mohamedibrahim

شارك على مواقع التواصل

رافقتني الكتب طيلة السنوات الماضيه بعد موت أمي فلم تترك لي مالًا بل أكثر بكثير تركت لي مكتبتها المُكتظه بالعديد من الكُتب الثمينه، التي علقت بها رائحتها، وذكرياتي القليلة التي بالكاد أذكرها معها وأنا طفلٍ صغير.
اتذكر عندما كنت أجلس قرب المدفئة وأشاهد السنة النار المُنبعثة منها وكانت أمي جالسةٍ علي كرسيها المُعتاد وتمسك كتاب وتبتسم فسألتها..

- أمي مالذي يجعلك تبتسمين هكذا ؟
فحملتني بين يديها وقالت لي :
- الكتب تدفئني !
فرفعت حاجبي أستنكارًا لعدم فهمي
- كيف ذلك يا أمي ؟!
فاحتضنتني وقالت بماذا تشعر الأن ؟
- قلت بالدفء.
-هكذا يا صغيري الكتب تحتضنُني، تحتويني كلماتها، تشعرني بمِثل الدفء الذي شعرتَ به الأن.
فأجبتها بعفوية طفل صغير..
- لهذا يا أمي عندما تنتهين من قراءة كتابٍ لي عند النوم تضعينه بجانبي كي يحتضنيّ وأشعر بدفئه؟
فضحكت أمي كثيرًا
- أحسنت يا ولدي الذكي.
وسريعًا أختفت أبتسامتها المُشرقة وحَلت مكانها أبتسامة حزينه لم أعرف معناها إلي أن تركتني ورحلت عن عالمي.
"صغيري إن في هذا العالم الكثير من الأمور المُخيفه كملذات النفس وشهواتها، إذ لم تُحكّم فيها عقلك ستصبح عبدًا لها تسوقكَ كيفما تشاء. وقد تفعل أي فِعل حتى وإن كان مُحرمًا فقط من أجل الحصول عليها؛ وستكون العواقب وخيمة فإن طال الزمن أو قصر سيكشف كل فِعل، وسيحاسب فاعله. فكنّ دائمًا مع الحق، ورقيبًا على نفسك".
ثم رأيت الدموع في عينيها؛ وأمسكتها قبل نزولها..
- نقاء قلبك هو السبيل الوحيد إلي أمانك في هذا القصر تذكرهذا دائمًا.
وأشارت بأصابعها المُرتعشة نحو قلبي، لم أكن أعلم حينها أن أمي تعدّني لأن أعيش وحيدًا دونها وأتذوق مرارة الوحده بين تلك الجُدران الخانقة رغم إتساعها.

اليوم هوعيد مولدي الثلاثين ستكون الهدية الأمثل أن أغادر هذا القصرلأبداء في مكان جديد؛ لا أحد يعرفني أو يعرف من أكون.
وربما أذهب إلى بقعة ليس بها بشر وأعيش حياة هادئة، خالية من حفلات المساء الصاخبة، لا يوجد فيها قاسم باشا ولا قصره.
في مثل هذا اليوم أخرج من غرفتي التي نادرًا ما أخرج منها وأجلس في حديقة بعيده؛ لا أفعل شيء سوى إستنشاق الهواء والتأمل في وجوه المّارة والجالسين، في صمت حتى رأيت ما شدّ إنتباهي.
***
في العاده أنا اطيع كل الأوامر التي تُطلب منيّ، لكن لم يعُد لدي القدرة على الأستمرار في هذا العبث، مُحبطة وغاضبة، ناقمة على كل مايحدث ليّ.
سؤال واحد ظل يتردد في نفسي إلى متى؟
إلى متى سأظل أُعاني ؟
أركض وأنا ساكنة في مكاني ؟
كل الأحداث من حولي لا تبشر بالخير ليس فقط امّر زواجي؛ بل هو أكبر من هذا؛ مؤخرًا حدثت أشياء عجيبه وأصبح أخي مُضطربًا كأنه يحمل همًا فوق كتفيه ودائم الأختفاء، كما أن أمي تَمكثُ معه في غرفة المكتب بالساعات أسمع همسهم وفي كثير من الأوقات يصل حديثهم حتى الفجر وعندما أرى وجه أخي في الصباح على مائدة الأفطار يكون حزينًا وعيناه مشوشةً كأنه ليس معنا فأسئله ما به فترد أمي بحِدة أنه ليس من شأني التدخل؛ وأنه مشغول بمُتابعة أعمال العائلة.
لكنِ لم أصدق.
- عذرًا سيدتي، وقع منكِ هذا.

فرفعت بصري ناحية هذا الصوت ويده الممدودة إلىّ بمنديلٍ زهري وقع مني وأنا شارده.

- أشكرك.

أخذته وقُمت من مجلسي قد شارفت الشمس على المغيب وعليّ العودة سريعًا، أشعر أن وجه ذاك الشاب مألوفًا لدي أو أنني قد رأيته من قبل في مكانٍ ما لكن لا أعرف أين ؟ يمكن أن أكون قد رأيته في إحدى الحفلات ؟ لا فيبدوا على ثيابه أنه من العامه فأكيد لم يسبق له أن حضر إحداها ؟!
إذًا أين؟
وحين إقتراب وصولي إلى القصر تبخرت صورته من رأسي وعِند دخولي هَرعَت الخادمة باتجاهي

- يا روز هانم ... ياروز هانم، الستّ هانم الكبيره تنتظرك في قاعة الطعام.

أخذت نفسًا كبيرًا لمواجهة غضبها فحديث الصباح لم ينتهي بالنسبة لها لكنه كان مقفولًا عِنديّ، فوق ذلك خروجي بدون علمها وتأخري؛ فمشيت إلى القاعة باستسلامٍ تام.


- مساء الخير.

- أين كنتِ اليوم ؟

- ذهبت للتنزه قليلًا ، أسفة لعدم إخبارك فقد كان لديكِ ضيوف.

قالت بتسلُط وهي لم ترفع عينيها عن طبق العشاء..

- حرم "زهران باشا" كانت تتناول معي فنجان قهوة اليوم ونتشاور في ترتيبات العُرس.

لم أجدّ ما أقوله؛ ليس لدي القدرة لمواجهة أمي الأن ، فاستأذنت بالرحيل.

-روز ! ثم نظرت لي نظرة مُتوعده أحفظها جيدًا "لا تكرري الخروج مرة أخرى بدون إعلامي".

- أوامرك نجلاء هانم.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.