mohamedibrahim

شارك على مواقع التواصل


كُنّا نُلملم شتات أنفسنا
ونسترجع أحلامنا
من أطراف المدن البعيدة
نطوف بين أعشاشنا الوليدة
وضروع أنعامنا المكتنزة...
التي تُغدق بحبها على أوعيتنا
حتى تساءل أحدنا : "ولماذا لا نعود؟!"
ألجمنا السؤال فلم ننطق
تبادلنا كؤوس الصمت في أسى
تنزَّهت الأيّامُ المريرةُ فوق أحداقنا
جفلت رموشنا من الدفقات الساخنة
ثُمَّ لم ننطق أيضاً...
مَضَينا في موكب جنائزي
يتلوَّى بين خيالاتنا
نغوصُ نحو أعماقٍ لا تصلها آمالنا
توارينا عن بعضنا
خلف أغصانٍ مُحترقةٍ
تنكسرُ بين ثناياها
أشعةُ الحماس الواهنة
حتى جاءنا صوت
يُفتّش عن لغة ينطق بها
يتلمَّسُ طريقه بين الكهوف المظلمة
"نعم..لابد أن نعود"
لم تُحرّكنا حروفه البائسة...
عُدنا نقرعُ صمتاً
يجرفه تيار الترقّب
نعلمُ أن الأمر مغامرة
نحو أنياب المجهول الدامي...
الذي يغتصبُ أيَّامنا
لكنَّ قمم الجبال الثكلى
قد أشرعت أكفّها
والعشب اليابس المنتحب ينتظرنا
هذا النداءُ الخفيُّ
الساري بين أوصالنا
يعصفُ بنا...
"يجب أن نغامر..
وإلاَّ احترقنا في عيون أطفالنا"
انتفضنا معاً...
كأنَّنا هذه اللحظة فقط وجدنا آذاننا
التصقت أيادينا والتحمت أعناقنا
صِرنا رجلاً واحداً
ينتعلُ أحذية شتَّى
يزحفُ نحو قُرص الشمس الأخضر
الذي أشرق فجأة...
من أجلنا !


لحنُ العِتاب


إن كُنتَ تُريدُ مُعانقتي
فاغسل يديك أولاً...
من الليالي الباردة الصمّاء
التي مضغتُ فيها وحدتي
واسترقتُ الدفء من عيون
المارة في الشوارع والأزقّة
وباعة الحليب الصاخبين
وأمواج المتطفلين
أولئك الذين رقّت قلوبهم
ولانت نظرات عيونهم
حين انتشرت رائحة شوقي
فأزكمت أنوفهم
فيما كنت أنت بين الأشباح
تُطارد مساءاتك الملونة
في عُيون الهاربين من أنفسهم
وأفواه المُنتشين بأنفسهم
وأحلام الطبول الجوفاء
إن كُنتَ تُريدُ مُعانقتي
فاطلب الصفحَ من فراشي
الذي بات رملاً ساخناً
ونافذتي التي تمزَّقت من نظراتي
وملابسي التي أنكرت هيئتي
واطلب النسيان من وجوه صديقاتي
التي غمرتها الشفقة المتحجرة
ومن أعمدة الإنارة التي
أحاطت بي ظُلمتها المُتوهجة
ومن دجاجات عِشتنا اللائي
نأين عن الديكة من أجلي !
إن كُنتَ تُريدُ مُعانقتي
فاخلع رداء غطرستك لدى الباب
واملأ عينيك بملامحي الجديدة
واشطر نصفك الذي لا أراه
واترك نصفك الذي يميلُ...
بزاوية مُنفرجة على قلبي
تجمعُ بين ضفَّتيها ترانيم الهوى
وعطور الشرق الذائبة
فوق شعرك المُنسدل عشقاً
ولحيتك المُشذَّبة
إن كُنتَ تُريدُ مُعانقتي
فلا تُجادلني طويلاً
ولا تُرتّب لي حروفي
ولا تُنسّق لي مشاعري
فأنت في مملكتي !



أوراقٌ يابسةٌ

اليومُ أربعون ساعةً كاملةً
لا تُنقصها حُشودُ الكلمات
الثكلى، المُتزلّفة
المُندفعة قسراً
من أفواه الغافلين طوعاً
فوق رؤوسهم يتأهّبُ
فكُّ الأفعى المُترقّبة
ابتسامات أفئدتهم الوجلة
لا تدفعُ عنهم شبقها
في عُشّها الورديّ
تحت الموج الأحمر، تنتظر
شفاههم ملأى
بالخدع القديمة المتكررة
في دوائر اللهو يتبادلون
أحداقهم المُترنحّة
يسقطون من فرط اللهاث
القاني، المُنسكب
على أبسطة "البنكنوت"
المُرصّعة بأنيابٍ مُتحفزّةٍ
واحداً تلو الآخر يسقطون...
لا أحد يملك موهبة، فكّ الطلسم السرمديّ
تتقاطرُ العيون الخالية من أجفانها...
لتنتحر فوق الصخور
الملساء، الساخنة
أعدادُ المُتفرّجين تتزايد
كموجات كهرومغناطيسية متلاحقة
كُلّهم أوراقٌ يابسةٌ
في وجه الريح المُتنمرّة
تلدهم الشوارع والأزقّة
وإشارات المرور
وأضواء السيارات العابرة
أحدهم وضع سعراً
لتذكرة المشاهدة...
ومن بعيد واحدٌ آخر
يرقُب حلقة السخرية المتأججَّة
يلمحُ رأس الأفعى
ينسدلُ فوق عُشّها الورديّ
نحو الفرائس الشهيّة اللاهية
يذهبُ صوته بدداً
حين يصرخُ مُحذّراً
ترتمي الحروفُ مُتكسرّة
كعيدان القشّ تحت قدميه
يُدركُ أن ليس له أن يُغيّر شيئاً...
فيكتفي بألم المشهد المُنعكس
على رمشيه المُثقلين
الآن يعرفُ أن الحقيقة
سوف تضلّ طريقها إلى الأبد
حتى يظلَّ اليومُ
في دورته الثابتة...
أربعون ساعة كاملة!


المُنتصر

عيونها كسيرة مُترقرقة
تنكبُّ على نعليَّ تلثمهما
بشفاهٍ يابسةٍ
لم يعد يرويها
ميراث الحقد المهترئ
أعرف أنكم تخشون بأسي
لكنني..
لن أستلهم روح "هاملت" الفانية
"فأقسو حتى أكون رحيماً"
سوف ترون صورتي
السابحة فوق مياه النهر الحكيم
لا صورتي التي ملأتم بها
آفاقكم الضيقة
......................
أنا العربي الذي التحف السماء
وانجب النبالة من أرحام الصخر العقيم
أنا العربي الذي قارع الرعد
واستخرج الدُرّ من بطون النوق المُنهكة
أنا العربي الذي لا يُشبهكم في شيء
لأنه من طين لا ينحني
........................
لا ترسموا لي طريقي
على رموش بنات أفكاركم
فطريقي أعرفه
ويعرفني
وما بيننا من عهود الشرف
لن يصل إلى عيونكم
........................
أنا العربي الذي لا يخون نفسه
ولا يبيع رُفات أجداده
في أسواق الفضاء
أنا العربي الذي ينسج
رداءه الأبيض
من خيوط الرجاء
ويناجي رب الكون مُتضرعاً
في الصباح وفي المساء
وحين يرى رؤوس الباطل
قد أشرعت سُفنها
واحتلت النجوم
حينئذٍ - فقط - يثور
.......................
إن كنتم لم تعرفوني بعد...
فهأنذا بصدري العاري وذراعيَّ النحيلتين
هلمُّوا إليَّ بنفيركم وبخيلكم
بالوشمات الزرقاء الغائرة في أعناقكم
فإن لم تفعلوا...
فأنصتوا إلى حفيف أنفاسي
يتردَّدُ صداه
فوق هامات أشجاركم
.......................
أنا العربي الذي يمتطي ظهر فراسته
ويُسلم عنان قدَره لمولاه الأعلى
أنا العربي الذي بالصبر يتحلَّى
ويتجمل...
يحمل آثام القرون العتيقة بين منكبيه
ويتحمَّل...
أعرف أن شموس المشرق
التي تعتلي قوس البرق
ترنوا إليَّ بعين الرضا
فليس من شيمتي
أن أختال فوق دماء المنهزمين
أو أغرس سيفي في بطون الثكالى
الآن اطمئنوا...
لا تثريب عليكم
فلن أوصد باب فؤادي دونكم
ولن أرقص مُنتشياً فوق أعينكم المُغلقة
رغم إنكم بالسقم السارح في أوردتكم
أردتم هجائي!



0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.