ayahbr

شارك على مواقع التواصل

انه يبتسم لي ...
في وسط ذاك الخراب، صوت المدافع، الطائرات الحربية، طلقات الرصاص.. بكاء الأطفال واستغاثة الجرحى وحزن أسرة الفقيد.. يبتسم لي بسعادة بينما نحن نقف في الشرفة نراقب الرماد ... قد سافرت بي عيونه إلى زمن آخر حيث فقط انا وهو.
نمسك أيدي بعض
في إحدى الغرف المطلة على برج إيفل في باريس، مدينة الحب ...
الأضواء هذه الليلة مغرمة، رائحة العطر ومعزوفة الحب تملأ الشوارع المكسوة بالثلج ....
لكن اليوم يده باردة على غير العادة، انها متسخة ومجروحة... بينما يستلقي أمامي ويلفظ انافسه الأخيرة ...

صباح اليوم التالي استيقظ مرهقة وقد سلب التفكير راحتي فسهرت وأنا أجاهد افكاري، اواسي نفسي المتعبة أخبرها وانا في اوج حزني وانكساري (لا بأس لا بأس سيكون كل شيء على ما يرام ...هذا ليس سوى حلم عابر سيزول).
تتسلل اشعة الشمس الذهبية المطلة من النافذة، فتخترق الجدار الشفاف لتلاعب وجهي، وترسل بشارة دافئة وكأنها تقول لي لا تبتأسي فقد حل صباح جديد، يوم آخر وفرصة لتبحثي عن سعادتك المفقودة في زوايا غرفتك الرمادية. أنهض من فراشي متكاسلة وأنا لا أقوى على مفارقة السرير، وقد تعلقت به روحي المرهفة، أتقدم خطوات قليلة وافتح الباب الخشبي المتهالك الذي لطالما اعتدت تخيله ينهار أمامي بعد ان تتمكن منه الشيخوخة ويقتلع روحه الزمن...أغادر المنزل بسرعة وانا أصنع تعبيرا مشؤوم على وجهي ليس تصنعا بل انها طبيعة شخصيتي
الشخصية المختلفة قليلا عن العادة.
لكن لما؟
أنه الظلام الذي يحوم بي في كل خطوة اخطوها خارج باب غرفتي القاتمة والذي يجب علي انه أواجه وحدي دون احد. فقط انا وإحدى شخصياتي التي أرتدي لواءها عندما اشعر بالخطر، الخوف، الشك وتغطي عيوني جلالة، تصيبني بالدوار...... ها أنا وكل الخوف متوغل في قلبي أخاف من الذي ينتظرني. ثماني أشهر وانا اشعر بنفس الشيء في كل مرة أقترب من ذلك المكان وتتسارع دقات قلبي ... لكني استجمع شجاعتي وارجو ان يكون يوما يسيرا آخر وروتنا خاطفا مملا تتلاشى ذكرياته بعد برهة.

-" يبدو أن الورم ينتشر أكثر في أجزاء مختلفة من الدماغ". يقول الطبيب في صوت يائس ثم يطلق تنهيدة قصيرة ويكمل، هل أنت واثقة أنك لا تريدين إجراء العملية؟ هناك نسبة لنجاحها لكن إن رفضتي الآن لا يمكنك التراجع فيما بعد.
-" لا، لا أريد أعتقد أني فقط سأقضي آخر أيام أستمتع بها مع من أحب". أقول والابتسامة تعتلي وجهي وبنظرات حنونة.
أنهض من مكاني مغادرة المشفى الذي عقدت العزم ألا أعود إليه مجددا وأتوجه نحو بيتي لأرى من أحب وأستمتع بآخر أيامي معه كما وعدت...

طفلة صغيرة تبدو في الخامسة او الرابعة من العمر، ترتدي ثياب زهرية جميلة تتخللها ألوان زاهية تشعرني بدفء الربيع وعلى رأسها قبعة صوفية بيضاء تغطي رأسها الأصلع، تضحك وتلعب ها هنا وهناك بعيون بريئة بعد أن تساقطت رموش كانت تزينها.
أنه محزن أليس كذلك؟
لكن يسعدني كونها تتلقى العلاج.

بعد مدة، اعود إلى بيتي منهزمة من معركة دامية أحارب فيها أفكاري الباهتة أود لو أمسك مسدسا بطلقة واحدة تخترق جوف جمجمتي وتفجر دماغي الأحمق. هذا ما شعرت به لوهلة إلى أن فتحتُ الباب ليقابلني فتمتمت.
-فقط انا وأنت وصوت العصافير العائدة لأعشاشها بعد يوم متعب وطويل، نترقب هروبها خلف الأفق والتهامها، في لحظة فاتنة تغرقك بحنينها. فتنظر إلي بشوق و تودعني، كأنك تعلمني بأن الأوان قد حان لأغادر هذه الحياة الرمادية، بعد أن أهلكني فرط الانزواء والتفرد، و طغى علي السواد....
حل الليل وارتدت الأجواء لباسها المزركش بأنوار المدينة في ظلمته الحالكة، لقد غادرني، تاركا وراءه مخلفات عاصفة هوجاء أصابت حياتي فجأة ورحل دون ان ينبس ببنت شفة ...

"أريد ان اعاتبك على خوفي الشديد أريد ان ألومك على الألم الذي غرسته في قلبي، لقد جعلتني مذعورة من كل ما يقربني"....

اشعر بأني أريد ان استفرغ، شيء ما يتقلب في معدتي. ربما بسبب نظامي الغذائي المتهالك، يصيبني الدوار وأسقط مغشيا علي فيتوقف جسدي عن الحراك ...

اتذكر كلام الطبيب لي وأني سأعاني من غثيان استفراغ، هلوسة وصعوبة في التنفس وخدران الأطراف .... فأنا في مرحلتي الأخيرة.
-" لا مشكلة لست سوى رقم آخر ينتظر اختفاءه من هذا العالم الواسع حيث ان أحد لن يهتم لأمره او يفتقد غيابه ".
في الصباح استيقظ بصداع شديد في رأسي، كسكير بعد ليلة جامحة.
اتوجه نحول المطبخ لأشرب القليل من المياه عساها توقظني من سباتي، وتساعدني على بدأ يومي، لسبب أجهله شعرت برغبة في الخروج وتجول قليلا بين احياء "دايغو". المدينة التي لطالما احببتها، احببت مناظرها واجواءها لذا قررت ان اعيش آخر لحظاتي فيها.

امتنعت عن قيادة سيارتي هذا اليوم، أريد ان امشي قليلا واشتم نسيمها قبل ذهابي لوسط المدينة المزدحم،
بينما اتجول بين الأحياء البكماء
لا يسمع لها صوت هادئة خالية.
تعترني ذكريات وددت نسيانها (صوت تحطيم الزجاج، طلقات نارية تفجر دماغ امرأة طاعنة في السن. نظرة هلع خلف باب الخزانة الصغير، ويد يملأها السواد تمتد نحوي لتبلعني).
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.