JanaHesham

شارك على مواقع التواصل

(من أنت) الفصل الأول
" مش عاوز أعيش الرحلة.. مش دة اللي كنت بتحلم بيه.. والأ أنت نسيت، كام مرة بكيت"

كان كل شىء يسكنه الهدوء حولها عدا عقلها الذي تتلاعب به الأفكار، لقد مرت أكثر من خمس ساعات وهى على نفس الحال، تشعر بأن عقلها قد شُل تمامًا، ولا تعرف هل تأخذ الأمر على محمل الجد، أم لا تكترث لأمر برمته، ويكفيها ما يشغل عقلها بالفعل.
صوت والدتها أخرجها من حالتها تلك، فخرجت لها وهى يبدو عليها الإجهاد والقلق، نظرت إليها والدتها فرأتها على هذه الحالة لتسألها
- ما بكِ أكان الامتحان صعبًا جدًا
- لقد كان بالطبع، أتخالين أن يصفحوا عنا، ويأتوا بأختبار عادل، وليس تعجيزي كعادتهم، في كل مرة أشعر بأني  طوال العام أدرس في عالم آخر، و أدرس علم آخر ليس له علاقة بما يأتون به، لا يريحني سوى أني أرى الجميع يتعجبون مثلي مما يروه.
- أتعني بأنك سترسبي، أم أن الأمر كله بأن التقدير سيقل عن المعتاد، تعلمين بأن هناك مشكلة في الحالتين، فأنتِ تحتاجين التقدير لاختيار التخصص الذى ترغبين به، كما أني وأباك نتمنى أن تعملي في هيئة التدريس بالجامعة، وذلك بالتأكيد يتطلب أن تتفوقي على زملائك، لا تنسي ذلك.
كلمات والدتها كانت كالفتيل الذي أشعل النار بداخلها، ولكن برغم ذلك حاولت ضبط صوتها قائلة
- أنا أتذكر ذلك جيدًا أمي، كفى أرجوكِ، لأن عقلي لم يعد قادرا على تذكر الأمر أكثر من ذلك
همت أن تدخل غرفتها مجددا، ولكن والدتها قالت سريعا
- انتظري سارة، لم أقصد مضايقتك، ولا أن أسبب لكِ أى ضغط، دعينا من هذا الحديث الآن، هل تريدين أن تأكلي الآن؟
- حسنا، امي.. أريد أن أخبرك بشىء
كادت والدتها تجيبها، وإذا تسمع صوت فتح الباب، ودخول والدها بعد أن ألقى التحية، لاحظ والدها وقوفها فوجه حديثه إليها
- ما أخبار الاختبار اليوم، سارة.
-جيد أبي كان جيد
- جيد،  تعرفين بأنه لا يكفي أن يكون جيد فقط يجب أن يكون ممتاز
شعرت سارة بأنها لا تستطيع الإجابة بأى شئ لذلك حركت رأسها عدة مرات بالايجاب دلالة على تفهمها، ولكن في الحقيقة هى لم تكن متقبلة لأى حديث على هذه الشاكلة، كل ما فعلته بعدها أنها ساعدت والدتها في وضع الطعام على مائدة، وجلست تتناول الطعام مع والديها فقط لأن أخويها التوأم عند جدتهم.
‐------------------------------------------------
عادت إلى غرفتها مرة أخرى، لا زالت تفكر في أمر تلك الرسالة، لا تعرف كيف تتصرف، ولا تعلم لما هى مهتمة بأمرها فقد تكون مجرد رسالة من شخص يمزح معها، أو أحد أخويها يريد أن يروعها قليلا، حاولت بهذا التفسير ابعاد الفكرة عن رأسها لكي تستطيع أن تنام، ولكنها سرعان ما فتحت حسابها  تطالع في الرسالة بشىء من التدقيق، لتقرر بعد مدة أن تكتب أى شىء، لم تكن تعلم بأنها سوف تدخل في لعبة نفسية، سوف تغير الكثير في حياتها، وما حولها.
كانت ما كتبته هو مجرد سؤال بسيط وهو من أنت؟

------------------------------------------‐‐‐‐---
في بيت مختلف، وغرفة أخرى ينم أساسها، والوانها بأنها تنتمي إلى فتاة فكل شىء فيها يجمع بين درجات اللون الزهرى واللون الأبيض بشكل متجانس، ولمسة انثوية في تنظيم ما تحتويه الغرفة من أساس، وخلافه.
جلست سهيلة تتصفح هاتفها، حيث تهز قدمها مرات متتالية، ليظهر توترها، ونفاذ صبرها، فهي قد أرسلت له عدة رسائل منذ أمس، ولكنه لا يرد برغم رؤيته لهذه الرسائل، بعد فترة وهى على نفس حالتها قررت أن تتصل به ولكن بلا جدوى، فلا يوجد رد أيضا.
في النهاية توعدته في سرها، وحلفت بأنها ستجعله يندم على  طريقته تلك عندما تراه اليوم التالي في الجامعة.
------------------------------------------‐‐‐‐---
في سهرة عائلية من المفترض أن تكون لطيفة على الجميع، يجلس الجميع يتسامر في شتى المواضيع، بينما هناك فتاة تجلس بهدوء لا تشارك في أى احاديث، ممسكة بصحن من صحون الحلوى، تتناوله بنهم وهى تستمتع دون أن تضايق أحد، ليأتي صوت أحد الجالسين ليقطع عليها خلوتها بعبارة أشبه ما تكون كالسكين في حدته
- ألا يكفي ما أكلتيه يا زُهرة اليوم، هكذا لن تستطيعي الركض وراء الأطفال في الحضانة
رمت هذه العبارة على مسمعها، ومسمع الجميع، واتبعتها بضحكة مجلجلة، لتؤكد بأن الأمر ما هو إلا مزحة. ضحك بعض الجالسين، وتصنعت زُهرة الابتسامة هى الأخرى، وهى تكاد تستطيع امساك دموعها من النزول، انتظرت بضعة دقائق لكي تستطيع أن تدلف إلى المرحاض دون أن ينتبه إليها أحد، استطاعت هناك أن تلملم شتات نفسها، وأن تخفي بحة التأثر من صوتها، وخرجت وهى ترسم ابتسامة بلهاء، ثم رحلت مع والدتها بعد مدة إلى بيتها.
كانت ستدخل بسرعة إلى غرفتها ملجئها الوحيد، ولكن والدتها أوقفتها
- ما بكِ
- ألم تسمعي ما قالته العمة ألفت في الجلسة
- وما به ما قالته، كانت تمزح معك، لا تكوني حساسة بهذه الطريقة
- هذا لا يسمى مزاح، إنها تحرجني لا أحب هذه الطريقة أبدا، وفي كل مرة أفضل الصمت لكي لا أسبب مشكلة، ويتعكر الجو ولكن لما عليَّ في كل مرة أن أتحمل انا هذه الوقاحة منها
- زُهرة، لا تتحدثي عن من أكبر منكِ بهذه الطريقة، أربيتك هكذا، و في الحقيقة لا أرى أنها قد أخطأت أو كذبت في شىء
- ماذا تعنين أمي؟ لا أفهمك
قالتها بعصبية وقد تحشرج صوتها وهى تنطق الكلمة الأخيرة من العبارة.
- أعني بأن عليكِ الآن أن تهتمي بشكلك وصحتك ونظامك الغذائي، لم تعودي صغيرة.
- ولكني حاولت يأ أمي كثيرا، وفي كل مرة لا أستطيع التوقف، لا استطيع، لما لا تفهميني، لما لا يفهمني أحد.
- لهذا أقول لكِ أنك لم تعودي صغيرة لكي تقولي لا استطيع، لماذا لا تستطيعين، يجب أن تكون إرادتك أقوى من ذلك، ولكنك جبانة يا زُهرة.
حركت رأسها دلالة على عدم تقبلها لما تقوله والدتها، ثم تركتها وتوجهت إلى غرفتها، ودموعها تتساقط ، بينما والدتها تنظر إليها بحزن لا تعلم إن كانت ما قالته سيجعلها تتحرك أم أنها فقط تدمر علاقتهما بهذه الطريقة.
وبعد فترة من البكاء لم تستطيع التفكير سوى أن تذهب، وترر ما يمكن أن تتناوله ففي النهاية الطعام هو الشىء الوحيد الذي يسعدها.

-----------------------------------------‐‐‐‐---
في غرفة معتمة تنم على الكاءبة، تقف فتاة هزيلة في الشرفة وتنسند على أحد جدرانها، وفي أحدى يديها هاتفها تقرأ ما كُتب في الشاشة أمامها، بنظرة لا تنم عن خير، تفكر في رد مناسب لسؤال من أنت؟
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.