة أخري في انتظار ظهور النبي.
وفي مرة في أثناء عودته من الشام الى مكة، عدي على القافلة التى هو فيها بعض الرجال وقتلوه، ودفن بالشام، وكان ذلك قبل بعثة النبي ﷺ بخمسة أعوام.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
أبناءه
كان من أبناء "زيد بن عمرو بن نفيل" : سعيد بن زيد، وهو أحد العشرة المبشرون بالجنة، وكان مستجاب الدعوة، وهو الذي تزوج فاطمة بنت الخطاب، أخت "عمر بن الخطاب" وهو الذي ضربه "عمر بن الخطاب" في قصة اسلام عمر الشهيرة.
ومن أبناء "زيد بن عمرو بن نفيل" أيضًا: "عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل" وكانت –رضى الله عنها- من السابقات الى الإسلام ومن المهاجرات، وكانت مشهورة بالجمال والفصاحة وتزوجت "عبد الله بن أبي بكر الصديق" ثم تزوجت "عمر بن الخطاب" ثم تزوجت "الزبير بن العوام" ثم "الحسين بن على"
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
فضله
وكان سعيد بن زيد –رضى الله عنه- قد استأذن الرسول ﷺ في أن يستغفر لأبيه "زيد بن عمر بن نفيل" فقال له الرسول ﷺ
"غفر الله له ورحمه فإنه مات على دين إبراهيم"
ليس هذا فحسب، يقول الرسول ﷺ
«يحشر ذاك أمة وحده، بيني وبين عيسى بن مريم»
يعنى كل نبي سيأتي ومعه أمته، أما "زيد بن عمرو بن نفيل" فيحشر -لفضله- أمة وحده.
ويقول الرسول ﷺ:
«دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين».
والدوحة هي الشجرة العظيمة متسعة الظل.
الخلاصة أن "زيد بن عمر بن نفيل" له فضل عظيم جدًا.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
لقاء "زيد بن عمرو" بالنبي ﷺ
كما قلنا ان "زيد بن عمرو بن نفيل" مات قبل بعثة النبي ﷺ بخمسة أعوام، أي مات وعمر النبي ﷺ خمسة وثلاثون عامًا، وهي تلك الفترة التى كان الرسول ﷺ يذهب فيها الى غار حراء يتحنث أي يتعبد فيه، ويظل يتعبد في غار حراء الليال ذوات العدد.
ولا شك أن "زيد بن عمرو بن نفيل" قد التقي مع النبي ﷺ وفي البخاري قصة بالفعل عن لقاء بين زيد وبين النبي ﷺ ولا شك انه كان بينهما مناقشات كثيرة عن رفض عبادة الأصنام وعن دين ابراهيم الذي ظل "زيد بن عمرو بن نفيل" طوال حياته يبحث عنه، وكذلك كان النبي ﷺ يبحث عنه أيضًا وهو في خلوته وعبادته في غار حراء
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
كان "زيد بن عمرو بن نفيل" من أهم الشخصيات قبل بعثة النبي ﷺ وقصته كانت أيضًا من الأحداث الهامة قبل بعثته ﷺ
ولعل أبرز ما في شخصية "زيد بن عمرو" -والتى ينبغي أن نتعلمها منه- هو هذا الثبات المذهل على الحق بالرغم من كثرة الباطل.
درس كلنا في حاجة الى تعلمه:
الموظف الذي كل من حوله يتقاضون الرشاوي..
الشاب الذي كل أصحابه يشاهدون أفلامًا اباحية.
الفتاة التى كل صاحباتها لهن أصدقاء.
المسلم المقيم في الغرب لابد أن يحكي هذه القصة لأبناءه.
قصة "زيد بن عمرو بن نفي" تقول لك اثبت على الحق مهما كثر الباطل حولك.
وتقول لك أيضًا: كن ايجابيًا، فهذا الدين لا يحتاج من يرتدي الجلباب الأبيض، ويقرأ القرآن، وليس له دخل بأي شيء في المجتمع.
هذا الدين محتاج الى الشخصيات الايجابية مثل "زيد بن عمرو بن نفيل"
ستقول: ما الذي كسبه "زيد بن عمرو بن نفيل" في النهاية ؟
أقول لك كسب كثيرًا:
كسب انه سيبعث يوم القيامة أمة وحده، وهي منزلة ليست لأي أحد من العالمين.
كسب الجنة وهذه المنزلة العالية في الجنة.
كسب ان الرسول ﷺ استغفر له وترحم عليه.
كسب أننا الى الآن ندرس سيرته -رضى الله عنه- ونتعلم منها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الفصل الخامس: ((قصة بئر زمزم - الجزء الأول))
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
تبدأ قصة "بئر زمزم" عندما أمر الله تعالى ابراهيم –على نبينا وعليه الصلاة والسلام- أن يأخذ زوجته السيدة "هاجر” المصرية وابنها الرضيع “اسماعيل” الى موضع الكعبة الشريفة.
ولم تكن الكعبة موجودة في ذلك الوقت، بل كانت قواعد الكعبة التى بناها آدم -عَلَيْهِ السَّلامُ- هي الموجودة، ولكنها كانت مطمورة تحت الرمال والصخور.
وترك ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- زوجته "هاجر" وابنه "اسماعيل" الرضيع بوادي في موضع الكعبة (والوادي هو مساجة الأرض التى تكون بين الجبال والتلال) ولم يكن في هذا الوادي أي انسان، وترك عندها جرابًا من تمر، وجرابًا من جلد فيه ماء، وتركها هي واسماعيل.
فتبعته السيدة هاجر وهي تقول:
يا ابراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه انس ولا شيء؟!
فلما يرد عليها ابراهيم، فلما قالت ذلك مرارًا وابراهيم لا يرد عليها، سألته: 
آالله أمرك بهذا ؟
قال ابراهيم:
نعم.
قالت:
إذن لا يضيعنا. 
ثم رجعت "هاجر" وتركت "ابراهيم".
وانطلق إبراهيم حتى دخل في طريق بين جبلين حيث لا يرونه، ورفع يديه ودعا الله تعالى وقال:
((رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ))
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
 انفجار بئر زمزم تحت قدمي "اسماعيل"
أخذت السيدة هاجر تأكل من التمر وتشرب من الماء وترضع اسماعيل، حتى نفذ ما معها من ماء، وقل لبنها، وعطشت وعطش ابنها، فتركت ابنها وصعدت الى أقرب جبل لها وكان هو جبل الصفا، وأخذت تنظر فلما لم ترَ أحدًا نزلت واتجهت الى الجبل المقابل وهو جبل المروة، وأخذت تنظر فلما لم ترَ أحدًا عادت الى جبل الصفا، وفعلت ذلك سبع مرات، وكانت كلما مرت باسماعيل تسمع بكائه فتركض حتى لا تسمع بكائه.


جبل الصفا الذي صعدت عليه السيدة "هاجر" أولًا
.ولذلك من مناسك الحج والعمرة السعي بين الصفا والمروة سبع مرات، ونركض في نفس الموضع الذي كانت تركض فيه أم اسماعيل، والمعلم الآن باضاءة خضراء على جانبي المسعي.
.
وبينما هي في سعيها، جاء جبريل، وضرب الأرض بجناحه، تحت قدمي اسماعيل، فانشقت الإرض عن بئر زمزم، فشربت وشرب ابنها وأرضعته، ثم أخذت تجمع الرمال حول البئر وتحوط عليه حتى لا يضيع في الصحراء، وهي تقول: "زم زم" يعنى لا تذهب بعيدًا، وفي اللغة: زم الشيء يعنى شده، ومنها كلمة "زمام الفرس"
يقول الرسول ﷺ:
"يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينا"
يعنى أن السيدة هاجر كانت في درجة عالية من التوكل على الله حين تركها زوجها ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- في هذا المكان، فقالت بمنتهي الثقة في قيومية الله تعالى: آالله أمرك بهذا ؟ قال : نعم، قالت: إذن لايضيعنا.
ولكن توكلها -رضى الله عنها- لم يكن كاملًا حين أخذت تحوط على البئر، ولذلك قال الرسول ﷺ "لو تركت زمزم لكانت عينا معينا"
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
 قدوم قبيلة "جُرهُم" الى مكة
في هذا الوقت مر بالمكان ركبًا من قبيلة "جُرهُم" و جُرهُم هي قبيلة يمنية، وكان الركب في طريقه من الشام الى اليمن، فرأي الركب طيرًا يحوم في السماء، فعلموا أن هذا الطائر يحوم على ماء في الأرض، فتعجبوا وقالوا: لعهدنا بهذا الوادي ما فيه ماء (!) فأرسلوا رجلين يستطلعا الأمر، فوجدا: أم اسماعيل، واسماعيل، فرجعا الى الركب وأخبروهما، فذهب الركب كله الى السيدة هاجر، وقالوا لها:
أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ 
قالت هاجر:
نعم ولكن لاحق لكم في الماء.
قالوا:
نعم.
وهذا الموقف يشير الى أنه بالرغم من أن العالم كله والجزيرة العربية كانت تعيش في حالة انحطاط خلقي، الا أن العرب كانوا يتميزون ببعض الصفات الطيبة، فبالرغم من أنهم رجال كثير أقوياء، وهاجر سيدة ضعيفة وحيدة، الا أنهم لم يغتصبوا منها المكان ولا البئر، بل استأذنوها أولًا، ثم نزلوا على أمرها حين قالت أن البئر ملك لها و لاحق لهم في الماء الا بعد اذنها.
أرسل الركب الى أهليهم باليمن، ونزلت قبيلة "جرهم" كلها عند موضع الكعبة، وسعدت السيدة هاجر بذلك، لأنها كانت -كطبيعة المصريين- تحب الصحبة والأنس بالناس، يقول الرسول ﷺ في ذلك
"فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس".
تزوج اسماعيل من قبيلة جُرهُم ، وجاء ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- بعد ذلك ورفع القواعد من البيت مع ابنه اسماعيل -عَلَيْهِ السَّلامُ-.


ومر بالمكان ركب من قبيلة جرهم
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
"خزاعة" تستولى على مكة
ظلت قبيلة "جُرهُم" تتولى أمر البيت ثلاثمائة سنة، ثم أفسدت "جُرهُم" بعد ذلك كثيرًا، واستخفت بحرمة البيت، حتى يذكر أن رجلاً وامرأة يقال لهما "اساف" و"نائلة" وقعا في الفاحشة داخل الكعبة، فمسخهما الله إلى حجرين، وقد عبدت قريش بعد ذلك هذين الحجرين وأصبحا آلهين (!)
وحدث في ذلك الوقت أن تهدم سد "مأرب" باليمن، فهاجرت قبيلة تدعي "خزاعة" من اليمن، وأخذت تتنقل من منطقة الى أخري بحثًا عن المياه -كما هو شأن جميع القبائل في الجزيرة في ذلك الوقت- حتى وصلت الى مكة، فطمعت "خزاعة" في مكة، وفي بئر "زمزم" وحدث بين القبيلتين قتال عظيم، وانتهي القتال بهزيمة "جُرهُم" وانتصار "خزاعة"، وكان ذلك في القرن الخامس الميلادي، أي قبل بعثة النبي ﷺ بحوالي مائة عام.
خرجت أغلب "جُرهُم" بعد الهزيمة من مكة، ولم يبق منهم في مكة الا القليل، بينما سيطرت "خزاعة" على مكة، وولى أمرها "قصى بن كلاب" وهو الجد الرابع للنبي ﷺ فهو ﷺ: محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصى، بن كلاب.
وهكذا ولى أمر مكة "قصى بن كلاب" وأنزل "قصى" قريشًا مكة.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
غير أن "جُرهُم" عندما شعرت بالهزيمة، قامت قبل انسحابها بردم بئر "زمزم" وأخفت أثره تمامًا، حتى لا تستفيد منه "خزاعة" لأن مكة عيشها على "زمزم" وظلت "خزاعة" بعد ذلك تجلب الماء من آبار من خارج مكة.
وظلت "زمزم" مندثرة" مائة عام كاملة، حتى حفرها بعد ذلك "عبد المطلب" جد النبي ﷺ وكان لحفر عبد المطلب لزمزم قصة أخري
وهذا سيكون حديثنا في الفصل القادم

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الفصل السادس: ((قصة بئر زمزم - الجزء الثاني))
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
ظلت "زمزم" مندثرة" مائة عام كاملة، حتى حفرها بعد ذلك "عبد المطلب" جد النبي ﷺ وكان لحفر عبد المطلب لزمزم قصة:
والذي قص لنا هذه القصة هو "على بن أبي طالب" عن جده "عبد المطلب"، أن "عبد المطلب" كان نائمًا في حجر اسماعيل (و حجر اسماعيل الآن هو المنطقة داخل حائط على شكل نصف دائرة بجوار الكعبة)
رأي "عبد المطلب" رؤيا أن صوتًا يقول به:
احفر طيبة !
فقال عبد المطلب:
وما طيبة ؟
وانتهت الرؤيا، و"طيبة" في اللغة هو الشيء الطيب.
في اليوم التالي نام "عبد المطلب" في نفس المكان، ورأي في نومه أن صوتًا يقول له:
احفر برة !
فقال عبد المطلب:
وما برة ؟
وانتهت الرؤيا، و"برة" كلمة مشتقة من "البر" ، والمعنى أنها "تبر" بمن يشرب منها وتنفعه.
في اليوم الثالث، نام "عبد المطلب" في نفس المكان، ورأي في نومه أن صوتًا يقول له:
احفر المضنونة!
قال:
وما المضنونة ؟
واختفي الصوت وانتهت الرؤيا، و"المضنونة" هو الشيء الذي يُضَنُ به، أي يُحْتَفظ به لنفاسته.
في اليوم الرابع، نام "عبد المطلب" وسمع الهاتف هذه المرة يقول له:
احفر زمزم.
قال عبد المطب:
وما زمزم ؟
فقال الهاتف:
لا تنزف أبدا ولا تذم، تسقى الحجيج الاعظم، وهى بين الفرث و الدم،عند قرية النمل، عند نقرة الغراب الاعصم (!)
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
و "زمزم" بالرغم من أنها كانت مطمورة منذ سنوات طويلة، الا أنها كانت معروفة عند أهل مكة.
ومعنى " لا تنزف أبدا" يعنى لا ينفذ ولا ينتهي مائها.
والفرث هي أحشاء الذبيحة.
وقرية النمل أي بيت نمل.
والغراب الأعصم هو الغراب الذي يوجد على جناحه ريش أبيض.
قام "عبد المطلب" ومعه ابنه "الحارث بن عبد المطلب" وكان هو ولده الوحيد في ذلك الوقت، وأخذ معوله وأدوات الحفر، وذهب الى حيث الكعبة، ووقف يجيل بصره في المكان بحثُا عن العلامات التى سمعها في الرؤيا.
وبينما هو كذلك جاء أناس ومعهم بقرة ليذبوحها عند أحد الأصنام حول الكعبة، وعنما ذبحوها سالت دماؤها، ثم أخرجوا أحشائها، فعلم أن هذه هي أول علامة، وهي "الفرث"
ثم أخذ يتأمل في الأرض يبحث عن قرية النمل، فوجد قرية كبيرة من النمل، وكانت هذه هي العلامة الثانية.
ثم نزل غراب أعصم، أي غراب على جناحه ريش أبيض، ونقر في الأرض.
وهكذا حدد الرؤيا بدقةالمكان الذي يحفر فيه "عبد المطلب"
وبدأ "عبد المطلب" يحفر ومعه ابنه "الحارث بن عبد المطلب"
وأخذت قريش تسأله عما يفعل، فقال لهم أنه يحفر بئر "زمزم" فأخذوا يسخرون منه.
ولكن كانت المفاجأة أن "عبد المطلب" انتهي بالفعل الى بئر زمزم.


وقف "عبد المطلب" يجيل بصره في المكان بحثُا عن العلامات التى سمعها في الرؤيا.
**************
واجتمعت قريش على "عبد المطلب" وقالوا له:
يا عبد المطلب هذا بئر أبينا اسماعيل، وان لنا فيه حقًا، فأشركنا معك فيه.
ورفض عبد المطلب وقال:
هذا أمر قد خُصِصْت به من دونكم، وأعْطيته من بينكم.
و أصرت قريشًا على رأيها واجتمعوا كلهم على "عبد المطب"، فقال لهم عبد المطلب:
أجعلوا بينى وبينكم من شئتم يحكم بيننا.
فاختاروا كاهنة موجودة بأطراف الشام، يطلق عليها كاهنة "سعد بن هذيم" ووافق "عبد المطلب"
*************
لكن "عبد المطلب" شعر حين خاصمته قريش في "زمزم" أنها قد قهرته واستضعفته، لأنه ليس له الا ولدًا واحدًا وهو "حارثة"، فدعا الله تعالى أن يرزقه عشرة من الولد، ونذر ان رزق عشرًا من الولد أن يذبح أحدهم قربانًا لله تعالى (!)
*******************
ركب "عبد المطلب" الى الكاهنة ومعه مجموعة من كل بطن من بطون قريش.
وبينما هم في الطريق نفذ منهم الماء، وأوشكوا جميعًا على الهلاك.
وأشار عليهم "عبد المطلب" بأن يحفر كل رجل حفرته، فكلما مات رجل يدفعوه فيها.
وبالفعل حفر كل رجل لنفسه حفرة، وقعدوا ينتظرون الموت عطشًا.
ثم قال لهم "عبد المطلب"
"ان انتظارنا الموت هكذا لعجز، فعسي ان ارتحلنا أن يرزقنا الله تعالى ماءًا ببعض البلاد."
واستجابوا لرأي "عبد المطلب" مرة أخري و قاموا.
ولكن ما ان قامت راحلة "عبد المطلب" حتى انفجر من تحت خفها ماء عذب، فشربوا جميعًا وملئوا أسقيتهم، بعد أن كانوا جميعًا في انتظار الهلاك عطًشًا.
فقالت جميع قريش لعبد المطلب :
"ان الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم، والله لا نخاصمك في زمزم أبدا."
ورجعوا جميعًا الى مكة، وظلت "زمزم" لعبد المطلب جد الرسول ﷺ
************
بقي أن نقول أن بئر زمزم هو أشهر بئر على وجه الأرض.
ومن فضل زمزم قول الرسول ﷺ
"ماء زمزم لِما شُرب له"
أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي.
ويقول الرسول ﷺ
"خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام الطُعم، وشفاء السقم"
ومعنى " طعام الطُعم" يعنى الذي يشرب ماء زمزم كأنه أكل طعامًا.
و"وشفاء السقم" يعنى شفاء من الأمراض.
يقول أبو ذر الغفاري:
لقد لبثتُ ثلاثين ليلة ويوماً، ما كان لي طعام إلا ماء زمزم؛ فسمنت حتى تكسرت عُكَنُ بطني (أي انطوت ثنايا البطن من السُّمنة) وما وجدت على كبدي سخفة جوع (وسخفة الجوع: ما ينشأ عن الجوع من ضعف وهزال)
ومن فضل زمزم أن منبعه تحت الأرض من ثلاث جهات:
جهة الصفا، وجهة المروة، وجهة الركن الأسود.


"بئر زمزم" أشهر بئر على وجه الأرض

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الفصل السابع: أصحاب الفيل
********
,احتلال الحبشة لليمن.
ذكرنا في فصل سابق قصة أصحاب الأخدود.
وقلنا أن "ذو نواس" (والذي كان ملكًا على منطقة "نجران" وهي المنطقة الموجودة الآن في جنوب المملكة السعودية في حدودها مع اليمن) قام بقتل عِشْرِينَ أَلْف من النصاري حرقًا.
وهي القصة التى ذكرها الله -تعالى- في سورة "البروج"
ولم ينج من هذه المذبحة الا رجلًا واحدًا اسمه "دَوْس ذُو ثُعْلُبَان"
واتجه "دَوْس" بعد هروبه مباشرة الى روما.
واستطاع أن يصل الى مقابلة قيصر.
وكان اسمه في ذلك الوقت "جستنيان الأول" وقص عليه ما حدث.
وكان قيصر وروما على النصرانية.
فغضب قيصر غضبًا شديدًا.
ولكنه لم يستطع أن يحرك جيشًا الى جنوب الجزيرة العربية، لبعد المسافة، وخظورة ذلك على جيشه.

وكانت الحبشة في ذلك الوقت على النصرانية وتابعة للإمبراطورية الرومانية.
فأرسل قيصر مع "دَوْس" رسالة الى "النجاشي" ملك الحبشة يأمره بأن يتحرك الى أرض نجران وينتقم لما حدث للنصاري هناك.
وتحرك الجيش بالفعل تحت قيادة رجل اسمه "أرياض"
وكان من قادة الجيش رجل طموح اسمه "أبرهة""
وحدث القتال بين جيش الحبشة تحت قيادة "أرياض" وجيش نجران تحت قيادة "ذو نواس"
وانهزم جيش "ذو نواس" وانتحر "ذو نواس" غرقًا، بعد أن اقتحم بفرسه في البحر، واختفي فيه.


_____________________________________
أبرهة ينقلب على أرياط***
أصبحت منطقة نجران واليمن تابعة للحبشة.
وأصبح "أرياط" هو حاكم اليمن أو والى النجاشي على اليمن.
وكان ذلك في عام 525 م
وظل "أرياط" حاكمًا على اليمن لمدة سبعة أعوام.
وكان من قادة الجيش الذي فتح اليمن -كما قلنا- قائدًا طموحًا اسمه "أبرهة"
Abramus
واسمه كاملًا: أَبْرَهَة بْن الصَّبَّاح
وقام أبرهة بانقلاب عسكري ضد "أرياض"
حيث قاد "أَبْرَهَة" مجموعة من الجيش وأراد أن يستولى على الحكم.
ولكن تصدي له "أرياض" ومجموعة أخري من الجيش موالية له.
وانقسم الجيش الى فرقتين:
فرقة بقيادة "أرياض" وفرقة ثانية بقيادة "أَبْرَهَة"
وتقابل الجيشان.
وخشى "أَبْرَهَة" على نفسه الهزيمة.
فأرسل الى "أرياط" يقول له بدلًا من قتال الجيشين، اجعل بيننا مبارزة فمن يقتل الآخر يستقل بالملك.
فوافق "أرياط" على الفور، لأنه كان أقوي من "أَبْرَهَة" ويعلم أنه يستطيع أن يهزمه.
ولكن "أَبْرَهَة" كان يضمر الخداع.
فجعل أحد أتباعه الأقوياء خلفه، فاذا كاد "أرياط" أن ينتصر يحمل عليه تابعه ويقتله.
وبدأت المبارزة.
وحمل "أرياط" على "أَبْرَهَة" وكاد أن يقتله.
وضربه بالسيف في وجهه ضربة قطعت أرنبة أنفه، (يعنى مقدم أنفه)
ولذلك أطلق عليه بعد ذلك "أَبْرَهَة الأشرم"
لأن "شَرِمَ" في اللغة يعني: قطع، فيقال: شرم أنفه يعنى قطع أرنبة أنفه.
فلما رأي تابعه ذلك حمل على "أرياط" وقتله.
وهكذا أصبح أَبَرْهَة حاكمًا على بِالْيَمَنِ.
ولكن كانت عند "أَبْرَهَة" مشكلة أخري، وهي النجاشي في الحبشة.
لأن "أَبْرَهَة" قد قتل واليه على اليمن.

وبالفعل عندما وصلت الأخبار الى النجاشي بما حدث استشاط غضبًا وأقسم أن يطأ أرض اليمن بقدمه، ويجز ناصية "أَبْرَهَة"
يعنى أنه سيخرج بنفسه لقتال "أَبْرَهَة" وسيحلق مقدم شعر "أَبْرَهَة"، وهذه كناية على أنه سيقوم بإذلاله .
وعلم "أَبْرَهَة" بذلك فأرسل الى النجاشي بهدايا كثيرة، ورسالة فيها الكثير من الاعتذار.
وأرسل اليه أيضًا جرابًا فِيهِ مِنْ تُرَاب الْيَمَن، وَجَزَّ نَاصِيَته فَأَرْسَلَهَا مَعَهُ.
وَقال فِي كِتَابه لِيَطَأ الْمَلِك عَلَى هَذَا الْجِرَاب فَيَبَرّ قَسَمه، وَهَذِهِ نَاصِيَتِي قَدْ بَعَثْت بِهَا إِلَيْك.
وأعجب النجاشي بما فعله "أَبْرَهَة" فرَضِيَ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ عَلَى عَمَله.
وواجه "أَبْرَهَة" بعد ذلك ثورات وحروب وتحديات تغلب عليها ووسع سلطانه.
ووصل الى مرتبة كبيرة حتى أن ملوك فارس وروما كانوا يرسلون مبعوثين اليه.
_______________
"أبرهة" يطمح في حكم الجزيرة.

وكان "أَبْرَهَة بْن الصَّبَّاح" - كما قلنا- رجلًا طموحًا، فلم يقنع بحكم اليمن فقط، ولكن أراد أن يكون له الزعامة في الجزيرة العربية كلها.
وحتى يحقق هذا كان لابد أن يحمل العرب على اعتناق المسيحية.
وهدي "أَبْرَهَة" تفكيره الى أن يبني كنيسة عظيمة وأن يدعو العرب للحج اليها بدلًا من الحج للكعبة.
وقام "أَبْرَهَة" بالفعل ببناء كنيسة عظيمة في عاصمة بلده "صنعاء"
وكانت الكنيسة هَائِلَة عالية بها كثير من الزخارف لَمْ يُبْنَ قَبْلهَا مِثْلهَا.
حتى أطلق عليها "الْقُلَّيْس" لِارْتِفَاعِهَا، لِأَنَّ النَّاظِر إِلَيْهَا تَسْقُط قَلَنْسُوَته عَنْ رَأْسه مِنْ اِرْتِفَاع بِنَائِهَا.
(القلنسوية ما نطلق عليه الآن الطاقية)
وأرسل "أَبْرَهَة" وفود من عنده الى قبائل الجزيرة العربية يدعوهم الى الحج الى كنيسته "الْقُلَّيْس"
ولكن لم يستجب اليه أحد من العرب.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
وهدي "أَبْرَهَة" تفكيره هذه المرة الى أن يقوم بهدم الكعبة، حتى يصرف العرب الى الحج الى "الْقُلَّيْس"
وانتهز "أَبْرَهَة" فرصة أن أحد العرب دخل الى كنيسته وقضى فيها حاجته، فافتعل الغضب وأَقْسَمَ لَيَسِيرَنَّ إِلَى بَيْت مَكَّة وَلَيُخَرِّبَنَّهُ حَجَرًا حَجَرًا. 
وهكذا كان هذا الحادث هو الحجة أوالسبب المباشر لقرار "أَبْرَهَة" هدم الكعبة.
بينما كان السبب الحقيقي هو صرف العرب عن الحج الى الكعبة والحج بدلًا من ذلك الى الكنيسة.
وهكذا دائمًا تفعل الدول الإستعمارية الغازية، حيث تقوم باعلان سبب للغزو تجمل به نفسها، وتخفي به أطماعها الاستعمارية وأسبابها الحقيقية.
فمثلًا عندما احتلت انجلترا مصر عام 1882 كان السبب المعلن هو حماية حقوق الدائنين.
بينما كان السبب الحقيقي هو الطمع في خيرات مصر وفي قناة السويس والحد من توسعات مصر في أفريقيا.
وكذلك كانت مشكلة الديون هي السبب المعلن لفرنسا لاحتلال الجزائر.
وهكذا دائمًا المستعمر له سببًا معلنًا، وسببًا آخر حقيقيًا.
وهكذا كان "أَبْرَهَة" عنده سبب معلن وهو الرد على أن أحد العرب أحدث داخل كنيسته "الْقُلَّيْس"
بينما السبب الحقيقي هو العمل على صرف العرب الى الحج الى "الْقُلَّيْس" بدلًا من الكعبة المشرفة.
وحتى يحقق لنفسه الزعامة الروحية، ثم بعد ذلك الزعامة الكاملة على جزيرة العرب.

خروج أبرهة لهدم الكعبة.
______________________________________
أعد "أَبْرَهَة" جيشًا كثيفًا ضخمًا قوامه عشرون ألف مقاتل.
وكان هذا العدد بالنسبة للعرب عددًا ضخمًا جدًا.
واستصحب معه أيضًا فِيلًا ضخمًا كَبِير الْجُثَّة لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَال لَهُ "مَحْمُود" كان مشهورًا عندهم بضخامته.
وَكَانَ قَدْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ النَّجَاشِيّ مَلِك الْحَبَشة لهذا الغرض وهو هدم الكعبة.
وَيُقَال كَانَ مَعَهُ أَيْضًا ثَمَانِيَة أَفْيَال وَقِيلَ اِثْنَا عَشَر فِيلًا غَيْره، حتى يستعين بهم في هدم الْكَعْبَة، بِأَنْ يَجْعَل السَّلَاسِل فِي الْأَرْكَان، وَتُوضَع فِي عُنُق الْفِيل، ثُمَّ يُزْجَر لِيُلْقِيَ الْحَائِط جُمْلَة وَاحِدَة.


ساق أبرهة معه فيلًا ضخمًا لهدم الكعبة
_______________

ولما سمع العرب في الجزيرة بهذا الأمر، خرج رجل من أشراف اليمن اسمه "ذو نفر"
ودعا قومه والعرب الى حرب "أَبْرَهَة" والدفاع عَنْ بَيْت اللَّه.
فهزمهم "أَبْرَهَة" وأخذ "ذو نفر" أسيرًا.
ثم مضى لوجهه فخرج اليه "نُفَيْل بْن حَبِيب الْخَثْعَمِيّ" في قومه.
وقاتلوه فهزمهم "أَبْرَهَة" وأخذ "نُفَيْل" أسيرًا
والحقيقة أن هزيمة العرب أمام "أَبْرَهَة" بهذه السهولة كان بسبب ما ذكرناه عندما تكلمنا عن الجزيرة العربية وقت مولد وبعثة النبي ﷺ من أن القبائل العربية كانت قبائل متفرقة، والقتال بين هذه القبائل منتشرًا جدًا.
فمثلًا خرج "ذو نفر" لقتال "أَبْرَهَة" ثم خرج اليه "نُفَيْل بْن حَبِيب الْخَثْعَمِيّ"
ولو كان هناك تعاون أو اتحاد بين "ذو نفر" وبين "نفيل" وبين "قريش" مثلًا و"الطائف" وغيرهم من القبائل القوية في الجزيرة، ربما كانوا قد استطاعوا هزيمة "أَبْرَهَة" وما كانوا قد انهزموا أمامه بهذه السهولة.
_____________________
اقترب "أَبْرَهَة" من أَرْض الطَّائِف، والطائف بينها وبين مكة حوالى 100 كيلو متر، وكانت الطائف تحت سيطرة قبيلة "ثَقِيف"
كانت أنباء هزيمة "ذو نفر" ثم "نفيل" قد وصلت الى مسامع جميع العرب، فهاب العرب "أَبْرَهَة" جدًا وجيشه الضخم، وفيله.
ولذلك قررت "ثَقِيف" الاستسلام لأبرهة.
ليس هذا فحسب بل أرسلت معه رجل اسمه"أَبَو رِغَال" ليدله على الطريق الى مكة.
ولكن مات "أبو رغال" في الطريق قبل أن يصل الى مكة في مكان اسمه "الْمُغَمِّس"
وهذا المكان بينه وبين مكة حوالى 20 كم.
وظلت العرب بعد ذلك ترجم قبر "أبو رغال" وأصبحًا علمًا ومضرب الأمثال على من يخون قومه.
****************
أقترب "أَبْرَهَة" بجيشه من مكة.
ووصل الى مكان الذي ترعي فيه ابل مكة.
فأغار الجيش على الأبل وأخذها.
وكان في هذه الإبل مِائَتَا بَعِير لِعَبْدِ الْمُطَّلِب جد الرسول ﷺ.


حملة "أبرهة" لهدم الكعبة
_____________________
لقاء "عبد المطلب" وابرهة.
_____________________
وبعث "أَبْرَهَة" يطلب أن يأتيه سيد قُرَيْش.
وبالفعل جاء اليه "عبد المطلب" سيد قريش، جد الرسول ﷺ.
فلما دخل "عبد المطلب" على "أَبْرَهَة" هابه "أَبْرَهَة" لأن "عبد المطلب" كان رَجُلًا جَسِيمًا وسيمًا حَسَن الْمَنْظَر، حتى أن "أَبْرَهَة" نزل من على عرشه، وجلس مع "عبد المطلب" عَلَى الْبِسَاط.
ثم قال أَبَرْهَة لِتُرْجُمَانِهِ:
- قُلْ لَهُ مَا حَاجَتك ؟
فَقَالَ "عبد المطلب" لِلتُّرْجُمَانِ:
- إِنَّ حَاجَتِي أَنْ يَرُدّ عَلَيَّ الْمَلِك مِائَتَيْ بَعِير أَصَابَهَا لِي.
فَقَالَ أَبَرْهَة لِتُرْجُمَانِهِ:
- قُلْ لَهُ لَقَدْ كُنْت أَعْجَبْتنِي حِين رَأَيْتُك، ثُمَّ قَدْ زَهِدْت فِيك حِين كَلَّمْتنِي، أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِير أَصَبْتهَا لَك، وَتَتْرُك بَيْتًا هُوَ دِينك وَدِين آبَائِك قَدْ جِئْت لِهَدْمِهِ لَا تُكَلِّمنِي فِيهِ ؟
فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمُطَّلِب:
إِنِّي أَنَا رَبّ الْإِبِل وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ.
قَالَ أبرهة:
-مَا كَانَ لِيَمْتَنِع مِنِّي.
قَالَ عبد المطلب:
-أَنْتَ وَذَاكَ.
ورد "أَبْرَهَة" الى عَبْد الْمُطَلِّب المائتي بعير التى كان قد أصابها.
ورَجَعَ عَبْد الْمُطَلِّب إِلَى قُرَيْش.
وأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّة، وَالتَّحَصُّن فِي الْجِبَال، خَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَيْش.
ثُمَّ قَامَ عَبْد الْمُطَّلِب فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة، وَقَامَ مَعَهُ نَفَر مِنْ قُرَيْش، يَدْعُونَ اللَّه.
فكان مما قاله عَبْد الْمُطَّلِب وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة 
لَاهُمَّ إِنَّ الْمَرْء يَمْنَع رَحْلَهُ فَامْنَعْ رِحَالك
 لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ  وَمِحَالُهُمْ أَبَدًا مِحَالَك


أمر "عبد المطلب" قريشًا بالخروج من "مكة" والتحصن بالجبال

************
هزيمة جيش أبرهة
______________________
تَهَيَّأَ أَبَرْهَة لِدُخُولِ مَكَّة
وَهَيَّأَ فِيله
ووَجَّهُوا الْفِيل نَحْو مَكَّة
ولكن الفيل برك وأبي أن يتحرك من مكانه.
فأخذوا يضربونه لكي يتحرك فلم يتحرك.
فلما وجهوه جنوبًا ناحية اليمن، قام يهرول.
ووجوه ناحية الشام ففعل مثل ذلك.
طال الوقت وهم يحاولون ارغام الفيل على دخول مكة
وأخذ "أَبْرَهَة" ينهر سَائِس الْفِيل وَيَضْرِبهُ لِيَقْهَر الْفِيل عَلَى دُخُول الْحَرَم بلا أي فائدة.
ثم أحضروا بقية الفيلة.
فرفضت كل الفيلة دخول مكة.
الا فيل واحد تقدم فتشجع الجيش وتأهب للدخول.
وما ان تحرك الجيش حتى بعث الله تعالى عليه قبل أن يدخل مكة طيرًا أبابيل، أي طيرًا متتابعة.
روي أن حجم الطائر كان أصغر من الحمامة.
ولون هذا الطائر أصفر وأرجله حمراء.
وكل طائر يحمل ثلاثة حجارة: حجر في منقاره، وحجرين في رجليه.
وحجم الحجر الواحد في حجم العدسة، ولكنه - كما قال تعالى- حجر من سجيل، يعنى شديد صلب.
فكان الحجر يسقط على الجنود ويخترق أجسامهم كالرصاص.
وساد الهرج والمرج في الجيش، وهاجت الفيلة.
ومات أغلب الجيش، وأصيب البعض الآخر اصابات قاتلة، وفروا في الصحراء.
وكان مما أصيب وفر "أَبْرَهَة" نفسه.
فحمل حتى وصل الى "صنعاء" عاصمة ملكه ومات هناك ذليلًا.


أرسل الله على الجيش طيرًا متتابعة ترميهم بحجارة صلبة.
______________
" واستكمالًا لقصة أَبْرَهَة"

بعد أن مات "أبرهة" مَلَكَ بَعْده اِبْنه "يَكْسُوم"
ثُمَّ اِبْنه الآخر "مَسْرُوق بْن أَبَرْهَة"
وفي ذلك الوقت ذهب "سَيْف بْن ذِي يَزَن"
(وكان من أحفاد ملوك اليمن قبل أن يستولي عليها الحبشة)
إِلَى كِسْرَى واسْتَعَانَهُ عَلَى الْحَبَشَة.
فأرسل معه جيشًا، استطاع أن يهزم الحبشة.
وعادت اليمن الى العرب بعد أن ملكها الحبشة اثنين وسبعين سنة.
أما في مكة، فقد كانت موقعة الفيل من أعظم الأحداث التى مرت بها، حتى أن العرب أصبحت تؤرخ بهذا العام، فكانت تقول حدث كذا بعد سنة من عام الفيل، أو بعد عشرة أعوام من عام الفيل، أو حدث كذا قبل عامين من عام الفيل وهكذا.
ورفعت موقعة الفيل جدًا من هيبة قريش بين العرب، كما رفعت من شأن "عبد المطلب" جد النبي ﷺ وأصبح اسمه معروفًا ليس في جزيرة العرب فقط، ولكن في العالم القديم كله.

__________________
*سورة الفيل*
وقد سجل القرآن العظيم حادثة الفيل في سورة الفيل فقال تعالى:
(ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) ألم تر يا محمد ما فعل ربك بأصحاب الفيل، وهو أبرهة وجيشه. 
(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) ألم يجعل الله تعالى "كيدهم" وهو تدبيرهم في "تضليل" اي في ضلال فلم يحققوا هدفهم وهو تدمير الكعبة.
(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ) وبعث عليهم طيرًا في جماعات متتابعة يتبع بعضها بعضًا، فلا يري أولها من آخرها.
كما أن الحبشة جاءوا بأقوي الحيوانات وهي الفيلة ليهدموا الكعبة، سلط الله تعالى عليهم أضعف المخلوقات، وهي طيور أقل في حجمها من الحمام.
وكما أرادوا هدم احجار الكعبة، عذبهم الله تعالى بالحجارة.
(تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) حجارة شديدة صلبة قاسية.
(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) العصف هو ورق الشجر الجاف اليابس، والمأكول هو الذي أكلته الحشرات ومزقته، أو أكله الحيوان وطحن، فهذا وصف جيش أبرهة بعد أن رمتهم الطيور بالحجارة، فمزقت أجسادهم.
***************
وولد الرسول ﷺ في عام الفيل.
وهو عام 570 ميلادية.

وكانت ولادته بعد موقعة الفيل بخمسين يومًا فقط.
وكانت قريش لا تزال تحتفل بنصر الله تعالى لها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الفصل الثامن: زواج "عبد الله بن عبد المطلب" من "آمنة بنت وهب"
**************

 ذكرنا أن العرب كان فيهم التفاخر الذي لا حد له بالأنساب
ولذلك فالله –تعالى- هيأ للنبي ﷺ شرف النسب، ليكون مساعدًا له على التفاف الناس حوله.
ولو لم يكن للرسول ﷺ هذا النسب لأنف كثير من العرب الإنضواء تحت لواءه.
فالجد الرابع للنبي ﷺ هو "قصى بن كلاب" والذي عاش من سنة 400 الى 480 ميلادية.
وهو أشهر من حكم "قريش" لأنه هو الذي انتصر لقريش على خزاعة، وطردهم من مكة، وجعل سكن مكة خاص بقريش.
وقد ذكر الإمام البخاري نسب النبي ﷺ في باب مبعث النبي ﷺ فقال:
"محمد بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارَ بْنِ مَعَدَّ بْنِ عَدْنَانَ"
وكل اسم من هذه الأسماء له تاريخ ومناقب عظيمة تعرفها العرب جيدًا
أما عَدْنَانَ فهو من نسل اسماعيل بن ابراهيم –على نبينا وعليهما الصلاة والسلام- 
أي أن "عَدْنَانَ" ليس ولد مباشر من اسماعيل.
ولكن لا خلاف من أن "عَدْنَانَ" من نسل اسماعيل بن ابراهيم –عليهما السلام-


شجرة نسب الرسول ﷺ حتى عدنان
**************
وذكرنا أن "عبد المطلب" عندما حفر زمزم، أستضعفته قريشًا لأنه ليس له الا ولد واحد في ذلك الوقت وهو "حارثة"، وارادت أن تستولى على زمزم منه.
فدعا "عبد المطلب" أن يرزقه الله عشرة من الولد.
ونذر ان رزق عشرًا من الولد أن يذبح أحدهم قربانًا لله تعالى (!)
**************
ورزق "عبد المطلب" بالفعل بعشرة من الولد.
وبرغم صعوبة نذر "عبد المطلب" فانه قرر الوفاء بعهده مع الله وأداء نذره.
فجمع "عبد المطلب" أبناءه وأخبرهم بنذره فوافقوه.
وكان للآباء عند العرب قدسية ومهابة.
ولذلك كان من أكبر المعوقات أمام الرسول ﷺ أنه قد جاء لهم بدين مخالف لدين آبائهم
*****************
واقترع "عبد المطلب" على أي أبناءه العشرة يكون الذبح.
فخرجت القرعة على "عبد الله" -والذي سينجب الرسول ﷺ بعد ذلك-
وكان "عبد الله" أحسن ابناء عبد المطلب خُلقًا وأحبهم اليه والى أخوته.
وكان محبوبًا في كل قريش.
فلما أراد أن يذبح "عبد الله" وعلمت قريش بذلك، حزنت كل قريش، وضجت بالبكاء.
حتى أن أحدهم قال لعبد المطلب: ليتنى اذبح مكان "عبد الله"
فلما اجتمعت قريش على "عبد المطلب" قال لهم عبد المطلب: وما أفعل بنذري
فأشاروا عليه أن يأتي عرافة بالمدينة تدعي "سجاح" 
********************
فركب اليها "عبد المطلب" في نفر من ابناءه وقص عليها الخبر.
فقالت سجاح :
كم الدية فيكم ؟
(يعنى عندما القتل كم تعطوا أهل القتيل حتى يرضى ولا يأخذ بثأره؟)
قالوا:
عشرة من الأبل.
قالت:
فارجعوا الى بلدكم، ثم قربوا صاحبكم (أي عبد الله) وقربوا عشرا من الابل، ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح (يعنى اعملوا قرعة بين عبد الله وبين الإبل) فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الابل حتى يرضى ربكم. (يعنى زيدوا من الإبل حتى تخرج القرعة على الإبل)
******************
وعاد "عبد المطلب" وفعل كما أشارت "سجاح" فخرجت القداح على "عبد الله"
فزادوا الأبل عشرا، فخرجت على "عبد الله"
فلم يزالوا كذلك حتى بلغت الابل مائة، فخرجت على الإبل.
فنحروا هذه الإبل المائة ونجي "عبد الله"
ولذلك يطلق على "عبد الله" اسماعيل الثاني.
يعنى كما أن الله تعالى فدي اسماعيل -عليه السلام- بكبش عظيم، فدي "عبد الله بن عبد المطلب" بمائة من الإبل.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال "أنا ابن الذبيحين"
وروي أن أعرابيًا قال للرسول ﷺ: يا ابن الذبيحين، فتبسم النبي ﷺ.
**********************
كانت فرحة "عبد المطلب" بنجاة ابنه عظيمة.
وأراد "عبد المطلب" أن يزوج ابنه "عبد الله"
وكان عمر "عبد الله" في ذلك الوقت ثمانية عشر عاماً.
وكان شابًا وسيمًا قويًا.
وكان أكثر أبناء "عبد المطلب" شبهًا به.
وكان معروفًا عنه الأخلاق الطيبة والعفة.
وهو كما ذكرنا من قبل ذو نسب وشرف في قومه، ولذلك كان فتى أحلام كل فتيات قريش.
وأختار "عبد المطلب" لإبنه "عبد الله" أفضل فتاة في قريش.
وهي "آمنة بنت وهب" وهي ابنة سيد بنى زهرة.
وكان يطلق عليها "زهرة قريش"
*****************
ويروي أن "عبد الله" قبل أن يخطب آمنة، مر بامرأة يقال لها "أم قتال بن نوفل" وهي أخت "ورقة بن نوفل"
وكانت "أم قتال" قد سمعت من أخيها "ورقة بن نوفل" أنه سيظهر في هذا الزمان نبي، هو خاتم الأنبياء.
وأن هذا النبي سيكون مولده ومبعثه في مكة.
فلما نظرت الى "عبد الله" رأت بفراستها نور النبوة في وجهه، وحدست أنه سيكون أبًا لهذا النبي.
والعرب مشهورون بالفراسة، ولهم في ذلك قصص عجيبة جدًا، حتى أن الله تعالى يقول في سورة الحجر "إن في ذلك لآيات للمتوسمين" أي أن الله تعالى وصف العرب بهذه الصفة وهي أنهم ذوي فراسة ونظر.
وأرادت "أم قتال" أن تتزوج من "عبد الله"
ليس كما قلنا لوسامته وشرفه ووضعه في قريش.
ولكن لكي تنجب منه وتكون أمًا لخاتم الأنبياء.
فعرضت على "عبد الله" أن تتزوجه.
ولكن "عبد الله" كان يعلم برغبة أبيه في أن يزوجه "أمنة بنت وهب" وهي سيدة نساء قومها –كما ذكرنا- فرفض هذا العرض.
وقال لها:
لا أستطيع خلاف أبي.
وأخذت "أم قتال" تلح في طلبها على "عبد الله"
حتى أنها عرضت عليه ان قبل الزواج منها أن تعطيه مائة من الإبل، وقالت له: 
لك مثل الإبل التي نحرت عنك، وتتزوجنى.
ولكن "عبد الله" كان يعتذر اليها بأنها لا يستطيع أن يخالف رغبة أباه في أن يتزوج "آمنة بنت وهب"
************************
وتزوج "عبد الله بن عبد المطلب" من آمنة بنت وهب.
وكان عمر "عبد الله" -كما ذكرنا- ثمانية عشر عام، وعمر آمنة ثلاثة عشر عامًا.
وبعد أن تزوج "عبد الله" من "آمنة" مر بأم قتال.
فوجدها قد أعرضت عنه ولم تتلهف عليه أو تعرض عليه الزواج كما كانت تفعل من قبل.
فتعجب "عبد الله" وسألها :
ما لك لا تعرضين عليَّ اليوم ما كنت عرضت بالأمس؟!
فقالت له:
فارقك النور الذي كان معك بالأمس، فليس لي بك حاجة.
يعنى أن النطفة التى كان منها الرسول ﷺ عندما خرجت من جسد "عبد الله" واستقرت في رحم السيدة "آمنة" خرج معها النور الذي كان في وجه "عبد الله"
يعنى النور الذي كان في وجه "عبد الله" خرج من جسده ليستقر في رحم السيدة "آمنة"
******************
بل روي أن كاهنة كان يطلق عليها "كاهنة قريش" كانت تنظر في وجه آمنة وتقول لها:
أنت النذيرة أو التى ستلد النذير.
*****************
وظل "عبد الله" مع عروسه "آمنة" عشرة أيام.
ثم خرج في قافلة تجارية الى "غزة" بالشام.
ثم عاد من "غزة" الى "يثرب" ليشتري تمرًا.
و"يثرب" بها أخواله "بنى النجار"
ولكنه مرض في "يثرب"ولم يستطع أن يعود مع القافلة الى مكة.
فعادت القافلة الى "مكة" بدونه.
ورقد هو عند أخواله في يثرب.
وأقام عندهم مريضًا شهرًا كاملًا.
ثم مات هناك ودفن في مكان يطلق عليه "دار النابغة الصغري"


رحلة "عبد الله بن عبد المطلب" التى توفي فيها
**************
مات "عبد الله" والرسول ﷺ لا يزال جنينًا في بطن أمه.
وترملت السيدة آمنة.
وترك لها "عبد الله" خمسة من الإبل، وبعض الأغنام.
وترك لها أيضًا عبدة حبشية كانت عنده يطلق عليها "بركة" والتى أطلق علها بعد ذلك "أم أيمن" وستكون بعد ذلك من السابقات الى الإسلام، وسيكون لها مواقف عظيمة في الاسلام.
وبالرغم من أن "عبد الله" لم يمكث مع "آمنة" الا عشرة أيام فقط، الا أنها أحبته حبًا شديدًا.
وعندما بلغها موتها حزنت عليها حزنًا عظيمًا، ورثته بشعر رائع ورقيق.
********************
انتهي الجزء الأول
ويليه الجُزْءُ الثَانِي: مِنْ وِلاَدَة الرَسُول حَتَى مَبْعَثِهِ  ﷺ
_______________________________________
<والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته>
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.