hanaa_mhmod

شارك على مواقع التواصل

ليلةُ مضت بتلويح خافت. أختفى قمرها، ونجومها زالت بزحف الشمس إلى السماء مُعلنةً عن بَذل جديد من بني آدم. شق الأنُاس بأقدامهم الشوارع، ليشرفوا على أعمال يومية رتيبة ربما لا تلائم طرازهم، حتمًا ستخلق لهم حياة لا تتشابه تفاصيلها مع مشقة العيش إن لم يَأْلُ الجُهد آن المثابرة.



بمكانٍ ما، مكانُ قد شع به النور كغيره من بقاع الله في الأرض، تحديدًا بتلك الحارة الشعبية، وبأحد الأزقة الضيقة. ركض ذلك العشريني بكل ما أوتي من قوة، لينفث عن تنهيدات متلاحقة حين مُطالعته للخلف بخوف، بينما يقوم بمسح العرق المتصبب منه إِبَّان محاولته عبور ذلك السور القصير.



إعتصر طاقته، وهو يتمسك بالطوب من الأعلى بكلتا يديه محاولًا الزحف بقدمه بخطوات مستقيمة تأمل تدلي جسده للجهة المقابلة، فعرقل تحركاته إمساك أحدهم بقدمه من الأسفل، وهمسه ببعض الكلمات المستفزة التي جعلته يستغفر الرب مرارًا قبل إغماضه لجفنيه بقلة صبرٍ متلبسًا الهدوء لمدة، حتى فتحه لعينيه على حين غرة ليهب بكامل طاقته راكلًا من يعيقه بقوة.



إستكمل إسقاط جسده من حافة السور للناحية الآخرى آنئذٍ، وهو يصفر بصوتٍ مرتفع مرددًا : الفطار عليك يا ابن خيري.



قفز الآخر من خلفه بضيق تام، والذي حاول إعاقته من قبل وفشل، ليقول بصوتٍ سُلب منه الطاقة : وسع كده.



: عمو عمو عاوز مناديل.
ردد تلك العبارة طفل في السادسة من عمره، فلم يتطلع مؤيد إليه مباشرةً بل بلل شفتيه بتوهق ليجتذب الصغير إنتباهه بإمساكه لبنطاله من الأسفل، وهو يلقي الكلمة ذاتها عليه بتكرار يُذهب عن المرء سكينته.



إِزْدرد مؤيد ريقه حينها بإستنكار، بينما لا يزال يحاول تقبل الهزيمة التي تعرض لها للتو، وهو يقول بإمتعاض أثر مزاجيته المنقلبة : ربنا يحنن عليك، وقت تانى يا حبيبي.



رنت ضحكة هادئة من عزيز المجاور له بتشمت يخالطه الإستخفاف، أثناء تحريكه ليديه ليحك ذقنه مصتنعًا التفكير قبل قوله بنبرة تحمل من البرود القدر الوافي لإشعال الآخر : أتنين فول وتلاتة طعمية.



بإشمئزاز بقى مؤيد يطالعه، ليردف عزيز بعدم إهتمام حين تمريره لعينيه على شيء ما بشرود : بلاش طحينة.



مسح الآخر على جبهته بإختناق، بينما يؤهب روحه للحديث، ليقطعه صوت ذلك الطفل الذى ردد من جديد بآليه : عمو عمو عاوز مناديل.



: بقولك وقت تاني يا حبيبى.
رددها مؤيد حينها، ليتجلى صوت مختلف على مسامع ثلاثتهم، ولم يكُن ذلك سوى صوتها ..... فتاة حانقة تظهر له دومًا من اللاشيء لتعكر صفو مزاجه. طالعها، وهى تقترب منهم حين تعديلها لهيئة حجابها، وقولها بغلظة ملازمة لشخصيتها : ما تاخد منه يا عم، اللي إعطاك قادر يعطيه، وياخد اللي معاك.



قلب مؤيد عينيه، وهو يناظر عزيز بمعنى ( جاءت المصيبة الآخرى ) تمتم حينها بصوت أجش مهاجم : وأنتِ مالك.



رمقته هى بإشمئزاز مبالغ فيه، ومن ثم أن قالت بثقة لا حد لها : مالي في البنك بيشرب تانج، وبياكل جبنة فلامنك.



لوح مؤيد بيديه بهمجية، ولم يمنع لسانه من قول تلك العبارة الحاملة لمشاعره تجاهها : دمها ١٥٠ كيلو.



بالكاد سيطر عزيز على بسمته الراغبة في الظهور، وهو يدير وجهه للناحية الآخرى، ويصتنع التحدث في هاتفه. نفخ مؤيد آنها من بعد صمت تلبسه لعدة ثواني، ولبى نداء الجسد بالهروب من الحوار بأسره حينما مرر يديه في جيب بنطاله، وأخرج عشرة جنيهات. منحها للطفل بعد أخذه لعلبة مناديل واحدة، وقال بمقط : الصبر يارب، خد يا حبيبي.



: ربنا يربحك، ويفرحك، وبين الناس ما يفضحك.
ببلوغ لا يلائم عُمره، همس الطفل بتلك العبارات السعيدة، ليبتسم مؤيد رغمًا عنه، وهو يذكُر هزيمته من عزيز في السباق الصباحي العابر خاصتهم، ويقول بمرح : بقالك شهور بتدعي الدعوة دي، ومن يومها والواحد مدشمل.



برزت أسنان الصغير، وهو يضحك بسماجة ليجاريه، بينما يقول بجواب مختصر آن رحيله للبحث عن فريسة آخرى : مسيرها هتصيب، ربنا يكرمك يا بيه.



أومأ له مؤيد، ليرحل الطفل بسلام، ويبقى هو ثابتًا في موقعه، يطالع الفتاة بنظرات لو تحدثت لقالت ( "ماذا تريدين بعد ")، ويال العجب أتاه الرد منها سريعًا حين رحيلها، وهي تتبسم بخبث، وتصفر بمزاج قد لاقى مُراده للتو.



شرد مؤيد في أفعالها الغريبة ضاربًا كلا كفيه ببعضهم البعض بعد أن غشته مشاعر تطلب فك ذاك اللغز. ينتابه شعور بعدم الراحة مما يلاقيه منها ومن الصغير طيلة الثلاث أشهر الماضية، لما ؟ لا يعلم.



بقى شاردًا هكذا حتى نغزه عزيز بغلظة مرددًا : هناكل السنة دي، ولا السنة الجاية عشان أعمل حسابي.



: هتنيل اروح أهو.
قالها بضيق لا سبب له، ومن ثم أن سار بآلية نحو مسلكه المطلوب، ليُترك عزيز واقفًا في الشارع يطالع المارة بملل قُطع بواسطة أحد ما يقول بصوت مرتفع : قولي يا أسمر.



بإعجاب بدأ الشاب يتفحص مصدر الصوت، فدومًا ما أحب أن يُنادى بهذا اللقب ( الأسمر ). إبتسم تلقائيًا أثناء سيره نحو مُحدثه، وقال : تعجبني يا حاج، فهمان.



قابل الرجل بسمته بأخرى هادئة يسيطر عليها رغبة مخفية خرجت، وهو يستكمل بتساؤل جدي : سمعت إنكو أجرتوا الأوضة اللي فوق السطوح لإبن ماجد الله يرحمه، اسمه بسيوني صح ؟



أومأ عزيز بغرابة، ووصوص عينه ليستمع بتركيز تام للآخر الذي حمحم بخجل، قبل إرادفة بجدية، وتبجح : طيب حيث كده، كنت عاوزك تبلغه إني بطلب أيد الآنسة رحيل أخته للجواز.



عقد عزيز حاجبه بعدم فهم، قبل أن يعدل من هيئته، وهو يقول بحسن نية : كان نفسي اتدخل والله يا حاج، بس معلش في اللفظ مصطفى لسه عيل، والبت عيلة زيه، فالموضوع كله مش تمام.



أوقفه الرجل عن الحديث على الفور بإشارة من يديه، قبل ترديده بتهكم : يا ابني أنا بطلبها ليا، مصطفى لسه صغير.



اعترى ملامح عزيز غضبُ مبالغ فيه، وأخرج لسانه ليلامس طرف شفتيه بقلة صبر، بينما تلاحقت أنفاسه، وهو يتنهد بعمق، ويردد ببلاهه : مش فهمان يا حاج.



إبتلع العجوز ريقه بتوتر دام لوهلة، ومن ثم أن إستعاد قوته، وقال بتبجح لا يقل شيئًا عن لكنته السابقة بل إزداد : هو أنا بقول حاجه عيب، ده أنا بطلبها على سنة الله، ورسوله، هتجوزها، واسترها بدل ما يطلع عليها سيط، واديك شايف البنت من دول بتكبر من هنا، وبتمشي على حل شعرها من هنا، ولو على العلام فليك عليا يا سيدى أخليها تكمل تعليم، مقابل خدمتها ليا.



شعر عزير آنها بأن دلوًا من المياه قد سقط على رأسه. عجز عن تهدئة فؤاده المُثار، فقال بصوتٍ خافت محدثًا نفسه بحيرة : مش عاوز أمد ايدي عشان العيبة متطلعش من الأسمر، بس زي ما بيقولوا العيال مبتتعلمش غير بالضرب.



تمكن الخوف من الرجل، وهو يناظره آن إستماعه لخطاب النفس السابق، ليستبقه عزيز الحديث من جديد بإردافه بوقاحة : التربية الحديثة بتقول العلام بالكلام، مش بالضرب، والعبد لله دقة قديمة، ويموت في التلطيش، بس



قاطعه بيومي حينها، عندما قال بوقاحة مُبغضة للقلب : يا بني هو أنا بطلبها في الحرام، ما كله بالحلال.



مسح عزيز على وجهه بقوة في تلك اللحظة، ورفع أكمام قميصه بغرض الترهيب، قبل صياحه بحدة مرددًا : عمتي.



من النافذة، تطلعت به سيدة من سيدات الحارة، والتي لم تكف عن مناظرتهم منذ مُدة، كما تناظر غيرهم. رددت بفخر تام بمجرد سماع صوته : حبيب قلب عمتو.



أشار لها بيديه بحركة مدروسة، ثم أن تمتم بصراخ مرتفع ليُسمع المقابل له : ولعي على القهوة عشان شكلنا هنشربها على روح المرحوم.



ما كاد أن ينتهي من تلك العبارة، حتى أمسك ذاك الكهل بعصاه، وأستند عليه ليفر إلى منزله قاتلًا لحظتهم الثورية تلك. أخذ عزيز عدة أنفاس مشتعلة آنها ليُهدأ من حنقه حتى حضور مؤيد بقدم مرتخاه، حاملًا أكياس بلاستيكية تحوي السندوتشات بها. اجتذبهم عزيز منه بضيق، وهو يردد أثناء تمرير نظراته عليهم بتقييم : يدوبك.



رفع مؤيد حاجبه بإستنكار صامت، ثم أن ناظر ساعته، ليلاحظ أمرًا ما، ويتمتم بجديه : لا هو يدوبك فعلًا، نطلع نغير عشان نروح الشغل.



لم تتغير ملامح وجه عزيز بل حرك رأسه بإستجابة دامت لمدة، وقُطعت بإعتراض مُطلق، وهو يبتسم قائلًا بتذكر : إنسالي شغل النهاردة، في واحد تبع جماعة أعرفهم طالب شغلانة سُقع تمامها المغرب بشغل أسبوع في الورشة.



أظهر مؤيد عدم فهمه بعينيه المُطلقة لسهام متلاحقة من التساؤلات، ليكتفي الآخر بالإبتسام له بغموض، ويجتذبه من يديه نحو إحدى العمارات الحديثة بالنسبة للمتهالكين جوارهم. توقف مؤيد فجأه عن السير، بعد أن لمح شخص ما، وقال بأعين موصوصة تشتهي فهم المزيد : ثانية يا عزير، ثانية واحده إستناني هنا.



رمقه عزيز بهدوء مستجيب، بينما بدأ الآخر يسير متتبعًا تلك الفتاة الممسكة بيد الطفل بتسارع .... وصل إليهم، فوجدهم يمرون نحو أحد الشوارع الضيقة، ليتوقفوا بها بعد مراقبة المكان من حولهم بدهاء.



بدأ يستمع للطفل، وهو يردد بصوت حانق مُعترض : يا أبله مريم هو ده اللي عرفت أبيعه.



تسلل صوت الفتاة إلى مسامعه غاضبًا، بينما تصرخ به قائلة بجدية تحُتم على المقابل لها الصمت : هات السبعين جنيه يالا، ومتعصبنيش.



مدت يديها له من بعدها، ليمنحها المال فتنتزعه بقوة، قبل أن تردف بتهكم : المناديل.



منحها الصغير المحارم، لتبتسم آنها بهدوء، وتهمس بخفة لا تضاهي حديثها السابق : أبسط خد عشرة جنيه أهي، وأعمل حسابك من الأسبوع الجاي هننقل حارة تانية عشان وشنا أتعرف.



: الله الله.
ردد مؤيد تلك العبارة بحدة أثناء إقترابه منهم، لتناظره مريم بصدمة إنقلبت لخجل مؤقت سرعان ما أختفى، وهى تبتسم بسماجة، وتعقد يديها بإستمتاع. أردف هو حينها بجدية : بقى دي اللي بتعطيني درس في الأخلاق كل يوم.



رفعت مريم طرف شفتيها بعدم إهتمام، وهى تقول بآلية أثناء مضغها للعلكة : ما كله بثوابه.



أراق حديثها غضبه، ليقترب منها بخطى متلاحقة تبرز عدم تمريره للموقف مرور الكرام. وجدها لا تزال تحتفظ ببسمتها السمجة، ليزداد اللهيب بداخله، ويشعر بعدم تمالكه لنفسه. تنهد وهو يقوم بأخذ المال من بين يديها، بينما يردد بغلظة : ثوابه واضح أهو.



جحظت عينيها، وهي تطالع المال القابع بين يديه، لتلوح بيديها بعشوائية، قبل أن تصرخ به قائلة بجدية : طب أبعد كده، وهات الفلوس.



تنفس مؤيد بعمق بعد حديثها، وقام بأخذ المال خاصته من وسط ما هو بين يديه، بينما يتمتم بإستفزاز : العشرة جنيه بتاعتي.



وضع المال في بنطاله ليزعجها فقط، رغم عدم حاجته له، ومن ثم أن أخرج علبة ما، ووضعها في كفها مع قوله : علبة المناديل بتاعتك.



إبتلعت مريم ريقها بغضب، وإحتدت نظراتها، وهى تردد بآلية بينما تجذب ما تبقى من المال منه : جتك القرف، وأنت جِلدة.



: فلوسي أنا أولى بيها.
ردد الآخر تلك العبارة بثبات ليجيب على قولها، فنفخت مريم بصوتٍ مسموع، ثم أن قامت بالمسح على وجهها بغضب، والرحيل عن مرآه قبل الخوض في شجار جدي معه.



رحل مؤيد بعد ثواني من مغادرتها الأرجاء، فوجد عزيز لا يزال واقفًا أمام العمارة بملل، منتظر حضوره. إقترب منه بتسارع ليُسمعه عزيز القدر الكافي من التلقيح بقوله لذلك : كنت اتأخر كمان شوية، جيت بسرعه كده ليه.



تذكر مؤيد تلك الفتاة ليبتسم بتشفي، وهو يقول بفخر بعد أن إستطاع كشف قناعها أخيرًا : الله أكبر عليا بجد.



عقد عزيز حاجبيه، بينما يناظره بتعجب، وهو يمرر يديه أمام عينيه قائلًا بتنبيه يخالطه الحِدة : مؤيد.



: ها يلا.
رددها بهدوء، ومن ثم أن صعد الدرج خلف الآخر. تخطوا الطابق الأول بسلام، والمخصص لعمتهم المُطلقة، ووصلوا إلى الطابق الثاني، والمعلق على بابه عبارة " بيت الحج أبو المعز، و والله لو في الجيب حاجة ما هتعز. "



تبسم مؤيد لوهلة، ثم أن هز رأسه بآلية، وردد بسخافة : حركه صايعة، أبو المعز ده رايق والله.



رمقه عزيز بأعين حانقة، وهو يستكمل صعود الدرج حتى الوصول لشقة عمه الموجودة في الطابق الثالث. نظر على الباب بإستنكار بعد أن وجد الآتي " بيت خيري، وخيري ده اسم مش صفة "



لم يسيطر عزيز على نفسه حين إذن. بدأت الضحكات تتسلل إلى وجهه تدريجيًا، وهو يغمز لمؤيد بشماتة، ويقول بلكنة مشابهة للكنة الآخر قبل لحظات : لا بس أبوك طلع أروق منه.



نفخ مؤيد بضيق مزيف، وحمحم بجدية مع قوله لذلك : بذمتك ده يرضي مين ؟



صمت لثواني، وهو يضع المُفتاح في مقره الصحيح بينما يستكمل بعدم رضا : هنفضل كده، كل سفرية يطلعوا منها بتقليعة جديدة.



رتب عزيز على كتفة بعدم إهتمام، ليتنهد مؤيد، وهو يدفع الباب ليُفتح بإتساع، ويندفع كلاهم منه في آن واحد. قال عزيز حينها بصوت مرتفع تردد في الأنحاء : يارب يا ساتر.



بعد دقيقه من دخولهم، فُتح باب إحدى الغرف الموصدة، لتنقض فتاة في الثامنة عشر من عمرها عليهم، وتسير بكل ما تملك من غضب نحوهم. حاكتهم بنظراتها الثائرة رغم صمتها اللاذع، ليتجاهلها كلاهم، ويُحدثون بعضهم البعض، وكأنها ليست بالمرئية لهم.



وضعت يديها على وجهها حينها من فرط الغضب، وقالت بغيظ : مؤيد من فضلك ممكن تقولي فين الإندومي بتاعي.



تخطى عزيز ابن عمه بتلاعب ليتوقف أمامها مباشرةً، ويشير على بطونهم ببلاهه مع ترديده ببرود مُستفز : أكلناه في السهرة يا عسل.



إحتقن وجهها بالدماء، وخرجت الأحرف مبعثرة منها، وهى تهوي عليه بعباراتها تلك : بس ده بتاعي، والله لهقول لعمتو .



حرك عزيز رأسه بلا فائدة، وطالع مؤيد الذي أتلف حديثهم عندما ردد بتذكر : إلا صحيح أنتِ كنتى فين يا نبوية، وأبويا وعمك بيشوهوا البيبان.



مدت شفتيها للأمام بعض الشئ، وتنهدت قبل قولها بعدم إهتمام : عادي يا man بيتسلوا، مفيش حاجه يعملوها.



تمركزت أعين عزيز عليها لمُدة، ومن ثم أن مررها على شيء آخر أثناء جلوسه على الأريكه، وفرده لأزرعه بأريحية، وهو يخلع شرابه، ويهمس بملل : ناديلي على الحاج خيري خلينا نخلص في أم الليله دي.



ببرود رفعت نبويه إصبعها الخنصر لتشير عليه، وتقول بتحذير : black لو سمحت قوم عشان هتوسخ المكان، وأنا لسه منضفة.



وضع عزيز يديه على بطنه بعد أن أتم جولة من الضحك المصتنع، قبل عودته لجديته، وهو يهمس بحدة : جرا إيه يا نبوية ما تتظبطي، إسمي الأسمر يا عسل الأسمر.



تخطت تلك الفتاه قوله، وتسللت إلى غرفتها بكل هدوء مع قولها بصوت رقيق : هروح الroom بتاعتي أنا بقى، ومتنسوش تجيبولي إندومي بدل اللي أخدتوه، أنا حذرتكوا.



لحق مؤيد بها نحو الباب، ووضع يديه على أحد أطرافه، وهو يقول بلكنة مستهينة : هتعملي إيه لو مجبناش ؟



بتوتر حركت نبوية رأسها، قبل أن تتهرب من الجواب بترديدها بحماقة : مش هقولك، بس أنا كده عمومًا هيبقى عداني العيب.



تحرك عزيز هو الآخر نحو غرفتها، ليهتف بإستخفاف : لو عداكي العيب استني اللي بعديه إيه المشكلة.



نفخت نبوية بغضب، وهي تمرر أعينها عليه بتوعد، ليضحك مؤيد بسخرية، ثم أن يشير لها بيديه بطريقة مهملة، وهو يغلق الباب، أثناء دفعه لها للداخل، وقوله لعزيز بجدية : ربنا يعينك عليها.







" بأحد أحياء القاهره تحديدًا بحي السيدة زينب"






نهضت من السرير بتسارع كمن لدغتها حية. وضعت يديها على قلبها لوهلة، ومن ثم أن قامت بمسح العرق المتصبب منها، بينما تلقي بقدمها على الأرض لتلامس بأطرافها تلك السجادة الناعمة المغطية لأطراف غرفتها.



إرتدت نعليها بملامح مبهمة، وقامت بالقبض على شعرها لتلفه بعناية، قبل أن تُحرك رأسها يمينًا، ويسارًا، وتتجه نحو المرحاض لتتوضأ، وتقيم صلاة الصبح.



إنتهت بعد القليل من الوقت، ليأتي حين إنتقاء ملابسها. لم تأخذ وقت طويل في النظر بالخزانة، فدقيقة قد كانت كافية لإختيار الملابس المناسبة ليوم كهذا.



بنطال قطني من اللون الأسود مُتسع بعض الشئ، مع بلوزة واسعة ملائمة لصيحات الموضة مرسوم عليها من الخلف بعض الرسوم باللون الأزرق القاتم ..... قامت بإرتدائهم، قبل أن تبدأ في لف الحجاب على شعرها بإهمال، بينما تسير بهدوء نحو أحد الأدراج لتُمسك بكحل أزرق قاتم، وتقوم بوضعه بتمهل في عينيها الدعجاء مُبرزةً جمالهم بطريقة تخطف الروح.



نظرت لهيئتها في المرآه بإعجاب، وما أبطأ ذلك عنها من المرور بجلسة غزل يومية بذاتها ... جلسة تُخبر روحها فيها بكل حُب بأنه لم، ولن يحلو مظهر لها يومًا بقدر مظهرها المُشاهد في المرآيا الآن.



حملت حقيبة ظهرها فيما بعد، والتي قد أعدتها من الأمس إستعدادًا لما يحمله اليوم لها من أجواء. بقدمٍ حماسية خطت نحو الصالة، ومن الصالة، تحركت مباشرةً صوب باب المنزل دون أن تلفت الأنظار.



عبثًا حاولت تخبيء أمر رحيلها .... تخشى شعورهم بها، ومُلقاة عصيان يُوجبها على البقاء، وبالفعل هذا ما حدث، فقبل خروجها بعدة ثواني قِلة إستمعت لصوت والدتها، وهى تردد ببوادر غضب ظهر من الفراغ كمهب الريح : ماشيه من غير فطار كالعادة.



بسماجة تبسمت راما، ثم أن قالت بصوت لين ود به الفؤاد التلطيف من حدة الموقف : وأنا هاخده معايا ليه.



ضيقت المرأه عينيها بمقت، بينما تحاول تجاهل حديثها، وهى تستكمل بجدية تامة : على فين العزم ؟



حمحت راما بإرتباك، ونظرت للأرض بتوهق، قبل أن ترفع رأسها، وتقول بأعين زائغة تطلب العون : قولها يا بابا على فين العزم.



على الفور تحدث والدها مُلبيًا النداء بصوتٍ لمست به بعض اللين، حين ترديده بلا مبالاة : مش قِصه يا أنتصار أكيد هتروح المرسم.



بأعين شاكرة رمقت راما والدها، ثم أن إلتفت بتلقائية لتلك التي رددت بإستشاطه : طيب ما تقعدي تذاكري كلمه تنفعك الأسم دكتورة، مشفتش منك عُقاد نافع من ساعة ما دخلتي الكلية.



قاطعتها راما عن الحديث، وهى تتنهد لتحافظ على ثباتها، مع تمتمتها بهدوء : الحاجات دي بتيجي بالممارسة والشغل، لما أنزل تدريب وقتها هنفعك.



ضيقت أنتصار عينيها بشك، بينما تضع إحدى يديها على رأسها، وتقول بمرار : طب ما تنزلي، ما أنتِ عندك وقت فاضي، وبتنزلي المرسم أهو.



آنها تسللت ضحكات ساخرة لمسامع الجميع حتى مسامع راما التي حركت رأسها بتلقائية، وطالعت أخيها بغضب، بينما بدأ هو بمناظرتها من كرسيه بشماتة، وهو يحشر ما تبقى من الشطيره في فمه بآن واحد.



نظرت تلك المدللة لوالدها بترقب، منتظرةً أخذه لردة فعل حازمة ضد ذاك المقيت، ليريحها هو كالعادة، ويقول بشدة لا تهاون فيها، قاطعًا سيل شجارهم قبل أن يبدأ : قوم وصل أختك.



: أنا لسه بفطر.
ردد الآخر تلك العبارة ببرود، ليستكمل الوالد بحدة : قوم يا رضوان، وهات لها فطار في الطريق عشان مكلتش.



ركضت راما نحو والدها على الفور، لتُقبل خده بعمق، بينما تراقص حاجبيها لرضوان، وهى تهتف بدلع مستفز رغم عدم رغبتها في تناول شئ : يلا قوم وصلني، وهاتلي فطار في الطريق عشان مكلتش.



مسح رضوان بأطراف أصابعه وجهه، بينما يستمع لتلك السخافه التي فصله عنها صوت أنتصار المختنق، وهي تقول لزوجها بنبرةٍ مغتاظة : طول ما أنت مدلعها كده قابلني لو نفعت.



أشار لها رامي بالصمت، وهو يقبل إبنته من جديد، ويحتضنها بنظرته الدافئة. رتب على كتفها بحنان دومًا ما أستمدته منه، ليثبت لها بأن الدفء لا يقتصر على ضوء الشمس، بل يمكن تمثيله في أحدهم.



وحده فقط من يعلم كيف يكون شعور منع المرء من ممارسة شئ يهواه، هو أيضًا قد هوى الفن مثلها في الصغر، وبفضل عائلته الصعيدية أبًا عن جد، حُرم مما يريد، وحظى بممارسة الطب طوال عمرة .... عوضًا عن أن تمتلئ حياته بالألوان، وتتحرك فرشاته على الأوراق الباهتة، لتُكسبها ملامح مبهجة، أضحت حياته ممتلئة بالأحمر فقط. يراه كل يوم أثناء قيامة بعملية جراحية يلقى فيها جسد يُجسد عليه الفن بطريقة مختلفة تمامًا عن تلك التي تخيلها في شبابه.



أخرجه من سطو أفكاره صراخ أنتصار بصوت مرتفع، وهي تُناظر شئ ما، مرددة : بالكوتش يا راما ؟



إبتلعت راما ريقها بخوف، قبل أن تبتسم بسمة مهزوزه، وتسير نحو الباب بتسارع، لتعبر الدرج حين قولها لرضوان : خف نفسك، هستناك تحت.



صرخت انتصار حينها مرددة بجدية جعلت الآخرى مضربًا للأمثال الحامله من غير المثالية الكثير : وطي صوتك إنتِ على الشارع.



حركت راما رأسها بتعالي، وهي ترفع أنفها، وتهمس بتذمر : وفوق هدي صوتك أحنا مش في الشارع، هعلي صوتي إمتى أنا.



شعرت بيدٍ تحتل رأسها، وتلقنه ضربة خفيفة، أثناء قول أحد من الخلف بخفوت : اتهدي بقى.



أثارت تلك الحركة خوفها لتشهق بتلقائية، قبل ترديدها بتعقيب : مش عوايدك جيت بدري يعني.



تجاهل رضوان قولها، وتخطاها أثناء هبوطه الدرج، لتركض هى الآخرى من جواره، وتهبط بطريقة أسرع، ومن ثم أن تقول بدلع مقيت : هتأكلني إيه النهارده ؟



بلا مبالاة طاغيه على شخصيته ردد هو حينها : معرفش.



لم تجيبه بل أكلته بنظراتها، ثم أن تلبست الصمت حتى وصولهم للطابق الثاني من العمارة. توقف الإثنان عن الهبوط، ونظر كلًا منهم للآخر بتوتر. بدأت أعينهم تدور في المكان، بينما يطالعون باب الشقة المفتوح بإتساع، والذى لم يعد يفصلهم عنه سوى خطوات قِله.



خفض رضوان حينها صوته، وهو يهمس في أذنها بخفوت : هنعدي إزاي.



وضعت راما يديها في خصرها بتوتر، وقالت وهى تنظر للساعة بتعجل : مليش فيه أتصرف عديني منها.



رفع هو حاجبه بتهكم، قبل أن يثبت نظرة على نقطة واهية، ويردد : وهي دي حد يفلت من إيدها.



جاء ليتحدث من جديد، ليشاء القدر أن تعلق الكلمات في حلقه، بينما يبدو عليه الصدمة، وهو يناظر طيف تلك المرأه التى إقتربت من الباب، وقالت بتساؤل : حد بينادي عليا.



حركت راما رأسها بنعم على الفور، وهى تهمس بإبتسامة زائفه : أنا.



ناظرها رضوان بسخريه يخالطها الإستخفاف، لترفع الآخرى من نبرتها، وهى تستكمل ببلاهه : ليكي وحشه يا أم زينة، إيه الأخبار ؟



إبتسمت المرأه بتهليل مفرط غريب، وباحت بتلك العبارة كجواب لحديث راما بينما تطالع ذاك المجاور لها عوضًا عنها : زي الفل يا حلوه، وزينة كويسة.



نظر رضوان آنها لراما بغرابة، لترفع له كتفها بتلقائية بمعنى يعبر عن عدم فهمها لما يجري مثله. غمز لها بعينيه لتشير له على الدرج، ويبدأ كلاهم في النزول أمام مرآى السيدة التي بمجرد أن وصولوا نحو منزلها حتى مدت يديها الممتلئة بالسيغه، وجذبتهم من ملابسهم نحو الداخل، وهي تقول مصتنعهً عدم الإنتباه لتعجلهم : ولعي على الشربات يا زينة.



صمتت لثواني، قبل أن تضع يديها على فمها، وتردد بتوهق : يقطعني أقصد القهوة.



رفعت راما جزء من شفتيها بإمتعاض، ومن ثم أن تحدثت قائلة بنفاد صبر، وغيره تعتريها على أخيها بعض الشئ، فهي ليست غبية لكي لا تعي ما يحدث : تسلمي يا خالتي، أحنا مش عاوزين نتعبك بجد، ده غير إننا متأخرين.



رفعت المرأه أحد أصابعها أمام وجه راما بتحذير، وتمتمت بقلة صبر، وكِبر : واحد مسميش خالتك يا روح أنتصار، إتنين المعلمه مرڤت محدش يهوب من عند بيتها ومتوجبش معاه، تلاتة كل تأخيره، وفيها خيره.



إبتلعت راما لعابها بخوف، وكتمت حديثها بداخلها، وهي تقول بصوت يكاد أن يختفي : طب ثواني أقلع الكوتش.



جذبتها مرڤت نحو الداخل بعدم إهتمام، كما فعلت مع أخيها، لتجعلها تجلس على أحد المقاعد دون أن تخلعه. إستكملت راما آنها بتعجب : لو أمي تشوفك هتطب ساكته.



تجاهلت مرڤت قولها، وجلست مقابلهم بملامح غامضة. ركزت بأعينها على رضوان كما تفعل دومًا، وأشارت له بيديها، مع ترديدها بخفوت : قولي يا حبيبي أخبار الدروس معاك إيه.



إبتسم رضوان بسمة مصتنعه، وهمس بذلك الرد المختصر : حلوة الحمد لله.



رفعت المرأة حاجبها بإعجاب حقيقي، ورمقته بتقييم جعله يحمحم بهدوء دفعها لنزع عينيها عنه ولو قليلًا، قبل أن تُحدثه مرة آخرى بلا ملل، مردفه : بتاع تاريخ، وجغرافيا أنت صح ؟



: صح.
رددها رضوان ببرود، لتقول مرڤت بدراميه : طب ما تشوفلي عقل زينة تايه فين على الخريطه أصل مش مركزة الأيام دي خالص.



لم تتحمل راما سخافتها، فضحكت بزيف لتبرز لها مدى ثقل دمها بينما تقول بصوت خفيض لرضوان : ربنا يعين زينة بجد.



تبسم رضوان على قولها، وتحلى بالصمت الطاغي عليه الملل لعشرة دقائق حتى تلك اللحظة التي أطلت فيها تلك الفتاة بعبائتها السوداء مع نقابها الأسود المُغطي لأعينها عليهم.



لم تنظر لهم، بل طالعت الفراغ بتوتر، وهى تتقدم لتضع القهوة أمامهم بهدوء، ثم أن تذهب نحو غرفتها دون قول حديث واحد يذكر. تحدثت مرڤت حينها قائلة بضيق : عيله قِفل.



عقد رضوان حاجبه بتعجب بعد قولها، وطالع راما التى سرعان ما أمسكت بالفنجان خاصتها بعدم إهتمام، وأشارت له بأن يفعل مثلها ...... رفع كلاهم الفناجين في آن واحد، ليشربوا القدر الوافي، والكافي لجعل وجههم منار باللون الأحمر تمامًا من فرط سخونة ما دلف لداخلهم. بدأ رضوان الحديث فور أنتهاءه من الشرب مرددًا بتحفظ : تسلم ايدها القهوة مظبوطة.



أكدت راما على حديثه، ثم أن أستندت بيديها على المقعد خاصتها، بينما تهيئ جسدها للنهوض، وهى تستكمل بنبرة هادئة : يلا نستأذن أحنا، يا بخت من زار وخفف زي ما بيقولو.



تلاها رضوان بالنهوض، وهو يجذب يديها ليسيروا معًا، ويخرجوا من المكان بأكمله، آن ترديده بهدوء : شكرًا يا معلمة.



سارت المرأه من خلفهم بتهكم، وصاحت بهم بنداء مرتفع رن في أذنهم قائلة : طيب إستنو شويه بس، نعملكو الواجب.



صمتت لوهله من بعدها قبل أن ترفع من صوتها أكثر، وهي تصرخ مرددة : يا زينه.



لم تكد تنتهى من جملتها، حتى وجدتهم قد فروا من أمامها ليغادروا العماره بأكملها مع قول رضوان لها بتهرب قبل رحيله : السلام عليكم.







" بالأسفل "







وضعت راما يديها على قلبها أثناء إلتقاطها لأنفاسها بصعوبة مع سيرها نحو شارعٍ جانبي، وهى تفكر في حديث المرأة مع أخيها قبل القليل من الوقت ..... ناظرت رضوان الملاحق لها بخطواته مع ضغطه على مفتاح السيارة بآليه، ونفخت بينما تراه يقوم بفتحها آن توجهه نحو مقعد القائد ليعتليه، وتركه لها ذاك المقعد المجاور له.



أشعل زر ما على الأخبار، وبدأ يضيق عينيه بينما يدلي بكامل إهتمامه على قول المذيعة، لتنفخ راما بصوت مسموع فلا يهتم. شعر بالتعب فحرك يديه بطريقة ما، ليسندها على مقعده، ويبدأ في القيادة بيد واحده لترمقه راما بقلة صبر، وهي تستغفر مرارًا، وتدعو للوصول بسلام.



على حين غره وجدته يفلت اليد الآخرى، ويضعها على فمه ليتثاءب أثناء مناظرته للطريق بتركيز شديد، فصرخت هي حينها بصوت حاد لا يحتمل المزيد مرددة : ما تظبط كده عشان مش نقصاك على الصبح.



تلاشت إبتسامة رضوان المرسومة على وجهه من اللاشئ، وبدأ في مطالعها بإشمئزاز مع قيادته للعربه بهدوء، وقوله بلكنة مهذبه يخالطها النصيحه : حسني طريقة كلامك، وأحترمي ذاتك.



حركت يديها في الهواء بعشوائية، وهى تهتف بعدم إهتمام : من عاشر قوم.



بيأس هز رضوان رأسه، ومن ثم أن إستكمل قيادته، في حين مطالعتها له بطرف عينيها. فتحت هاتفها بتسارع، وهي تقوم بتوصيل السياره بالبلوتوث خاصتها، لتفتح على أحد الأغانى الشائعة، مع رفعها للصوت، وخروج الأحرف منها لتردد الكلمات بإستمتاع مع المُغني.



قتل رضوان متعتها تلك بإغلاقه البلوتوث، بينما يقول بتهكم : بقولك إيه.



حركت رأسها نحوه بإنتباه، وما لبثت أن رددت بخفوت : ها.



تمتم الآخر حينها بنبرة هادئة ليكسب ودها : بلاش أغانى، وصداع على الصبح، عشان تعرفي ترسمي حلو.



إبتسمت راما ببرود على قوله، وهمست بصوت خفيض مع وجه خالي من الملامح : متقلقش مش هصدع، وعمومًا حتى لو صدعت، إيدي اللي بترسم مش دماغي.



: اللي يعمل فيكي خير يبقى غلطان.
ردد تلك العباره بضيق مزيف، لتنكزه في كتفه برقه، وتقول بأعين ضيقه إلى حد ما : الفطار يا رضوان متفكرنيش نسيت.



تصنع عدم الإنتباه، بينما يمر من أمام عربة الكبدة، والسجق مزيفًا شروده، فوجدها تصرخ بصوت هز أذنه من فرط إرتفاعه، أثناء قولها بضيق : العربيه عدت، أرجع بسرعه بالله عليك كده هتأخر.



إستمر في السير بلا إهتمام، بينما يمتثل لما هو متفق عليه، ويبدأ بتنفيذ الخطة الأولى. قام بالضغط على زر ما بهاتفه، وبقى بإنتظار تحقق ما يريده، حتى حدث أخيرًا.



وجدها تضع يديها فوق يديه، لتضغط على المكابح، مما ولد حركة تخبط متوقعة للعربة في إتجاهات عدة ... أرتفع صوت صراخ فى الأرجاء، حين مطالعة راما بالسيارة القريبة منهم، وأغماضها لعينيها بخوف، على عكس رضوان الذى تحرك بثبات، ولم يمل من محاولة السيطرة على العربة، حتى أستطاع .... تنهد بعمق، وتوقف بهم في ركن ما، لينالوا من الهدوء القليل مثلما فعل مالكي السيارة الآخرى الخاصة بمن أوشكوا على الإصطدام بهم.



خرج أحد الشباب من تلك العربة المقابلة، فخرج رضوان له أثناء رمقه لراما بنظرات توعد، وهو يسير نحو ذاك الغريب خافضًا رأسه بتوهق. لم تحتمل راما البقاء في السياره ساكنه، ففتحت الباب هي الآخرى، وخرجت نحوهم مبتسمةً ببلاهه.



سارت بقدم هادئة خوفًا من إلتقاط رضوان لها، لتصل بعد القليل، وتتوقف أمام من يتوقف أخيها أمامه.




" عينين تكفي لنشر الفن في لوحتها " هذا ما قاله العقل أثناء شرود أعينها في مُطالعة ملامح من لا تعرف عنه سوى اللاشئ. بلا وعي خرج الحديث منها، وهى تقول بهمس لم يصل لأحد : تبارك الله، سبحان من خلق، وأبدع، الجته دى تبقى حلوه أوي في الرسمة.



أنُتشل وجهها من ملامحه المخطوفة على حين غرة بنظرات رضوان الصائبة نحوها، حين مُطالعة الشاب بكلاهم بملامح مبهمه. حاولت راما تخطي ذاك الصمت بقولها بجرأه تامه : أعُذرنا مكناش نقصد.



جحظت أعين رضوان من كم العبث المُقال، فحمحم بحرج، بينما يحك بيديه شعره مع ترديده بخفوت، وهو يمد يديه للآخر : بعتذر لحضرتك عن اللي حصل، ومستعد أدفع أي خسارة كنت السبب فيها.



مد الآخر يديه له، ليقبض على خاصته بعدم أهتمام، ثم أن يتركها، ويبادر بالمسامحة فى حقه. جذب رضوان آنها راما من يديها، ليسحبها بلين خلفه، طالبًا منها الصمت التام ..... حاولت هى دفعه عنها، وهى تلتفت بوجهها مناظرة ما هو خلفها للمرة الأخيرة، مُفكرة بما هو متمم للوحتها.



بلا وعي حركت جسدها بقوة، ونزعت يدِ رضوان عنها، بينما تقول للآخر الذي خُيل له إعجابها به، وبدأ يطالعها بكِبر مزيف : حضرتك ممكن تيجي معايا النهارده المرسم.



توقف رضوان عن السير، فللصدق لم يتوقع أن يخرج منها حديث كهذا، يعلم عن جرئتها، يعلم عن عدم تفكيرها في القول قبل إطلاقه؛ لكن حديث كهذا لم يتوقعه أبدًا. بينما على النحو الآخر فتح الشاب فاهه بعدم إستيعاب، وردد بخشونة : أجي معاكي فين مفهمتش ؟



تورد خدي راما خجلًا، وهى تروي ما بعقلها موضحة حديثها السابق بعبارة : أنا برسم لوحة لمسابقة بعد أسبوع، واللوحة ناقصها واحد يترسم، فأنا أقصد يعني إن حضرتك لو عندك وقت فاضى تيجي أرسمك، وأعطيك فلوس، مجرد وظيفه.



بهت وجه رضوان، وهو يسير ليمسك بها من جديد، بينما يبتلع ريقة بحرج تام آن أعتذاره للآخر، وقوله بجديه مصتنعة : أسف يا



صمت من بعدها بترقب، ليُكمل ذاك الطائف عليهم بهدوء : عُمير.



جاء رضوان ليتحدث من جديد فوجد عُمير يرفع الهاتف خاصته، ليجيب على مكالمة أتته للتو قائلًا بحده : ما أنا بقولك كده من إمبارح، صورها من الدرجه السته وعشرين، بالمرقب الفلكي.



وما هي إلا ثواني حتى أغلق الشاب الهاتف، وطالعهم بإنتباه من جديد، ليبتسم رضوان له، وهو يهمس بلين محاولًا تبرير الأمر : هى تعبانه النهاردة شويه فمش مركزه بتقول إيه.



رفعت راما هاتفها حينها بعدم إهتمام، لتلتقط فيديو لذلك الشاب أثناء حديثه دون أن يلاحظ، بينما تبتسم بداخلها معلنةً عن حل الجزء المفقود من اللوحة المقبوعة في ركن خفي تنتظر الإنطلاق للعلن. قالت آنها بعد تعديلها لمظهرها : يلا يا رضوان هنتأخر.



تطلع عُمير بها بعدم إستيعاب فنظراتها السابقه قد تحولت لآخرى بارده في لمح البصر. حيدت راما بأعينها عنه تمامًا آنها، ودلفت للسيارة بهدوء مُستبقة أخاها، هُنالك، لتشكل حالة من الفوضى بداخله، ولا يسعه سوى تحريك عينيه عنها، بينما يتمتم بنبرة ذات مغزى لرضوان : أشوفك على خير.



بالسيارة، ركب رضوان بأعين تستشيط غضبًا من أفعالها الطائشة. أحرقها بنظراته قبل أن يقود بهدوء مريب دون الحديث معها بقول واحد يُذهب عنها القلق.



بللت راما شفتيها بترقب، تنتظر خروج الآخر من صمته المريع، ليستكمل هو ما يفعله، فلا يصدر صوتًا سوى صوت توقف السيارة بعد خمس دقائق عند أحد المخابز، ويتبع الأمر بفتحه للباب، وعودته مع خبز محشي بالعجوه من أجلها.



ألقاه على قدمها بلا مبالاة زائفة، وبدأ يقود من جديد بتسارع، متوجهًا نحو وجهتها المطلوبة. طالعته راما بوجه متوتر، وبدأت تتلاعب في أظافرها بإرتباك قبل أن تردد بصوت صادق : مكنش قصدي، مش أنت اللي قولتلي امبارح الرسم مش محتاج تفكير الرسم محتاج نبص حوالينا كويس، ونركز مع كل حاجه ربنا خلقها، ممكن نلاقي صفقة شغل حلوه من الفراغ.



كاد أن يتحدث، لتستوعب هى الكارثة التى ألقتها عليه، وتستكمل بلين : مش قصدى أنه حلو، قصدى كشغل، عمومًا أنا آسفه.



لم يهتم بأسفها ذلك، بل ردد بغضب وصوت منخفض بالقدر المستطاع : أنا متكلمتش قدامه عشان أنا مش عيل هيقلل من قيمة أخته قدام حد، لكن أنتِ عادي ما شاء الله، مخليه أخوكي لا مؤاخذه بقرون.



أغمضت راما عينيها، وهى تشعر بإنطفاء جزء منها. فهاهم على وشك الخوض في شجار جديد بسبب الشئ ذاته. بسبب جرأتها، وتعاملها بأريحيه مع الجنس الآخر، وغيرته الغير مبررة عليها.



أردف هو بضيق بعد أن إبتلع ريقه : كله من دلع بابا الزايد، ميت مره قولتلك يا راما في حدود في التعامل، ومش كل حاجه تتاخد بضحك، ولا بحسن نيه، أنتِ مش ناويه تتهذبي بقى.



جاءت لتتحدث مدافعةً عن نفسها ليضع إحدى يديه أمام وجهها مُصمتًا إياها، وهو يتوقف أمام المرسم، ويستكمل بصوت حاد : ومتقوليش أنت مش واثق فيا، أنا متنيل واثق فيكي بس مش واثق في اللي حواليكي، والثقه ملهاش علاقه بالإنفتاح، يا راما لو أنا فاهمك وعارف نيتك فاللي حواليكي مش عارفين، لازم تحطي حد في كلامك مع الرجاله، لو مش عشان نفسك، يبقي عشان أخوكي اللي قاعد جمبك، وعامل شبه الأرجوز، على العموم أنا تعبت، ومش هتكلم معاكي في الموضوع ده تاني خليكي كده زي ما أنتِ بأفكارك، وأنا هفضل مُعقد بأفكاري، جاي من العصر الحجري.




تنهدت مرارًا، وتكرارًا كمحاولة للسيطرة على روحها. كتمت مشاعرها، وهي ترى ذلك الشعور يتسلل إليها من جديد، شعورها الدائم بالضياع، وعدم تواجد من يوجهها بالطريقة الصحيحة، الجميع يقول لها كلام معتاد متضاد، وينتظر منها تنفيذه، والدتها تطلب منها ممارسة الطب، والعيش في هدوء حتى يرزقها الله بزوج صالح تستكمل العيش معه لنهاية العمر ..... والدها يمنحها كامل الحرية في الحياه، يشجعها على الفن، لا يقيدها في أي شئ. يترك لها مساحة زائده من الحرية، والتي باتت تقيد مشاعرها نحو إختيار الوجهة الصحيحة مؤخرًا.



أما عنه رضوان أكثر من يفهمها، وأكثر من يحزنها ( المفضل لديها ) إن مال الطريق بها، يحاول منع إعوجاجه حتى لو تطلب الأمر كسر أضلعه. إن شعرت بالحزن ود لو يتحول لها لكومديان لا يفعل شئ سوى نثر المسرةِ على قلبها. حينما تفقد الطريق، ولا تجد رشد تجده يهذبها، ويهديها السبيل.



المعضلة الوحيدة في علاقتها معه، غضبه حين وقوعها في وضع لا يتمنى رؤيتها فيه. لا يستوعب أنها لا تستطيع التغيير بتلك السهولة، شخصيتها المتفتحة الحساسة، الغريبة بعض الشئ، لا يمكن أن تتحول بين ليلة وضحاها على نهج نصحه، فالأمر الذي أخذ منها سنوات لتكوينه لن يُهدم هكذا في لمح البصر.



لذا، ولتلك الأسباب دومًا ما تشعر بالضياع .... ضائعة هى يتملكها الخيبه، والإختناق، يتملكها رغبة عارمه في البكاء، لكن لا تبكي، بل تنتظر النجاة بيد أو رساله، أو حتى رسمة بلا فائدة كما تقول والدتها.



مسبقًا كانت تظن أن الأشخاص الكتومين مثلها خُلقوا ليموتو بسبب صمتهم. فالمشاعر الثائره الموجودة بداخلهم كفيله بأن تقتلهم وهم على قد الحياة، والغريب أنها قد تغلبت على كل هذا، وعاشت بسلام، وهنا قد أدركت قيمة الفن، بالتحديد قيمة الرسم في حياتها.



الفن قد جاء لمن مثلها، فوسط متاعب الحياه، كان لابد من وجود منفذ تلوذ إليه في ضيقها، كان على الإنسانية خلق طريقة للتعبير عن الحزن .. خُلق الفن حينما كان الإنسان عاجزًا عن الوصف، أخُترع الفن، وبدأ الإنسان يمارس العادات للهرب من مأساة العجز عن التعبير.



مارس العالم الفن بطرقُ مختلفه، فمن الناس من لجئوا للكتابه كهواية للتعبير عن مآسيهم وكانت حروفهم مولودة من رحم الوجع، ومنهم من لاج للرسم وبدأ يجُسد وجعه في وجوه لوحاته مثلها، ومنهم من إستخدم الأحجار وأصباغ الأشجار كنوعًا من التعبير، ومنهم من فر نحو النحت وإتخذه ملجأ له.



تعلم أيضًا بأن هنالك أُناس تخرج من حزنها بطرق بسيطه أقل تعقيدًا من خاصتها كالبحث عن العِناق، والبكاء منتحبًا، كالجلوس مع صديق وإرخاء الرأس على الكتف، كالصلاة والبكاء في السجود شاكين إلى الله مما أتعبهم.



الطرق مُختلفه، وتلك طريقتها التى لا تنكر فضلها عليها مهما طالت بها الأيام، فعندما لم يكن لها ملجأ كانت الفُرشات ملجئها. لذلك مفهوم الفن بالنسبة لها أرقى من أن يتم وصفه .. لأنه الحياه والمنفذ والطاقة المفقوده، لأنه الحزن والوجع، لأنه في الحقيقه هي، هي قد خُلقت من الفن وهو قد خلق من بقاياها التي أرادت إعادة ترميمها.



أفاقت من سطو أفكارها تلك، حينما سمعت حمحمت رضوان، لتلتفت فتجده يضع يديه على وجهه بتعب يحاول موازنة كلامه. تنهد مرارًا قبل أن يُحرك يديه ليلامس كتفها بحنو، ويردد بحرج : آسف، أنا خايف عليكي مش أكتر.



فتحت كلمته تلك دموعها المتحجرة، لتبكي بنحيب مرتفع، بينما تقول من بين شهقاتها : ملكش كلام معايا.



مسح دموعها بباطن كفه، ثم أن قبض على يديها بحنو، وقبلها بحب قبل أن يقرصها بلين، ويردد بجدية يخالطها إنعدام الشدة : البوسه عشان أسلوبي في الكلام كان غلط، والقرصه عشان كلامي مش غلط.



تطلعت به بأعين حانقة، ليبتسم أثناء فتحه لباب المقعد المجاور له، وسيره بضع خطى نحو خاصتها ليفتحه لها، بينما يمد يديه ليحتضن يديها، هامسًا بلين : محدش هيخاف عليكي قدي، ومحدش هيحبك قدي، أنتِ عارفه إني عصبي شويه بس الموضوع ده وراثه في العيلة، العرق ضارب من إنتصار.



ضحكت راما بهدوء، قبل أن تمسك بطرف قميصه، وتمسح أنفها فيه بغلظة، بينما تقول بطفولية : هسامحك خلاص، أنت كمان متزعلش مني.



نظر رضوان لها بإشمئزاز، مع مطالعته ليد قميصه بوجه ممتعض، وترديده بخلق قد ضاق من فعلتها : امشي يا راما من وشي روحي إرسمي أبركلك.



طالعته راما بطرف عينيها، وتحركت من أمامه بينما تُعدل من هيئة حقيبة ظهرها، وتقول ببلاهه : سلام.



حرك يديه لها بخفوت مودعًا طيبها، قبل دلوفه إلي السياره، ليعتلي مقعد القائد بينما يطالع هيئتها من بعيد، وهي تغادر، وتحرك يديها في الهواء لتودعه للمرة الخامسة عشر تقريبًا. بشرود يخالطه التردد أستمر في مناظرتها، قبل قيادته لطريق العودة للمنزل، في حين إعتراء وجهه بسمة حزينه لا سبب لها.



مرت الساعات التالية من اليوم ببطئ شديد، حتى أقترب موعد إعلان الشمس عن رغبتها في الأختفاء عن كل شئ، وكذلك عن ذلك المكان.



مكان فارغ تمامًا لا يغزو طبيعتة الخلابة سوى ثلاثة أشخاص، يمكثون في أمكان متقاربه من بعضهم البعض. كلًا منهم جالس على مقعد خشبي مرتفع أمام لوحته يداعبها بأصابع الفن خاصته بلين، وحذر شديد بينما يتنفس عبير الطبيعة بكل طلاقة.



نظرت راما للوحتها ببسمة واسعه، ومن ثم أن طالعت الضوء المتساقط على اللوحه ليبين لها بوضوح تفاصيلها التي أرهقتها منذ ثلاثة أشهر. فتحت هاتفها لتبدأ في تخطيط آخر جزء من هيئة الشاب، ثم ما لبثت أن صرخت بصوت مرتفع بسعاده، وهي تُسقط أقلامها أخيرًا عن اللوحة مُعلنة عن انتهاءها.



وجدت الشاب، والفتاة الموجودين بالجوار، والغريبن عليها ..... يطالعوها بملامح مبهمه، لتحمحم آنها، وهي ترفع هاتفها، لتبعث لرضوان رسالة مخطوط بها تلك العبارة "شكرًا على فكرة اللوحة يا حلو طلعت تجنن "



أتاها الرد بعدها بدقيقة، حينما خط الآتي " فلوس المسابقة النص بالنص بقى ها "



اكتفت راما بإرسال ملصق غاضب، لتجده يتصل بها لحظتها، ليطلب منها أنتظاره حتى المجئ لنقلها بسبب قِله المواصلات في تلك البقعة.



آنها، على مقربة منها، قبعوا هم أمام لوحات لا يفقهون عن راسميها شيئًا. نفخت نبوية بضيق، ونهضت على حين غرة لتقف أمامه، وتضع يديها في خصرها مع قولها بملل : أنا زهقت عاوزه أمشي.



أشار لها عزيز بالإبتعاد من أمامه بغضب، ومن ثم أن قال بهدوء منعدم : طيب أبعدى كده يا عسل، وروحي أقعدي مكانك.



بعند شديد إستمرت نبوية في الوقوف أمامه، بينما تتمتم بحنق، وغيرةٍ واضحه : بقولك زهقت.



: وأنا بقولك أقعدي مكانك.
ردد عزيز بحدة، لتهمس بصوت حاد، وهي تضيق عينيها، وتفتعل حركات مماثلة لخاصته : وأنا بقول زهقت.



تلاعب بملامح وجهه، وهو يربكها بتسليط نظراته عليها، ويقول بغضب مكتوم : مفيش حاجة أسمها زهقت، هتتنيلي تقعدي في مكانك يا عسل عشان بعد كده متبقيش تشبطي في ديلي زي العيال في كل حته.



أنتفخت أوجادها، وأخذت تتنهد مرارًا أثناء إلتقاطها لأنفاسها بالكاد مع قولها بإستنكار : black من فضلك l am free ومينفعش تقيدني.



نفخ بصوت مسموع، ثم أن ضيق عينيه، وقال بصوت حاد بث فيها الخوف : نبويه.



بدا على ملامحها التذمر آنها، ودارت بأعينها في المكان قبل أن ترفع شفتيها للأعلى، وتقول : نعم.



أشار لها على مقعدها لتسير نحوه بغضب، بينما تضرب الأرض بقدمها، وتردد : أنا رجعت إحترامًا للعقد اللي بينا، ولولا كرتونه الأندومي مكنتش هعبرك أنت، وهو.



إبتسم لها بإستخفاف، وبقى يطالع راما بغموض، جعل صوت تلك الفتاة يخرج من جديد، وهي تقول بغضب : عجباك اخطبهالك.



ضرب على كفه بطريقة ما، وهو يقول بحزن مزيف : خاطب، أو لا كاتب الكتاب، يعني تقدرى تقولي متجوز للأسف.



رفع يديه لها من بعدها ليريها خاتم خطبته، لتناظر هي خاصتها بهدوء زائف، وتردف بغيره : كويس أنك فاكر، بدل ما أنت مقعدني أتفرج عليكم كده.



أشار على شفتيه بحركة ما يطلب منها الصمت، وهو ينهض ليجذب يديها بتسارع مع قوله بخفوت : زي ما أتفقنا بالظبط.



أومأت له بعدم إقتناع، بينما تجز على أسنانها، وتسير معه بتخبط، حتى وصولهم نحو تلك الفتاه، قالت نبوية لها بغضب : معاكي لون pink غامق ؟



أخذت راما ثواني لتستوعب قولها ذلك، ومن ثم أن فتحت حقيبتها التي جمعت بها كل أدواتها للتو. بدأت تُخرج الألوان خاصتها بهدوء، فغمزت نبوية لعزيز، ليحمحم، وهو ينظر للفتاه بتردد، لكن وعلى حين غرة وجد ثلاثتهم ضوء غريب يسقط على لوحتها ....



ضوء قد أتى من الفراغ، لينير رسمتها بشكل غير عادي، حينما إختفت الشمس تمامًا. تعامد الضوء على وجهها، وتنفست هي بالكاد، في حين إمتداد يديها بالألوان لتمنحها للفتاة بلا وعى.



أخذتهم نبوية منها بتلهف، فنظرت لها راما بتيه، ولم تمر عن تلك اللحظه سوى ثواني، حتى إعتراها شعور غريب، وسيطر الدوار على جسدها بشكل واضح، لتفقد إتزانها، ويصيبها إغماء مفاجئ، لم ترى من بعده شئ سوى السواد فقط، لا أكثر.
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

الفصل الأول
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.