وتم حفظ جثة "فتحية" بثلاجة المشرحة تمهيدا لأجراء الفحوصات التشريحية ؛ ودون دكتور "حامد" ملاحظاته الأولية " الجثة لأمرأة في العقد الثالث ؛ تم أقتلاع العيون بعنف بالغ مما أحدث نزيف حاد نتيجة الأقتلاع وتوجد مظاهر رعب جلية علي وجه الضحية ونتيجة أرتطامها بالأرض حدث كسر حاد لقاع الجمجمة وتهشم للفقرات العنقية وحدوث نزيف داخلي نتيجة سقوطها من أرتفاع ... لا توجد أي مظاهر آخري علي الجثة ... أنتهت الملاحظات"
وزفر دكتور "حامد" زفرة طويلة تنم عن ضيقه فتلك الجرائم البالغة التعقيد وربطها بظواهر غير طبيعية جعلها تؤرق مضجعه لشهر منصرم .
وبنهار يوم شتوي غائم دبت عصا غليظة تتكيء عليها عجوز ذات ملامح غريبة مليئة بالتجاعيد علي وجهها ولها نظرات حادة أخذت تزحف بقدميها بخطوات بطيئة ولكن دقات عصاها الغليظة كانت كدقات كتيبة عسكرية من جنود تدق طبول الحرب ؛ وأخذت ترمق كل من يقابلها بنظرات حادة ليدب الرعب بقلب كل من يراها وفر الأطفال من أمامها فهي كالساحرة الشريرة بقصصهم الطفولية؛ وأخذت تسير بطرقات الحارة الضيقة ؛ لتتوقف أمام منزل مهجور وكأنما عاصفة ضربت جدرانه وتحيله لأنقاض فلقد تم أنتزاع النوافذ جميعها وآثار لحرق باب المنزل وكأنما أضرمت به النيران لتحيله إلي بقايا أخشاب متناثرة ؛ ودخلت العجوز للمنزل غير عابئة بصيحات النسوة :" رايحة فين يا ست وأنتي مين " فالبداية لم تلتفت إليهن ولكن مع تكرار صياحهن ألتفتت العجوز لتتحول عيونها للون الأبيض لينعدم لون عينيها ويتبدل للبياض كأنما أصيبت بكف البصر منذ سنين؛ فصرخت النساء فزعات وتجمد الرجال من هذا المنظر ؛ وكأنما كتب علي تلك الحارة اللعنة الأبدية .
وعلم "علي" من الأهالي بما حدث وأنطلق للحارة لرؤية تلك العجوز الشمطاء الشيطانية كما وصفها الأهالي له؛ وأرشدوه للمنزل التي تقبع به العجوز ؛ ليدق أنقاض باب المنزل المنهار ليسمع فحيح كفحيح أفعي الكوبرا الأكثر رعبا وشراسة ؛ لتخرج وهي تدق بعصاها الغليظة ليراها "علي" بملامحها وملابسها العجيبة فهي أشبه بنساء الغجر اللاتي يجوبون الطرقات بالنجوع والقري حيث تتواجد الموالد ليقيموا وسائل للترفيه من خيم للرقص والغناء وألعاب للتسلية وبيع الحلي والأسوار الملونة بالأضافة لأمتهانهن مهنة السحر وقراءة الكف والطالع ؛ وظل "علي" يوجه إليها الأسئلة عن هويتها وسبب مجيئها للحارة وسبب أختيارها لهذا المنزل بالذات ؛ ولم يلق لتساؤلاته صدي وكأنما أسئلته ترتطم بصخرة صماء لا تنطق بأي جواب ؛ فأشتبه بأنها صماء فاقدة للسمع ولكنها بادرت بهمهمات غريبة لتعلو بها وكأنما تلقي تعويذة ما ؛ مما آثار الرعب في قلوب أهل الحارة خاصة وهي تدق الارض بعصاها الغليظة ليصدر عنها صوت قرقعة حادة تصم منها الأذن ؛ لتتعالي بتعويذتها ولغتها الغريبة المبهم أصولها والغير مفهومها ؛ ليحدث "علي" نفسه متسائلا :" ايه القضية اللي مش باين لها أي ملامح دي هي ناقصة دجل وشعوذة ؟؟؟!!!"