فى قديم الزمان , كان هناك جزيرة نائية فى وسط المحيط , بها غابة كثيفة يعيش بداخلها حيوانات عديدة , فى وسطها سلسلة من الجبال تفصلها شطرين , الشطر الأيمن بها مملكة يحكمها ملك عادل هو الأسد " سد " له وزيران القرد والحمار , والشطر الأيسر بها مملكة يحكمها ملك جائر هو الأسد " هّدْ " له وزيران الذئب والثعلب .
كانت الحيوانات فى مملكة " سد " تعيش فى سعادة ورخاء وعدل وأمان , فليس بها فقير معدوم ولا مظلوم مقهور , الجميع تحت سقف عائلة واحدة , يراعون النظام بإتقان , ويمتثلون للقانون بإحترام .
يحرس الشاطئ قردة العواء ذات الأصوات العالية المزعجة , من أعلى أشجار جوز الهند والمانجروف , ويحرس حدودهم الخلفية من عند الجبال الكلاب البرية الشرسة , وخصوصاً عند الممر الذى يربط بين المملكتين , وعلى قمم الجبال ترى عشش الطيور الجارحة التى تعطى الغطاء الجوى .
أما فى مملكة " هّدْ " فتعيش الحيوانات الضعيفة فى بؤس وقهر وظلم وعدوان من قبل الحيوانات الأقوى , ففرضت الضرائب الجزافية على جميع الحيوانات , بأن يعطى نسبة عالية من ريع لما يحصد من زرع أو من يخرج من البحر .
وقد سمح للمفترسين فى المملكة أصطياد الحيوانات العشبية عدا الفيلة ووحيد القرن وفرس النهر لأنهم جنود الملك أو ما يسمى بالحرس الملكى , وكان غذائهم من ريع الحصاد والبحر .
أما ما يصطاد من البر فنصفه حسب القانون للملك ووزيراه ونصفه لمن أصطاد , وما تبقى من الجيفة فيرمى لحرس الحدود من الضباع والطيور الجارحة عند سفح وأعالى الجبال .
فى أحد الأيام سأل الملك " هّدْ " وزيراه عن سبب قلة الطعام وضعف الفرائس ؟
رد عليه الثعلب قائلاً : يا مولاى أن الصيف يندر فيه الماء ويقل المرعى وتضعف الحيوانات
نظر إليه الملك وكأنه يفكر فى شئ ثم قال : وهل فى هذه الاوقات العصيبة يمكننا أن نأخذ مواقف أكثر عدالة ؟
وهل فى ذلك عدل أو حكمة أكبر من الطبيعة وسنتها , فالصيف فيه فيه جفاء والشتاء فيه رخاء , وإن أخذت مواقف أكثر لينة سيتذكره الحيوانات ضعف وسيطلبون المزيد .
زأر الأسد زأرة أرعبت وزيراه وتحدث وعيناه تجحظ ووجهه ينفث غضباً قائلاً : أبعد ما فعلته لهم سيتزمرون ويطلبون ما فوق طاقتى , أوصلت لهم الجرأة أن يفكروا فى هذا الأمر .
هذه طبيعتهم يا مولاى , الجشع وطلب المزيد .
ولكن ماذا سنفعل فى هذه الأوقات العصيبة ؟
تحدث الذئب وهو يحك أنفه قائلاً : يجب أن نفكر خارج الصندوق , وراء هذه الجبال .
برقت عيناى الأسد , وفتح الثعلب فاه ثم تحدث قائلاً : هذا آخر ما نفكر فيه , فبعد كسر جناح الصقر وتقاعده وعدم قدرته على الطيران , عندما حاول الأقتراب من حدودهم , وفقدان أبنى الصغير المتهور الذى حاول التسلل عبر المضيق وأكتشاف ما وراء الجبال .
لا تقل ذلك ... ولدك كان لديه قلب شجاع مثل والده , ولكن تنقصه المكر والدهاء التى تأتى بالتجارب والخبرات ...قالها الذئب .
رد عليه الأسد مستفسراً : ماذا تقصد ؟
لقد فكرت كثيراً فى هذا الأمر يا مولاى , لدينا ملك شجاع له أعوان مخلصين , وجيش قوى عتيد , وشعب طيب صبور , ولكن لا نقدر على مواجهة العدو بسبب الجبال وضيق الممر .
وما الحل إذن ؟ قالها الملك
أن يكون هناك جاسوس فى وسطهم , مخلص أمين ذكى فطين .
ومن يكون هذا الحيوان ؟
نظر الذئب للثعلب وعليه إبتسامة صفراء قائلاً : لم أجد هذه الصفات الحميدة كلها إلا على وزيرك الداهية الثعلب المكار .
أتسعت بؤرتى عيناى الثعلب وتحدث بنبرة بها شحرجة قائلاً : أتريد أن تتخلص منى ؟
كلا ... على العكس , أريد لك الخير .
وكيف ذلك ؟
إن نجحت مهمتك , فستكون البطل المغمار الذى يشار إليه بالبنان ويثنى عليه كل لسان , وإن حصل عكس ذلك وهذا ما لا نتمناه , ستكون القدوة من بعدك لتكرار هذا العمل , وسيخلدك تاريخ المملكة وسيبنى لك نصب تذكارى .
وستكون نائبى على مملكة سد , قالها الملك .
اندهش الذئب لما سمعه من الملك " هّدْ " ولم يعقب , ثم تحدث الثعلب بعد ارتياحه من سماع هذا الكلام قائلاً : روحى فدى الملك والمملكة كلها , ونظر بأسفل عينية إلى الذئب نظرة شك وإرتياب .
بعد عدة أسابيع من العمل الجاد والمجهد , وبإشراف من الثعلب بأمر ملكى , أسدل الستار على قارب شراعى عملاق , يتزين من الداخل بنقوش ورسومات محفورة وأشكال منحوتة , وذلك فى أقصى المملكة خوفاً من العيون القريبة كانت أو البعيدة .
بدأ الثعلب رحلته بعد أن ودعه الملك والذئب راجيان له التوفيق فى مهمته , أبحر داخل المياه العميقة ليستدر حول الجزيرة بعد أن تم حسابها بطريقة مبسطة عن طريق الطيور من أعالى الجبال .
بعد أن تأكد من أنه يقف أمام الجزيرة من على الطرف الأيمن , رمى طعامه وشرابه فى البحر , ورفع العلامة البيضاء فوق السارية , وتظاهر بفقدان الوعى إلى أن وصل الشاطئ .
أعلنت حاله الطوارئ فى المملكلة كلها , بعد هياج الطيور وصراخ القرود , من القارب المتجه إليهم والذى يحدث أول مرة فى تاريخهم .
تقدم الملك ووزيراه وحرسه على الشاطئ لإستقبال الزائر الغريب , أمر الملك بعض الحراس أن يسحبوا القارب إلى الشاطئ وأن يتفقدوا ما بداخله .
رجعوا إليهم حاملين ثعلب سمين فاقد الوعى , وبعد أن رجع إلى رشده , بدأ يهزى بكلمات مبهومة غير مفهومة , أمرهم الملك بالعناية به حتى يستعيد عافيته ويسرد قصته .
بعد ثلاثة أيام وقف الثعلب أمام الملك ووزيراه يسرد لهم حكايته , بأنه قادم من جزيرة عمالقة بها وحوش ضارية , يحكمها ملك جبار يقف على رجلين كالقرود وجسمه مملوء كالحوت ووجهه كالغول , سألوه وما هو الغول ؟ قال : هو حيوان يمشى على أربع , رأسه عريض , ووجهه بارز كالحمار , وله عينين كالنار , وقرنين كالثور , وشعر كثيف كالذئب .
سأله الملك بعد أن أغلق فاه عند سماع وصف ملكهم قائلاً : وما الذى أتى بك إلينا ؟
أيها الملك العادل , إنى وصفت لك أجسام حيوانات مملكتى , أنا بالنسبة لهم قزم مدعاة للسخرية , وهناك قانون يجبر كل ما هو فى مثل حالتى أن ينفى خوفاً على السلاله العملاقة , وإنى قد أنهيت كل الحِيل للإختباء والفرار إلى أن تم أكتشافى , فجهزوا أصغر قارب لديهم ووضعونى فيه أملاً أن تقفزه أو تحطمه الأمواج , ولكن كان لدى الحظ أن أرسو على جزيرتكم وأن أحظا برعايتكم .
أومأ الملك لوزيراه بالمشورة , فأشار الحمار أن يبقى فى المملكة وأن يستفاد منه إن كان لديه أفكار ,أما القرد قد أبدى تخوفه من الغريب بعد سرد قصة بها شك وريب , فأمر الملك أن يبقى فى المملكة وأن يضع تحت المراقبة حتى إشعار آخر .
شكر الثعلب الملك بهذا القرار , وعلم بأنه سيكون مقيد وتحت الأختبار , لذلك كانت تحركاته وأفعاله حذرة وأكثر إحتياط .
تقرب أكثر من الحمار وأصبح صديقين بعد أن شعر إتجاهه بميل وعدم إنفار , الذى شعره إتجاه القرد وإن لم يبادر بالقول أو الفعل .
بعد فترة من الزمن تحدث للحمار بأن لديه فكرة يود أن يطرحها على الملك فيها خير وأمان للملكة كلها .
تحدث الثعلب أمام الملك ووزيراه بعد أن أذن له قائلاً : أن لديه هاجس من غزو مملكته السابقه إلى الجزيرة , لأنهم أهل حرب وقتال , وأنهم يخرجون بإستطلاعات ومن الممكن يصلوا إلى هذا المكان , وفكرتى أن نضع على الشاطئ خشب مسنن مثبت على الأرض موجة إلى البحر تعمل كمتاريس للحمايه من غزو أى عدو .
أعجب الملك بالفكرة وأمر على الفور بتنفيذها , وأعطاه الحق فى إدارتها .
وبعد تنفيذها عرض على الملك فكرة أخرى , وهى أن يصنع خلف المتاريس حاملات حجارة تقذفها بعيداً فى البحر لتحطيم السفن قبل مجيئها , أنشرح الملك للفكرة وعرض عليه تنفيذها , وأن يكون وزيره فى الحرب والدفاع عن المملكة .
تحدث القرد إلى الملك عن قلقه من سيطرة الخوف على شعبه جراء هذه الإجراءات دون داعى , وإن ذلك سيؤثر عكساً على أقتصاد المملكة وقلة مواردها .
رد عليه الحمار قائلاً : إن حماية المملكة وشعبها من الأخطار هو الهدف الرئيسى لبقاءنا , وهذه غريزة مملكة الحيوانات " البقاء للأقوى " .
هذأ من روعك ايها الوزير الحكيم .. قالها الملك للقرد وأردف : سنأخذ مخاوفك فى الأعتبار ولن نبالغ بالخوف من الأخطار .
واصل الثعلب العمل بجد وبمرور الوقت كسب ثقة الملك وشعبه , وأتخاذ قرارات جديدة وافق عليها الملك لحماية شعبه , حتى أصبحت كثكنة عسكرية .
تنتظرون الآن أن يغدر الثعلب بالملك "سد " من أجل الملك " هد " , ولكنه لم يقوم بشئ لأنه أصبح الحيوان الأقوى فى المملكة بعد الملك وساعده اليمن , ويعيش فيها بأمان دون خوف من ملك ظالم ووزير غدار .