عبده علي الفهد

شارك على مواقع التواصل

سرج الحصان
بقلم : عبده علي الفهد
[email protected]

الجزء الأول:
جلهم وسرمد يبحثان عن وطن
الفقر رفيقه، الضيق صديقه، والغربة طريقه.
يذهب صباحاً ويعود مع الغداة حاملاً بيده طعام ليلته هو أجره الذي يحصل عليه مقابل عمله، وجبت عشاء ليومه وليلته؛ فلا فطور و لا غداء.
صادف ولادته هم وغم، فأسموه جلهم؛ بمعنى وصل الهم
يمش حافي ونصف جسده عاري، اعتاد الناس على رؤيته بهذه الحالة فنعتوه بجلهم الحافي.
زوجته سرمد؛ زاهدة، عابدة، لبعلها طائعه.
حُرما من فلذت الأكباد وفرحة الأولاد .
فقررا الرحيل، و مغادرة البلاد.
: هل تطيعيني يا سرمد على هجر البلاد؟.
: أنت الوطن!.
شداء الرحال طويا الفايفي والقفار قابلا راع فسألهما: هل عثرتما على جمل كبير السنام ظل منذ ثلاثة ايام؟.
: نعم!. ولكن قبل ان نخبرك بمكان جملك، نريدك ان تخبرنا باخبار هذه البلاد التي نحن فيها، فنحن اغراب؟.
: انتما في بلدة يسودها رغد عيش و حماية جيش، تحت ظل سلطان عادل، أخبراني اين رايتما جملي الضائع؟.
: إنه اسفل الوادي، بين تلك الروابي.
استمرا سائرين، في أطراف البلدة وجدا خِربة مهدم معظم جدرانها و اتخذتها الزواحف خدراً لها ، فحطا الرحال في هذه الخِربة وقاما ببناء ما تهدم منها وطرد الزواحف منها واتخذاه بيتاً ، و بقي فأر يظهر بين حين و أخر في احدى زوايا البيت ، قاما بسد الجحر الذي يختفي فيه الفأر عدة مرات ، إلا أن الفأر يعود و يفتحه تارة أخرى.
يئسا من الفأر وقررا أن يدعاه وشأنه طالما أنه لم يتسبب في أي أذى، و قد لاحظا أمر نادر في هذا الفأر غير مألوف، فهو لا يقوم بما تقوم به الفئران من ثقب للأكياس وقرط للأغراض والأثاث، وأكل للبذور والحب، فكلما يقوم به هو أنه يظهر ويدور في زوايا البيت بهدوء ثم يختبئ في نفس الجحر دون أن يحفر جحور أخرى.
قال جلهم : دعيه وشأنه و لا تؤذيه يا سرمد.
فمارسا حياتهما اليومية فعمل جلهم أجير في إنجاز الأعمال وحمل الأثقال ،
كان من رآه ازدراه من لبسه و رداه، طرق الطُرق برجلاه و قرع الأبواب بعصاه.
كل همه قوت يومه.
مرت الأيام وانتصف العمر فأضافت الغربة حزناً على حزن افتقاد الأولاد.
في ليالي رمضان ابتهلت سرمد بالدعاء و رفعت كفاها إلى رب العباد؛ أن يهبها الأولاد فتضرعت ونظرت إلى السماء، فلمحت هالة ضوء تمر، فقالت : يا ليلة القدر مديني مدد، مني علي بولد بحق الواحد الأحد.
وأثناء المنام سمعت هاتف يقول : ابشري يا سرمد، ابشري أتاك الولد وجاك المدد.
بهتت سرمد من المنام وأيقظت جلهم، وقالت : هل سمعت ما سمعت يا جلهم ؟.
: لا ، و ماذا سمعت يا سرمد ؟.
فأعادت سرمد على جلهم ما سمعت فتعجب!، وقال : هذا حلم حلمتي بما في ذهنك من طلب الولد ، عساه خير.
فعاودا المنام ، وانجلاء الظلام بشعاع الشمس وانتظرا خروج الفأر من الجدار حسب عادته، انقضى النهار وحل الليل ولم يظهر الفأر. و في الصباح أخذ جلهم معوله وقال: اليوم لن أذهب للعمل يا سرمد، سأهدم الجدار و أرى اين اختفى الفأر؟.
هوى بمعوله و نبش المكان الذي يختفي فيه الفأر، وجد الفأر في حفرة صغيرة فهم بقتله بالمعول، تكلم الفأر وقال : لا تقتلني.
فرفع المعول وترك الفأر وعاد إلى زوجته وقص عليها ما رأى ، و أتى بها كي يريها الفأر الذي نطق ، ولكن لم يجدا الفأر بالحفرة وإنما وجدا قطعتان نقديتان من ذهب.
أخذ جلهم النقود تفحصهما ثم قال : سأذهب واشتري ما نحتاجه من قوت، إن كانت نقود صحيحة، فعاد من السوق يقود جمل محمل مما خف وزنه وغلا ثمنه من قوت وطعام ، فسرا وانشرحة صدورهم، واستمر الحال، قطعتان نقديتان في الطاقة كل صباح.
ترك جلهم حمل الأثقال وكثر الترحال ، بقي في بيته منتظر من يأتيه ليعطيه ، انتقل مخزان قوته من أيدي الناس إلى نافذة بيته ، صار ناعم اليدين منتعل القدمين ، وردي الخدين ، جديد المعطفين ، من شاهده سباه حسنه وبهاه ، صار داره قبلة المحتاجين واستراحة المسافرين و مأوى المنقطعين ، تقاطر اليه الفقراء والمساكين ، شاعت فضائله مجالس السمر وعطاياه لم يسمع بمثلها البشر.
تبدلت أحواله وتحققت آماله ، حلت عليه البركة وكثرت على بابه الحركة ، فكان يعطي عطاء وافر للمسلم والكافر ، فكلما أعطى؛ زاد وكثر طعامه.
أما سرمد فحملت من ساعته و حينه و أخبرت جلهم بأنها حامل ، فتهلل وجهه واستبشر.
ذات يوم وقفت على باب الدار أمرأة مسنة كان عمرها قد جاوز المئة ، فأخذت حظها من العطاء ثم طلبت شربة ماء فاسقتها سرمد، فشربت و استرسلت بالحديث وقالت : سبحان مغير الأحوال ، هذه الدار كان يسكنها شيخ زاهد، و كان له زوجة جاحدة؛ لا تُطعم الطعام و لا ترد السلام ، لسانها لاذع ونظرها ساطع ، تكتم النعمة وتبوح بالنقمة ، لا تحفظ غيبه و لا تكترث لمصيبه.
سأل جلهم : أين هما الأن ولماذا تركاه؟.
ردت: إن في هذا البيت عفريت من الجان من سكن فيه لا يُرزق بولد إلا مات من ساعته وحينه ، لذلك هجره سكانه، و إن زوجة الشيخ؛ عشقها العفريت فعصت زوجها فطلقها وترك الدار وهاجر ، وكانت حامل، ماتت اثناء ولادتها ولم تلد و دُفنت خلف الدار.
عدت الأيام وانقضت فترة حمل سرمد، واقتربت لحظة الولادة، وعندما أتاها المخاض لجأت إلى قبو ليس ببعيد عن الدار خوفاً من أن يموت وليدها إن ولدت في الدار ، حسب ما وصلتها الأخبار.
: يا جلهم أشعر بألم الولادة ، اذهب و أحضر بعض النساء!.
: حُب وطاعة!.
فذهب وعاد ومعه بعض النساء أدخلهن القبو وانتظر في الخارج.
النساء خرجن فسألهن جلهم بتلهف واستعجال : هاه هاه بماذا رزقنا الله؟.
فصمتن ولم يردن عليه ، فكرر السؤال.
فقلن : أدخل و أنظر!.
فدخل فوجد جلمود لحمي بحجم الفنجان ، لا يوجد عليها عضو من أعضاء الأنسان، و وجد سرمد في غيبوبة بعد الولادة.
فناداها : سرمد، سرمد ، فلم تجب ، ظن أنها فارقت الحياة ، صاح ولاح : أين المولود؟.
فتش الخرق جوار سرمد فلم يجد سوى هذه الجلمود ملفوف بخرقة وعليها آثار دم.
أفاقت سرمد، فقالت : يا جلهم أين المولود ، أين ابننا ، بماذا رُزقنا ؟ لماذا هو صامت لم يبكي ؟.
جلهم رجعت له الروح بسلامة سرمد و قال: لم يوجد سوى هذا الجلمود.
صاحت سرمد: لقد سرقت النساء أبننا !.
قال جلهم : لا ، لم يسرقن شيء ، لقد خرجن أمام ناظري.
أمسكت سرمد بالجلمود و قلبته و تفحصته ، وجدتها ذات قشور مطاطية تشبه بيض السلحفاة ، والحبل السري ملتصق في منتصف الجلمود.
فنطقت سرمد بالحمد والثناء و قطعت الحبل السري بعناية ، ثم وضعت الجلمود في خرقة وبات جلهم وسرمد في حزن.
تبادلا الأفكار واستقر بهم الرأي أن يقوم جلهم بأخذ الجلمود في الصباح إلى المقبرة و يحفر قبر صغير ويقبره لسببين :
الأول : أنه جزء منهما ودفنه واجب.
و ثانيهما : ليعلم الناس أن سرمد ولدت ومات الطفل.
مع حلول الفجر قام جلهم بأخذ الجلمود والمعول وذهب إلى المقبرة، و حفر قبر وقام بوضع الجلمود في القبر و بدأ يواري التراب عليه، فسمع صوت عطس فتوقف وانصت ،تكرر الصوت ، بُهت جلهم و تجمدت أعضائه و جف ريقة و جثاء على ركبتيه حتى استفاق.
فأنتشل الجلمود من بين التراب ونفخ عنه الغبار و لفه بمعطفه و أخذ معوله وطفق عائداً إلى البيت.
سرد على مسامع سرمد ما حدث فدارت داخل البيت وحارت ثم تهللت و استبشرت وقالت : يا جلهم عد لتوك إلى المقبرة و أدفن حفرة القبر و حوطه بالأحجار و ضع عليه مشهد وسورة ، و شع الخبر بموت طفلنا و دفنه.
فعل جلهم ما طلبت منه سرمد.
أما سرمد فأخذت الجلمود برفق و وضعته في إناء و غسلته بماء دافئ ، فنبض الجلمود بالاهتزاز.
عاد جلهم فأخبرته سرمد باهتزاز الجلمود بنبض الحياة ، فجففاه و وضعاه داخل طاقة صغيرة في جدار الغرفة.
أجمعا الراي على الرحيل وترك الدار مع طلوع النهار قبل أن تحل بهم الفضيحة والعار.
وعند حلول الفجر سمعا صوت يقول:
أمي سرمد! لا رعي عليك بعد اليوم و لا حمل احطاب.
أبي جلهم بعد اليوم لا هماً عليك و لاغم.
ستُسدى عليكم النعم و يحل في داركم الكرم.
تبادلا سرمد وجلهم النظرات و تأكدا أن مصدر الصوت الجلمود.
قالت : من أنت ؟ هل أنت جني من الجان أو ملك من ملائكة الرحمن ؟.
لكن دون جدوى فلم يجيب عليها ، فقررا البقاء وترك الكد والشقاء ، فكان كما قال ، يؤتى بالحطب إلى سرمد دون تعب و يعج البيت بأنواع القوت دون عناء من جلهم.
واستمر الحال ، ولاحظت سرمد أن الجلمود يزداد حجمه ويكبر ، فأخبرت جلهم ، فقال : إن البركة زادت وتضاعفت في كل شيء.
مرت ثلاثة اسابيع على ولادة الجلمود.
ذات يوم؛ عادت سرمد من الخارج ، وقبل دخولها سمعت أصوات حديث من الداخل.
قالت في نفسها: من الذي داخل البيت ؟. جلهم خرج ولم يعد بعد والباب مغلق ، فتنصتت .. دون جدوى ، ففتحت ولم تجد أحد.
أخبرت جلهم ، فقال: ربما يكون العفريت الذي أخبرتنا عنه العجوز ، فقد يكن حان موعد طردنا من الدار مثل من سبقنا.
في الصباح خرج جلهم وسرمد و أغلقا الباب ، و ذهبا إلى خلف النافذة مباشرةً وتصنتا ، و تفاجأ بسماع الحوار التالي :
ستخرج ، ستخرج، سأنقض عليك في حرزك و ألحقك بمن سبقك.
إقترب ، لن يحل عليك الليل ، سترى الويل، وستُحبس في مدارب السيل.
إعلم أني أنفقت الكثير من الكنز المدفون، بُغية بقاء والديك، في هذا البيت المسكون، لحين موعد ولادتك الميمون، والآن تقابلني بالجحود، وترفض الخروج من الجلمود!.
لقد نقضت وعدك وخنت أمانتك، كحارس للكنز.
انتهى الحوار وساد الصمت...
بينما اجتاح جلهم وسرمد رعب شديد، فذهبا وقضيا مبتغاهما ثم عادا إلى البيت ، فوجدا الفأر ميت وأسنانه مغروزة في الجلمود متفحم كانه أُحرق بنار.
حزنا على الفأر والقياه في الخارج.
وفي الصباح لم يجدا قطعتا النقود حسب العادة في النافذة.
قالت سرمد: لا بد من شق الجلمود وفتحه و ننظر ما بداخله ، فقد يتعفن من أثر أسنان الفأر وأنيابه!.
أحضر جلهم الخنجر وصاح و زمجر وهلل وكبر ، و وضع الجلمود اللحمي في وعاء نظيف و شق غلافه شقاً لطيفاً ، انفجر منه سائل زلال ، انبثق عنه طفلاً عطس في الحال ثم شهق و زفر ، فبكى وعلى قيد الحياة استقر.
فرحت سرمد و حضنته وحنكته ومن ثديها أرضعته و في القبو أخفته و بالأسماء حوطته.
فكان طفلاً ذكر ذا خلق بديع ، بهي زهي في حُسن مريع.
سنسميه فأر!.
ماذا تقول ياجلهم هذا إسم لايليق!.
إختاري له إسم انت!.
رزق أو مرزوق!.
دعينا نتمهل، وسوف اذهب الى صاحب كتاب؛ يسميه إسم بارد، ويعمل له حرز من كل شيطان و مارد!.
هذا هوا عين الصواب. والآن عليك ان تتسوق؛ تحضر ما يلزم لاقامة الفرح والسرور!.
كلا سنبقي هذا الامر طي الكتمان!، لكن سوف ننفق، ساشتري كبش، نذبح و نقدح و نتصدق باللحم و المرق!.
عليك بالاستعجال، قبل ان يمسس ابننا ما مسس من سبقه من عيال!.
سأفعل ذلك دون تأخير.
اخذ جلهم النقود وصرها لم يكن لديه وقت لعدها، مشى نحو السوق يحث الخطاء، وقبل وصوله السوق بلحظات؛ شاهد حصان شارد نحوه آت، من احد الغابات، اسقام جلهم واقف، فإذا بالحصان وصل امامه وصهل رافعا رأسه الى الأعلى، ملوحا بخطامه يتدلى، فمد جلهم يده وامسك بالخطام، فوجد فيه الخضوع والإستسلام، وصل جلهم بيته حاملا طلباته وكبشه على ظهر حصان. استقبلته سرمد ببشاشه، فلفت حول الحصان ودارة، فرأت دم لحم الكبش يسيل من الكيس على ظهره، فاسرعا بإنزال ما على ظهره.
نظرت سرمد الى الحصان وقالت: ما أجمله!. أين سرجه؟. هل اشتريت ام اكتريت؟.
لم اشتريه و لم اكتريه!. هذا الحصان ليس له صاحب، عثرت عليه في الطريق شارد، وثقيه في جذع هذه الشجرة ظاهر للأعيان دون ساتر. إن مر صاحبه رآه ونال مبتغاه.
طبخت سرمد، فتصدقوا واغدقو واضافوا وفرقوا.
دخلت سرمد القبو لإرضاع إبنها؛ فشاهدة جواره؛ سرج حصان نادر الوجود، عادة مسرعه نحو جلهم وقالت: من ادخل سرج الحصان الى جوار ابننا؟.
ماذا تقولي اين هو؟.
تعال خلفي لتراى!.
ياله من سرج جميل، ساعديني نخرجه نضعه على ظهر الحصان، انظري إنه عليه لائق تمام بتمام وكأنه حيك عليه بإحكام، لكن لمن هذا السرج ومن اتى به، ولمن هذا الحصان؟
لاشك ان ورى ذلك سر من الاسرار، سنترك ذلك للزمان. فما رأيناه ظاهر للاعيان، سنسميه سرج الحصان.
تبسم جلهم قائلا: نعم هو سرج الحصان.
وذات يوم عادت سرمد من قصر السلطان ، فوصلت باب القبو فسمعت أصوات عراك داخل القبو ، خشيت على سرج الحصان الهلاك ، فاسترقت النظر بحذر ، فشاهدت قط و فأر وثعبان في أشد صراع شذر مذر ، فبرز سرج الحصان فحذر و أنذر ، فجلد الثعبان بعصاء وقذف القط بالحجر وقيد الفأر بالوتر ، فتوقف العراك وفُض الاشتباك ، وقفت سرمد مذهولة ، دخلت مسرعة بعد فتحها للباب.
فغشى عينيها الضباب ثم انقشع فلم تجد قط و لا ثعبان و لا فأر ، سوى سرج يلعب بثلاثة أحجار ، فسألت سرج عما جرى وصار؟.
دعك من تلك الأخبار فهي سر من الأسرار.
استمر الحال وسرج في القبو مستتر عن الأنظار.
قال جلهم: سنستمر في الإنفاق حتى ينفذ ما لدينا.
ثم استمر جلهم بالجود والعطاء، فكانت المفاجأة لم ينقص ما لديه بالإنفاق بل كان يزيد و يتضاعف، فضاعف جلهم الصدقات ، فلم يعد يتحمل عناء الذهاب إلى السوق يومياً للشراء.
مرت الأيام ودارت السنين ، بلغ مسامع السلطان أخبار جلهم؛ ما يجري باب داره ، فعزم على تقصي آثاره و كشف كل أسراره؛ فأنفذ اليه أحد العسس، وقف باب الدار قبل الغلس.
نادى: يا جلهم الحافي ، يا أهل الدار.
أجاب جلهم: نعم ، هلُم فأدخل.
فدخل حاملاً الرمح مئزر بالوشاح ، صال وجال و لم يترك شيء داخل الدار إلا فتشه وهسه وجسه.
فقال: مولاي السلطان يطلب حضورك مع سرمد، قبل أن يحشو بيتك بالحطب ويشعل فيه اللهب.
مثلا جلهم الحافي وسرمد أمام السلطان.
فقال السلطان: في غيبتك يا جلهم عن المزرعة؛ ذبلت الأشجار وقلت الثمار ، أريدك أن تعمل فيها باستمرار.
و أنتِ يا سرمد تعهدي الأبقار ، ولك مني ألف درهم وجلهم ألف دينار.
ثم سأل العسكري: ماذا وجدت في دارهم؟.
فأجاب: لم أجد بدارهم درهم أو دينار عدى فرش وحصير وفضلات قوت فقير.
فقال جلهم : أعفني أيها السلطان .
رد السلطان بغضب وقال: لماذا ؟.
قال جلهم : يا مولاي السلطان وهن جسمي ونكى عظمي وكلت سواعدي ، فاستبدلت حمل الأثقال بحياكة النعال ولجامات الجمال، وسرج الخيول والبغال.
أضحيت أُطعًم الطعام بأجري وأتصدق بما زاد عن قدري.
فبقيت في داري ، فكثر زواري ، فأتتك أخباري.
سُر السلطان بكلامه وتلطفه وفصاحة لسانه ،فأجابه لمراده.
عاد جلهم إلى داره بينما بقيت سرمد تذهب إلى قصر السلطان تحلب الأبقار وترعاها في النهار وتعود لتبات مع جلهم.
بلغت أخبار جلهم مسامع السرق و ما هو عليه من جزيل النعم والمال ، فعقدوا العزم على سرقة دار جلهم، حل الظلام فتسللوا و تعسسوا
و في جوار الدار باتوا واصبحوا ، فقالوا: دار اذا بزغ النهار مشيد ، و جلمود صخر إن حل الظلام، فيئسوا من سرقته.
ذات ليلة بينما جلهم وسرمد يتبادلان أطراف الكلام في السمر قبل المنام و في حلك الظلام سمعا هذا الكلام:
أبي إني بلغت مبلغ الرجال وأريد الزواج.
سرمد هل سمعت القول ؟.
نعم ، و تبسمت بتعجب !.
وبمن تريد أن نزوجك ؟.
اذهب وأخطب لي بزهر الرمان ابنة السلطان.
نظر جلهم إلى سرمد بتعجب ثم سألها: هل لدى السلطان بنت بهذا الاسم ؟.
نعم ، ولكن كيف عرف بها و بإسمها و هو داخل القبو؟.
السلطان يعلم أن ليس لدينا أبن من زمان.
أخبره أن أبنكم لم يمت و أنكم كذبتم بقصة القبر ، كي يعيش و لا يموت مثل من سبقه.
ماذا ترين يا سرمد ؟.
سرج الحصان لا يُهان و لا يُستهان، و ما جزأ الإحسان إلا إحسان .
عليك مقابلة السلطان وإخباره بما جرى و كان.
في الصباح خرج جلهم من داره بعد أن أرتدى معطفه وإزاره ، فوصل باب السلطان ممتطياً لحصانه ، استوقفه الحارس.
إلى أين يا جلهم ؟.
أريد مقابلة السلطان.
ألا تعي ما تقول ، كيف لك أن تجرؤ ، وماذا تريد من السلطان ؟.
أريد خطبة أبنته لابني.
منذ متى انقلب الزمان فتسابق الخدم والرعيان لمصاهرة السلطان ؟.
فوثقه العسس بالرباط وجلده الحرس بالسياط.
عاد جلهم إلى داره مثخن الجراح مكسور الجناح.

يُتبع ..........
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.