GilbertKeith

شارك على مواقع التواصل

وعند دخولهم من الباب الجانبي، وجدوا أنفسَهم عند النهاية الداخلية لقاعةِ مدخل
المنزل، والتي امتدت بطول أحدِ جوانب المنزل وحتى الباب الأمامي، وتعلوها نافذةٌ مروحية
كئيبة ذاتُ طراز قديم. كان هناك ضوء رمادي خافت قد بدأ في تبديد شيءٍ من الظلمة،
وكأنه شروق كئيبٌ ذو لون مغاير؛ لكن كان مصدرُ الضوء الوحيد هناك هو مصباحًا
مظلَّلًا، من طراز قديم أيضًا، كان مثبتًا على حاملٍ في زاوية. وتحت ضوء هذا المصباح،
استطاع باجشو أن يميِّزَ الحطام الذي تحدَّث عنه الأب براون. كانت هناك نخلة طويلة لها
أوراقٌ وارفةٌ كبيرة قد سقطت بكامل طُولها، وكان الأصيصذو اللون الأحمر القاتم الذي
وضعت به قد تهشَّم إلى شظايا. كان الحطام متناثرًا على السَّجادة، وكان هناك أيضًا فتاتٌ
صغيرٌ لامعٌ لبقايا مرآة مكسورة؛ كان إطارها معلَّقًا خلفَهم على الجدار في نهاية الدهليز،
وقد بدا فارغًا تمامًا. وعند الزاوية اليُمنى لهذا المدخل، وتمامًا عند الجهة المقابلة للباب
الجانبيِّ الذي دخلوا منه، كان هناك ممرٌّ آخر مماثل له يؤدي إلى بقية أجزاء المنزل. وعند
النهاية الأخرى لذلك الممَرِّ، يمكن رؤية الهاتف الذي استخدمه الخادمُ لاستدعاء القس؛
وكان هناك باب نصفُ مفتوح، يظهر منهصفوف من الكتب الرائعة المغلَّفة بالجلد، والذي
كان هو مدخلَ حجرة المكتب الخاصة بالقاضي.
وقف باجشو يتأمَّل الوعاءَ المهشم، والشظايا المختلطة المتناثرة عند قدميه.
أنت محقٌّ تمامًا؛ لقد وقع شجار هنا. ولا بدَّ أنه شجار بين جوين » : ثم قال للقس
«. وقاتله
«. بدا لي أنَّ شيئًا قد وقع هنا » : قال الأب براون بنبرة متواضعة
أجل، من الواضح تمامًا ما حدَث. لقد دخل القاتل من » : صدَّق المحقق على كلامه قائلًا
الباب الأمامي ووجد جوين؛ وربما سمح له جوين بالدُّخول. ثم حدثصراعٌ شديد بينهما،
ومن المحتمل أن طلقة طائشة أصابت المرآة، على الرغم من إمكانية أنهما حَطَّماها بركلة
طائشة أو شيءٍ من هذا القبيل. ثم تمكن جوين من تحرير نفسِه وهرب باتجاه الحديقة،
حيث تبِعَه الآخر وأطلقَ عليه النار في النهاية عند البركة. أتخيَّل أن هذه هي القصة الكاملة
«. خلفَ وقوع هذه الجريمة، لكن لا بدَّ أن ألقي نظرة على الغرف الأخرى بالطبع
لكن لم يُستشف من فحص الغُرف الأخرى سوى القليل من المعلومات، رغم أن
باجشو أشارَ إلى وجود مسدسأوتوماتيكي محشوٍّ بالطلقات في أحد أدراج المكتبِ الموجود
بالمكتبة.
يبدو وكأنه كان يتوقَّع ما حدث، لكن يبدو من الغريب أنه لم يصطحبْ » : قال باجشو
«. مسدسَه معه، حين خرج إلى القاعة الأمامية
ثم عادوا جميعًا في النهاية إلى القاعة الأمامية، وسلكوا طريقهم نحو الباب الأمامي.
جال الأب براون بعينيه في المكان بطريقةٍ شاردةٍ نوعًا ما. بدا أن الممرَّيْن، اللذين كانا
يتطابقان في الألوان الباهتة الرمادية لورقِ الحائط المغطَّى به كلٌّ منهما، يتلاءمانِ مع
أشكال الزهور المغبرة الكئيبة لبعض زخارف العصر الفيكتوري القديمة، وكذلك الصدأُ
الأخضر الذي طغَى على الجزء البرونزي من المصباح، وكذلك اللون الذهبي الباهت الذي
يلمَع من إطار المرآة المكسورة.
يقولون إنَّ كسر المرآة يُعد نذيرًا بسُوء الحظ. ويبدو أن هذا المنزل » : قال الأب براون
«… في حدِّ ذاتِه نذيرُ حظٍّ عاثر. هناكشيء ما بشأن الأثاث
هذا أمرٌ غريب تمامًا. كنت أعتقد أن الباب الأمامي سيكون » : قال باجشو بنبرة حادة
«. مغلقًا، لكنه كان غيرَ موصد
لم يكن هناك ردٌّ على كلامه؛ وخرجوا جميعًا من خلال الباب الأمامي إلى الحديقة
الأمامية، وقد بدت ضيقةً أكثر. وتتكون من مجموعة من الأزهار المنسَّقة، وفي إحدى
نهاياتها سياجٌ نباتي مقصوصبصورة غريبة، وبه فجوة وكأنه مدخل كهف، وقد ظهرت
عند حافَته بضع درجات مكسورة.
سار الأب براون نحو الفجوة، وخفَضرأسه وأدخل نفسه فيها. وبعد بضع لحظات
من اختفائه بداخل الفجوة أصابتْهم الدهشة جميعًا؛ لأنهم سمعوا صوته الهادئ فوق
رءُوسهم، كما لو كان يتحدث مع شخصفوق قمَّة إحدى الأشجار. تبعه المحقق، ووجد أنَّ
الدرجات المخبَّأة الغريبة كانت تؤدِّي إلى ما يبدو وكأنه جِسر مكسور، يتدلى فوق الأجزاء
الخاوية والأكثر ظلمةً من الحديقة. كان الجسريلتفُّ حول زاوية المنزل، ويطل على مجالٍ
من الأضواء الملونة في آفاقه. ربما كان الجسرُ يمثل بقايا محاولةٍ معمارية مهجورة لبناء
شُرفة من نوع ما مُقَنْطرة فوق الحديقة. ظن باجشو أنه من المثير للفضول أن يجدُوا
شخصًا في مثل هذا المكان الذي لا منفذَ له في هذه الساعة بين الليل والصباح، لكنه لم يكن
يدقِّق في تفاصيل المكان حينها؛ فقد كان ينظر إلى الرجل الذي وجَدُوه.
وفيما كان الرجل القصير الذي يرتدي ملابسَ ذات لون رمادي فاتح يقف وظهرُه
لهما، كان أبرز ما في هيئته هو شعر رأسِه المدهش؛ كان شعره ذا لونٍ أصفر مشعٍّ كما لو
كان رأس زهرة هِنْدِباء بريَّة كبيرة. وكان منثورًا حول رأسِه حرفيٍّا وكأنه هالة من نوع
ما. ومن تداعياتِ هذا الربط أنهما أصُيبا معًا بالصدمة حين أدار وجهَه نحوهما في بطءٍ
وتجهم؛ فقد كان وجهُه مغايرًا تمامًا لما توقعاه. كان من المفترضأنَّ هذه الهالة ستحيط
بوجهٍ بيضاويٍّ ملائكي بشكل ما، لكن وجهه كان نكِدًا وتعتليه ملامح الشيخوخة، وكان
فكه قويٍّا وأنفه صغيرًا، مما أوحى لهما بطريقةٍ ما أنه يشبه أنوفَ الملاكِمين المكسورة.
قال الأب براون بنبرة هادئةٍ كما لو كان يقدِّم اثنين من الأشخاص إلى بعضِهما في
«. حسنًا، هذا هو السيد أورم، الشاعرُ المعروف » : إحدى غرف الاستقبال
أيٍّا من كان هو، فلا بدَّ أن يتحمل عناء اصطحابي له، وإجابته عن » : قال باجشو
«. بعضالأسئلة التي سأوجِّهها له
لم يكن الشاعر السيد أوزرك أورم نموذجًا يُحتذى به في التعبير عن الذات، حين يتعلَّق
الأمر بالإجابة عن الأسئلة الموجهة إليه؛ ففي تلك الزاوية من الحديقة القديمة، وبينما كانتْ
خيوط الفجر الرمادية الأولى تتسلَّل فوق الأسَْوِجة النباتية الكثيفة والجسرالمكسور، وفيما
تلا ذلك من سلسلة من الظروف ومراحلِ التحقيق القانوني التي أصبحت تُنذر بسوء
أكثر فأكثر، رفضَالشاعر أن يقول أيشيء سوى أنه انتوى بالفعل زيارةَ السير هامفري
جوين عند الباب، لكنَّه لم يفعل ذلك؛ لأن أحدًا لم يُجبْه حين دقَّ جرس الباب. وحين
أشُير إلى أن الباب كان مفتوحًا بالفعل، نخَر. وحين أشُير إلى أن الساعة كانت متأخِّرة
بعض الشيء، زَمْجر. أما القليل الذي قاله، فكان غامضًا مُبهمًا؛ إما لأنه لم يكن يعرف
الكثير من الإنجليزية مما يمكِّنه من الحديث، وإما لأنه لم يكنْ يعرفُ شيئًا من الأساس.
بدا أن آراءه ذاتُ طابع عدمي وهدَّام، تمامًا كما كانت الأشعار التي يكتبُها في نظرِ مَن
يستطيعون فهمها؛ وبدا من الممكن أن علاقتَه بالقاضي — وربما شجاره معه — كان
متعلقًا بالفوضوية. كان يُعرف عن جوين أن لديه هوسًا نوعًا ما بالجواسيس البلشفيين،
تمامًا كما كان حاله مع الجَواسيسالألمان. على أي حال، تسبَّبت إحدى الصدفالتي وقعت
بعد لحظات قصيرةٍ من الإمساك بالشاعر في ترسيخ انطباعٍ لدى باجشو مفادُه أن هذه
القضية لا بدَّ أن تُؤخذ على مَحمَلِ الجِد؛ ذلك أنهم حين كانوا يخرجون عبر البوابة الأمامية
للمَنزل، صادفوا جارًا آخر للسيد جوين وهو بولر، تاجر السيجار الذي يقطُن في المنزل
المجاور، وقد تعرَّفوا عليه من خلال وجهِه البنِّي وملامحِه الحادة وزهرة الأوركيد البارزة
في عروة سُترته؛ ذلك أنه كان يتمتعُ بشيء من الشهرة في هذا الفَرع من مجال البستنة.
ومما أدهشَ الجميعَ أنه حيَّا جاره الشاعر، بطريقة عادية، تمامًا كما لو أنه كان يتوقَّع
رؤيته.
مرحبًا، ها نحن ثانية. أعتقد أنك تحدَّثت حديثًا مطوَّلًا مع العجوز جوين، » : قال بولر
«؟ أليس كذلك
لقد قُتل السير هامفري جوين، وأنا أحقِّق في القضية، ولا بد أن أطلبَ » : قال باجشو
«. منك تفسيرًا لما قلته
وقف بولر جامدًا بلا حراك كعمود الإنارة بجانبِه، ربما كان ذلك من تأثير المفاجأة.
كانت نهاية سيجاره الحمراء تشتعل وتخبو بشكلٍ إيقاعي، لكنَّ وجهَه البني كان مبهمًا
بفعل الظلام؛ وحين تحدث، كانت نبرتُه مختلفة تمامًا.
أقصد فقط أنني حين مررتُ قبل ساعتين، كان السيد أورم يدخُل من هذه » : قال
«. البوَّابة لرؤية السير هامفري
«. إنه يقول إنه لم يرَه حتى الآن، أو لم يدخل المنزل حتى » : قال باجشو
«. تلك فترةٌ طويلة للوقوف أمام البابِ » : رد بولر
«. حقٍّا، إنها فترة طويلة للوقوف في الشارع » : قال الأب براون
كنت موجودًا بالمنزل منذ ذلك الحين؛ فقد كنت أكتب خطاباتٍ، » : قال تاجر السيجار
«. وخرجتُ لكي أوُدِعَها صندوق البريد
سينبغي لك أن تقصَّ كل ذلك فيما بعد. طبتَ مساءً — أو طبتَ » : قال باجشو
«. صباحًا
كانت محاكمة السيد أوزرك أورم لاتهامه بمقتل السيد هامفري جوين — والتي
عجَّت بها الصحف لأسابيع عديدة — تدورُ بالكامل في واقع الأمر حولَ النقطة الأساسية
نفسِها التي دارتْ حولها تلك المحادثة القصيرة تحت عَمود الإضاءة، حين كان الفجر ينشر
خيوطه الباهتةَ على الشوارع والحدائق المظلمة. كان كلُّ شيء يدور حول لغز الساعتين
الخاليتَين بين لحظة رؤية بولر لأورم، وهو يدخل من باب الحديقة ولحظة أنْ وجده الأب
براون، وهو لا يزال في الحديقة. كان أمامه بكل تأكيد وقتٌ كافٍ ليرتكب ستَّ جرائم قتل،
وربما ارتكبها بالفعل لمجرد القيام بشيءٍ ما؛ ذلك أنه لم يكن باستطاعته أن يقدِّم إفادةً
واضحة ومتسقة حول ما كان يقوم به بالفِعل. دفعت جهة الادِّعاء بأن المتهم كانت تتوافر
لديه الفرصة لارتكاب الجريمة، حيث كان الباب الأمامي غير موصد، وكان الباب الجانبي
المؤدي إلى الجزء الأكبر من الحديقة مفتوحًا. وقد استمعتْ هيئة المحكمة باهتمام شديد
إلى تصور باجشو الواضح للصراع الذي دار في الممر، والذي كانت دلائل وقوعه دامغةً؛
وقد وجدت الشرطة بالفعل الرصاصة التي تسببت في تحطيم المرآة. وأخيرًا، كانت الفجوة
في السياج النباتي التي وُجد المتهم فيها تمثِّل وبصورة واضحة مكانَ اختباء له. وعلى
الجانب الآخر، كان السير ماثيو بليك، وهو ممثل جهة الدفاع البارع، قد وجَّه تلك الحجة
الأخيرة لصالح المتهم؛ فسأل عن السبب الذي سيدفع المتهم ليُوقِع بنفسه في فخٍّ ليس له
منه مخرج، في حين أنه كان من المنطقيِّ للغاية له أن يهرب إلى الشارع. كما استفاد السير
ماثيو بليك بصورة كبيرة من اللغز المتعلق بالدافع وراءَ ارتكاب الجريمة. في واقع الأمر،
حين جرى تناول هذه النقطة في مُرافعات السير ماثيو بليك ممثل جهة الدفاع، والسير آرثر
ترافرز ممثل جهة الادعاء الذي يُضاهيه براعة، كان الأمر في مصلحة المتهم بكلِّ تأكيد. فلم
يكن باستطاعة السير آرثر سوى أن يقترح شيئًا عن مؤامرة بلشفية والتي بدتْ واهيةً إلى
حد ما، لكنه حين تناول تفاصيل سلوك أورم الغامضفي تلك الليلة، كان وَقْع حديثه أكثر
تأثيرًا.
خطا المتهم نحو منصَّة الشهود، والسبب في ذلك يعود على نحو رئيسيإلى أن محاميه
الذكيَّ قد رأى أن عدم قيامه بذلك سيخلف انطباعًا سيئًا لدى المحكمة، لكن المتهم كان
صموتًا في وجهِ محامي الدفاع كما كان تمامًا في وجه محامي الادِّعاء. وقد استغل السير آرثر
ترافرز صمتَه العنيد لصالحه بكل السبل الممكنة، لكنه لم يتمكَّن من حمله على الحديث.
كان السير آرثر رجلًا طويل الهيئة نحيل البنية، ذا وجه شاحبٍ طويل، على النقيضتمامًا
من هيئة السير ماثيو بليك الذي كان قويَّ البنية ذا عينين لامعتين شبيهتين بعيون الطيور،
ولكن إذا كان السير ماثيو بليك شبيهًا بعصفورٍ دوري واثق من نفسه، فقد كان السير
آرثر أقربَ شبهًا إلى طائر الكركي أو اللقلق، وفيما كان ينحني بجسده إلى الأمام ويوجه
الأسئلة إلى الشَّاعر، كان أنفه الطويل أشبهَ بمنقار كبير.
أتقصد أن تخبر هيئة المحلفين أنَّك لم » : سأل السير آرثر بنبرةٍ منزعجة تنمُّ عن الشك
«؟ تدخل قطُّ إلى المنزل لترى القتيل
«! نعم » : أجابه أورم باقتضاب
أعتقد أنك كنت تريد رؤيته. لا بدَّ أنك كنت تتوق بشدة إلى ذلك. ألم تنتظر طوال »
«؟ ساعتين كاملتين عند الباب الأمامي
«. بلى » : أجابه الآخر
«؟ ومع ذلك لم تلاحظ قطُّ أن البابَ كان مفتوحًا »
«. نعم » : قال أورم
ماذا كنت تفعل يا تُرى طوالَ ساعتين كاملتين في » : سأل المحامي بإلحاح قائلًا
«؟ الحديقة الأمامية لمنزل شخصٍآخر؟ لا بد أنك كنت تفعل شيئًا، أليس كذلك
«. بلى »
«؟ أهوسر » : سأله السير آرثر، بنبرة هزلية
«. إنهسرٌّعنك » : أجابه الشاعر
عندما بدا هذا الاقتراح بوجودِسر،شرع السير آرثر في استغلال الأمر فيسرد تصوُّره
للاتهام. وفي شجاعةٍ قد يعتقد البعضأنها تفتقر إلى احترام المبادئ، تمكَّن من تحويل لغز
عدم وجود دافع وراء ارتكاب الجريمة — والذي كان هو الركنَ الأقوى في حجة خصمه
محامي الدفاع — إلى حجةٍ تخدم مصلحته. فقد قدمه على أنه أولُ الأجزاء الدالة على وجود
مؤامرةٍ كبيرة عميقة متقنة، والتي راح رجلٌ وطني ضحيتها كشخص وقع بين براثن
أخطبوط.
أجل، صديقي المثقَّف على حق! إننا لا نعلم السبب الحقيقي » : صاح آرثر بنبرة رنانة
الذي قُتل ذلك الموظف العام المحترم في سبيله. ولن نعرف السبب في جريمة القتل التالية
التي ستقع لمثله. وإذا ما سقطصديقي المثقف نفسُهضحيةً لسمو مكانته، وللكراهية التي
تكنُّها القوى الشيطانية للهدم تجاه حُماة القانون، فسيُقتل هو أيضًا، ولن يُعرف السبب
في ذلك. إن نصف الرجال المحترمين الذين يشرفون هذه المحكمة سيُذبحون في أسرَّتِهم،
ولن نعرفالسبب وراء ذلك. إننا لن نعرفالسببَ أبدًا، ولن نتمكن أبدًا من إيقافالمذبحة،
حتى تُخلى بلادُنا من ساكنيها، وما دام يُصرَّح للدفاع بإيقاف كلِّ الإجراءات القانونية من
تلك الكلمة البالية البائدة، في حين أن كل حقيقةٍ أخرى في هذه ،« الدافع » خلال التذرع ب
القضية، وكلَّ تناقضٍصارخٍ وذلك الصمت العميق هي كلها أشياء تُخبرنا بأننا نقف أمام
«. قاتل
لم أعهَد السير آرثر بمثل هذه الحماسة » : قال باجشو لمجموعة كانت ترافقه بعد ذلك
من قبلُ. يقول البعضإنه تخطَّى الحدودَ المألوفة، وإن ممثِّل الادعاء في قضية قتلٍ لا ينبغي
أن يسعى إلى الانتقام هكذا، لكني لا أجد مفرٍّا من القول بأن هناك شيئًا شديد الغرابة
حيال ذلك العفريتِ الصغير ذي الشعر الأصفر الذي يعدُّ سببًا في تكوين هذا الانطباع.
طوال الوقت كنت أتذكر على نحوٍ مبهم شيئًا قاله دي كوينسي عن السيد ويليامز، ذلك
المجرم الشنيع الذي ذبح عائلتَيْن كاملتَين في صمت تام. أعتقد أنه قال إن ويليامز كان
له شعر ذو لون أصفر فاقع بصورة غير طبيعية، وإنه يعتقد أن شعره قد صُبغ بإحدى
الحِيل التي تعلَّمها في الهند، حيث يصبغون خيولهم باللون الأخضر أو الأزرق. ثم هناك
ذلك الصمت العميق والغريب الذي يَلزمه، وكأنه أحدُ رجال الكهوفالذين لا يعرفون كيف
يتحدثون؛ لن أنُكر أبدًا أن هذا الأمر بالكامل قد أثارني بشدَّة، حتى شعرت بأن من يقف
في قفص الاتهام كان على نحو ما وحشًا. ولو كان شعوري هذا نتيجة ما أتى به السيد
«. آرثر من بلاغة، فلا بد أنه قد بذل جهدًا كبيرًا في حديثه؛ لكي يخرج بهذه الصورة
لقد كان صديقًا لجوين المسكين في واقعِ الأمر، ولقد » : قال أندرهيل بنبرة لطيفة أكثر
رآهما مؤخرًا شخصٌأعرفه بينما كانا يتجوَّلان معًا مؤخرًا، بعد عشاء كبير ضمَّ مجموعة
من رجال القضاء. قد أتجرَّأ وأقول إن هذا هو السبب وراء تأثُّره الشديد بهذه القضية.
وأنا لا أعرف إن كان تصرف المرء تجاه قضية كهذه من منطلق المشاعر الشخصية هو
«. أمرًا ملائمًا أم لا
ما كان للسير آرثر أن يتصرَّف من منطلق شعوره الشخصي، أراهن » : قال باجشو
على أنه لم يكن ليتصرف من هذا المنطلق فقط، على الرغم من تأثره الشديد. إنه يتمتع
بإحساس قوي تجاه مَركزه المهني، وهو أحد الرجال الذين لا يهدأ طموحهم حتى وإن
حقَّقوا كثيرًا مما يطمحون إليه. لم أعرف مثيلًا له قط في محاولة الحفاظ على مكانته. لا؛
أنت مخطئ في افتراضالسببِ وراء خُطبته المدوية تلك. إنه إذا ما سمح لنفسه أن يقول ما
قال؛ فهذا لأنه يعتقد أن بإمكانه إدانةَ الرجل، على أي حال، ويود أن يضع نفسه على رأس
حركة سياسية مضادَّة للمؤامرة التي يتحدث عنها. لا بد أن لديه سببًا قويٍّا وراء رغبته في
إدانة أورم، وكذا في اعتقادِه أن بإمكانه القيام بذلك. هذا يعني أن الحقائق ستكون داعمةً
وهنا انتبه باجشو إلى وجود شخصٍ «. له، وثقته هذه لا تُبشر بخيرٍ فيما يتعلَّق بالمتهم
ضئيل الحجم ضمن المجموعة التي كان يتحدث إليها.
حسنًا أيها الأب براون، ما رأيُك في الإجراءات » : قال وقد علتْ وجهه ابتسامة
«؟ القضائية
في الواقع، أعتقد أن أكثر ما أثار دَهشتي هو مدى » : أجابه القس على نحو شارد
الاختلاف الذي يظهر على شكل المرء حين يرتدي شَعرًا مستعارًا. أنت تتحدث عن أن
محاميَ الادعاء كان رائعًا جدٍّا، لكن تصادف أنني رأيته وهو يخلعُ شعره المستعار للحظة،
«. وأزعم أنه يبدو رجلًا مختلفًا تمامًا. إنه أصلع إلى حدٍّ ما، وهذا أحد الأسباب
أخشى أن هذا لن ينفي كونَه رائعًا. أنت لا تقترح أن تُبنى حجةُ » : رد عليه باجشو
«؟ الدفاع على حقيقة أن محاميَ الادعاء أصلع، أليس كذلك
ليس تمامًا. ولكي أكون صادقًا، كنت » : قال الأب براون بنبرة فيها شيءٌ من الدعابة
أفكر كيف أن بعض الأشخاص لا يعرفون الكثيرَ عن الأشخاص الآخرين الذين تختلف
طبيعتُهم عنهم. هبْ أنني ذهبت إلى مكان ناءٍ به أناسٌ لم يسمعوا عن إنجلترا من قبل،
وهبْ أنني أخبرتهم أنه لن يسأل شخصفي بلادي عن أمور تتعلقُ بالحياة والموت؛ إلا إذا
وضع على رأسه شيئًا مصنوعًا من شعر الحصانِ له أطراف قصيرة في مؤخرتِه، وتتدلى على
جانبيه جدائلُ شعرٍ لولبية رمادية، وكأنه امرأة عجوز تعيشفي بدايات الحقبة الفيكتورية.
سيعتقد هؤلاء الناس أنه غريبُ الأطوار؛ لكنه ليس غريبَ الأطوار على الإطلاق، إنما هو
شخصيتمسك بالعُرف ليس إلا. ولكنهم سيعتقدون بأنه غريب الأطوار؛ لأنهم لا يعرفون
وفي الواقع، ذلك .« محامٍ » شيئًا عن المحامين الإنجليز؛ ولأنهم لا يعرفون ماذا تعني كلمة
المحامي لا يَعرف ماذا يكون الشاعر، وهو لا يفهم أنَّ غرابة أطوار الشاعر لن تبدو كذلك
في أعين شعراءَ آخرين. إنه يرى أن من الغريب أن يتجول أورم في حديقةٍ جميلة مدة
ساعتين، وهو لا يفعل أي شيء. يا إلهي! إن الشاعر لن يضيره أبدًا أن يتجوَّل في الحديقة
نفسها مدة عشر ساعات إذا كان يفكِّر في كتابة قصيدة. وقد كان محامي أورم على نفسِ
«. الدرجة من الغباء أيضًا؛ فهو لم يخطر بباله قطُّ أن يطرح على أورم السؤال المبين
«؟ ما السؤال الذي تقصده بحديثِك » : سأله الآخر
السؤال بالطبع هو: ما القصيدة التي » : قال الأب براون بنبرة تنم عن نفاد صبره
كان يكتبُها؟ ما السطر الذي كان عالقًا به؟ ما الصفة التي كان يبحث عنها؟ ما الذروة
التي كان يحاول الوصول إليها؟ إذا كان هناك في تلك المحكمة أشخاصٌمثقفون يعلمون
ما هو الأدب فعلًا، لكانوا قد عرَفوا من دون شك إن كان يفعل شيئًا حقيقيٍّا أم لا. إنك
كنت ستسأل أحد أصحاب الصناعات عن حالة مصنَعِه، لكن يبدو أنَّ أحدًا لا يفكر أبدًا في
«. الحالة التي تتم صياغةُ الشعر خلالها. إن الشعر يُصاغ أثناء عدم القيام بشيء
لا بأس بذلك، ولكن لماذا كان مختبئًا؟ لماذا صعد تلك الدرجات » : أجابه المحقق
«؟ المكسورة وانتظر هناك؛ إذ لم تكن تلك الدرجات تُفضيإلى أي مكان
بالطبع لأنها لا تؤدِّي إلى أي مكان. إن أي شخصتقع » : صاح الأب براون في اندفاع
عيناه على ذلك الطريق المسدود الذي ينتهي في الجوِّ كان سيعرف أن الفنانَ سيرغب في
«. الذهاب إليه، تمامًا كما كان سيفعل أي طفل صغير
أعتذر لك، لكن يبدو » : ثم توقف للحظة بينما كان يرمشُ بعينيه، ثم قال معتذرًا
من الغريبِ أن لا أحد منهم يفهم هذه الأشياء. ثم إن هناك شيئًا آخر؛ ألا تعرف أن كلَّ
شيء بالنسبة إلى الفنان له معنًى ويكون صحيحًا من زاويةٍ معينة أو جانب محدد؟ إن
الشجرة والبقرة والسحابة ستعني له شيئًا فقط إذا ما ربطَت بينها علاقة معينة؛ تمامًا
كما سيحدث إذا وضعتَ ثلاثة حروف بجوار بعضها في ترتيب معين، عندها ستشير هذه
الحروف إلى كلمة. وفي الواقع، كان منظرُ تلك الحديقة المضاءة من فوق الجسر المكسور
هو المكانَ الصحيح لرؤيتها. كان المنظر من هناك فريدًا من نوعه وكأنه بُعدٌ رابع. كان
بمنزلة تكثيفٍ خرافي؛ كان كالنظر إلى السماء ورؤية كلِّ النجوم تتلألأ فوق الأشجار،
وكانت البحيرة المضاءة وكأنها قمرٌ قد سقط على الأرضفي قصة سعيدة نحكيها للأطفال.
كان الشاعر سيتطلعُ لهذا المشهد إلى الأبد، وإذا ما قلتَ له إن ذلك الطريق لم يكن يؤدي
به إلى أي مكان، كان سيُخبرك بأنه قد أدى به إلى آخرِ بلاد العالم، لكن هل تتوقَّع منه أن
يقول ذلك وهو يَعتلي منصة الشهود؟ كيف كنت سترد عليه لو كان قد أخبرَك بذلك؟ أنت
تتحدثُ عن المحامي، وهو يقف بين هيئة محلَّفين تتألف من أقران له يفهمهم ويَفهمونه،
«؟ فلماذا إذن لا تكون هناك هيئة محلَّفين من الشعراء
«؟ أنت تتحدثُ وكأنك شاعر » : قال باجشو
احمد ربك أنني لست كذلك. واشكر ربَّك على أن القساوسة عليهم » : قال الأب براون
أن يتَّسِموا بالتسامح أكثر من الشُّعراء. فليرحمنا الرب؛ لو أنك تعرف ما يشعر به ذلك
الشاعرُ من مشاعر ازدراء وحشية ساحقة تجاهكم جميعًا، كنت ستشعر كما لو أنك تقف
«. تحتَ شلالات نياجرا
ربما تعرف عن الحالة المزاجية الفنية أكثرَ مما » : قال باجشو بعد أن صمت برهة
أعرف، لكن يبقى الرد بسيطًا في نهاية المطاف. يمكن أن تبرهن على أنه فعل ما فعل من
دونِ أن يرتكب الجريمة، لكن يصح القول بالمثل إنه ربما يكونُ قد ارتكب الجريمة أيضًا.
«؟ فمن غيره يمكن أن يكون قد فعَلها
هل فكرت في أمر الخادم، جرين؟ لقد » : سأله الأب براون بنبرة تنمُّ عن تفكير عميق
«. سرد رواية غريبة نوعًا ما
«. أوه، أنت تعتقد في نهايةِ المطاف أنَّ جرين هو من فعلها » : صاح باجشو على الفور
أنا واثق تمامًا أنه لم يفعلها، إنما أسألك فقط إن كنت قد فكرت في » : أجابه الآخر
روايتِه الغريبة. لقد خرج من المنزل؛ ليقوم بأمر ما أو ليتناول مشروبًا أو ليلقى شخصًا
ما، أو أيشيء آخر، لكنه خرجَ من باب الحديقة وعاد من فوق سُور الحديقة. أو بكلمات
أخرى، كان قد ترك الباب مفتوحًا، لكنه عاد ووجده مغلقًا. لماذا؟ لأنَّ شخصًا آخر كان قد
«. خرج بالفعل من خلاله
«؟ القاتل. أتعرف من يكون » : غمغم المحققُ في نبرة تنم عن الشك
أعرفكيفكان شكلُه. هذا هو الشيء الوحيد الذي أعرفُه. » : أجابه الأب براون في هدوء
يمكنني رؤيته تقريبًا بينما دخل من الباب الأمامي، في ضوءِ مصباح القاعة؛ يمكنني رؤية
«! جَسده وملابسه، بل وحتى وجهه
«؟ ماذا »
«. كان يبدو كالسير هامفري جوين » : قال القس
اللعنة، ماذا تقصد؟ كان جوين يرقُد قتيلًا، ووجهُه غارق في » : سأل باجشو بإلحاح
«. البحيرة
«. أوه، أجل » : قال الأب براون
لنعد إلى نظريَّتِك، وقد كانت جيدة للغاية، رغم أنني لا » : ثم استطرد بعد لحظة
أتفق معها تمامًا. أنت تفترضأن القاتل دخل من الباب الأمامي، وقابل القاضيفي القاعة
الأمامية، وتصارعا فكَسَرا المرآة، وبعدها انسحب القاضينحو الحديقة، حيث أرُدي قتيلًا
في نهاية المطاف. ولكن وبطريقة ما لا تبدو هذه النظرية صحيحة بالنسبة إليَّ. فبفرض
أنه قد انسحَب من جهةِ نهاية القاعة، فهناك مخرجان؛ أحدهما يؤدي إلى الحديقة؛ والثاني
يؤدي إلى الأجزاء الداخلية من المنزل. كان سينسحب إلى داخل المنزل بكل تأكيد، أليس
كذلك؟ فقد كان مسدسُه هناك؛ وكذلك هاتفه، وكذلك خادمه كان موجودًا بحسب ما كان
يعرف حينها. حتى أقرب جيرانه كان أقربَ إليه في ذلك الاتجاه. فلماذا إذن يتوقف ليفتح
«؟ باب الحديقة، ويخرج وحيدًا إلى ذلك الجزء المهجور من المنزل
لكننا نعرف أنه خرجَ من المنزل. نحن نعرف » : رد عليه رفيقه وقد بدت الحيرة عليه
«. أنه خرج من المنزل؛ لأنه وُجد في الحديقة
لم يخرج قط من المنزل؛ لأنه لم يكن في المنزل من الأساس. أقصد، » : قال الأب براون
ليس في ذلك المساء. كان يجلس في ذلك الكُوخ، لقد عرفت ذلك في البداية أثناء الظلمة،
حيث كانت الإضاءة الحمراء والذهبية تشبهُ النجوم في أرجاء الحديقة. كان مصدر طاقتِها
هو الكوخ؛ ولم تكن لتكون مضاءة لو أنه لم يكن بداخل الكوخ. كان يحاول أن يجري في
«. اتجاهِ المنزل والهاتف، وذلك حين أطلق عليه القاتل النار بجوار البحيرة
ولكن ماذا بشأن الأصيص والنخلة والمرآة المكسورة؟ كنت أنت من » : صاح باجشو
«. وجد حطامها! أنت من قلت إنه لا بد أنَّ هناك شجارًا قد وقع في القاعة
أحقٍّا فعلت ذلك؟ أنا لم أقل ذلك بالتأكيد. » : رمشالقسبعينيه في مرارةٍ، وغمغم قائلًا
لم أعتقد قط أنَّ شجارًا قد وقع. لقد قلت إنَّ ما أعتقده هو أن شيئًا قد حدث في تلك القاعة.
«. وقد حدثشيء بالفعل؛ لكنه لم يكنْ شجارًا
«؟ إذن ما الذي تسبب في كسر المرآة » : سأله باجشو باقتضاب
لقد تسبَّبتْ رصاصة في كسر المرآة، وقد كانت رصاصةً » : أجابه الأب براون في جدية
مصدرُها مسدس القاتل. أما القطع المكسورة الكبيرة من المرآة؛ فقد كانت كفيلة بإسقاط
«. النخلة والأصيص
«؟ حسنًا، من غير جوين يمكن أن يكون القاتلُ قد أطلق عليه النار » : سأله المحقق
هذه مسألة تخمينية بعضَالشيء؛ فمن ناحية » : أجابه رفيقه القس بشكل شبه حالم
كان القاتلُ يُطلق النار على جوين بالطَّبع، لكن جوين لم يكن هناك ليُطلق عليه النَّار. كان
«. المجرم وحيدًا في القاعة
تخيل المرآة الموجودة في نهايةِ الممر، قبل أن » : ثم سكت لحظة وعاودَ بنبرة هادئة
تنكسر، والنخلة الطويلة تعلوها. في ظل الإضاءة الخافتة، التي تعكستلك الجدران أحادية
اللون، كانت ستبدو وكأنها هي نهاية الممر. وكان الرجل الذي تظهر صورتُه معكوسةً في
المرآة، سيبدو وكأنه قادم من داخل المنزل. كان الرجل في المرآة سيبدو وكأنهصاحب المنزل
«. — فقط لو كان الانعكاسُ يبدو شبيهًا به
«… توقَّف دقيقة، أعتقد أنني بدأت » : صاح باجشو
لقد بدأت ترى. بدأت ترى لماذا أن كل المُشتَبَه بهم في هذه القضية » : قال الأب براون
ينبغي أن تُبرَّأ ساحتهم. لم يكن أحدهم سيظن خطأً أنَّصورة جسده المعكوسة هيصورة
العجوز جوين. كان أورم سيعلم في الحال أن رأسه ذا الشعر الأصفر لا يبدو أصلعَ في
المرآة. وكان فلود سيرى شعره الأحمر، وكان جرين سيرى صدريته الحمراء. أضفْ إلى
ذلك أنهم جميعًا قصيرو القامة ويرتدون ملابس رثَّة؛ لم يكن أي منهم سيظن أنَّ صورته
المعكوسة هي لرجلٍ طويل ونحيل وعجوز يرتدي ملابس سهرة. إننا نبحث عن رجل آخر
«. يماثلُه في الطول والنحافة. ذلك هو ما كنت أقصده حين قلت إنني أعرف شكل القاتل
«؟ وماذا تستنتج من ذلك » : سأله باجشو وقد ثبت نظرَه إليه
أطلق القس ضحكةً قصيرة حادة وعالية، تختلف بصورةٍ غريبة عن طريقته المعتادة
المعتدلة في الحديث.
«. أستنتج أن ما قلتَه كان مثيرًا للسخرية، وكذلك مستحيلًا » : ثم قال
«؟ ماذا تقصد »
إنني سأبني حجةَ الدفاع على حقيقة أن محاميَ الادعاء له رأس » : قال الأب براون
«. أصلع
«! يا إلهي » : قال المحقق بنبرة هادئة، ثم هبَّ واقفًا على قدميه وقد أخذ يحدق بالقس
استطرد الأب براون حديثه بنبرة هادئة:
لقد كنت تتبع تحركات الكثير من الأشخاصالصالحين في هذه المسألة، إنكم يا رجالَ »
الشرطة كنتم مهتمين بشدَّة بتحركات الشاعر، والخادم، والرجل الأيرلندي. أما الرجل الذي
تبدو تحركاتُه منسية، فهو القتيل نفسه. كان الخادم مذهولًا بصورة صادقة لمعرفةِ أنَّ
سيده قد عاد. كان سيده قد غادر؛ لكي يحضرعَشاءً يضم صفوة ممن يمتهنون القانون،
لكنه غادر العشاء فجأة وعاد للمنزل. لم يكن مريضًا، ذلك أنه لم يطلب أي مساعدة؛
لا شكَّ في أنه تشاجر مع أحد هؤلاء الصفوة. كان ينبغي لنا أن نبحث أولًا عن عدوِّه الأول
وسط هذه الصَّفوة. لقد عاد الرجل وأغلق على نفسه الكوخ، حيث يحتفظ بكل الوثائق
الخاصة التي تخصُّ ممارسات الخيانة، لكن أحد الصفوة ممن يمتهنون القانون، والذي
كان يعرف أن هناك وثائقَ تدينه وسط ما يمتلكه القتيل من وثائق، كان ذكيٍّا بما يكفي؛
لكي يتتبع الرجل الذي وجَّه الاتهامات إليه حتى وصل إلى بيته؛ كان هو أيضًا يرتدي
ملابس سهرة، لكنه كان يحمل مسدسًا في جَيبه. هذا هو كل ما في الأمر؛ ولم يكن أحدٌ
«. سيخمن كلَّ هذا لو لم تكن المرآة موجودة
بدا القس، وكأنه يحدق في الفراغ للحظة، ثم أضاف:
إن المرآة شيء عجيب؛ إنها صورة مؤطَّرة تحتوي على مئات الصور المختلفة، التي »
تبدو جميعُها على قيد الحياة، ثم تتلاشى إلى الأبد. لكن كان هناك شيء غريب بصورة
خاصَّة بشأن تلك المرآة المعلقة في نهاية ذلك الممرِّ الرمادي تحت تلك النخلة الخضراء. إنها
تبدو كما لو أنها مرآة سِحرية ومصيرها يختلف عن مثيلاتها، وكأنَّ الصورة التي عكستها
استطاعتْ أن تنجو من حطامها، وظلَّت معلقة في الهواء في ذلك المنزل المظلم وكأنها شبَح؛
أو على الأقل وكأنها رسم تجريدي، هيكل إحدى الحجج. يمكننا الآن على الأقل أن نستنبطَ
من الفراغ ما رآه السير آرثر ترافرز. وبالمناسبة، هناك شيء واحدٌ صحيح جدٍّا كنتَ قد
«. قلتَه بشأنه
«؟ يسرني سماعُ ذلك، ولكن ما هو ذلك » : قال باجشو في نبرة تنم عن ابتهاج بسيط
لقد قلت إن السير آرثر لا بدَّ أنه يمتلك سببًا وجيهًا؛ يجعله يرغب في » : قال القس
«. إدانة أورم بارتكاب الجريمة
بعد أسبوع، تقابل القسُّ ومحقق الشرطة مرة أخرى، وعرف القس أن السلطاتِ
كانت تتبع خيوط التحقيق الجديدة، حين قاطعها وقوع حدثٍ غاية في الإثارة.
«. السير آرثر ترافرز » : بدأ الأب براون حديثه قائلًا
«. لقد ماتَ السير آرثر ترافرز » : قال باجشو باقتضاب
«… آه! أتقصد أنه » : قال الآخر وقد بدا بعضُالاندهاش في نبرة صوته
نعم، لقد أطلق النار على الرجلِ نفسه مرة أخرى، لكن ليس في المرآة » : قال باجشو
«. هذه المرة
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

الفصل الأول الفصل الثاني
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.