monamohamed

شارك على مواقع التواصل

لا أزال أذكر ذلك اليوم كُنت في التاسِعَة من عمري ، ما زال عالقاً في مُخيلتي وكأنه البارحة .كنت وأختي جالسين ننتظر قدوم والدي كما اعتدنا دائماً بينما نحن جلوس، (وإذ) بي (أسمع) طرق الباب ، هرعت مسرعاً كَعادتي على أنه أبي وبكل فرحةٍ فتحت الباب وهممت (بالارتماءِ) في أحضانه كما كنت أفعَلُ كل يوم عند عودتِه من عمله ، فجأة ودون سابِقِ إنذار إذ بملامح وجهي تغيرت ،و علت الرهبة عليها ، كان على الباب ثلاثة من جيش النظام الغاشم، ركلني (أحدهم) برجله فأطاحتني أرضاً حتى (اصطدم) رأسي بالحائط الذي خَلفي ، دخلوا البيت فإذا بأحدهم يُطلق من بندقِيتِه رصاصة (استقرت) برأسِ أمي بَعد أن أشبعوها ضَرباً ، حتى أختي الصغيرة لم تسلم من بطشهم لقد أحاط أحدهم يده برقبتها حتى لَفظت آخر أَنفاسِها وماتت خنقاً ، كان المنظر غاية في الوحشية ، ومن شدة صراخي فقدتُ (وَعيي) حينها ، وبعد الحادثة بساعتين عاد أبي فوجدني أستجمع بعضي للنهوض، انهمرت من (عَيني) الدُموع عندما رأيته ، و بعد سؤال أبي عن الرضوخ التي عَلت تقاسيم وجَهي الصغير: (أين أمك ؟! أين هي ؟!)
لم أستطع النطق ولو بحرف واحد (واكتفيت) بالإشارة في (عَيني) - التي گانت تذرف (دموعاً) حَارقة - نحو الغرفة التي (لقيت) أمي وأختي فيها مصرعهما ، أَسرع والدي نحوها ....و بدأتُ بالترنح (وراءه) ، ومع دخوله وجد الأرض مضرجةً بدماء أمي وعلى جَانبها أختي تحمل دميتها .كَانت المرة الأولى التي أرى فيها والدي يبكي ، نَعم يبکِي بحرقةٍ قَد شَقت قَلبِيَ الصغير ، كانت دموعه وارفةً مُتألمة ، علا ذاك الصوت ألم عميق ، جِداً عَميق ، لقد كَانت أمي ...أمي التي لَم ( أملأ عَيني) بها بعد ، إلى من سأشتكي بعد رحيلها ، أي ألم هذا يا رب وأي صَبرٍ سأصلُ إليه؟! لَستُ (بصبر) أيوب .. گانت الصدمة مؤثرة، لن أنسى آخر ما كانت تترنم به (أختي) قبل وفاتِها وهي تداعبُ بيديها الصغيرتين دميتها ، أنا لا أحتمل كُل هذا ، لازلت صغيراً، أي طفولة سأعيشها وأي أيام سأستقبل بَعد رَحيلهما؟!
مرَّت الأيام، مع مرور كل يوم كنت أفتقدهما أكثر وأكثر ، كنت احتاج أُمي في كل دقيقة وَلحظة، الشوق قَاتِل يا قلبي ، و يزداد أكثر مع طول الأيام ، اشتقت لتلك اللحظات التي كنت أقضيها مع أختي أصبحت لا أطيق عيشاً دونهما ، كيف سأحتمل كيف ؟؟ أصبحتُ جلَ وقتي وحيداً ضائعاً و بالي شريد . كُنت أذهب إلى المدرسة (محملاً) بكثير من الآهاتِ والغَصات، وبعد انتهاء الدوام كنت أنتظر أبي ، وأتنقلُ من ظل إلى ظل حتى يعود ويأخذني إلى البيت الذي لم أعد أطيقُ المكوثَ فيه وحدي ، لم أكن أمضي وقتًا كثيراً مع أبي لأنه كان دائماً بعمله لكي يستطيع توفير لُقيمة العيش لأن الحياة في مجتمعنا وحاضرنا صعبة لا يمكن لأي إنسان أن يعيش لفح نارها الحارقة، لم يكن لي أنيس غير الليل وظلامه ومذكراتي التي تشهد رحلة الموت ، الموت الذي يرافقني في كل حين وَ وَقت ، التي كنت (أدونها) بألم نهاية كل يوم . كُنت كثير النظر للسماء كنت أدعو كثيراً ان يجمعني ربي بأمي في أحلامي لكي أغفو في أحضانها ، وتسرح شعري كل صباح وترتب ملابسي قبل الذهاب للمدرسة، ولأعود لدِفئ حنانها في المساء أروي لها تفاصيل يومي مع أصدقائي هناك . لقد كان رحيلها أشبه بكابوسٍ مظلم ترك فراغاً كبيراً في حياتي . بعد فترة من الزمن تم تهجيرنا من الغوطة ، وبينما نحن في رحلة اللجوء للمناطق المحررة من النظام أُلقيت قنابل علينا ، ركض كل مِنا في (اتجاه) ، و تزعزع الجميع، منهم من مات ومنهم من تناثرَ أجزاءً في الهواء ، ومنهم من اُعيقَ!
كل ما أذكره حِينها أنهم أخرجوني مع بعض الأطفال من تحت الركام ، وكان هناك جرح على جبيني ينزف بِشدة، مجرد خروجي تذكرت أبي ، هرعت أبحث عنه بين الجثث والأشلاء هنا وهناك لم أجد له أثراً، بحثت عنه طويلاً ولم أجده، أين ذهب؟ هل يُعقل أنه أصبح ذرات أخذتها الرياح؟ لا! لا يمكن! لا أستطيع التخيل! إلى أين سأذهب؟ كيف سأعيش؟ ومع من سأعيش؟ كيف سأكون بعد رحيله؟ لقد أصبحت وحيداً الآن بلا ملجأ، بلا أهل! كيف سأتابع رحلتي بعد الآن؟
يومها أمسيت وحيداً، افترشت الأرض وتوسدت الصخر لقد جفت عيوني من (كثرة) الدموع، بكيت حتى النحيب ،طفل مثلي كيف له أن يمضي وحيداً
لقد كنت (أرنباً) صغيراً يبحث عن أمان وهو (وسط) مجموعة من الذئاب الجائعة ، غفوت (في)أحد الأبنية (المتهدمة) لقد رويت الأرض يومها بدموعي ، صحوت في الصباح خالي البطن أريد شيئاً آكُله لا أستطيع أن أمد يدي لأحدهم لكي يحن علي ببعض الخبز أو أن أتسول في الشوارع جائباً (القمامة) لآكُل ، تمنيت (لو) أنني مت في ذلك الإنفجار أو قتلت يومها مع أمي لقد تعمدوا أن أعيش حياً لكي (أتجرع) مرارة الفقد، لكن أي ذنب اقترفته انا؟! ماذا فعلت لهم؟ لم أفعل شيئاً! كل مافي الأمر أنني كنت أنتظر عودة (أبي) فقط ، لقد رحلوا جميعًا ونسوني خلفهم ،أمضيت (يومين) في (ذلك) المنزل دون أكل، كان هناك صنبور مياه قريب من المنزل أذهب إليه لأتوضأ، وارتشف بعض المياه ، قررت أن أذهب إلى أي مكان (أعمل) فيه لكي أعف نفسي عن السؤال، بعد بحث طويل وجدت أخيراً (ميكانيكياً) يعمل في إصلاح الآليات المعطلة، قَبِلَ أن أعمل عِنده كنت أغسل السيارات ، وفي نهاية اليوم يعطيني مبلغاً زهيداً فأشتري بهِ بعض الطعام وأعود إلى ذلك المنزل لأقضي بقية الليل الموحش ، هناك لم يمر (يومٌ) دون بكاء (أو) ذكريات ، كانت حياة ربما گالجحيم كنت أعد الأيام ، فقط كنت أتوسل لربي أن يقبض روحي إليه لكي ارتاح من عناء هذه الحياة القاسية ، هذه قصتي وقصة أغلب الأطفال (في) سوريا بهذا الشكل الأليم وبهذه العبرات الخانقة نقضي طفولتنا، نكبر ويكبر الألم بداخلنا، طفولتنا مليئة بالدموع والدماء بالتشرد والعناء باليتم، الألم هذه قصتي وانا لم (أتجاوز) العاشرة من عمري لكل من يقرأ ألمي هذا ليعلم (أنه) غارق في النعيم مادام مع أهله، تحتضنه زوايا بيته، هكذا كتب لي وسأعيش هذا طول عمري تأويني أزقة الشوارع وركام المنازل ومع هذا حالي أفضل من حال الكثير من الأطفال هنا ، كل ما أريده فقط هو
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

الفصل الأول
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.