عبدالرحمن حساني

شارك على مواقع التواصل


وقف أمامي فجأة، في بادئ الأمر لم أتمكن من رؤيته بوضوح، حتى أخذت خطوة نحوه، كي تتضح لي ملامح وجهه جيدًا - فالإضاءة في هذه الغرفة باهتة جدًا - لم أكن متوقعًا أنها باتت سيئة إلى ذلك الحد، بارزة والتشققات تملأ جبهته وجنبات وجهه، وكأنها قاع بحر جف من كل ما حوى، ماتت فيه الحياة بعد الحياة.
ما كل هذا اليأس الذي أحاط بك، الآن عرفت السبب
!

السبب الذي جعلهم يهجرونك وحيدًا، يخشون أن تصيبهم عدوى تلك الملامح، السبب الذي جعلهم لا يُحِبونك كما كنت تظن عكس ذلك، لكن لماذا ترمُقَني بهذه النظرة الشرزاء وكأنني السبب في وصولك لهذه الحالة اليائسة.

أسدل الصمت ستائره بيننا للحظات، قبل أن أمزقها بصرخة في وجهه.
لا تحدق بي هكذا، لما لا تجيبني؟! قُل شيئًا وإلا أغرب عن وجهي، ثم عاد الصمت ليُحيط بنا مجددًا
حتى قال لي بنبرة هادئة تتخللها أنفاس مُتَحشرجه
ماذا تريد أن تسمع هذه المرة ؟ أنت لا تسمع إلا ما تريد سماعه، وإذا لم يعجبك حديثي وليتَ ظهرك لي، فما الفائدة من هذا الجدال كلما ألتقيا وجهينا، حتى أنني بتُ أبغض رؤيتك، أتريد أن أقول أنك لست السبب ؟ نعم، أنت لست السبب، ولا حيلة لك فيه، يبقى السبب هو في عدم رضاك وعدم تقبُلَك لأن أكون هكذا، في سماعك لكلمات الألسنة الخبيثة، تحقيرك لي في كل مكان نذهب إليه، وضعك لي في منزلة أدنى من الجميع دائمًا، فهم لم يتعمدوا هُجراني وحيدًا، أنت من أجبرتهم على ذلك، وأبعتني عن مَن أحببت، لا أعلم لما تفعل بي ما تفعل، ماذا فعلت لك ؟

فصحتُ به بأوداج منتفخة وجبهة مُتعرقه، جبان وكاذب، ألا تعلم ماذا فعلت ؟، كل ما أنا فيه الآن هو بسببك أنت، أنت السبب في كل شيء، ألا تنظر إلى هيئتك المُزرية، البالية، وإلى وجهك، ولكن بأي وجهٍ يكون وجهً هذا، أنظر إلى تلك الملامح البشعة، أنفٌ مفرطح مدعوس بقدم حمار، وفمٌ ذو شفة واحدة، نعم أنها السفلى فقط وكأنها قد التهمت الأخرى بكل وحشية، وعينان صفراوان فيهما بقعتا حبر أسود، وماذا عن هذا الشعر المجعد، المعقد بشكل لا نهائي لا تعرف من أين يبدأ لينتهي.
كل ذلك وتقول أني السبب، بسببك أنت لا أنا تركوك وحدك في غرفة باهتة كوجهك، وجهك الذي لا يلمع فيه شيء سوى عيناك وبعض من أسنانك، وبسبب ذلك الوجه لم يقدر أن يحبك أحد، فلا تأمل في شيء لن تحصل عليه بهذا الوجه القبيح في أقل تقدير.

ليعود شبح الصمت مرة أخرى، ورأسي منكبة على الأرض، وبعد فنية من الوقت، رفعت نظري إليه لأجد عيناه مخضلتان مُذرفةً للدموع كالسيل متشعبًا بين طيات وجهه، ثُم فجأة قال لي بشيء من الضعف وقلة الحيلة: لقد قولتها لك وسأُكررها، هذا الوجه لا شأن لك فيه، وعزلي هنا لن يغير من تلك الملامح ولن يغير كلامهم عني، لا شيء سيتغير إلا بتقبلك لوجهي وعدم تعمد تحقيري، إن أردت عزلي هنا فسأعيش وحدي للأبد.
وتابع مستطردًا، وإن أردت أن يتغير وجهي، فقط أجعل لي مكانًا في قلبك قبل قلوب الآخرين، وأخرجني من هذا الأسر.

فما كان لي سوى أن أمسكت بمطفأة السجائر وألقيتها على وجهه، ليتناثر كحبات الرمل على الأرض.


17/2/2023
2 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.