mohamedibrahim

شارك على مواقع التواصل

تأكدت أن زائرتى المجهولة لن تأتى، فقمت أجمع حاجياتى المتناثرة على الطاولة لأنصرف، السجائر والولاعة والمفاتيح والموبايل، أما النظارة الشمسية فكانت على وجهى، فهى من العلامات التى ستعرفنى بها زائرتى.
ووقفت أحاسب النادل، عندما دخلت امرأتان شديدتا الشبه ببعضهما، ولكن واحدة تبدو فى العشرينات والأخرى فى الأربعينات، فخمنت أنهما بنت وأمها، ولم يشغلنى جمالهما اللافت للنظر، فقط شغلتنى ملابسهما، كنت أتمنى لو أن إحداهما ترتدى أية قطعة ملابس بلون البنفسج، وأيضا لا ترتدى الحجاب، فالبنفسج وعدم الحجاب هما العلامتان اللتان سأعرف بهما زائرتى، ولكن للأسف كانت ألوان الأصفر والأحمر والرمادى هى التى تميز ملابسهما، والحجاب يغطى رأسيهما، إلا أن جمالهما أغرانى لأصرف النادل وأعود أجلس أراقبهما، لا سيما أنهما جلستا قريبا منى، وفى ذات الوقت وجدتها فرصة فقد تأتى زائرتى، وقد يكافئنى الحظ على انتظارى فأجدها أكثر جمالا من البنت وأمها، فجلست موزعا بصرى بينهما وباب الكافيتيريا.
ولكن انتظارى طال بلا طائل، ثم إن البنت ما لبثت أن أعطتنى ظهرها، وكذلك أمها، أعرف أن نظراتى الجريئة لهما هى السبب، لكن لم أهتم وذهبت أفكر تلقائيا فى زائرتى، تلك التى شغلنى البروفايل الخاص بها أمس على الفيسبوك، لمحته صدفة على صفحتى ضمن قائمة people you may know ، رغم أن البروفايل لم يكن سوى وجه امرأة بلا ملامح، لذا لم يجذب انتباهى، اسمها المستعار هو الذى جذب انتباهى.. بائعة الهوى.. ما حرك غريزة الضبع بداخلى، فأرسلت لها طلب صداقة فورا، فقبلته فورا، بل وكتبت لى على الخاص رسالة الترحيب الأولى، فطلبت منها المزيد، أية معلومات عنها اسمها أو رقم هاتفها، لكنها رفضت، فقط بعد إلحاح كتبت الحرف الأول من اسمها، فأدركت أنها من هواة الألغاز والتسلية بإضاعة الوقت على الفيسبوك، ولأننى لا طاقة لى ولا صبر بمثلها، قررت أن أنسحب، لولا أن سألتنى ما المدينة التى أقيم فيها، فأخبرتها، ففوجئت بها تطلب أن نلتقى، قالت أنها من نفس المدينة، وإذا بها تحدد بنفسها موعد ومكان اللقاء وعلامات التعارف، ما شجعنى لأكتب لها رقم هاتفى على أمل أن تكتب رقم هاتفها، لكنها أنهت التواصل بلا مقدمات واختفت، فدخلت على صفحتها عسى أن أستشف ولو معلومة واحدة عنها.. ولكن لا شيئ.
والآن ها أنا فى موعد ومكان اللقاء أنتظرها بالقميص الأزرق والنظارة الشمسية على وجهى، العلامتان اللتان ستعرفنى بهما، ولكن ها هو الوقت يمر ولا تأتى، حتى بدأت أشك أنها ستأتى، ثم تأكدت أنها لن تأتى.
وثانية قررت الانصراف، لولا حديث البنت وأمها الذى أسمعه واضحا بكل مفرداته، حديثهما مثل ملابسهما، شديد الرقى ويدل على رفعة مستواهما الاجتماعى، ومنه عرفت أن الفتاة تنتظر شخصا ما، وأيضا لديها شك أنه سيأتى، ولكن أمها لا تبرح تؤكد لها بل سيأتى، حتى عرفت أن الشخص هو خطيب الفتاة، ومن كلامها عنه لمست مدى حبها له، فأصابنى ما يشبه الإحباط!
ومضى الوقت يمر ولا أحد يأتى، لا زائرتى ولا خطيب الفتاة، فلم أجد بُداً من الانصراف، حتى لمحت شابا يقترب، وبسهولة عرفت أنه الخطيب المنتظر.. و.. وأجبرنى مظهره أن أصرف النادل ثانية وأعود أجلس أراقبه.. أو أراقبهم.. أراقبهم الثلاثة وأتعجب!
كيف لمثل هذا الشاب أن يكون خطيبا لمثل هذه الفتاة؟ مظهره شديد التنافر مع مظهرها، ولا يوحى مطلقا أنه من نفس طبقتها، نعم هو بادى الثراء مثلها، ولكن ثراءه مختلف، ثراء حديث العهد بالنعمة، قد تكون النعمة طارئة عليه أو هو طارئ عليها، بداية من ذوقه فى اختيار ملابسه وطريقته فى ارتدائها، مرورا بشعره الغارق فى الزيت الرخيص وطريقته فى تصفيفه، ثم بشرته الكالحة وأسنانه الصدئة، نهاية بألفاظه السوقية كلما تكلم، ألفاظه تخرج من فمه كالطفح يخرج من بالوعات الصرف الصحى!
لكن عجبى الأشد كان للفتاة، إنها فى منتهى الولع به! وأيضا أمها، أمها التى من المفترض أن تكون ممتعضة لارتباط بنتها بشاب كهذا، ولكن لماذا العجب والتحول إلى الأسوأ صار هو السمة المميزة لحياتنا، فمثل هذا الشاب منذ سنوات قليلة ورغم ثرائه، لم يكن ليجرؤ أن يرتاد مكانا مثل هذه الكافيتيريا.
الشاب أيضا كان مولعا بالفتاة، ولكن ليس ولع الحب، بل ولع من يمتلك شيئا يشعر فى قرارة نفسه أنه لا يستحقه.
ثم بدأ المشهد يأخذ طابع الإثارة، فى البداية كان حديث الشاب للفتاة كالهمس، ولكن صوته بدأ يعلو كأنه يتعمد افتعال أى خلاف معها، حتى قامت عنه وجلست بعيدا تبكى، فأسرعت أمها تطيب خاطرها، بينما ظل هو جالسا يدخن بلا مبالاة، حتى جاءته الأم تجر بنتها لتصالحه!! وبالفعل صالحته فعاد يهمس لها، لكن سوقيته عادت تغلبه، فعادت البنت تبكى، وهذه المرة قام هو عنها لينصرف، ولم ينس قبل انصرافه أن يسمعها ألفاظا منتقاة من قاموسه البذئ، فألقت المسكينة نفسها على صدر أمها تبكى، ثم علا بكاؤهما معا.
فكرت جديا أن أقوم وراء ذلك الجلف، ربما مدفوعا بشهامة الرجل الشرقى، فأنا لا أتحمل رؤية أنثى تبكى، أية أنثى، ولا أطيق رجلا يهينها، أى رجل، فماذا والأنثى جميلة كهذه والرجل جلف كهذا؟
أو لعلها ليست شهامة الرجل الشرقى.. بل ضميرى الإنسانى نفسه.. ذلك الذى يرفض القبح بفطرته، فأنا مجبول على حب الجمال، والحقيقة أن الشاب قبيح لدرجة تستفز حتى من هو بلا ضمير، ولا دليل على قبحه أكثر مما أراه الآن ، الآن بكاء البنت وأمها أصبح كالنحيب ويثير شفقة كل من حولنا!
إذن هو ضميرى الإنسانى.. فلأسرع حالا وراء الشاب الجلف لألقنه درسا..
ولكن شيطانى أسرع يوسوس: " لا يجب أن تتحلى بأخلاق الفارس لهذه الدرجة، ليس من المنطق أن تذهب وراء شاب ليس بينك وبينه ما يدعو، بل المنطق أن تذهب تواسى البنت وأمها، فالأم أيضا جميلة ولا تستحق الإهانة ".
أو.. لعلها ليست شهامة الرجل الشرقى ولا ضميرى الإنسانى.. بل غريزة الضبع بداخلى!
نعم.. فمن البداية والبنت وأمها يراودان الضبع بداخلى كفريستين لا أجمل ولا أضعف، والآن هما فى أوج ضعفهما، وضعفهما يزيدهما جمالا.. إذن فلأسرع حالا إليهما بدعوى أن أواسيهما..
ولكن هذه المرة ضميرى هو الذى تدخل.. أو اعترض.. بأى حق أذهب أواسى امرأتين لا أعرفهما ولا يعرفانى؟ وجائز جدا أن يحرجانى، ثم ها هى الأم تجفف دموعها ودموع بنتها تمهيدا لينصرفا.
لذلك.. ومع اليأس من حضور زائرتى المجهولة، حسمت أمرى لأنصرف، ولكن لثالث مرة أتراجع وأعود أجلس مكانى، لا من أجل المرأتين، ولكن من أجل هذه التى دخلت توًا من باب الكافيتريا!
سيدة أجبرت الجميع أن يديروا رءوسهم نحوها، لجمالها الخارق وقوامها المتناسق، والأكثر للحركة العفوية التى صدرت منها، رفعت القبعة عن رأسها وراحت تتطلع حولها باهتمام كأنها تبحث عن شخص ما، تتطلع بتلك الثقة التى يمنحها الجمال عادة لصاحبته، وما أشد أسفى أنها لم تكن ترتدى أية قطعة ملابس بلون البنفسج، وإن كانت غير محجبة، قبعتها الفرنسية بنفس لون فستانها الأبيض الناصع.
كانت تبدو فى منتصف الثلاثينات، العمر الذى يبدأ فيه الجمال يمتزج بالجلال، ولكن جمالها به شئ آخر غير الجلال، شئ ما يثير الخيال ويجعلها مختلفة عن جميع النساء حولنا، ومع ذلك شعرت أننى أستطيع أن أعرف ذلك الشئ بسهولة، بشرط أن تمنحنى فرصة لأحملق فيها على مهل وعن قرب.
حتى جاءت تمشى الهوينى ناحية البنت وأمها، فخمنتنها تقصدهما، لكنها تجاوزتهما، ثم فوجئت بها تقترب منى! ثم تقول مترددة:
ـ آسفة جدا.. لكن....
ـ تحت أمرك يا فندم
ـ هل.. هل أنت صائد النساء؟
ـ هه؟
فظهر عليها الارتباك، لولا أن تذكرت فتداركت قائلا:
ـ نعم أنا صائد النساء
ـ وأنا بائعة الهوى
رباه.. إنها زائرتى المنتظرة!
وصائد النساء هو إسمى المستعار على الفيسبوك!
ولكن.. لماذا لم تأت مرتدية البنفسج كما اتفقنا؟
وللحظات لم أنتبه أننى أحملق فيها مشدوها، إنها تبدو رائعة راقية، راقية شكلا وموضوعا، وراقية أكثر من اللازم، رُقِـيُها من ذلك النوع الذى يثير فى النفس الرهبة!
ولكن كيف لسيدة راقية أن تتخذ لنفسها اسما متهتكا كبائعة الهوى؟
ولكن.. ألستُ أتخذ لنفسى اسما مبتذلا هو صائد النساء؟
حساب صائد النساء أنشأته حديثا لغرض فى نفسى، هو ليس حسابى الوحيد على الفيسبوك، أو بالأصح ليس حسابى الحقيقى، رغم حرصى أن يكون بروفايل حساب صائد النساء هو صورتى الحقيقية، وبياناتى الشخصية عليه هى بياناتى الحقيقية، وأن تدل البيانات بوضوح من أنا وما مركزى الاجتماعى، ولعل ذلك هو السبب أن مُتابعىَّ على الحساب يعدون بالمئات أو الآلاف، أما حسابى الحقيقى، نعم هو يحمل اسمى الحقيقى، لكن البروفايل هو صورة رجل بلا رأس، ولا بيانات بالمرة بملفى الشخصى، ولعل ذلك هو السبب أن لا أحد يتابعنى على الحساب إلا شخصان أو ثلاثة!
وزائرتى.. هل بائعة الهوى هو حسابها الوحيد أو الحقيقى؟
وانتبهت لها تقول وهى تجلس لا تنتظر دعوتى:
ـ آسفة أنى جئت لا أرتدى البنفسجى كما اتفقنا، ولولا قميصك الأزرق ونظارتك السوداء ما عرفتك
ـ حقا سيدتى.. لماذا لم تأت مرتدية البنفسج؟
ـ لأننى وبمنتهى الصراحة كنت مترددة هل آتى أم لا
فقلت متعمدا الدهشة:
ـ ولماذا التردد؟
قالت بشيئ من الحرج:
ـ لأننى.. لأننى لست منهن
حقا هى تبدو ليست منهن، من بائعات الهوى، ولكن لا بأس، فكلهن فى البداية يدعين الفضيلة، وادعيت أنا الغباء:
ـ ما قصدك سيدتى أنك لست منهن؟
ـ أقصد لست من اللاتى يلتقطن الرجال من على موقع مثل الفيسبوك
موقع مثل الفيسبوك؟
يا إلهى.. إنها تحتقر الموقع الشهير كما أحتقره!
وكدت أسألها ولماذا سميت نفسك بائعة الهوى، ولكن رأيت أن أنتظر، فاللباقة تقتضى أن أمنحها الفرصة لتتخلص من الحرج الغارقة فيه.. فقلت:
ـ قطعا يا سيدتى أنتِ لست منهن، ولا يبدو عليك مطلقا أنك كذلك، والفيسبوك فى النهاية هو مجرد وسيلة بريئة للتعارف البرئ لا أكثر
وفعلا ذهب عنها الحرج، ما شجعنى لأكمل:
ـ لكنك يا سيدتى.. ومعذرة فيما سأقول.. ها أنت فى النهاية تجلسين أمامى، فبالله عليك ما الذى دفعك لتغيرى رأيك وتأتى؟
رغم قوة شخصيتها التى لمستها من الوهلة الأولى، وثقتها بنفسها التى تطل واضحة من عينيها، عاد الحرج لصوتها وهى تقول:
ـ فى الحقيقة كنت على موعد مع طبيب الأسنان، ولكنه اعتذر، فحسمت أمرى وقررت أن آتى، وذلك سبب عدم ارتدائى ملابس باللون البنفسجى
ـ لا بأس.. نعم كنت لن أعرفك إلا بالبنفسجى، ولكن صدقينى، فى جميع الأحوال كنت سأنتظرك ولو إلى الأبد
ـ أشكرك
قالتها بالفرنسية مع ابتسامة..
ثم راحت تبحث فى حقيبتها عن سجائرها، وانشغلت تشعل واحدة، ما منحنى فرصة لأحملق فيها جيدا، وعرفت ما يميز جمالها ويجعلها مختلفة.. إنه ملابسها وشعرها.. أو فستانها وتسريحتها!
فستانها على موضة الخمسينات، الخصر الضيق مع الكولوش الواسع، ولكن عبقرية مصمم الأزياء أضافت له من الخطوط ما جعله يساير موضة العصر، أيضا تسريحة شعرها، تجعلها تبدو كفاتنات هوليوود زمن الستينات، ريتا هيوارث وزميلاتها، لكن أيضا عبقرية مصفف الشعر أضافت للتسريحة ما جعلها تساير روح العصر، لتبدو فى مجملها امرأة عصرية بمظهر كلاسيكى، ما ذكرنى بهوانم العصر الملكي كما يظهرن فى أفلام الأبيض والأسود!
ثم ها هو مظهرها يجبر رئيس طاقم الخدمة أن يأتى ليخدمها بنفسه.. بل ويدعوها باللقب:
ـ تحت أمرك يا هانم
وبدون أن تلتفت له قالت:
ـ لونجو
فأسرع الرجل يلبى الطلب.. وتعجبت فى نفسى!
بائعات الهوى عادة لا يعرفن اللونجو، إذن فهى إما لا علاقة لها ببيع الهوى من قريب أو بعيد، أو أنها بائعة هوى من عيار ثقيل.. ثقيل جدا!
ولكن سرعان ما وبخت نفسى الأمارة بالسوء، نفسى تأمرنى لأصدق أن هذه التى أمامى هى بالفعل بائعة هوى، اسم بائعة الهوى لا يعدو أن يكون مجرد اسم مثير للانتباه، اتخذته لنفسها امرأة مترفة من أولئك اللاتى لا يجدن ما يقطعن به الوقت إلا إثارة الانتباه على الفيسبوك.. هكذا قلت لنفسى لأخرسها.
وجاءها الرجل باللونجو، أو القهوة اللاتينية ذات المذاق المُر، وانهمك يقدمها لها طبقا للأصول، من على مسافة محسوبة منها ويده داخل قفاز أبيض، ثم انحناءة ما قبل الانصراف، ولكنها استبقته قائلة وهى تدفع له بورقة فئة المائة جنيه:
ـ آسفة.. سجائرى نفدت
ـ أمرك يا هانم
وحالا أرسل عاملا ليأتيها بسجائرها المفضلة، وعندما جاء منحته باقى المائة جنيه كإكرامية، فتأكدت أنها ليست بائعة هوى!
قالت بابتسامة وهى تشعل سيجارة بتلذذ:
ـ ها يا صائد النساء.. ما اسمك الحقيقى؟
ـ يوسف يا فندم.. يوسف لطفى
ثم ندمت!
لماذا لم أبخل عليها باسمى كما بخلت باسمها عند تعارفنا الأول على الفيسبوك؟ لماذا لم أخدعها باسم وهمى كما أفعل مع غيرها، أنا فى بداية تعارفى بأية امرأة، حتى لو بائعة هوى، مستحيل أبادرها ولو بمعلومة واحدة حقيقية عنى.
ولكنها ليست كغيرها.. ولا أزال حتى اللحظة أشك أنها بائعة هوى، ولكن حتما سيأتى وقت يجب أن أقدم لها نفسى بشخصيتى الحقيقية.. كبداية لعلاقة محترمة.. نعم.. فمثلها لابد من علاقة تربطنى بها، ولابد أن تكون علاقة محترمة، لذلك قررت أن أمتنع من اللحظة حتى عن مجرد الظن أنها بائعة هوى.
ولكن لحظة تقديم نفسى لها، ماذا سأقول لها؟ نعم أنا أحد كبار منتجى الدواجن والمانجو فى الإسماعيلية، وربما أكون أكبرهم من حيث حجم العمل رغم صغر سنى عنهم، ولكن هل أقول لها أيضا أننى راسب بكالوريوس زراعة لعدة سنوات؟ ولا ولن أنوى الحصول عليه؟
حقا ما أصعبها لحظة.. لحظة تقديم الإنسان لنفسه..
ولكن الضبع بداخلى تكلم: " لماذا كل هذه الحساسية تجاه امرأة ربما تخدعك بمظهرها، فكم من بائعة هوى تبدو كالهانم، وكم من هانم حقيقية تبيع الهوى لمن يدفع الثمن، وأحيانا بلا ثمن "
لذا قررت ألا أصارحها بأية معلومة عنى، الآن على الأقل، يكفى اسمى الذى صارحتها به فى غفلة لن أغفرها لنفسى، لن أصارحها أننى مطلق وأب لبنت، بل وسأدعى لها أننى أعزب، فهذه الكذبة بالذات تذلل لى الكثير مع النساء، رغم أن هناك نوعا منهـن أشعر أنه لا يصح.. أو لا أستطيع.. أو من الحمق.. أن أكذب فى حضرتهن! وعجبا أن إحساسى بها أنها من هؤلاء!
انتبهت لها تنادينى:
ـ أستاذ يوسف.. أقصد يا يوسف
ـ تحت أمرك
ـ من الآن لا تنادينى يا سيدتى أو يا فندم أو بأى لقب
ـ لماذا؟
ـ لأننى لن أناديك إلا باسمك مجردا.. يوسف وفقط.. ثم.....
ـ ثم ماذا؟
ـ ثم لا تنس أن سبب تعارفنا هو ذلك المسمى فيسبوك، ولا تنس أن إسمى وإسمك عليه من الأسماء غير المحترمة التى لا تـُشَـرِف أصحابها
وقبل أن أفيق من ذهولى قالت:
ـ طبعا تريد أن تعرف إسمى الحقيقى
ـ طبعا.. وإن كنت أتعجب
ـ تتعجب؟ .... مم؟
وكدت أقول لها من احتقارك الواضح للفيسبوك، ثم أسألها عن سبب الاحتقار، ثم أسألهاعن اسم بائعة الهوى، ثم....
ولكنى لسبب ما تراجعت وقلت:
ـ أتعجب من بخلك بإسمك الحقيقى من البداية، حتى ملفك الشخصى على الفيسبوك لم أجد به ثمة معلومة واحدة تشفى غليلى، وكأنك كالفكرة التى استقرت فى ذهنى عنك
ـ وماذا استقر فى ذهنك عنى؟
ـ أنك مولعة بالألغاز.. وبالتسلية بإضاعة الوقت على الفيسبوك
قالت بمزاح:
ـ بالنسبة للمعلومات عنى، ستعرف كل شئ فى وقته، أما عن اتهامى بالولع بالألغاز، فعقابا لك سأختبرك بلغز
ـ لغز؟
ـ نعم.. أن تخمن اسمى الحقيقى
ـ موافق
ـ اسمى مكون من ثلاثة حروف وله علاقة بأحد الفنون
ظننت تخمين اسمها سهلا، لكن فشلت أن أخمنه، فقط خمنت أنها تحتال لكى تطيل لقاءنا لأطول وقت.. بفرض أنها بائعة هوى من عيار ثقيل.. حتى انتبهت لها تقول:
ـ إذن دعك من اسمى ما دمت لم تخمنه بسهولة، والآن حاول أن تخمن ما هى مهنتى وسأساعدك
ـ موافق
ـ مهنتى شائعة جدا ويمارسها كثيرون، ولكنها بعيدة عن الطب والهندسة والقانون والفنون
وأيضا فشلت.. ولدرجة أن شعرت بالخجل من نفسى، وخجلت أكثر حين انتبهت أن مهنة التدريس لم تخطر ببالى، فأسرعت أقول:
ـ أنتِ مُدرسة
فارتسمت على وجهها ابتسامــة.. فعـرفتُ أننى نجحت.. وقدمت لى بطاقتها:

دكتورة نغم القليوبى
أستاذ مساعد قسم الاجتماع
جامعة قناة السويس

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.