- «ما بك تبدو مرهقًا كثيرًا اليوم؟».
قالت تغريد هذا عندما رأت المحقق أركان في الصباح، فرد عليها بثقل:
- «لم أستطع النوم جيدًا أمس».
- «لابد أنك تفكر كثيرًا في أسيل».
انفعل أركان على تغريد ورد بهستيرية قائلًا: «ولمَ سأفكر بها لدرجة عدم النوم؟! لا ليس كذلك».
قال جملته الأخيرة بصوت مرتفع فنظر له جميع من بالمركز، فشعر أركان بالقلق؛ لكنه سرعان ما تجاهلهم بينما قالت تغريد:
- «آسفة لم أقصد، ظننت أنك تفكر بها مثلي، فأنا أيضًا لم أستطع النوم، خاصةً بعدما لم نجد لها أي أثر في منزلها أو في الأماكن التي تتردد عليها
عادةً».
- «أنا أيضًا قلقٌ عليها بالطبع.. آسف، فأنا ما زلت لا أصدق ما حدث أو ما يحدث، وقلة النوم تسيطر على رأسي؛ لكن من خبرة ثلاثين عامًا أخبركِ أن التفكير في أسيل طوال الوقت لن يحل أي شيء، يجب أن نفكر فقط في
إيجاد القاتل حتى تظهر نتيجة التشريح، إن كنتِ تهتمين لأمرها حقًّا انتبهي لعملك».
- «معك حق».
-«أخبريني، هل خرج تقرير تشريح الجثة؟».
- «ليس بعد».
رد أركان وقد عاد لثورة غضبه مرة أخرى: «لمَ يتأخرون هكذا؟! لقد ماتت ضحية للتو!!».
- «من رأيي أننا يجب أن نقدم شكوى لتباطئهم في العمل؛ لكن هذا ليس الوقت المناسب الآن، فما زلنا لا نعلم أي شيء عن اختفاء أسيل».
- «معكِ حق، سأرى هذا الأمر لاحقًا، الآن هل يمكنك شراء كوبٍ من القهوة لأستعيد تركيزي؟».
- «بالطبع، بكل الأحوال لقد أنهيت خاصتي وكنت بحاجة إلى أخرى».
ذهبت تغريد إلى آلة صنع القهوة التي في الممر، بينما كانت تحدق بصورة المنحوتة الخشبية التي وُجدت مع الجثة ثم وضعتها في جيبها وهي تفكر:
(هل هذا أنتِ حقًّا يا أسيل؟ لكن ما الذي تريدين إخباري به؟!).
ثم عبأت الكوبين بالقهوة، وأمسكت بهما، وكانت في طريقها للعودة، وفي تلك اللحظة سمعت صوتًا يهمس ويتمتم:
- «حاول أن تُؤخر ظهور نتائج تشريح الجثة قدر المستطاع، سيكون هناك خطر كبير إن ظهرت الآن، افعل أي شيء لكي تُحقق هذا... حسنًا سأعطيك ما تريده لاحقًا».
قاطعته تغريد: «مع من تتحدث يا محمد؟ وعن أي نتائج تتحدث؟!».
فزع محمد من رؤيتها، وأغلق الهاتف فورًا، وأردف قائلًا: «ما بك تظهرين فجأة هكذا؟».
- «لم تجب على سؤالي؟».
رد بتردد: «لقد كانت نتيجة الثانوية العامة لابن أختي، لقد أخبرته أن لا يقول لها عنها الآن وإلا ستنهار؛ لأنه فاشل بصراحة، ويستحسن أن يخبرها عندما أكون إلى جانبها لكي لا يسوء مرضها أكثر، أليس كذلك؟».
- «معك حق».
نظر محمد إلى يدها وأردف قائلًا: «أحضرت لي القهوة؟ شكرًا جزيلًا».
قال هذا وأخذ الكوب من يدها مباشرةً وذهب للداخل، بينما قالت تغريد:
- «الآن سأضطر إلى شراء واحدة أخرى، سأفلس قريبًا بسببهم! لكن هذا غريب، ما يزال الوقت باكرًا على نتيجة الثانوية العامة! فكيف أتى بها؟!».
اشترت تغريد كوبًا آخر من القهوة لأركان، ثم توجهت للداخل، بينما رأت أركان يتحدث مع المختبر عن نتائج تشريح الجثة وهو منفعل، ويتساءل لماذا تأخرت حتى الآن، فنظرت له تغريد بينما تتذكر، وتقول لنفسها: (أظن أن محمد قد ذكر الجثة على الهاتف، هل كان يقصد نتائج التحاليل، ربما لا يكون لابن أخته علاقة بالأمر، هل كذب علي؟!).
توجهت تغريد إلى محمد وفي عينيها نظرة حادة بينما مر إلى جانبها على عجل فقالت له:
- «انتظر يا محمد، أريد محادثتك!».
- «يجب أن أعود للمنزل فأختي مريضة جدًّا، أنا آسف!».
- «انتظر! إنه أمرٌ مهم».
- «سأحادثك لاحقًا، بلغي أركان أسفي نيابةً عنِّي، وشكرًا مقدمًا».
قال محمد هذا وركض إلى الخارج، بينما تغريد تشعر بتهربه منها؛ لكنها تفاجأت بيد أركان تمسك بكتفها من الخلف ويقول:
- «أين ذهب هذا المغفل؟».
التفتت له تغريد وقالت: «قال إن أخته مريضة».
- «لا بأس دعيه، إنه عديم الفائدة، ومنذ مجيئه لا يفعل شيئًا غير التهرب من العمل وتناول الطعام؛ لكن ما يحيرني أنه رغم هذا نحيلٌ جدًّا!».
- «ألا تظن أن تصرفاته هذه الأيام مريبة قليلًا؟».
رد أركان بسخرية: «أليس مجرد أحمق؟».
ابتسمت تغريد هي الأخرى محاولةً تبديد شكوكها وقالت: «انسَ الأمر».
- «أشعر أنكِ تريدين إخباري بشيءٍ ما».
- «لا، لا شيء جديد».
- «حسنًا، أخبريني إن واجهتكِ أي مشكلة، ولا تدعي اختفاء أسيل يشوش تفكيرك، لا تقلقي سنجدها قريبًا».
- «حسنًا».
ذهبت تغريد لتجلس على مكتبها، بينما بدأ أركان يفكر: (أشعر أن تغريد ومحمد يخبئان عني شيئًا ما).