GilbertKeith

شارك على مواقع التواصل

وهكذا، فحين تشوِّه سمعة ديني لتُجمِّل قصَّةً عن » : وأضاف بالنبرة الهادئة نفسها
«… مودَّة خالصة مثالية بين شقيقين، يبدو
صه! يجب أن أخبرك بتفاصيل أكثر » : وهنا صاح أوترام بنبرةٍ أشبه بطلقة مسدس
«. وإلَّا فستفترضالأسوأ. دعني أخبرك بشيءٍ واحد في البداية. لقد كان قِتالًا عادلًا
«. آه » : قال الأب براون مُتنهِّدًا بعمق
لقد كانت مبارزة بالمسدسات، وربما كانت آخر مبارزة بالمسدسات في » : قال الآخر
«. إنجلترا على الأرجح، وقد وقعت منذ أمدٍ بعيد
«. هذا أفضل. الشكر لله، هذا أفضل بكثير » : فقال الأب براون
أظنُّه أفضل من التصوُّرات البشعة التي خطَرت على بالك، » : فقال الجنرال بفظاظة
أليس كذلك؟ حسنًا، من السهل عليك أن تسخر من المودة الخالصة المثالية، لكنَّها كانت
كذلك حقٍّا رغم كل شيء. كان جيمس ماير شديد التعلُّق بابن عمه، الذي تربَّى معه كأخٍ
أصغر.صحيحٌ أنَّ الإخوة والأخوات الأكبر سنٍّا أحيانًا ما يتعلَّقون بطفلٍ أصغر منهم هكذا،
لا سيما حين يكون طفلًا رائعًا للغاية، لكنَّ جيمس ماير كان من نوعية الشخصيات
البسيطة التي يُمكن القول إنَّه حتى كراهيتها ليست أنانية. أقصدُ أنَّه حتى عندما كان
حنانه يتحوَّل إلى غضب، كان هذا الغضب يظلُّ موضوعيٍّا ومُصوَّبًا نحو هدفه دون أن يحيد
عنه؛ أي إنَّه لم يكن مهتمٍّا بنفسه. أمَّا موريس ماير المسكين، فكان على العكس من ذلك
تمامًا؛ إذ كان ألطف بكثير في تعامله مع الآخرين وكان يحظى بإعجابٍ أكبر بينهم، لكنَّ
نجاحه جعله أنانيٍّا لا يرى سوى نفسه؛ فقد كان الأفضل دائمًا في جميع الرياضات والفنون
والإنجازات، وكان يفوز دائمًا تقريبًا ويتعامل مع فوزه بسماحةٍ، ولكن إذا تصادَف أنَّه
خسرفي أيِّ مرة، يصبح سلوكه بعيدًا عن السماحة؛ إذ كان غيورًا قليلًا. ولا أريد أن أحكي
لك كلَّ تفاصيل القصة البائسة عن شعوره ببعضالغيرة من خطبة ابن عمه، وعن عجزه
عن منع غروره المهتاج دائمًا من التدخُّل في هذا الشأن، ولكن يكفي القول إنَّ أحد الأشياء
القليلة التي كان جيمس ماير يتفوَّق عليه فيها باعتراف الجميع هي الرماية بالمسدس،
«. وبذلك انتهت المأساة
بل تقصد بدأت المأساة، مأساةُ الناجي منهما. كنتُ متيقنًا من أنَّه بائسٌ » : قال القس
«. بلا تدخُّلٍ من أي مصَّاصدماء رهباني
أرى أنَّه أشدُّ بؤسًا من اللازم. صحيحٌ أنَّها كانت مأساة مروعة رغم » : قال الجنرال
«. كلشيء، كما قُلتُ، لكنَّها كانت قتالًا عادلًا. وقد تعرَّضجيم لاستفزازٍ شديد
«؟ كيف تعرف كل هذا » : وهنا سأله القس
أعرف كلَّ هذا لأنني رأيته؛ إذ كُنتُ أنا الشاهد الخاصبجيمس » : أجاب أوترام بجمود
«. ماير في هذه المبارزة، ورأيتُ موريس ماير يُردَى قتيلًا على الرمال بأمِّ عيني
أودُّ أن تخبرني بالمزيد عن ذلك. من كان شاهد » : قال الأب براون بانهماكٍ في التفكير
«؟ موريس ماير
لقد حظي بنصيرٍ أكثر تميُّزًا؛ إذ كان الشاهد الخاص به » : أجاب الجنرال بتجهُّم
هو هوجو رومين، ذاك الممثل الشهير الذي تعرفه. كان موريس مولعًا بالتمثيل وتبنَّى
رعاية رومين (الذي كان فنانًا صاعدًا آنذاك لكنَّه يعاني العديد من الصعاب) وموَّله هو
ومشروعاته مقابل الحصول على دروسٍ في تمثيل الهواة، الذي كان هوايته المفضلة، من
الممثل المحترف، لكنَّ رومين، على حدِّ ظنِّي، كان شِبه معتمدٍ على صديقه الثري في الواقع،
مع أنَّه صار أغنى من أيِّ أرستقراطي الآن؛ لذا فقيامه بدور الشاهد لا يُثبِت شيئًا عن رأيه
في تلك المبارزة. لقد تبارزا على الطراز الإنجليزي، بوجود شاهد واحد فقط لكلٍّ منهما،
وكنت أريدُ إحضار جرَّاح على الأقل، لكنَّ موريسعارضذلك بشدة، قائلًا إنَّه كلَّما قلَّ عدد
الأشخاصالذين يعرفون بأمر المبارزة، كان ذلك أفضل، وإننا نستطيع إحضار المساعدة
يوجد طبيبٌ أعرفه في القرية على بُعدِ نصف ميل، » : فورًا في أسوأ الأحوال؛ إذ قال لي
ولديه أسرع حصان في البلاد؛ لذا يمكن إحضاره إلى هنا في التوِّ واللحظة، ولكن لا يوجد
حسنًا، كُنَّا نعلم جميعًا أنَّ موريس هو «. داعٍ لإحضاره حتى نعرف مدى ضرورة ذلك
الأكثر عُرضةً للخطر؛ لأنَّه لم يكن ببراعة جيمس في استخدام المسدسات؛ لذا حين رفض
المساعدة، لم يودَّ أحدٌ أن يطلبها. وقد أقُيمت المبارزة على سهلٍ رملي ممتدٍّ على ساحل
اسكتلندا الشرقي، وأخُفيت عن أنظار سُكَّان القرى الصغيرة الداخلية ومسامعهم بحاجزٍ
طويل من التلال الرملية المُرقَّعة ببعضالعشب العفن، وربما كانت هذه الساحة جزءًا من
أحد ملاعب الجولف القديمة، مع أنَّ الجولف لم يكن قد طرأ على مسامع أيِّ رجلٍ إنجليزي
آنذاك. ومن خلال فتحة عميقة ملتوية في التلال الرملية وصلنا إلى السهل الرملي. أستطيع
تخيُّلها كأنَّها أمامي الآن؛شريطٌ عريضمن الرمال الصفراء الباهتة يليهشريطٌ ضيقٌ من
الرمال الحمراء الداكنة، التي بدا لونها الأحمر الداكن ظلٍّا طويلًا لمبارزة دموية.
لقد بدا أنَّ المبارزة نفسها بدأت وانتهت بسرعةٍ فظيعة؛ كأنَّها زوبعةٌضربت الرمال؛
فمع الضجيج الصاخب دار موريس ماير حول نفسه كمِغزل صغير وسقط على وجهه
كإحدى قوارير البولينج. ومن الغريب جدٍّا أنني، بينما كنت قلقًا عليه حتى تلك اللحظة،
صرتُ مُشفِقًا كلَّ الشفقة بعدها على الرجل الذي قتله، وما زلتُ مُشفقًا عليه حتى هذا
اليوم وهذه الساعة؛ إذ كنت أعلم أنَّ حنين صديقي الشديد إلى صديق عمره سيعاود طَرْق
قلبه بشراسةٍ بعد ذلك، وأنَّ الآخرين مهما وجدوا من أعذارٍ ليغفروا له فعلته، فلن يغفر
لنفسه أبدًا طوال حياته. وهكذا، يُمكن القول بطريقةٍ ما إنَّ الشيء الحقيقي الصارخ،
والصورة التي تكوي ذاكرتي بنيران تذكُّرها فلا أستطيع نسيانها، ليست صورة الكارثة
ولا دخان المسدس ولا شرارة الرصاصة ولا الرجل الذي خرَّصريعًا؛ إذ يبدو أنَّ كل هذا
تلاشى كضجيجٍ يوقظ رجلًا من نعاسه، لكنَّ ما رأيته، وما سأظلُّ أراه دائمًا، هو صورة
جيم المسكين يهرع نحو صديقه وخصمه المُلقى على الأرض، وقد بدت لحيته البُنية سوداء
وسط الشحوب المروِّع الذي اعتلى وجهه، بينما ملامحه الشامخة مطموسة أمام الخلفية
التي شكَّلها البحر، وإيماءاته المهتاجة التي لوَّح لي بها كي أهرع إلى الجرَّاح القاطن في
القرية الصغيرة خلف التلال الرملية. لقد رمى مسدسه وهو يركض، وكان يرتدي قفَّازًا
في إحدى يديه، وبدا أنَّ أصابعه المتهدلة المرتعشة تزداد طولًا وتُشدِّد على إيماءاته المهتاجة
التي أشار إليَّ بها كي ألوِّح أو أنادي طالبًا النجدة. هذه هي الصورة التي ما زالت محفورةً
في ذاكرتي، ولا يوجد أيشيء آخر في هذه الصورة، باستثناء الخلفية المخططة التي شكَّلتها
الرمال ومياه البحر والجثة القاتمة الهامدة كالحجر، والقامة القاتمة لشاهد القتيل، الذي
«. وقف متجهِّمًا بلا حراكٍ في الأفُق
هل وقف رومين بلا حراك؟ كنت أظنُّه ركضبسرعةٍ أكبر من جيمس » : فسأله القس
«. نحو الجثة
ربما فعل ذلك حين غادرت؛ إذ التقط ذهني تلك الصورة الخالدة في » : فأجاب الجنرال
لحظة، وفي اللحظة التالية، غُصت بين التلال الرملية وابتعدتُ عن أنظارهم. حسنًا، لقد وقع
اختيار موريس المسكين على طبيبٍ مناسب؛ فصحيحٌ أنَّ الطبيب وصل بعد فوات الأوان،
لكنَّه وصل أسرع ممَّا كنت أظن. كان هذا الجرَّاح رجلًا لافتًا جدٍّا للنظر وسريع الغضب
ذا شعرٍ أحمر، لكنَّه يتسم بقدرٍ هائل استثنائي منسرعة البديهة وحضور الذهن. لم أره
سوى بُرهةٍ وهو يمتطي حصانه وينطلق به راعدًا نحو مشهد الموت، تاركًا إيَّاي وراءه
بمسافةٍ طويلة، ولكن في هذه البُرهة الخاطفة، وصلني انطباعٌ قويٌّ جدٍّا عن شخصيته
لدرجة أنني تمنيت من لله لو أننا استدعيناه بالفعل قبل بدء المبارزة؛ لأنني ظننت داخل
أعماق نفسيأنَّه كان سيمنعها بطريقةٍ أو بأخرى. وبالفعل، نظَّف المكان من آثار الجريمة
بسرعةٍ مُذهلة؛ فقبل وقتٍ طويل من عودتي إلى شاطئ البحر سيرًا على قدمَي، تمكَّن بفضل
نهجه العملي السريع من تدبُّر أمر كلشيء؛ إذ دُفِنَت الجثة مؤقتًا في التلال الرملية، وأقنع
القاتل التعيس بفعل الشيء الوحيد الذي كان بإمكانه؛ ألا وهو الفرار بحياته. فركَض
خفيةً بطول الساحل حتى وصل إلى الميناء، وخَرَج من البلاد. وأنت تعرف الباقي، ظلَّ
جيم المسكين في الخارج سنواتٍ عديدة، وبعد ذلك، حين طُويت صفحة القصة برمتها أو
نُسِيَت، عاد إلى قلعته الكئيبة ووَرِث اللقب تلقائيٍّا. لم أره منذ ذلك اليوم حتى الآن، غير
«. أنني أعرفُ ما هو منقوشٌ بحروف حمراء في غياهب دماغه
«؟ لقد عرفتُ أنَّ بعضكم حاول رؤيته » : قال الأب براون
لم تكفَّ زوجتي قَط عن محاولات رؤيته؛ إذ تأبى التسليم بأنَّ جريمةً » : قال الجنرال
كهذه يجب أن تتسبَّب في تعطيل حياة رجلٍ إلى الأبد. وأعترفُ بأنني أميل إلى الاتفاق معها
في ذلك. فلو وقعت هذه الحادثة قبل ثمانين عامًا، لظَنَّها الناسطبيعيةً تمامًا، وفي الحقيقة
كانت أقرب إلى حادثة قتلٍ بالخطأ منها إلى جريمة قتل عمد. وكذلك فزوجتي من أعزِّ
أصدقاء السيدة التعيسة التي كانت سبب المبارزة، وترتئي أنَّ جيم إذا وافق على رؤية
فيولا جرايسون مرَّة أخرى، وسمع منها تأكيدًا بأنَّها نسيت أمر هذه المشاحنات القديمة
تمامًا؛ فقد يستعيد صوابه. وأظنُّ أنَّ زوجتي دَعَت بعضًا من أصدقائها القُدامى إلى جلسةٍ
«. تشاورية أو ما شابه بشأن تلك المسألة غدًا. إنها نشيطة جدٍّا
كان الأب براون يلهو بالدبابيس الموجودة بجوار خريطة الجنرال، وبدا أنَّه يسمع
كلامه وهو شارد الذهن بعض الشيء، وقد كان لديه عقلٌ يرى الأشياء في إطار صور،
وبدا أنَّ الصورة التي لوَّنت حتى العقل المادي الفقير الخيال للجنرال العَمَلي اكتست في
العقل الروحاني الخصب الخيال للقس بصبغاتٍ أكثر دلالة وإيحاء بخُبثٍ ما؛ إذ رأى في
نفسه، ورأى « حقل الدم » مخيلته الرمال الحمراء الداكنة الكئيبة، التي كانت بلونِ رمال
جثة القتيل القاتمة مكوَّمةً على الأرض، ورأى القاتل يركضحانيًا جسده ومُشيرًا بقفازه
بإيماءاتٍ مخبولةٍ نادمة، غير أنَّ مخيلته دائمًا ما كانت تتوقف عند مشهدٍ ثالث لم يستطع
أن يضعهضِمن أيِّصورة بشرية تُناسبه؛ مشهد شاهد القتيل وهو يقف وقفةً غامضة بلا
حراك، كتمثالٍ قاتم على حافة البحر. وقد يرى البعضذلك المشهد مجرَّد تفصيلةٍ عادية،
لكنَّ الأب براون رأى تلك القامة الجامدة الواقفة بلا حراك أشبه بعلامة استفهام تحتاج
إلى تفسير.
فلماذا لم يتحرَّك رومين فورًا؟ كان من المفترض أن يهرع أيُّ شاهد في ذلك الموقف
نحو القتيل بدافع أنه أخوه في الإنسانية، فضلًا عن صداقتهما. وحتى لو كان يُضمِر في
نيِّته الخيانة أو دافعًا أشدَّ خُبثًا لم يتضح بعد، كان من المُفترضأن يفعل ذلك حتى من
أجل مظهره العام. خُلاصة القول إنَّ المبارزة حين انتهت، كان من المفترض أن يتحرك
شاهد القتيل قبل أن يبتعد الشاهد الثاني ويتوارى وراء التلال الرملية بوقتٍ طويل.
«؟ هل من عادة هذا الرجل الروماني أن يتحرَّك ببطءٍ شديد » : قال الأب براون متسائلًا
سؤالٌ غريب. لا، بل يتحرَّك بسرعةٍ كبيرة في » : فأجاب أوترام بنظرةٍ خاطفةٍ حادة
الواقع، هذا إن تحرَّك في الأساس، لكنَّ الأغرب أنني كنت أفكِّر في ذلك عصر اليوم، حين
رأيته يقف هكذا بالضبط خلال العاصفة الرعدية. لقد كان يقف مرتديًا قباءه المشبوك من
أعلاه بإبزيمٍ فضِّيوواضعًا إحدى يديه على خصره، تمامًا وحرفيٍّا كما كان يقف على تلك
الرمال الدموية منذ فترة طويلة. حتى إنَّ البرق خَطَف أبصارنا جميعًا، لكنَّه لم يرمش،
«. وحين تلاشىوميضالبرق وحلَّ الظلام مرَّة أخرى، كان يقف في مكانه بالوضعية نفسها
أظنُّ أنَّه ليس واقفًا هناك الآن، أليس كذلك؟ أعني أنَّني أظنُّه » : فسأل الأب براون
«؟ تحرَّك في وقتٍ ما بعدها
نعم، لم يعد واقفًا هناك، لقد تحرَّك بحدَّة شديدة حين دوَّى هزيم » : أجاب الآخر
الرعد. ويبدو أنه كان ينتظره؛ لأنَّه أخبرنا بالفاصل الزمني الدقيق بين ضوء البرق وهزيم
«؟ الرعد. هل توجد أيُّ أهمية في ذلك
لكنَّ «. لقد وخزت نفسي بأحد دبابيسك. آمل ألَّا أكون قد أتلفته » : قال الأب براون
عينيه أغُلِقتا وفمه أقُفِل فجأةً.
«؟ هل أنت مريض » : سأله الجنرال مُحدِّقًا إليه
لا، كُلُّ ما في الأمر أنني ليس لديَّ ثباتٌ انفعالي كبير مثل صديقك » : فأجاب القس
«. رومين. لا يمكنني تجنُّب الرمش حين أرى الضوء
ثم استدار كي يُلملم قبعته ومظلته، ولكن حين وصل إلى الباب، بدا أنَّه تذكَّر شيئًا
وعاد مرَّة أخرى. اقترب من أوترام، مُحدِّقًا إلى وجهه بتعبيرٍ عاجز بعضالشيء، مثل سمكةٍ
تحتضر، وبدا أنَّه يهم بإمساكه من الصديري الذي يرتديه.
أيُّها الجنرال، من أجل لله، لا تدع زوجتك والمرأة الأخرى » : وقال بنبرةٍ شبه هامسة
تُصرَّان على رؤية مارن مرَّة أخرى. دع الكلاب النائمة مُستلقية، وإلَّا فستُطلِق كلَّ كلاب
«. الجحيم
ثم ترك الجنرال وحده بنظرةٍ متحيِّرة تعلو عينيه البُنيتين، بينما جلس مرة أخرى
ليعبث بدبابيسه.
غير أنَّ الحيرة الأكبر شهدتها المراحل المتتالية من المؤامرة الخيرية التي حاكتها زوجة
الجنرال؛ حيث جمعت رفقتها الصغيرة من المتعاطفين لاقتحام قلعة ذلك المُنعزِل عن البشر؛
إذ كانت المفاجأة الأولى التي صادفتها السيدة هي الغياب غير المُبرَّر للممثل الذي حضر
المأساة القديمة؛ فحين اجتمع الرفاق حسب اتفاقهم في فندقٍ هادئ بالقرب من القلعة، لم
يظهر أيُّ أثرٍ لهوجو رومين، حتى عرفوا من برقيةٍ متأخرة أرسلها أحد المحامين أنَّ الممثل
الشهير قد غادر البلاد على حين غرة. أمَّا المفاجأة الثانية؛ فتمثَّلت في هيئة الشخص الذي
خرج إليهم لاستقبالهم بالنيابة عن المالك النبيل حين استهلُّوا الهجوم على القلعة بطلبِ
مقابلة صاحبها فورًا؛ إذ لم تكن هذه الهيئة كتلك التي تصوَّروها مناسبةً لتلك الممرات
الكئيبة المؤدية إلى مثل هذه المنازل أو تلك الإجراءات الشكلية شبه الإقطاعية التي عفا
عليها الزمن. ولم تكن هيئة وكيلٍ ولا رئيس خَدَمٍ جليل، ولا حتى وصيفٍ مُبجَّل ولا خادمٍ
طويل مُزيَّن، بل كانت الهيئة الوحيدة التي خرجت من مدخل القلعة الكهفية هي هيئة
الأب براون القصيرة الرثَّة.
أصغوا إليَّ، لقد أوصيتكم بتركه وشأنه. إنَّه يعرف » : قال القسبنبرته البسيطة القلقة
«. ما يفعله، وتصرُّفكم هذا سيُتعِس الجميع
وهنا نظرت السيدة أوترام — التي كانت برفقة سيدةٍ طويلة ترتدي ملابس بسيطة
غير لافتة لكنَّ قسماتوجهها جميلةٌ جدٍّا ويبدو أنَّها السيدة جرايسون المخطوبة السابقة—
إلى القس الصغير بازدراءٍ فاتر.
«. حقٍّا يا سيدي! هذه مناسبةٌ شديدة الخصوصية، ولا أفهم ما علاقتك بها » : وقالت
أنأتمنُ قسٍّا على التدخُّل في مناسبةٍ خاصة؟! ألا » : فصاح السير جون كوكسبر غاضبًا
تعلمون أنَّهم يعيشون خلف الكواليس كجرذان خلف ألواح الجدران الخشبية يحفرون
كان «. طريقهم إلى جميع الغرف الخاصة؟ انظروا كيف سيطر بالفعل على مارن المسكين
السير جون نكِد المزاج قليلًا، بينما أصدقاؤه الأرستقراطيون يحاولون إقناعه بالتخلي عن
هذا القدر الكبير من التشهير مقابل منحه امتياز الوجود بالفعل داخل سرٍّ من أسرار
مجتمعهم الراقي. ولم يخطر على باله قَط أن يسأل نفسه عمَّا إذا كان هو الأشبه، بأي
حالٍ من الأحوال، بجرذٍ يختبئ خلف ألواح الجدران الخشبية.
آه، هذا صحيح تمامًا. لقد ناقشتُ المسألة » : قال الأب براون بنفاد صبر من فرط قلقه
مع الماركيز، وكذلك مع القسِّ الوحيد الذي جمعته به علاقةٌ على الإطلاق، لقد بالَغ الناس
كثيرًا في ظنونهم عن علاقته برجال الدين. وأقول لكم إنه يعي ما يفعله تمامًا. وأدعوكم
«. جميعًا إلى تركه وشأنه
أتقصدُ أن نتركه يعيش شِبه ميتٍ » : فصاحت السيدة أوترام بصوتٍ مرتجف قليلًا
هكذا وسط براثن الاكتئاب والجنون في أطلال كهذه! وكلُّ ذلك لأنَّ الحظ جانَبَه في رصاصةٍ
«؟ أطلقها على رجل في مبارزةٍ قبل أكثر من ربع قرن. هل هذا ما تُسمِّيه الإحسان المسيحي
«. أجل، هذا ما أسُميه الإحسان المسيحي » : أجاب الكاهن بقوة
هذا هو كلُّ الإحسان المسيحي الذي ستنالونه دائمًا » : فصاح كوكسبر بغضبٍ لاذع
من هؤلاء القساوسة، وهذه هي فكرتهم الوحيدة عن مُسامحة شخصٍ مسكين على فعلٍ
أحمق؛ لنحبسه حيٍّا ونجوِّعه حتى الموت بالصوم والكفَّارات وصور نيران الجحيم. وكل
«. ذلك بسبب رصاصةٍ أخطأت هدفها
هل تعتقد حقٍّا وصدقًا أيها الأب براون أنَّه يستحق ذلك؟ » : فيما قال الجنرال أوترام
«؟ هل هذا ما تأمرك به تعاليمُ المسيحية التي تعتنقها
من المؤكَّد أنَّ المسيحية الحقيقية هي التي تعرف الجميع » : وتوسَّلت زوجته بنبرةٍ أرق
«. وتصفح عن الجميع، هي المحبة التي يمكن أن تتذكر … وتنسى
أيُّها الأب براون، عادةً ما أوافقك على ما تقوله، » : فيما قال الشاب مالو بجدِّية شديدة
لكنِّي لا أتفق إطلاقًا مع رأيك في هذه المسألة؛ فقتل شخصٍ في مبارزةٍ برصاصة ثم إبداء
«. الندم فورًا ليس جُرمًا شنيعًا
«. أعترفُ بأنني أتبنَّى رأيًا أشدَّصرامةً تجاه جريمته » : قال الأب براون بفتور
أدعو لله أن يرقِّق قلبك القاسي. إني » : وهنا قالت السيدة الغريبة متحدِّثةً للمرة الأولى
«. ذاهبة كي أتحدَّثَ إلى صديقي القديم
وبدا أنَّ صوتها أيقظ شبحًا في ذلك المنزل الرمادي الكبير؛ إذ سُمِع صوت تحرُّكٍ
داخله قبل أن يخرج منه رجلٌ وقف في المدخل المظلم عند أعلى دَرَجٍ حجري طويل. كان
مُتشحًا بثوبٍ أسود باهت، لكن ثَمشيء غريب في شعره الأبيض، وشيء في ملامحه الشاحبة
بدا أشبه بحُطام تمثالٍ من الرخام.
بدأت فيولا جرايسون تصعد الدرج الحجري الطويل بهدوء. فيما تمتم أوترام من
«. أظنُّ أنَّه لن يتجاهلها كما فعل مع زوجتي » : أسفل شاربه الأسود الكثيف، قائلًا
فنظر الأب براون، الذي بدا عليه انهيار الاستسلام، إليه لحظة.
إنَّ ضمير مارن المسكين مُثقلٌ بما يكفي؛ لذا دعنا نُبرِّئه ممَّا نستطيع تبرئته » : وقال
«. منه، أقلُّه أنَّه لم يتجاهل زوجتك
«؟ ماذا تقصد بذلك » : فقال الجنرال
«. أقصد أنَّه لم يعرفها قَط » : قال الأب براون
وبينما كانا يتحادثان، خَطَت السيدة الطويلة الخطوةَ الأخيرة بفخرٍ وأصبحت أمام
ماركيز مارن وجهًا لوجه. وحين هَمَّ بالكلام، حدثشيءٌ قبل أن ينطق حرفًا واحدًا.
إذ أطلقت السيدةصرخة دَوَّت في أرجاء العراء وظلَّت أصداؤها تتردَّد على طول تلك
الجدران المجوَّفة. وفي ظلِّ المباغتة والمعاناة اللتين انطلقتا من شفاه المرأة، قَد يظنُّ البعض
أنَّها مجرَّدصرخةٍ بلا أيِّ كلمات. لكنَّها في الواقع كانت كلمةً ملفوظة بوضوح، وقد سمعوها
جميعًا بجلاءٍ فظيع.
«! موريس » : صرخت قائلة
وبدأت تصعد الدرَج ركضًا لأنَّ «؟ ما الخطب يا عزيزتي » : فصاحت السيدة أوترام
المرأة الأخرى كانت تترنَّح وبدا أنَّها على وشك السقوط نزولًا على الدرَج بأكمله، ثم استدارت
المرأة نحو الاتجاه المقابل وبدأت تنزل الدرَج بجسدٍ مُنحنٍ متقلِّص مرتعد. بينما كانت
«! يا إلهي! يا إلهي! إنَّه ليس جيم إطلاقًا، إنَّه موريس » : تقول
أظنُّ يا سيدة أوترام أنَّه من الأفضل أن ترحلي مع » : فقال القسُّ بجدِّيةٍ شديدة
«. صديقتك
وبينما استدار الجميع للمغادرة،سقط عليهمصوتٌكالحجر من أعلى الدرَج الحجري،
صوتٌ بدا أنَّه ربما صَدَر من قبرٍ مفتوح؛ إذ كان أجشَّ وغير طبيعي، كأصوات الرجال
الذين يُتركون وحدهم مع طيورٍ برية على الجُزُر الصحراوية. لقد كانصوت ماركيز مارن
«! انتظروا » : قائلًا
أيها الأب براون، قبل أن يرحل أصدقاؤك، آذنُ لكَ بأن تُخبرهم بكلِّ ما » : ثم أضاف
«. قلته لك. وأيٍّا كانت العواقب، فلن أختبئ منها بعد الآن
«. أنت محق، وهذاشيءٌ يُحسَب لك » : فقال القس
نعم. صحيحٌ أنَّه أذِن لي بالكلام، لكنِّي لن أسرد » : ثم قال بهدوء للرفقة المُتسائلة
الأحداث كما حُكِيَت لي، ولكن كما اكتشفتها بنفسي. حسنًا، لقد عرفت منذ البداية أن التأثير
الرهباني المُفسِد كان محضهراء من وحي روايات خيالية. قد تُشجِّع جماعتنا، في بعض
الحالات، المرء على الذهاب إلى الدير بانتظام، لكنَّهم لن يشجعوه بالتأكيد على إهدار حياته
في قلعةٍ من العصور الوسطى. وعلى المنوال نفسه، فمن المؤكَّد أنَّهم لا يريدون له أن يرتدي
ثياب راهبٍ في حين أنَّه ليس راهبًا؛ لذا بدا لي أنَّه ربما هو الذي أراد أن يعتمر قلنسوة
الرهبان أو يرتدي ولو قناعًا. لقد سمعتُ أوَّلًا أنَّه شخصٌ منعزل حِدادًا، ثم قيل لي إنَّه
قاتل، لكنِّي كنت أشكُّ شكوكًا غامضة بالفعل في أنَّ سبب اختبائه ربما لا يتعلَّق بماهيته،
بل بهويته.
ثم سمعتُ من الجنرال وصفَ المبارزة الصارخ الذي خَلَقصورةً بارزة عنها في ذهني،
وكان أبرز ما فيها هو هيئة السيد رومين في الخلفية، وقد كانت بارزةً بوضوح لأنَّها كانت
في الخلفية. فلماذا هُرع الجنرال لطلب المُساعدة تاركًا وراءه رجلًا ميتًا على الرمال، في حين
أنَّ صديق هذا الرجل ظلَّ واقفًا بلا حراكٍ على بُعد ياردات كعمودٍ أو حَجَر؟ ثم سمعت
شيئًا، محض ملحوظة تافهة، عن عادةٍ شخصية لدى رومين تتمثَّل في أنَّه يقف ساكنًا
تمامًا حين ينتظر حدوث شيءٍ ما، مثلما كان ينتظر سماع هزيم الرعد بعد ضوء البرق.
حسنًا، لقد فضحتْ هذه العادة العفوية كلشيء في هذه القضية؛ إذ كان هوجو رومين في
«. تلك الحادثة القديمة أيضًا ينتظر شيئًا
«؟ لكنَّ كلشيء انتهى. فما الذي كان ينتظره » : قال الجنرال
«. كان ينتظر المبارزة » : قال الأب براون
«! لكنِّي أقول لك إنني رأيت المبارزة » : فصاح الجنرال
«. وأنا أقول لك إنَّك لم ترَ المبارزة » : قال القس
«؟ هل أنت مجنون؟ أو لماذا تظنني أعمى » : فسأله الآخر
لأنَّك أعُميتَ عنها؛ لذا ربما لم تَرَها؛ لأنَّك رجلٌ صالح ولأنَّ الربَّ كان » : قال القس
رحيمًا ببراءتك، وأبعَد عينيك عن ذلك الصراع غير السوي. لقد أقام جدارًا من الرمال
والصمت بينك وبين ما حدث حقٍّا على هذا الشاطئ الأحمر الرهيب، الذي تُرِك آنذاك
«. لروحَي يهوذا وقابيل الهائجتَين
«! أخبِرنا بما حدث » : فشهقت السيدة بنفاد صبر
سأحكيه كما اكتشفته. النقطة التالية التي اكتشفتُها أنَّ رومين الممثل » : قال القس
كان يُدرِّب موريسماير على جميع حِيَل مهنة التمثيل. كنتُ أعرفصديقًا يمارسالتمثيل،
وقد حكى لي قصَّة مُسلِّية جدٍّا عن أنَّه لم يكن يتدرَّب طوال أسبوعه الأول إلَّا على السقوط،
«. أي تعلُّم كيفية السقوط دون ترنُّح، كأنَّه ميتٌ تمامًا
«! فليرحمنا لله » : وهنا صاح الجنرال مُمسكًا بذراعَي كرسيه وهو يهمُّ بالقيام
آمين. لقد أخبرتني بأنَّ المبارزة تمَّت بسرعةٍ هائلة، وفي الواقع، لقد » : قال الأب براون
سقط موريس قبل أن تنطلق الرصاصة، واستلقى هامدًا تمامًا، مُنتظرًا اللحظة المناسبة.
«. فيما كان صديقه ومعلمه الشرِّير يقف في الخلفية، مُنتظرًا أيضًا
«. وها نحن ننتظر، وأشعر بأنني لا أطيق الانتظار » : قال كوكسبر
فهُرع جيمس ماير، الذي كان مفطور القلب من شدة الندم » : وأضاف الأب براون
بالفعل، إلى الرجل الساقط وانحنى ليرفعه، وكان قد ألقى مسدسه من يده كأنَّه شيء
نجس، لكنَّ مسدس موريس كان ما يزال موجودًا تحت يده ومُذخَّرًا برصاصته كما هو.
ثُمَّ حين انحنى الرجل الأكبر سنٍّا على الأصغر، رَفَع الأصغر نفسه على ذراعه اليسرى وأطلق
الرصاصة على الأكبر في جسده. كان يعلم أنَّه ليس بارعًا في التسديد، ولكن لم يكن يوجد
«. أدنى شكٍّ في أنَّه لن يُخطئ إصابة القلب من مسافةٍ قريبة كهذه
هب بقية الرفاق واقفين ومُحدِّقين إلى القسِّ بوجوهٍ شاحبة. ثم سأله السير جون
«؟ هل أنت متيقنٌ من ذلك » : أخيرًا بصوتٍ غليظ
أنا متيقنٌ من ذلك، والآن، أتركُ موريس ماير، ماركيز مارن الحالي، » : قال الأب براون
لإحسانكم المسيحي. لقد كُنتم تكلِّمونني اليوم عن الإحسان المسيحي. وبدا لي أنَّكم تُعطُونه
حيِّزًا أكبر من اللازم تقريبًا، ولكن يا لَحُسن حظِّ المُذنبين المساكين أمثال هذا الرجل
«. بإسرافكم في الرحمة، واستعدادكم لمُسامحة البشر أجمعين
سُحقًا. إذا كنت تظنُّ أنِّي سأسامح أفعى قذرة كهذا، فأؤُكِّد » : فانفجر الجنرال غاضبًا
لك أنِّي لن أنطق كلمةً واحدة لإنقاذه من الجحيم. لقد قلتُ إنَّ بوسعي العفو عن مبارزةٍ
«… شريفة تقليدية، أمَّا جميع القتلة الغدَّارين
يجب أن يُعدم. يجب أن يُحرَق حيٍّا كزنجيٍّ في الولايات » : فيما صاح كوكسبر بانفعال
«… المتحدة. ولو كان بالإمكان أن يظلَّ يحترق إلى الأبد، فبالتأكيد
«. لن أمسَّه إطلاقًا ولو بنعل حذائي » : وقال مالو
للإحسان » : فيما قالت السيدة أوترام وهي ترتجف من شعرها إلى أخمص قدمها
«. الإنساني حدود
نعم صحيح، وهذا هو الفرق » : قال الأب براون بواقعية ممزوجة بقدرٍ من الدعابة
الحقيقي بين الإحسان الإنساني والإحسان المسيحي. يجب أن تسامحوني على أنني لم أتأثَّر
إطلاقًا باحتقاركم لميولي اليوم نحو عدم التسامح، ولا بالخُطب الوعظية التي ألقيتموها عليَّ
بشأن العفو عن الآثمين كافةً؛ لأنني أرى أنَّكم لا تعفون إلَّا عن الخطايا التي لا تظنُّونها
آثامًا بالفعل؛ أي أنَّكم لا تعفون عن المجرمين إلَّا حين يرتكبون ما لا تعتبرونه جرائم، بل
فعلًا مُتعارَفًا عليه بحكم التقاليد؛ لذا فأنتم مستعدون للعفو عن مبارزة تقليدية، تمامًا
كما تعفون عن الطلاق التقليدي؛ أي أنَّكم تعفون لأنَّه لا يوجد أيُّ شيءٍ يُعفى عنه في
«. الأساس
«؟ سُحقًا، ولكن لا تقُل إنَّك تتوقع منَّا أن نغفر فعلةً خسيسة كهذه » : فصاح مالو
«. لا، ولكن يتوجَّب علينا نحن أن نكون قادرين على أن نغفرها » : قال القس
ثم وقف فجأة ونظر إليهم.
يتوجَّب علينا أن نَمسَّ هؤلاء الرجال، ليس بنعال الأحذية، ولكن بالبركة. » : وقال
ويتوجب علينا أن نقول الكلمة التي ستُنقذهم من الجحيم. ونحن وحدنا مَن نبقى لنُنقذهم
من اليأسحين يهجرهم إحسانكم الإنساني؛ لذا فابقوا أنتم منغمسين في ملذَّاتكم ولا تعفوا
إلَّا عن الرذائل المفضلة لديكم وتسامَحوا مع الجرائم المتفقة مع تقاليدكم، واتركونا في
الظلام، ظانِّين أننا مصاصو دماء في الليل، لنواسيأولئك الذين يحتاجون إلى المواساة حقٍّا،
الذين يأتون بأفعالٍ لا يمكن الدفاع عنها حقٍّا، أفعالٍ لا يستطيع أي إنسانٍ في الدنيا ولا
حتى هم أنفسهم الدفاع عنها، ولا يعفو عنها إلَّا قس. اتركونا مع الرجال الذين يرتكبون
الجرائم الوضيعة المقززة الحقيقية، الوضيعة مثلما كان القديسبطرسوضيعًا حينصاح
«. الديك، ومع ذلك، أتى الفجر
«. الفجر. أتقصدُ الأملَ لروحه » : فقال مالو بارتياب
نعم، دعوني أطرح عليكم سؤالًا واحدًا. ها أنتم سيداتٌ فُضليات » : فأجاب الآخر
ورجالشرفاء وآمنون على أنفسكم، وربما تقولون لأنفسكم إنَّكم لن تنحرفوا أبدًا إلى فعلٍ
وضيع كهذا. ولكن قولوا لي ذلك بصراحة: إذا افترضنا أنَّ أيٍّا منكم قد انحرف هكذا، فمَن
منكم سيجرؤ، بعد انحرافه بسنواتٍ حين يكون مُسنٍّا وثريٍّا وآمنًا، على سرد قصَّةٍ كهذه
عن نفسه بدافعٍ من ضميره أو قسِّ الاعتراف؟ تقولون إنَّكم لا يُمكن أن ترتكبوا جريمةً
لملم الآخرون متعلقاتهم «؟ حقيرة كهذه. فهل يمكنكم أن تعترفوا بجريمةٍ حقيرة كهذه
وخرجوا مثنى وثلاث من الغرفة في صمت. فيما عاد الأب براون، في صمتٍ أيضًا، إلى قلعة
مارن الكئيبة
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

الفصل الأول الفصل الثاني
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.