roy

شارك على مواقع التواصل

دمعو العين

في قريتنا فتاةٌ تُدعى "دمعُ العين"، كان الناس يهمسون باسمها كما لو كان نبوءة. قيل إنها مجنونة العقل، حكيمة اللسان، تأسر من يستمع إلى كلماتها، وتُدهش من ينصت لبلاغتها.

لم يكن اسمها الحقيقي "دمعُ العين"، بل كان هيام. لكنّ الحكايات التي سكنت لسانها، والدموع التي لم تفارق عينيها الزرقاوين الصافيتين، كانت كفيلة بأن تُلبسها الاسم كما يُلبس الثوبُ الجسد.

ومن أشهر عباراتها التي كانت ترددها بنبرة تذيب الحجر:

> "لا تحينوا مولاتي، فجفنُ العينِ قد جفّ، وقلبُها قد تحطّم، وعينُها ابيضّت، وجسمُها هزل، وحبيبُها غاب، وترك وعدًا على صخورٍ منقوشة."



البداية

تقول هيام في إحدى قصصها التي ترويها بنغمة حزينة:

"كنتُ رضيعةً في عامي الثاني حين تبنّتني امرأة فاتنة تُنادى بـ(مولاتي). لم تكن أمّي بالدم، لكنها كانت كلّ الأمومة في حضنها. أحبّتني كما لم تحبّ أحدًا، وربّتني كما لو كنت قطعة من قلبها.
كانت متزوجة من ابن حاكم القرية، وكانت قصة حبهما من أعظم ما سُمِع به في أرضنا.لكن ذات صباح، اختفى زوجها... دون أثر.
وانكسر قلب مولاتي، فصارت لا تنام إلا على أمل عودته، ولا تصحو إلا على صوت ذكرياته.
مرّت عشرة أعوامٍ كاملة، وهي تنتظر كمن يترقّب المطر في أرضٍ جدباء.

ثم عاد. عاد بعد موت والده ليحكم القرية.
وحين رأته مولاتي، لمع الأمل في عينيها للحظة، لكنّ الأمل ما لبث أن انطفأ حين رأت بين يديه طفلة صغيرة، وإلى جواره زوجة أخرى.

تهدّم قلبها في صمت، وسقطت ملامحها في حضن الحزن.
صارت تجلس عند بوابة القصر، لا تكلّم أحدًا، تنتظر خروجه، لعلّه ينظر إليها... ولو مرة.

تحوّلت حياتها إلى قصص ترويها للأطفال، وفي كل ختام، تهمس بكلماتها الشهيرة.
وحين كنت ألقي عليها شيئًا من شعري، كانت تبتسم وتقول:

> "لو متُّ وجاء مالكُ قلبي يسأل عني، فقُل له:



> يا قلبًا حُطّمت،
ويا جمالًا هَزل،
ويا مالكَ قلبي... غدرت،
ويا روحًا، ألا تَحنّي؟
وعُدي إلى مولاكِ."الجنون

سألوني يومًا: "كيف جُنّت دمعُ العين؟"

فأجبتهم: "بسبب مولاتها."
حين ماتت مولاتي، لم أستطع البكاء. كنت أزورها كل يوم، لا أتحدث عنها لأحد، فقط أُحدّث قبرها.

وفي أحد الأيام، تعرّفتُ على ابنِ حطّاب. أحببته وأحبّني.
لكن حين علم والده بذلك، رفض زواجنا.
فهربنا معًا إلى قرية بعيدة، وبنينا فيها حياةً جديدة.

عشنا سنين طويلة، أنجبنا أربع طفلًا.
كنتُ أحكي لهم كل ليلة عن مولاتي، عن الحب، عن الحنين، عن الوعد المنقوش على الصخر.
ووعدتُهم جميعًا أن نعود يومًا إلى قريتي القديمة.

لكن الأطفال كبروا، وتزوجوا، وتفرّقوا.
ومات حبيبي... وذهبت روحه، وبقيتُ وحيدة.

هجَرني أبنائي، وأُغلق البيت، وفرّ العقل من رأسي.
صرتُ أمشي من قرية إلى أخرى، أبحث عن مولاتي، عن قبرها، عن ظلّها، عن نهر دموعي الذي غمرتها فيه.

الاسم

سُمّيت "دمعُ العين"، لأنّ عينيّ كانتا زرقاوين صافيتين كالسماء، ودموعي لا تجف.
في كل وقت، في كل زمان، في كل مكان، كانت روحي
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

دمعو العين
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.