mohamedibrahim

شارك على مواقع التواصل

-..هذه الليلة تحديدا ليست واضحة بذاكرته على الإطلاق..ضبابية..أشبه بصورة داخل إطار تم تهشيمه ودغدغته بشئ من العنف..ولكن ملامحه الراسخه داخله..هو.ما سمعه كثيرا فيما بعد من امه ومن دموعها..الليلة كانت شديدة الرعد وسريعة الرياح وأمطار تتساقط بلا حساب..وأم تأخذ بين أحضانها ولدان وبنت..اكبرهم سبع سنوات..ابنة خمس سنوات..وهو ثلاث سنوات..رغم كل مظاهر البرد إلا أن حضن امه هو دفء العالم..هكذا الام بكل الدنيا..قد تختلف الطرق والسبل فى إبداء الرعاية والتعبير ولكن المؤكد أن حضنها يفوق كل أغطية العالم..الأم تحتضنهم ..بين اللحظة والأخرى تميل عليهم تغمرهم بالقبلات..تمرر يدها على رؤوسهم..كرافد إضافى للدفء..أمامها وعاء به نيران مشتعلة بإعداد الحطب للتدفئة..فجأة طرقات عنيفة تدق الباب ..طرقات باليد ..وركلات بالأقدام..الهلع تلبس الأم وأولادها..انزوت دون ارادة بأحد اركان الغرفه..لحظات وانفتح الباب متحطما دافعا بثلاث رجال..هم الأعمام..كل جزء من وجوههم ينبئ عن عدم الخير..عيونهم جاحظة محملة بكل رياح الشر..مد أحدهم لعله الأكبر يده..جذبها من ذراعها بعنف..توجعت ألما...لم بهتم..أخذ يمرجحها يمينا ويسارا..أماما وخلفا بكل العنف.صارت أشبه بريشة يتلاعبون بها..دفعها بعنف إلى الحائط ..صرخت وجعا..صرخ بها وكأن الكل صم لا يسمعون..
=انت يا إمرأة تعرفين جيدا أننا قبلنا بوجودك بيننا رغما عنا ..بعدما جاء بك مجاهد اخى بعد غياب اعوام لا نعرف اين كان ولا ماذا فعل وعمل..جاء بك تحملين على يدك ابنا..وحاملا..لا نعرف لك أصلا ولا فصلا ولا أهلا..عشت بيننا كرها عنا..لأنه خرج على مألوف عادتنا وتزوج من خارج العائلة ..ما منعنا من طردك أولادك..نعرف ان لا ذنب لهم..ولكن مجاهد ذهب من أكتر من ثلاث سنوات ولم يعد تركك حاملا للمرة الثالثة..لا نعرف عنه شئ ولم نتوصل لشئ..والآن امامك أمران..لاثالث لهم..
سكت قليلا..وتبادل النظرات مع اخويه الذين آمنوا بايماءات من رؤوسهم على حديثه..ثم عاود الحديث..
=الأمر الأول وهذا أيضا كرها عنا..هو أن تتزوجى أحدنا..وتعيشى لتربية أولادك..وتنسى إنك تزوجتى مجاهد..
صرخت به..وحكت فيما بعد أنها حتى الآن لا تعرف كيف أتتها الشجاعة لهذا الصراخ..
=كيف أتزوج وأنا على ذمة رجل حتى لولا نعرف عنه شئ..حى أو ميت ..كيف..هذا ليس من شرع الله..ثم حتى لو إننى لست زوجة..لن اتزوج مرة اخرى..ياريت تتقى ربنا وتعرف الدين والشرع..اتقوا الله فى لحمكم وفى عرضكم ..اتقوا الله فى غيبة اخوكم الغائب طول عمره من اجلكم..تغرب لسداد رهنية أرضكم..تغرب ليبنى بيتا لم.نسكنه..عشت بينكم ولم أطلب يوما شئ ..لا آكل ولا شرب.ولا علاج ولا ملابس ولا أى صنف من صنوف الحياة....إشتغلت.كل شئ رغم.حقى وحق أولادى.وحق زوجى..والمشهود به من الجميع..رضيت ان أكون زوجة وأم لأيام كل عدد من السنوات لأن أخاكم رجل..رجل يعرف حق الأخوة..حق الأهل..حق صلة الرحم..ولكن نقول الأصيل لامكان له...وقلت نعيش وسطكم..وسط.ناس يعرفونا ونعرفهم. الله..الله لايرضى بهذا..أخوكم عمره.ماكان إلا لكم.ولاجلكم...أى سبب لكل هذا..الله عليم ويمهل لا يهمل..حسبنا الله ونعم الوكيل..منكم لله..
صفعها صفعات متتالية..وهى تتمرجح يمينا ويسارا ..اثخنها بالصفعات..والركلات..ثم عاود الصراخ...
=ما بقى امامك الا الأمر الآخر..هو.أن تذهبى حالا لحال سبيلك وتنسى تماما أنك عرفتى هذه البلده..وعرفتينا..تنسى كل شئ..تخرجى حالا انت وأولادك بلا عودة..وبلا عودة لاى مكان بالصعيد..وقسما بالله ان لمحتك يوما بمكان لتكون نهايةحياتك..حالا اخرجى ببعض.ملابسك أنت والأولاد..وهذه نقود تذهبى لمحطة القطار تركبى لأبعد مكان..وتنسى كل سنواتك هنا..مفهوم..أمامك ساعة زمن..نحن أمام الباب لنوصلك حتى القطار..لنطمئن على مغادرتك..مفهوم..مفهوم..
خرج وفى اعقابة اخوته الاخران..الحيرة أمسكت بتلالبيب الأم..ولكن هى لا حيلة لها..ماعليها حرصا على حياتها وحياة أولادها إلا الإذعان..البكاء سيد الموقف..تلملم بعض حاجياتها..يبدو انها كانت متوقعة.حدوث هذا الامر..اسرعت الى أحد شقوق جدار الغرفه مغطى باحدى الصور..واخرجت كيسا بلاستيكيا به شهادات ميلاد الاولاد..وعقود ارض نصيب زوجها من ميراث الأب..خباتها بصدرها..ارتدت جلباب آخر فوق جلبابها.وفعلت هذا مع صغارها..البكاء شريك كل خطواتها..كل ما كان يصدر منها هو..
=حسبى الله ونعم الوكيل..لكم يوم مهما طال..
الطرقات تتكرر استعجالا لها..خرجت حاملة الصغير على يدها..والبقية يمسكون بجلبابها..اركبوها كارته..جلسوا محيطين بها..الأمطار جارفه..والرياح تعوى..لا يهمهم الأمر..أوصلوها للمحطة..جلبوا لها تذاكر بالقطار الذاهب لبحرى..نبهوا عليها بأن عليها ان تختار اى محطة وتنزل بها..الصمت عقد لسانها.ولكنها كانت تتمتم داخليا..مؤكد لكم يوم يا ظلمة..رميتم لحمكم..واكلتم أخاكم الغائب..سوف نعود يوما ونرى كيف أنتم بعد ذهابنا..الله مع المظلوم للابد..أتى القطار ..صعدوا بها..اجلسوها..وقفوا على الرصيف..للتأكيد على مغادرتها..وما أن انطلق القطار..مؤكد ما جاء برأسها..انهم تعانقوا وتبادلوا القبلات إحتفالا بنهب ونهش أخاهم وأسرته..

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.