عند الغروب؛ ويبدو أنَّ « تمبل جاردنز » كان فلامبو وصديقه القَسُّ يجلسان في مُتنزَّه
حيٍّا مرموقًا لرجال القانون الإنجليزي) « تمبل » وجودهما في هذه المنطقة (حيث تُعد منطقة
أو تأثيرًا عابرًا آخر من هذا القبيل، قد حَوَّل حديثهما إلى بعضمسائل الإجراءات القانونية؛
إذ تطرَّقا في البداية إلى مشكلة الانحرافات في استجواب الشهود، ثم شردا بحديثهما إلى
التعذيب في العصر الروماني والقرون الوسطى، وصولًا إلى ممارسات قُضاة التحقيق في
الاستجواب باستخدامِ وسائلَ عنيفةٍ لاستخراجِ معلوماتٍ أو ) « الدرجة الثالثة » فرنسا و
اعتراف) في أمريكا.
لقد قرأتُ عن طريقة القياس النفسي الحديثة التي يتحدثون عنها » : وقال فلامبو
كثيرًا، لا سيما في أمريكا. تعرف ما أقصده؛ حيث يضعون مقياسًا للنبض على مِعصَم
الرجل، ويحكمون عليه وفقًا لتغيُّر نبضات قلبه عند نُطق بعضالكلمات، فما رأيكَ في هذه
«؟ الطريقة
أعتقد أنَّها مثيرةٌ جدٍّا للاهتمام؛ فهي تُذكِّرني بتلك الفكرة المثيرة » : أجاب الأب براون
التي ظهرت في العصور المظلمة، والتي كان مفادها أنَّ الدم سيتدفَّق من الجثة إذا لمسها
«. القاتل
«؟ هل تقصد أنَّك تعتقد أنَّ الطريقتَين بالقدْر نفسه من القيمة » : فسأله صديقُه
بل أعتقد أنَّ كلتَيهما عديمة الفائدة على حدٍّ سواء؛ فالدمُ يتدفَّقسريعًا » : فقال براون
أو بطيئًا، في الموتى أو الأحياء، لعدة ملايين من الأسباب التي تفوق معرفتنا؛ لذا يجب أن
يتدفَّق الدم تدفُّقًا غريبًا للغاية أو يصعد إلى قمة ماترهورن، على سبيل المثال، قبل أن
«. أعتبره علامةً على هُوية مَن سَفكَه
«. لكنَّ بعضأعظم العلماء الأمريكيين أكَّد موثوقية هذه الطريقة » : فعلَّق فلامبو قائلًا
ما أطغى عواطفَ العلماء! وما أشدَّ تأثُّر العلماء » : وهنا تعجَّب الأب براون قائلًا
الأمريكيين بعواطفهم! مَن عساه يُفكِّر في إثبات أيِّ شيء بناءً على نبضات القلب باستثناء
الأمريكيين؟ يا إلهي، لا بد أنَّهم عاطفيون مثل الرجل الذي يعتقد أنَّ المرأة تحبه إذا احمرَّت
وجنتاها. هذا اختبارٌ قائم على الدورة الدموية، التي اكتشفها ويليام هارفي الخالد، لكنَّه
«. اختبارٌ فاسد للغاية أيضًا
«. ولكن من المؤكَّد أنَّ ذلك ربما يشير إشارةً مباشِرةً إلىشيءٍ مُعيَّن » : ألحَّ فلامبو قائلًا
ثَمَّةَ عيبٌ في العصا التي تشير مباشرةً إلى اتجاهٍ ما، أتعلم ما هو؟ أنَّ » : أجاب براون
طرفها الآخر دائمًا ما يشير إلى الاتجاه المعاكس. إن الأمر يعتمد على ما إذا كنتَ تُمسك
ثم «. بالعصا من طرفها الصحيح. رأيت ذلك يحدث ذات مرة، ولم أوُمن به منذ ذلك الحين
استكمل حديثه ساردًا قصة تَحَرُّره من هذا الوهم.
حدثت وقائع هذه القصة قبل ذلك بحوالي ٢٠ عامًا، حين كان قَسٍّا مُلحقًا بأحد
السجون في مدينة شيكاجو وكان يُقدِّم خدماتٍ دينية لأشخاصٍمن ديانته نفسها في ذلك
السجن، حيث كان لدى السجناء من أصولٍ أيرلندية قدرةٌ على ارتكاب الجرائم والتوبة
في الوقت نفسه، وهو ما أبقاه منشغلًا إلى حدٍّ ما بمساعدتهم على التوبة. وكان المسئول
الثاني تحت مأمور السجن محققًا سابقًا يُدعى جريوود أشر، وكان فيلسوفًا أمريكيٍّا شديد
الشحوب والنحافة ينتقي كلماته بحرص، وكانت قَسَمات وجهه تتباين أحيانًا بين ملامحَ
جامدةٍ للغاية وتجهُّمٍ دفاعي غريب. وكان يحب الأب براون بطريقةٍ سلطوية قليلًا، وكذلك
كان الأب براون يحبه، مع أنَّه كان يكره نظرياته التي كانت معقدةً للغاية، والتي كان
يضع فرضيَّاتها ببساطةٍ مفرطة.
في مساء أحد الأيام، استدعى القسَّ الذي جلس كعادته في صمتٍ أمام طاولةٍ مكتظة
بالأوراق المُكدَّسة والمتناثرة، وانتظر. ثم اختار المسئول من بين الأوراق المتناثرة قُصاصةً
من إحدى الصحف سلَّمها إلى القسِّ الذي قرأها بتمعُّن. وبدا أن القُصاصة مقتطفةٌ من
إحدى أبرز صحف المجتمع الأمريكي، وجاء فيها:
أشهر أرمل في المجتمع يُقيم مأدُبةَ عَشاءٍ تنكريةً فخمة مرةً أخرى. وستُعيد
هذه المأدبة إلى أذهان جميع مواطنينا الأثرياء من الطبقة الراقية العَشاء الذي
شهد جلوس المدعوات الشابات على عددٍ من عربات الأطفال الصغيرة، والذي
جعل فيه لاست تريك تود، في منزله الفخم بضيعة بيلجريمز بوند، الكثير من
بناتنا البارزات اللواتي بلغن مرحلة النضج للتو يَبدونَ أصغر من أعمارهن.
وعلى القدْر نفسه من الفخامة وبدرجةٍ أكبر من التنوُّع واستعراضالكرم أمام
المجتمع، كانت مأدبة الغداء الاستعراضية الشهيرة التي أقامها لاست تريك في
العام السابق، والتي شهدت محاكاةً ساخرة لأكل لحوم البشر، حيث وُزِّعَت
حلويات في شكل أرجُل وأذرُع بشرية على المدعوِّين، فيما سُمِع واحدٌ من أمرح
مُفكِّرينا وهو يعرض التهام زوجته. وما زالت الطرفةُ التي ستُسْتوحى منها
أحداث هذه الأمسية القادمة كامنةً في فِكر السيد تود المتحفِّظ قليلًا، أو ربما
تكون مكنونةً في صدور أمرح قادة مدينتنا المُقلَّدة بالحُلِي؛ ولكن ثَمَّةَ حديثًا
عن أنَّها ستكون محاكاةً ساخرة لطيفة للآداب والعادات البسيطة في الشرائح
الواقعة على الطرف الآخر من الميزان المجتمعي. ومن المنتظر أن تكون هذه
الأمسية مثيرةً؛ نظرًا إلى أنَّ تود المضياف سيستضيف اللورد فالكونروي الرحالة
الشهير، وهو أرستقراطي أبًا عن جدٍّ أتى مؤخرًا من بساتين البلوط في إنجلترا.
وقد بدأت رحلات اللورد فالكونروي قبل استرداده للقبه الإقطاعي القديم، وعاش
فترة شبابه في الولايات المتحدة، وهناك أقاويلُ هامسةٌ بأنَّ ثَمَّةَ سببًا خبيثًا وراء
عودته. سيشهد الحفل كذلك حضور الآنسة إيتا تود، التي تُعَد واحدةً من بنات
نيويورك العطوفات، والتي قد ورثت فجأةً ثروةً تُقدَّر بمليار ومائتَي مليون
دولار.
«؟ حسنًا، هل يثير ذلك اهتمامك » : ثم سأل أشرالأب براون قائلًا
يا إلهي، تعجز الكلمات عن التعبير عمَّا أشعر به. ولا أظن في » : أجاب الأب براون
هذه اللحظة أنَّ أيشيءٍ في الدنيا سيكون أقلَّ إثارةً لاهتمامي من الفقرات الواردة في هذه
القُصاصة. وإذا لم يكن غضب سلطات الولايات المتحدة، الذي سيكون مُبرَّرًا في هذه الحالة،
سيؤدي في النهاية إلى إعدام الصحفيين لكتابتهم مقالاتٍ كهذه، فلا أفهم على الإطلاق لماذا
«. تثير اهتمامك أيضًا
قال السيد أشربنبرةٍ جافة، وهو يُسلِّم الأب براون قُصاصةً أخرى من إحدى الصحف:
«؟ آه! حسنًا، هل يثير ذلك اهتمامك »
جريمة قتلٍ وحشية تودي بحياة حارس » كان عنوان الفقرة الواردة في القُصاصة
سُمِعت صرخة استغاثة قُبيل فجر هذا الصباح في » : وجاء فيها ،« سجن. هروبُ مُدان
المستعمرة العقابية بمدينة سيكوا في هذه الولاية. عَثرَتِ السلطات، التي هُرعَت نحو اتجاه
الصرخة، على جثة حارس السجن الذي كان يحرس الجزء العلوي من السور الشمالي
للسجن، الذي يُعد المَخرج الأصعب والأعلى ارتفاعًا، والذي دائمًا ما وجدت السلطات أنَّ
حارسًا واحدًا كان كافيًا لحراسته، لكنَّ الحارس التعيس الحظ رُمِيَ من فوق السور
الشاهق، وبدا دماغه كما لو كان مضروبًا بهِراوة، فيما كان مسدسه مفقودًا. وبعد إجراء
مزيدٍ من الاستقصاء، اتضح أنَّ إحدى الزنزانات كانت فارغة، وكان السجين الذي يقبع
فيها همجيٍّا متجهم الوجه يُدعى أوسكار ريان. وصحيحٌ أنَّه كان محتجزًا فترةً مؤقتة
بسبب اعتداءٍ تافه نسبيٍّا، لكنَّه أعطى الجميع انطباعًا بأنَّه رجلٌ ذو ماضٍأسود ومستقبلٍ
خَطِر. وحين كشف ضوء النهار جميع جوانب مسرح الجريمة أخيرًا، وُجِد أنَّه كتب على
لقد كان هذا دفاعًا » : السور فوق الجثة جملةً متقطعة بإصبعٍ مغموسفي الدم على ما يبدو
عن النفس؛ فهو كان يحمل مسدسًا. لم أكن أنوي إيذاءه ولا إيذاء أي رجلٍ آخر، باستثناء
لا شكَّ أنَّ هذا الرجل «. شخصٍ واحد. أدَّخِرُ الرصاصة من أجل بيلجريمز بوند—أو آر
استخدم أبشع حيلةٍ شيطانية غادرة أو أشد طريقةٍ وحشية وجرأة جسدية هائلة ليهرب
«. عنوةً عَبْر سورٍ كهذا بالرغم من وجود رَجُلٍ مُسلَّح
حسنًا، لقد تحسَّن الأسلوب الأدبي إلى » : وهنا اعترف القَس بأساريرَ منفرجة قائلًا
حدٍّ ما، لكنني ما زلتُ لا أفهم ما يمكنني فعله لك. لا بد أنني سأبدو كالأبله أمام الجميع،
بساقيَّ القصيرتَين، وأنا أجري في أنحاء هذه الولاية باحثًا عن قاتلٍ ذي بنيةٍ جسدية قوية
كهذا. أشك في أن يتمكن أي شخصٍ من العثور عليه؛ فالمستعمرة العقابية في سيكوا تقع
على بعد ثلاثين ميلًا من هنا؛ والمنطقة الواقعة بين هنا وهناك وعرة ومعقدة إلى حدٍّ كبير،
أمَّا المنطقة الواقعة وراءها، التي سيقوده حدسه نحو الذهاب إليها بالتأكيد، فهي منطقة
«. مهجورة تمامًا تنحدر نحو البراري. قد يكون موجودًا في أيِّ حفرةٍ أو فوق أيِّ شجرة
«. إنه ليس في أيِّ حفرة، ولا فوق أيِّ شجرة » : قال المأمور
«؟ عجبًا، كيف تعرف » : تساءل الأب براون وهو يختلس النظر إليه
«؟ هل ترغب في التحدُّث إليه » : سأله أشر
هل هو هنا؟ يا إلهي! كيف » : وهنا اندهش الأب براون فاغرًا عينَيه البريئتَين، وقال
«؟ أمسك به رجالك
فقال الأمريكي متشدقًا وهو ينهض ويمد ساقَيه النحيفتَين بتكاسل أمام المدفأة:
أمسكته بنفسي. قبضتُ عليه بالطرف الملتوي لعُكَّازي. لا تندهش. لقد فعلتُ ذلك حقٍّا. »
تعرفُ أنني أتمشَّى أحيانًا في طُرُقات البلدة خارج هذا المكان الكئيب؛ حسنًا، في وقتٍ
مبكر من هذا المساء، كنت أتمشَّى في زقاقٍ منحدر على جانبيه أسيجةٌ داكنة من أغصان
الشجيرات وحقولٌ محروثة رمادية اللون، بينما كان قمرٌ جديد في السماء يُنير الطريق
بضوءٍ فضي. وعلى ضوء ذلك القمر، رأيتُ رجلًا يركضعبر الحقل باتجاه الطريق، حانيًا
جسده ومُهرولًا بخُطا عدَّائي سباقات الميل الواحد. كان يبدو منهكًا بشدة، ولكن حين وصل
إلى سياج الشجيرات الأسود الكثيف، مَرَّ خلاله كما لو كان مصنوعًا من شِبَاك العناكب، أو
بالأحرى كما لو كان هو نفسه مخلوقًا من صخر (لأنني سمعت الأغصان القوية تنكسر
وتُقضَم مثل حِراب البنادق). وفي اللحظة التي ظهر فيها في نطاقضوء القمر، وبينما كان
يعبُر الطريق، علَّقتُ الجزء الملتوي من عكازي في ساقَيه، فجعلته يتعثَّر ويسقط أرضًا. ثم
«. أطلقتُ من صافرتي صفيرًا طويلًا وعاليًا، فهَبَّ رجالنا راكضين ليوثقوه
لكنَّ الموقف كان سيُصبح مُحرجًا نوعًا ما لو اكتشفتَ بعدما أسقطتَه » : قال براون
«. أنَّه كان رياضيٍّا شهيرًا يتدرَّب على سباق الميل الواحد
لم يكن كذلك؛ إذ سرعان ما اكتشفنا هويته، لكنني كنتُ قد » : فقال أشر بتجهُّم
«. خمَّنتُها بالفعل حالما سقط وميضالقمر عليه
ظننتُ أنَّه المدان الهارب؛ لأنَّك كنتَ قد قرأتَفي قُصاصة الصحيفة » : قال القسببساطة
«! في هذا الصباح أنَّ أحد المُدانين قد هرب
بل كانت لديَّ أسبابٌ أفضل نوعًا ما. سأتجاوز السبب الأول لأنَّه » : أجاب المأمور بهدوء
في غاية البساطة لدرجةٍ تُغني عن توضيحه؛ أعني أنَّ الرياضيين المألوفين لا يركضون عَبْر
الحقول المحروثة أو يخدشون عيونهم بالمرور داخل أسيجة أغصان الشجيرات المتشابكة.
ولا يركضون بأجسادٍ منحنية كالكلاب الرابضة. كان ثَمَّةَ المزيد من التفاصيل التي لا
تلاحظها إلا عينٌ متمرسة جيدًا؛ فالرجل كان يرتدي ثيابًا خشنة رثَّة، لكنَّها لم تكن كذلك
فقط، بل كانت غير مناسبة على الإطلاق لحجم جسده لدرجة أنَّها بدت في غاية الغرابة،
وحتى عندما ظهر كخيالٍ أسود فيضوء القمر، جعلته ياقة المعطف الذي كان رأسه مدفونًا
فيه يبدو شخصًا أحدب، فيما جعلَته الأكمام الطويلة الفضفاضة يبدو كما لو كان شخصًا
مبتور اليديَن. وحينئذٍ، خَطَر على بالي فورًا أنَّه كان قد تمكَّن بطريقةٍ ما من تبديل ملابس
السجن التي كان يرتديها بملابسِ شريكٍ متواطئ معه، لم تكن مناسبةً لجسده. وثانيًا،
كان هناك رياحٌ شديدة تهب عكس الاتجاه الذي كان يركض فيه؛ أي إنني كنت سأرى
شعرًا متطايرًا بالتأكيد لو لم يكن شعره قصيرًا جدٍّا، ثم تذكَّرت أنَّ وراء هذه الحقول
المحروثة التي كان يركض عبرها تقع ضَيْعة بيلجريمز بوند، التي ذكر المُدان أنَّه يدَّخر
«. رصاصته من أجلها (كما تتذكر)، وحينئذٍ، استخدمتُ عكازي للإيقاع به
هذه عيِّنةٌ رائعة من الاستنتاج السريع، ولكن هل كان بحوزته » : قال الأب براون
«؟ مسدس
حسبما أعرف، الرصاصليس » : وهنا توقَّف أشرفجأةً، فأضاف القس بنبرة معتذرة
«. مفيدًا على الإطلاق من دون مسدس
لم يكن بحوزته مسدس، ولكن من المؤكَّد أنَّ ذلك كان بسبب سوء » : قال الآخر بجدية
حظٍّ طبيعي جدٍّا أو تغيير في الخطط. وربما يكون التوجه الذي جعله يُغيِّر الملابس هو
نفسه الذي جعله يتخلى عن المسدس؛ لقد بدأ يندم على المعطف الذي كان قد تركه وراءه
«. مُلطَّخًا بدم ضحيته
«. حسنًا، هذا ممكن بدرجةٍ كافية » : أجاب القَسُّ
الأمر لم يعُد يستحق مواصلة التكهُّن؛ » : فقال أشر ممسكًا بعض الصحف الأخرى
«. لأنناصرنا الآن نعرف أنَّه الشخصالمطلوب
وحينئذٍ، رمى جريوود أشر «؟ ولكن كيف » : سأله صديقه القس بصوتٍ خفيض
الصحف وأمسك القُصاصتَين مرةً أخرى.
حسنًا، نظرًا إلى أنَّك عنيدٌ جدٍّا، فلنبدأ من البداية. لعلَّك لاحظت أنَّ هاتين » : وقال
القُصاصتَين تشتركان في شيءٍ واحد فقط، وهو ذِكر ضيعة بيلجريمز بوند، التي يملكها
المليونير إريتون تود، كما تعلم. ولعلَّك تعرف أيضًا أنَّه شخصيةٌ بارزة؛ واحد من أولئك
«… الأشخاصالعصاميين
من » : مثلما قال الشاعر ألفريد تينيسون » : فأكمل رفيقه مصدقًا على كلامه قائلًا
«. نعم، أعرف ذلك. وهذا بفضل النفط على ما أظن «. ذواتنا الميتة إلى مراتبَ أعلى
على أي حال، يُمثِّل لاست تريك تود خيطًا مهمٍّا جدٍّا في هذه القضية » : قال أشر
«. الغريبة
ثم تمطَّى مرةً أخرى أمام نيران المدفأة، وواصل الحديث بأسلوبه المستفيض
التوضيحي المتألق.
بادئ ذي بدء، يبدو في ظاهر الأمر أنَّه لا يُوجد لغزٌ هنا على الإطلاق؛ فليس » : قال
غامضًا، ولا حتى غريبًا، أن يأخذ سجينٌ مسدسه ويذهب إلى بيلجريمز بوند. إن شعبنا
ليس كالإنجليز، الذين سيسامحون رجلًا على ثرائه إذا بدَّد أمواله على المؤسسات الخيرية
أو الخيول. لقد بنى لاست تريك مكانته العظيمة بقدراته الهائلة، ولا شكَّ أنَّ الكثيرين ممَّن
استعرض قدراته عليهم يرغبون في استعراض قدرتهم عليه ببندقية؛ لذا ربما يُقتَل تود
ببساطةٍ على يدِ شخصٍلم يسمع عنه قَط؛ كأحد العمال الذين أوقفهم عن العمل، أو أحد
الموظفين في إحدى الشركات التي تسبَّب في إفلاسها. وصحيحٌ أنَّ لدى لاست تريك مواهبَ
عقليةً فطرية فذَّة وأنه شخصيةٌ عامة بارزة، لكنَّ العلاقة بين أصحاب العمل وموظفيهم
«. في هذا البلد متوترة إلى حدٍّ كبير
وهكذا يبدو الأمر برمته بافتراضأنَّ ريان هذا تمكن من الوصول » : ثم استأنفحديثه
إلى بيلجريمز بوند ليقتل تود. أو هكذا بدا لي، حتى أيقظ اكتشافٌ صغير آخر رُوحَ المحقق
بداخلي؛ فحين تيقنتُ من إحكام القبضعلى السجين الهارب، أمسكتُ عُكَّازي مرةً أخرى
وتمشيتُ في طريقٍ فرعي به منعطفان أو ثلاثة أوصلني إلى أحد المداخل الجانبية لضيعة
تود، وهو المدخل الأقرب إلى البِركة أو البحيرة التي سُمِّيَ المكان باسمها. كان ذلك قبل
حوالي ساعتَين؛ أي في الساعة السابعة تقريبًا، وكان ضوء القمر أكثر سطوعًا، فاستطعت
رؤية أشعته البيضاء الطويلة ساقطةً على البحيرة الغامضة بشواطئها الرمادية اللزجة
الموحلة، التي يُقال إنَّ آباءنا كانوا يجعلون الساحرات يمشين فيها حتى يغرقن. لا أتذكر
تفاصيل هذه القصة بالضبط، لكنَّك تعرف المكان الذي أعنيه، إنَّه يقع شمال منزل تود
باتجاه البراري، وفيه شجرتان مجعَّدتان غريبتان منظرهما شديد الكآبة لدرجة أنَّهما
أشبه بفِطرَينضخمَين لا نبتتَين عاديتَين. وبينما كنت أقف ناظرًا إلى هذه البِركة الغامضة،
تخيَّلتُ أنني لمحتُ خيالًا باهتًا لرَجُلٍ يتحرك من المنزل نحوها، لكنَّه كان باهتًا وبعيدًا
جدٍّا لدرجة أنني لم أستطعِ التيقُّن من حقيقته، ولا تفاصيله. وبالإضافة إلى ذلك، انجذب
انتباهي بشدة إلى شيءٍ أقرب بكثير؛ إذ جثمت خلف السياج الذي لم يكن يبعد أكثر من
مائتَي ياردة عن أحد أجنحة القصرالكبير، الذي كان به فراغاتٌ عند بعضأجزائه لحسن
الحظ، كما لو كان مُصمَّمًا خصِّيصى للمُراقبة من خلاله. ورأيت بابًا يُفتَح في الجزء
المظلم من الجناح الأيسر، وظَهَر خيالٌ أسود أمام الجزء الداخلي المُضاء من القصر؛ خيال
شخصٍ مُلفَّع منحنٍ إلى الأمام، ومن الواضح أنَّه كان يُحدِّق في ظلام الليل، فأغلق الباب
خلفه ورأيتُ أنَّه كان يحمل مشكاةً ألقت بصيصًا من الضوء على ثياب وشكل حاملها.
بدا أنَّها هيئةُ امرأةٍ ملفوفةٍ بعباءةٍ فضفاضة رثَّة، ومن الواضح أنَّها كانت مُتخفيةً لتجنُّب
لفت الانتباه إليها؛ إذ كانت هناك غرابةٌ شديدة في خروجِ شخصٍ من هذه الغرف المطلية
بالذهب خفيةً بتلك الثياب الرثَّة. سَلَكَت المسار المنحني عبْر الحديقة بخطواتٍ حذرة إلى
أن أصبَحَت على بُعد حوالي خمسين ياردة منِّي، ثم وقَفَت بُرهةً في الشُّرفة العشبية المُطِلة
على البِركة الموحلة، وظلَّت تؤرجِح المشكاة المشتعلة التي كانت تحملها فوق رأسها يمينًا
ويسارًا ثلاث مرات، كما لو كانت تبعث بإشارةٍ ما. وبينما كانت تؤرجِح المشكاة في المرة
الثانية، سقط وميض ضوئها لوهلةٍ على وجهها، الذي اتضح أنني أعرفه. كانت شاحبةً
شحوبًا غير طبيعي، ورأسها كان مُلفَّعًا بوشاحٍ رثٍّ مستعار؛ لكنني متيقنٌ من أنَّها كانت
«. إيتا تود، ابنة المليونير
عادت أدراجها خُفيةً كما أتت، وأغلِقَ الباب خلفها مرةً أخرى. وكُنتُ » : واستطرد قائلًا
على وشك تسلُّق السياج وتعقُّبها، لكنني أدركتُ حينئذٍ أنَّ فضول المحققين الذي جذبني
إلى هذه المغامرة كان مُخجِلًا إلى حدٍّ ما، وأنني كنت أسيطر على زمام الأمور بالفعل بصفةٍ
أكثر رسمية. ما إن هممتُ بالابتعاد عن المنزل حتى سمعتُ ضجيجًا جديدًا يخترق سكون
الليل؛ إذ فُتِحَت إحدى النوافذ بُعنفٍ في أحد طوابق القصرالعلوية، لكنَّها كانت في زاوية
المنزل؛ لذا لم أستطع رؤيتها، وسمعتُ صرخةً مميزة رهيبة عبْر الحديقة المُظلمة لرجلٍ
يسأل عن مكان اللورد فالكونروي؛ لأنَّه لم يكن موجودًا في أيٍّ من غُرفالقصر. لم يكن من
الممكن أن أخطئ ذلك الصوت؛ فقد سمعته من قبلُ في العديد من الفعاليات السياسية أو
اجتماعات المديرين؛ لقد كان صوت إريتون تود نفسه. وبدا أنَّ بعضالأشخاصالآخرين
رَدُّوا عليه، من النوافذ السفلية أو من على سُلَّم القصر، بأنَّ فالكونروي قد خرج ليتمشَّى
في ضيعة بيلجريمز بوند قبل ساعة، ولم يُرَ منذ ذلك الحين؛ وحينئذٍ، صرخ تود قائلًا:
وأغلق النافذة بقوة، ونزل على السلَّم الداخلي بخطواتٍ عنيفة لدرجة «! جريمة قتل شنعاء »
أنني كان بوسعي أن أسمع وَقع قدميه. وإذ ذكَّرتُ نفسي بهدفي السابق الحكيم، تراجعتُ
سريعًا عن نية إجراء التفتيش العام الذي يجب أن يُجرى بعد أحداثٍ كهذه، وعُدتُ إلى هنا
«. قبل الساعة الثامنة
والآن أطلب منك أن تتذكر الفِقرة الصغيرة التي كانت تتحدث عن المجتمع » : ثم قال
الأمريكي، والتي بدت لك غير مثيرة للاهتمام إلى حدٍّ مُحبِط. إذا لم يكن المُدان يدَّخر
الرصاصة من أجل تود، كما اتضح أنَّه لم يكن كذلك بالفعل، فالأرجح أنَّه كان يدَّخرها من
أجل اللورد فالكونروي؛ ويبدو أنَّه نفَّذ هدفه. فلا يُوجد مكانٌ أسهل لإطلاق النار على رجلٍ
من المنطقة ذات الطبيعة الجيولوجية الغريبة المحيطة بهذه البِركة، حيث ستغرق الجُثة
الملقاة فيها عبْر الوحل السميك إلى عُمقٍ مجهول تقريبًا؛ لذا دعنا نفترضأنَّ صديقنا المُدان
الحليق الرأس جاء ليقتل فالكونروي وليس تود. ولكن، كما أشرتُ سلفًا، يُوجد العديد من
الأسباب التي قد تجعل بعض الأمريكيين يريدون قتل تود. بينما لا يُوجد أي سبب قد
يدفع أي شخصٍفي أمريكا إلى قتل لورد إنجليزي وصل إلى البلاد مؤخرًا، باستثناء السبب
وهو أنَّ اللورد يضع عينَيه على ابنة المليونير. ولا بُد أنَّ ؛« سوسايتي » المذكور في صحيفة
«. صديقنا الحليق الرأس عاشقٌ طموح، بالرغم من ملابسه التي لا تناسب حجم جسده
أعرف أنَّ الفكرة ستبدو لك منفرة بل مُضحِكة، ولكن هذا لأنَّك » : واستطرد قائلًا
إنجليزي؛ فهذا يبدو لك كما لو أنني أقول إنَّ ابنة رئيس أساقفة كاتدرائية كانتربري
ستتزوج كَنَّاسًا مُفرَجًا عنه من السجن بوثيقة إفراجٍ مشروط في كنيسة سان جورج
هانوفر سكوير. إنك لا تُقدِّر قوة الارتقاء والطموح التي يتمتع بها مواطنونا البارزون حق
قدرها؛ فحين ترى رجلًا رمادي الشعر في ملابسسهرة وبمظهرٍ يوحي بأنَّهصاحب سلطة
ونفوذ، تعرف أنَّه أحد أقطاب الدولة، وتتخيَّل أنَّه من أسرةٍ نبيلة المحتد. لكنَّك مُخطئ؛
لأنَّك لا تُدرِك أنَّه ربما كان يعيش في مبنًى سكني عادي، قبل بضع سنوات، أو (من المرجح
جدٍّا) أنَّه كان قابعًا في أحد السجون؛ أقصد أنَّك لا تأخذ في الحسبان قدرة مواطنينا على
الصعود والارتقاء فوق الظروف الصعبة؛ فالعديد من مواطنينا الأكثر نفوذًا لم يرتقوا إلى
هذه المكانة مؤخرًا فحسب، بل ارتقَوا إليها في وقتٍ متأخر نسبيٍّا من حياتهم؛ فعلى سبيل
المثال، كانت ابنة تود قد أتمت الثامنة عشرة من عمرها حين جمع والدها أول مبلغٍ كبير
من المال؛ لذا فليس من المستحيل على الإطلاق أن يكون شخصٌطفيلي من الفئات المنبوذة
متعلقًا بها، أو حتى أن تكون هي متعلقةً به، حسب ما أعتقد بناءً على الموقف الذي رأيتها
تؤرجِح المشكاة فيه. وإذا كان الأمر كذلك، فربما تكون اليد التي أمسكتِ المشكاة على صلةٍ
«. باليد التي أمسكتِ البندقية. لا شكَّ، يا سيدي، أنَّ هذه القضية ستُحدِث ضجة
«؟ حسنًا، وماذا فعلت بعد ذلك » : قال القس بنبرةٍ صبورة
أعتقد أنَّك ستُصدَم بما فعلته لأنني أعرف أنَّك لا تُحب » : أجاب جريوود أشر قائلًا
إقحام العلم في هذه المسائل. إنني أحظى بقدرٍ كبير من حُرية التصرُّفهنا، وربما أستخدم
قَدرًا أكبر بقليل ممَّا أحظى به؛ ومن ثَمَّ، اعتقدتُ أنَّ هذه فرصةٌ ممتازة لتجربة آلة القياس
«. النفسي التي حدَّثتك عنها. والآن، أصبحتُ أرى أنَّ هذه الآلة لا يمكنها أن تخطئ
«. لا يمكن لآلةٍ أن تخطئ، ولا يمكنها أن تقول الحقيقة كذلك » : فقال الأب براون
بل قالتِ الحقيقة في هذه المرة، كما سأوضح لك. » : فواصل أشركلامه بإصرار، قائلًا
لقد أجلستُ الرجل الذي كان يرتدي ملابسَغير مناسبةٍ لجسده على كرسيٍّمريح، وببساطة
كتبتُ كلمات على سبورة؛ وسجلتِ الآلة التباينات في نبضه، وكل ما فعلتُه هو أنني لاحظتُ
سلوكه. تكمن الحيلة هنا في إدخال بعضالكلمات المرتبطة بالجريمة المفترضة في قائمةٍ من
الكلمات المتعلقة بشيءٍ مختلف تمامًا، لكنَّها يجب أن تبدو طبيعيةً في سياق هذه القائمة.
التي ) « فالكون » وحين كتبتُ كلمة ،« بومة » و « نسر » و « طائر البَلَشُون » وهكذا كتبتُ كلمات
تعني نسرًا)، بدا الرجل مرتبكًا للغاية، وعندما بدأت بإضافة حرف الراء في نهاية الكلمة،
قفز مؤشر هذه الآلة قفزة قوية. مَن أيضًا في هذه الجمهورية لديه أي سبب يجعل نبضه
يتغير عند ذِكر اسم رجلٍ إنجليزي وصل إلى البلاد حديثًا مثل فالكونروي باستثناء الرجل
الذي أطلق النار عليه؟ أليس هذا دليلًا أفضل من كثيرٍ من ثرثرة الشهود؛ ما دام صادرًا
«؟ من آلةٍ موثوقة
إنَّك دائمًا ما تنسى أنَّ الآلة الموثوقة يجب أن تُشغِّلها آلةٌ غير » : وهنا علَّق رفيقه قائلًا
«. موثوقة
«؟ عجبًا، ماذا تقصد » : فسأله المُحقِّق
أقصد الإنسان، الذي يُعد أكثر الآلات التي أعرفها افتقارًا إلى » : قال الأب براون
وصفًا مُسيئًا أو غير « إنسان » الموثوقية. لا أريد أن أكون وقحًا؛ ولا أعتقد أنَّك ستعتبر كلمة
دقيقٍ لشخصك. تقول إنَّك لاحظتَ سلوكه، ولكن ما الذي يُدريك أنَّك لاحظتَه بالطريقة
الصحيحة؟ وتقول إنَّ الكلمات يجب ألَّا تُثير ردَّة فعلٍ غيرَ طبيعية عند سماعها، ولكن ما
الذي يُدريك أنَّك شخصيٍّا لم تتصرف بطريقةٍ غير طبيعية عند سماعها؟ وفوق ذلك، ما
الذي يُدريك أنَّه لم يُلاحظ سلوكك؟ ومَن يُثبِت أنَّك لم تكن مضطربًا للغاية؟ إذ لم تكن
«. ثَمَّةَ آلةٌ متصلة بنبضك
أؤكِّد لك أنني كنت بارد الأعصاب » : صاح الأمريكي بأقصىدرجة من درجات الانفعال
«. للغاية
المجرمون كذلك بإمكانهم أن يكونوا باردي الأعصاب للغاية، » : قال براون بابتسامة
«. بدرجةٍ تضاهيك تقريبًا
حسنًا، هذا الرجل لم يكن كذلك. آه، أنت » : قال أشر وهو يرمي الصُّحُف في الهواء
«! تُتعبني
أنا آسف. كلُّ ما في الأمر أنني أشير إلى ما يبدو احتمالًا معقولًا. إذا كان » : قال الآخر
بإمكانك أن تُقرِّر، بناءً على سلوكه، أنَّ الكلمة التي قد تقوده إلى حبل المشنقة قد قيلت،
فلماذا لا يُمكنه أن يعتقد، بناءً على سلوكك، أنَّك كنت على وشك نُطق الكلمة التي قد تقوده
«. إلى المشنقة؟ ينبغي أن أطَّلع على دليلٍ أقوى من الكلمات بنفسيقبل أن أشنُق أي شخص
ضَرب أشرالمنضدة بقبضته، ووقف وقفة شخصٍ مُنتصرغاضب.
وهذا ما سأقدمه لك. لقد جربتُ الآلة أولًا فقط لكي أختبر ذلك الأمر » : وصاح قائلًا
«. بطُرُقٍ أخرى بعد ذلك. واتضح أنَّ الآلة على صواب يا سيدي
في الواقع، أودُّ أن » : توقف عن الكلام لبُرهة، قبل أن يستأنفه بحماسةٍ أقل قائلًا
أشُدِّد، فيما يتعلق بذلك، على أنني حتى ذلك الحد لم يكن لديَّ خيوطٌ يُمكن أن أبني
عليها استنتاجات، باستثناء التجربة العلمية. بالفعل لم يكن ثمة أيُّ دليلٍ ضد الرجل على
الإطلاق. صحيحٌ أنَّ ملابسه لم تكن مناسبةً لجسده، كما قُلتُ سلفًا، لكنَّها كانت أفضلَ
إلى حدٍّ ما من ملابس الطبقة الفقيرة التي من الواضح أنَّه ينتمي إليها. وبالإضافة إلى
ذلك، بغضالنظر عن كل البقع الناتجة عن ركضه عبر الحقول المحروثة أو إقحام نفسه
داخل أسيجة الشجيرات المُترَّبة، كان الرجل نظيفًا نسبيٍّا. وربما يعني هذا بالطبع أنَّه كان
هاربًا من السجن للتو، لكنَّه ذكَّرني أكثر بالوقار البائس الذي يتحلَّى به الفُقراء المحترمون
نسبيٍّا. وللأمانة، يجب أن أعترف أنَّ سلوكه كان متسقًا تمامًا مع سلوكياتهم؛ إذ كان
صامتًا ومُحترمًا مثلهم، وبدا أنَّ لديه مظلمةً كبيرة، لكنَّه يكتمها في نفسه، مثلما يفعلون.
وقد أقر بأنَّه لا يعرف شيئًا على الإطلاق عن الجريمة، والقضية برمتها، ولم يُظهِر شيئًا
سوى نفاد صبرٍ وتجهُّم في انتظار أيِّ شيءٍ منطقي يُمكن أن ينتشله من مأزقه السخيف.
وسألني أكثر من مرةٍ عمَّا إذا كان بإمكانه الاتصال بمحامٍ كان قد ساعده منذ فترةٍ طويلة
في نزاعٍ تجاري، وكانت جميع تصرُّفاته هي التصرُّفات التي تتوقعها من رجلٍ بريء. لم
يكن يُوجد أي شيء ضده على الإطلاق باستثناء ذلك المؤشر الصغير في الآلة الذي أشار إلى
«. تغيُّر نبضه
ثم كانت الآلة موضع التجربة يا سيدي؛ واتضح أنَّها كانت على » : واستطرد قائلًا
صواب؛ فبحلول الوقت الذي خرجتُ فيه معه من الغرفة الخاصة إلى الردهة التي كان
فيها أشخاصٌمن جميع النوعيات ينتظرون الاستجواب، أعتقد أنَّه كان قد توصَّل بالفعل
إلى قرارٍ شبه نهائي بتوضيح الأمور بالإفصاح عن اعترافٍ ما؛ إذ التفت نحوي، وبدأ يقول
آه، لم أعد أستطيع تحمُّل ذلك. وما دُمت مُصِرٍّا على معرفة كل شيءٍ » : بصوتٍ منخفض
««… عنِّي، ف
وفي هذه اللحظة نفسها، وقفَت إحدى النساء الفقيرات الجالسات على الدكَّة » : ثم قال
الطويلة، وصرخَت بصوتٍ عالٍ مُوجِّهةً إصبعها إليه. لم أسمع في حياتي صرخةً أوضح
وأشد شيطانية من هذه. وبدا أنَّ إصبعها النحيل يشير إليه كما لو كان مُسدسًا. ومع أنَّ
ما قالَته كان مجرَّدصراخ، فإنَّ كل مقطعٍ لفظي كان واضحًا كدقَّةٍ من دقات الساعة.
«! ديفيس المحتال! لقد قبضوا على ديفيس الذي يخدر النساء » : كانت تصرخ قائلةً
وحينئذٍ، التفتت إليه عشرون امرأة من بين النساء البائسات، اللواتي كان معظمهن
من السارقات والعاهرات، مُحدِّقاتٍ إلى وجهه بمزيجٍ من الفرحة والكراهية. وحتى لو كنت
أصم منذ ولادتي، لكان ينبغي أن أعرف من الصدمة الشديدة التي اعتلت ملامحه أنَّ ذلك
الشخصالمدعو أوسكار ريان قد سمع اسمه الحقيقي، لكنني لستُ جاهلًا إلى هذه الدرجة،
وأعرف أنَّك ربما تُفاجأ بسماع ذلك؛ فديفيس كان واحدًا من أفظع وأسوأ المجرمين الذين
حيَّروا شرطتنا على الإطلاق. ومن المؤكَّد أنَّه ارتكب جرائم قتل أكثر من مرة قبل جريمته
الأخيرة مع حارس السجن، لكنَّه لم يُقْبَض عليه بسببها على الإطلاق، والغريب في الأمر
أنَّ السبب وراء ذلك يكمن في أنَّه ارتكبها بالطريقة نفسها التي ارتكب بها تلك الجرائم
الأبسط — أو الأخف وطأة — التي كان يُقْبَض عليه بسببها في كثيرٍ من الأحيان؛ إذ كان
شابٍّا وسيمًا تبدو عليه أمارات حسن الخلق إلى حدٍّ ما، كما هو الآن، وكان معتادًا على
التسكُّع غالبًا مع نادلات الحانات وعاملات المتاجر والاحتيال عليهن وسَلب نقودهن، لكنَّه
فعل ما هو أفظع من ذلك في كثيرٍ من الأحيان؛ إذ كان يُعثَر على بعضالنساء فاقدات الوعي
نتيجة تناول موادَّ مُخدِّرة مدسوسةٍ في السجائر أو الشوكولاتة، قبل أن يتبيَّن أن جميع
مقتنياتهن مفقودة. ثم ظهرت قضيةٌ عُثِر فيها على فتاة ميتة، لكنَّ السلطات لم تتمكن من
إثبات نية القتل العمد، فيما كانت العقبة الأهم أنَّ المُجرم لم يُعثَر عليه. وأذكُر أنني سمعتُ
شائعةً عن ظهوره مجددًا في مكانٍ ما بشخصيةٍ مُعاكسةٍ هذه المرة؛ إذ كان يُقرِض المال
بدلًا من اقتراضه، لكنَّه كان يفعل ذلك أيضًا مع أراملَ فقيراتٍ لأنَّ شخصيته ربما كانت
تفتنهن، غير أنَّهن كُنَّ يلقَين المصير السيئ نفسه. حسنًا، ها هو الرجل الذي كنت تدعوه
بريئًا، وها هو سجِلُّه النظيف، بل إنه منذ تم احتجازه، تعرَّف عليه أربعة مجرمين وثلاثة
حُرَّاس، وأكَّدوا القصة. والآن، ما الذي تريد أن تقوله لآلتي الصغيرة المسكينة بعد ذلك؟
«؟ ألم تثبت الآلة جريمته؟ أم إنَّك تُفضِّل القول إنني وتلك المرأة قد فعلنا
بخصوصِ ما فعلته لذلك » : وَقَف الأب براون وهو يهُزُّ جسده بمرونةٍ، وأجاب قائلًا
الرجل، فإنَّك أنقذتَه من الإعدام بالكرسيالكهربائي؛ فأنا لا أعتقد أنَّهم سيُعدمون ديفيس
المحتال على خلفية تلك القصة الغامضة القديمة عن مقتل إحدى ضحاياه بالسُّم، أمَّا
بخصوص المُدان الذي قتل الحارس، فمن الواضح أنَّك لم تقبض عليه، حسب اعتقادي؛
«. فالسيد ديفيس بريءٌ من تلك الجريمة بأيِّ حالٍ من الأحوال
«؟ ماذا تقصد؟ ما الذي يجعله بريئًا من هذه الجريمة » : تساءل الآخر متعجبًا
يا إلهي، » : حينئذٍ، صاح الرجل ذو الجسد الصغير في لحظة انفعالٍ نادرة قائلًا
فلتباركنا جميعًا! عجبًا! ألأنَّه مُذنبٌ في الجرائم الأخرى، يكون مذنبًا في هذه الجريمة؟! لا
أعرف ممَّا خُلِقتم أيها الناس! يبدو أنَّك تعتقد أنَّ جميع الخطايا موضوعةٌ معًا في حقيبةٍ
واحدة. تتحدَّث كما لو أنَّ الشخصالبخيل يوم الاثنين دائمًا ما يكون مُبذِّرًا يوم الثلاثاء.
تخبرني أنَّ هذا الرجل الذي قبضتَ عليه أمضى أسابيعَ وشهورًا في الاحتيال على النساء
المحتاجات وسلب مبالغَ صغيرة من أموالهن، وأنَّه كان يستخدم مادةً مُخدِّرة في أحسن
الأحوال، وسُمٍّا في أسوأ الأحوال، وأنَّه ظهر بعد ذلك بشخصيةٍ مُرابية حقيرة، وخدع بعضًا
من أفقر النساء بنفس الأسلوب الصبور المُهادِن. حسنًا، لنفترضجدلًا أنَّه فعل كل ذلك.
إذا كان الأمر كذلك، فسأخبرك بما لم يفعله؛ لم يهرب عنوةً عبْر جدارٍ شائك يحرسه
حارسٌ مُسلَّح بمسدس محشو بالذخيرة، ولم يكتب على الجدار بيده معترفًا بأنَّه فعل
ذلك، ولم يقف ليُبرِّر ذلك بأنَّه كان دفاعًا عن النفس، ولم يوضِّح أنَّه لم تكن لديه خصومةٌ
مع الحارس المسكين، ولم يذكر اسم منزل الرجل الثري الذي كان يعتزم الذهاب إليه
بالمسدس، ولم يكتب الأحرف الأولى من اسمه بدمِ الرجل. يا إلهي! ألَا ترى أنَّ الشخصية
كُلَّها مختلفة تمامًا، في خيرها وشرها؟! عجبًا، لا يبدو أنَّك تُشبِهني ولو قليلًا. قد يظن المرء
«. أنَّك لم تقترف أي ذنبٍ
وهنا فتح الأمريكي المشدوه فمه، وكاد يَهُمُّ بالاعتراض على ما سمعه قبل أن يُقرَع
باب مكتبه الرسمي الخاصبقوةٍ ويهتز بفظاظةٍ لم يعهدها على الإطلاق.
فُتِح الباب بقوة. وقبل أن يُفْتَح الباب بلحظةٍ واحدة، كان جريوود أشر قد خلص
إلى أنَّ الأب براون ربما يكون مجنونًا، ولكن بعد فتحه بلحظةٍ واحدة، بدأ يظن أنَّه هو
نفسه مجنون؛ إذ اندفع إلى داخل مكتبه الخاصرجلٌ يرتدي ثيابًا رثَّةً للغاية ويعتمر قُبَّعةً
مهترئة مُلطَّخة ببقعٍ زيتية وغير مضبوطةٍ على رأسه، بينما كان يُوجد رَمَصٌ أخضرقذر
مُفرَزٌ من إحدى عينَيه، اللتَين كانتا تُحدِّقان بشراسةٍ كعينَي نَمِر. أمَّا بقية ملامح وجهه،
فلم تكن واضحة تقريبًا؛ إذ كان يغطيها لحية ملبدة وشارب كان أنفه بالكاد يظهر منه،
بينما كان ما بقي من وجهه مُغطٍّى بوشاحٍ أو منديلٍ أحمر قذر. كان منظره غريبًا لدرجة
أنَّ السيد أشر، الذي لطالما تباهى برؤية أشدِّ الأشخاصفظاظةً في الولاية، اعتقد أنَّه لم يَرَ
شخصًا أشبه بقرد الرُّبَّاح ويرتدي ثياب خيالِ مآتةٍ كهذا، لكنَّ الأهم من ذلك أنَّه لم يسمع
طوال حياته المهنية الهادئة شخصًا كهذا يبادره بالحديث.
أصغِ إلى كلامي أيها العجوز » : صرَخ هذا الكائن الذي يرتدي الوشاح الأحمر، قائلًا
أشر. لقد سئمت. لا تُمارس معي أيٍّا من ألعاب الغُمِّيضة الخاصة بك؛ فأنا لا أنخدع بأيٍّ
منها. دَع ضيوفي يرحلون، وسأكون أكثر تساهلًا مع الآلة المعقدة. أمَّا إذا تركته هنا لثانيةٍ
«. أخرى، فسأذيقك الأمرَّين. أؤكد لك أنني رجلٌ ذو صلات
كان أشر ذو المكانة المرموقة ينظر إلى هذا المسخ الغاضب بذهولٍ طغى على جميع
المشاعر الأخرى. وبدا أنَّ الصدمة التي أصابت عينَيه قد أصمَّت أذنَيه تقريبًا. وأخيرًا قَرَع
أشرجرسًا موجودًا على مكتبه بقوة. وبينما كان صوت الجرس قويٍّا ومُجلجِلًا، بدا صوت
الأب براون منخفضًا لكنَّه كان واضحًا.
لديَّ اقتراحٌ، لكنَّه يبدو مُحيِّرًا قليلًا. لا أعرف هذا السيد، لكنني … لكنني أعتقد » : قال
أنني أعرفه. وأنت أيضًا تعرفه، بل تعرفه جيدًا، لكنَّك لا تعرفه بالطبع. أعرف أنَّ هذا يبدو
«. متناقضًا
أعتقد أن الكون على » : قال أشر وهو يُلقي بجسده ممددًا على كرسي مكتبه المستدير
«! وشك الانهيار
فضرب الرجل الغريب المنضدة، وصاح بصوتٍ بدا غامضًا لأنَّه كان عقلانيٍّا ومعتدلًا
«… أَصغِ إليَّ. لن أسمح لك بالتدخل في أمورٍ لا تعنيك. أريد » : نسبيٍّا مع أنه ظل مُدوِّيًا
«؟ من أنت بحق الجحيم » : اعتدل أشرفي جلسته فجأة، وصرخ قائلًا
«. أعتقد أنَّ هذا السيد اسمه تود » : قال القسُّ
.« سوسايتي » ثم التقط قُصاصة صحيفة
وبدأ يقرأ «. قراءةً سليمة « سوسايتي » يؤسفني أن أقول إنَّك لا تقرأ صحيفة » : وقال
أو ربما تكون مكنونةً في صدور أمرح قادة مدينتنا »» : ما في القُصاصة بصوتٍ رتيب
المُقلَّدة بالحُلِي؛ ولكنَّ ثمة حديثًا عن أنَّها ستكون محاكاة ساخرة لطيفة للآداب والعادات
لقد أقُيم الليلة في «. البسيطة في الشرائح الواقعة على الطرف الآخر من الميزان المجتمعي
ضيعة بيلجريمز بوند حفل عشاء تنكري كبير يدور حول محاكاة عادات الفقراء، وقد
اختفى أحد ضيوف الحفل. ومن المعروف أنَّ السيد إريتون تود يتحلَّى بحُسن الضيافة،
«. وقد تعقَّب الرجل وصولًا إلى هنا، دون أن ينتظر حتى أن يخلع ملابسه التنكرية
«؟ أي رجُلٍ تقصد » : فقال أشرمتعجبًا
أقصد الرجل الذي كان يرتدي ثيابًا غير مناسبةٍ لجسده إلى حدٍّ مثيرٍ » : أجاب براون
للضحك، والذي رأيته يركضعبر الحقول المحروثة. ألم يكن من الأفضل أن تذهب وتُحقِّق
معه؟ لعله ينتظر بفارغ الصبر العودة إلى احتساء الخمر، الذي تركه وركض مُسرِعًا حين
«. لَمَح من بعيد المُدان الهارب الذي يحمل مسدسًا
«… هل تقصد بجدية أنَّ » : قال المسئول
عجبًا، أصغِ إليَّ، يا سيد أشر، لقد قُلت لي إنَّ الآلة لا يمكن أن » : قال براون بهدوء
تُخطئ؛ ويُمكن القول من ناحية إنَّها لم تُخطئ، لكنَّ الآلة الأخرى أخطأت؛ أقصد الآلة
التي كانت تُشغِّلها. لقد افترضتَ أنَّ نبضالرجل تغيَّر عند سماع اسم اللورد فالكونروي؛
لأنَّه هو الذي قتل اللورد فالكونروي. في حين أنَّ نبضه تغيَّر عند ذلك الاسم لأنَّه هو اللورد
«. فالكونروي نفسه
«؟ إذن لماذا لم يقل ذلك بحق الجحيم » : تساءل أشرمُحدقًا
لقد شعر بأنَّ محنته وذُعره الأخير لا يوحيان بأي أرستقراطية؛ لذا » : أجاب القسُّ
ثم نظر «… حاول عدم الإفصاح عن اسمه في البداية، لكنَّه كان على وشك إخبارك به حين
«. حين وجدت له تلك المرأة اسمًا آخر » : إلى حذائه الطويل الرقبة واستأنف كلامه قائلًا
لكنَّك لا يمكن أن تكون مجنونًا جدٍّا » : قال جريوود أشر، والشحوب يكسو وجهه
«. لدرجة أن تقول إنَّ اللورد فالكونروي هو ديفيس المحتال
نظر إليه القسُّ بجديَّةٍ شديدة، ولكن بوجهٍ مُحيِّر وغير مفهوم.
لن أقول شيئًا عن ذلك. سأترك لك تخمين الباقي كله. تقول صحيفتك » : ثم قال
إنَّ لقبه الإقطاعي استُرِد مؤخرًا، لكنَّ تلك الصحف غير موثوقة على الإطلاق. وتقول إنَّه
قضىشبابه في الولايات المتحدة، لكنَّ القصة برُمَّتها تبدو غريبة للغاية. صحيحٌ أنَّ ديفيس
وفالكونروي نذلان كبيران، ولكن هناك الكثيرين ممن يتصفون بالنذالة الشديدة؛ لذا لم
ثم أضاف بنبرةٍ تأمُّلية هادئة: «. أكن لأشنق كلبًا حتى بناءً على رأيي الشخصيبشأن ذلك
لكنني أظنُّ أنَّكم أيها الأمريكيون ساذجون للغاية. أظنُّ أنَّكم تضفون صبغةً مثالية على »
الأرستقراطية الإنجليزية، حتى في افتراضكم أنَّها تتحلَّى بقدرٍ كبير من الأرستقراطية؛ فحين
ترى رجلًا إنجليزيٍّا حسن المظهر يرتدي ثياب سهرة؛ تعرفأنَّه عضوٌ في مجلساللوردات،
وتتخيَّل أنَّه نبيل المحتد. لكنَّك لا تأخذ في الحسبان قدرة مواطنينا على الصعود والارتقاء
فوق الظروف الصعبة؛ فالعديد من مواطنينا النبلاء الأكثر نفوذًا ارتقوا إلى هذه المكانة
«… مؤخرًا؛ ليس هذا فحسب، وإنما
وهناصاح جريوود أشر، وهو يضرب قبضة إحدى يدَيه النحيفتَين في كفِّ يده الأخرى
«! يا إلهي، صه » : بنفاد صبر من مسحة السخرية على وجه براون
«. توقف عن الحديث إلى هذا المخبول! خُذني إلى صديقي » : صَرَخ تود بوحشية، قائلًا
في صبيحة اليوم التالي، ظهر الأب براون بتعبيرات وجهه الرزينة نفسها، حاملًا
.« سوسايتي » قُصاصة أخرى من صحيفة
يؤسفني القول إنَّك تتجاهل الصحافة العصرية إلى حدٍّ ما، لكنَّ هذه القُصاصة » : وقال
«. قد تثير اهتمامك
ضيوف لاست تريك ضَلُّوا الطريق: حادثة طريفة بالقرب » : قرأ أشرالعنوان الرئيسي
وقعَت حادثةٌ مُضحِكة خارج مرأب سيارات » : وجاء في الفقرة .« من ضيعة بيلجريمز بوند
ويلكنسون الليلة الماضية؛ فبينما كان أحد رجال الشرطة في وقت تأدية خدمته، لفت بعض
الشباب المشاكسين انتباهه إلى رجلٍ يرتدي ثياب سجن كان يصعد برباطة جأشٍكبيرة إلى
مقعد السائق في سيارةٍ فارهة من طراز بانهارد، وكانت برفقته فتاةٌ متشحة بوشاحٍ رث.
وحين اعترضهما الشرطي، خلعت الشابة وشاحها، فأدرك الجميع أنَّها ابنة المليونير تود،
التي كانت قد جاءت للتو من حفل العشاء التنكري الغريب الذي يُحاكي عادات الفقراء
والبائسين في ضيعة بوند، حيث كان جميع الضيوف، الذين يُعدُّون من أرقى أبناء الطبقة
الراقية، يرتدون ثيابًا رثَّة مشابهة. ويبدو أنَّها هي والسيد الذي كان يرتدي ثياب السجن
«. كانا ذاهبَين في نزهةٍ معتادة بالسيارة
وتحت هذه القُصاصة الوردية، وجد أشر قُصاصةً من صحيفةٍ أخرى نُشِرَت لاحقًا
هروبٌ صاعق لابنة مليونير مع شخصٍ مُدان. رتَّبت إقامة عشاء تنكُّري. » : تحت عنوان
«… وأصبحت الآن في مأمنٍ في
وهنا رفع السيد جريوود أشرعينَيه، لكنَّ الأب براون كان قد ذهب