Sottoo3

شارك على مواقع التواصل

دار الحطمة (تمهيد)






رواية
دار الحطمة

سطوع لخدمات النشر
جميع الحقوق محفوظة ويحظر طبع أو تصوير أو تخزين أي جزء من الكتاب بأية وسيلة من وسائل تخزين المعلومات إلا بأذن كتابي صريح من الناشر

إهداء إلى:
الخذلان وأعوانه.

إهداء
إلى مَن رحل عن عالمنا، تاركًا خلفه إرثًا لن يزول، مهما مرت الأعوام وتداثرت الأعمال الكتابية لن ننسى روايات الكاتب الخلوق "ضياء الدين خليفة" رحمة الله عليه.
كنت أتمنى أن تقرأ روايتي تلك، كما قرأت أول قصة نشرتها، لم أنسَ تشجيعك إليَّ، ولكل الشباب المقبلين على الكتابة، لم أنسَ حديثنا عن الكتابة في معرض الإسكندرية، لم أنسَ أي موقف جمعنا، وأعلم أن مواقفك مع كل الناس؛ صنعت ذكرى في عقولنا نبتسم لتذكرها.
رحمة الله عليك يا كاتبي العزيز، أنتَ الآن في مكان نقي من تلوث البشر وظلمهم، تغمدك الله بواسع رحمته.

تنويه!
كل الأحداث التاريخية في الرواية ما هي إلا خيال نسجه المؤلف ليدخل إلى عقول القارئين بروايته، فيتسلل خياله إليهم، حتى يثير في أنفسهم الفضول. الفضول الذين لن يجدوا إجابة واضحة له، فكما سبق كل الأحداث ما هي إلا رحلة مشوقة داخل براثن المجهول والمحظور.
رحلة ممتعة يا أصدقائي داخل دار الحطمة، وما تحمله في شعارها من رأس الماعز المطل على نافذة، ومن هؤلاء المدعين بأنهم "جماعة آخر المؤمنين على الأرض" كدت أنسى ما علاقة كل هذا بشركة الأفكار؟! التي تسيطر أسهمها وفروعها على كل بقعة في الأرض!



التمهيد
ضباب.. ضباب مهيمن على أجزاء الصورة، سرتُ بصعوبة، حيث وجدت نفسي أمام مقهى زغلول، الذي اعتدت إتيانه كل يوم، كأنها فرض سادس أو سنة سوف أحاسب عليها، كانت الجلسة مع عم نوح صديق الطفولة والكهولة دومًا لا يُمَلُّ منها.
ذلك الكهل الذي لا يموت، منذ وعيت وأنا أسامره الحديث مع أبي، ومن بعده عرف كلانا أن موتته قد يحين أجلها على كراسي قهوة زغلول.
راقبت المشهد من بعيد، كنت غارقًا في الحديث مع ذلك الأشيب، اقتربت بخطى عنفها التردد، فزعت بعدما باغتتني الريبة ونظرت خلفي كامرأة لوط، لكني لم أهلك فقط وأكن من الغابرين مثلها، فما جحظت به عيناي كان الهول بذاته!
وجه متدلي اللسان، منفرج عن ابتسامة أهلكت مرادفات الرعب، عينان يخفيهما الضباب، لكن كالقطط يبرز سطوع عين مشقوقة، الغريب أن نسختي المتجلية أمامي كانت في وادٍ آخر، ما أراه لا تراه نسختي، تراجعتُ خطوة للوراء ولم أتراجع الأخرى حتى هجم عليَّ عم نوح وهو يركض نحوي على أربع!
تسمرت مشدوهًا بينما أرى يديَّ صغيرتان وعالم غرفتي من حولي كبير، وددت التحرك كل ما استطاعت قدماي فعله هو الحبو!
لا إراديًّا اتجهت نحو لعب الأطفال بوسط الغرفة، التقطت من بين الألعاب المتنوعة مجسم لطائرة، ابتسمت وناغيت بفرحة، كأني وجدت كنز علي بابا.
بينما كنت ألعب داخل عالمي الصغير، فاجأني أبي بطرقه على باب غرفتي المفتوح، حاملًا توأمي وهاب على كتفه. كان مرتديًا بذلة كابتن الطيار، وضع وهاب على الأرض، انحنى نحوي، تأملني بصمت وبابتسامة لا تفارق وجهه المائل إلى السمرة، بشعره المجعد، وعيناه الضيقة التي ورثتها عنه، بينما ورث أخي طوله الفارع.
خلع قبعته بعدما قبلني، أدمنتُ النظر في أشعة الشمس الذهبية التي تجلت في عيني أبي كما عينيَّ، حرّك شفتيه بكلام لا أعرف كيف أتذكره إلى الآن:
- حبك للطائرات والتجديف بين السحب قد يكون وراثة، لكني أرى روحك طائفة كما الطائرات يا أواب، لا تحب الركود في الأرض، قد لا تلعب مثل باقي الأطفال وتكتفي بتأملك للطيور المحلقة في السماء، أعرف أن هدفك التواجد معهم، قد يأتي الوقت وتتضافر بجانبهم، لا يعلم أحد.
ولى دفة كلامه لوهاب الذي يحاول تصليح طائرة مكسورة:
- أما أخوك وهاب يهتم بأصل الشيء، يحب فحص ماهية الأشياء، علاقاتكما بأي أحد لا تميل إلى السطحية، تقريبًا لو تجادلتما على شيء أو توسط العِناد بينكما ستصير كارثة خصيصًا لو لأجل أحد!
سكرت عينيَّ برهة ووجدت الظلام من حولي يسيطر على الأجواء، رائحة موتى تشق المكان، لساني جاف وكأن الماء لم تمسه منذ قرابة قرن، تقلبت ذات اليمين وذات والشمال، وأنا لا أقوى على الحركة، ثور غاشم هتك عضلاتي، أناملي لا تستشعر غير الرمال من حولي، عاجزًا عن إيجاد تفسير لكل اللوغاريتمات تلك.
المكان أشبه بالمغارة في نهايته أشعة الشمس تنسدل، لكن ما حجب بعضها ذلك الواقف بعصاة غليظة، وملابس غريبة، يبدو أنها ترجع إلى عصر قديم.
على حين غرة التف إليَّ ولم أتبين من وجهه شيئًا بسبب ضعف نظري بدون نظارة، دك الأرض بعصاه قائلًا:
- أركض إلى يوم الزينة!
رَكضت مفاصل قدمي بغير إرادتي، كل أجزائي لبيت نداء العصا، وكأني إنسان آلي أُجَرُّ، عدا عينيَّ تحكمت بهما، فرأيت ما جعلني أعض أناملي؛ جثث مبتورة الأطراف، مصاحف منثورة الأوراق خالية من أي حبر!
جريت كحصان ولد في ساحة سباق، خرجت أحرك عينيَّ فقط، وهذا كان جيدًا؛ لأشبع فضولي الذي نهشني لمعرفة أين أنا؟
سنفونية الدمار لُحنت في كل شيء رأيته، حاولت اِستنتاج مكاني، من حطام أبو الهول، الذي لم يتبقَ منه شيء سوى بقايا محال ترميمها.
يبدو أني انزلقت من فوهة عالمي لنهاية عالم قُدر علي المشاركة في مشاهدة أهواله؟!
أتكون ضاعت بوصلتي وتدحرجت إلى بئر مطلسم المعالم؟!
النهاية بعيدة لدرجة قريبة!
صرخت متألمًا، تمنيت الموت ألف مرة، نُزع لحم قدميَّ من حطام الأبنية التي تساوت بالأرض، ركض معي مجموعة من الأحياء الموتى، صاروا عظامًا على لحم، جمعت من أعينهم الغائرة علامات الفرحة والخوف، لا أعرف عن ماذا يبحثون؟ من لهاثهم بابتسامات غريبة؛ استنتجت سعادتهم نوعًا ما.
ساعات متواصلة من الركض، العرق تحت أشعة الشمس الحارقة أذاب لحمي، لساني تدلى جافًا يترجاني أن أقف، لكني مسير مثله، توقفت مفاصلي عن الحركة على حين غرة أمام سور ضخم يشكل دائرة مغلقة، فوق الأسوار رأيت بصعوبة شخصين يصوبان نحونا البنادق، ارتعدت أن يقضى علينا بعد كل تلك الساعات من الجري، توسط السور بوابة مرتفعة من الحديد سياجها صنعت كالرماح خرقت رؤوس ستة أفراد علقوا على بوابة السور.
لهروبي نتيجته محتومة؛ الموت بكل تأكيد، وإن بقيت أجبرت على أكل إنسان نافق! الحياة تخيرك بين شجاعتك وضعفك في مواقف كثيرة، وأنا لن آكل جثة أحد.
ازدردت ريقي، ووصدت عينيَّ، تحركت نحو البوابة، أصوات المسوخ من خلفي وهم ينهشون الجثة جعلتني كما لو كنت أنا مكانه وجثتي يؤكل منها، سمعت أيضًا ذلك المهرج الذي توسط شرفة المكان من الداخل، والذي ألفت صوته القريب من أبي.
فجأة سمعت صراخ جماعي، جميع مَن حول الجثة يتلوون على الأرض كالأفاعي.
فُتحت البوابة، وعلى مصرعيها تلقيت دخان سجائر، التابع للحارسين اللذين نظرا لي بلامبالاة، تفوه أحدهما:
- اخرج إن أردت، فإرادة الإنسانية شيء مستحيل كبحه!
أخرج بتلك السهولة؟ أذن لماذا جُررت إلى هنا بلا فائدة؟! لم أدع تلك الفرضيات تقود شارة تفكيري، تنفست الصعداء وخرجت، همهماتهم من ورائي لم تطمئنني، الصمت المريب ذلك غير طبيعي بالمرة، الزحف فوق الأشواك لابد أن يجرحك لا يسكنك، راجعت سجل دخولي إلى هنا وتذكرت كل شيء باستثناء الحراس الرابضين فوق السور!
ركضت بأسرع طاقة تبقت عندي لأجد السراب متجلي أمامي.






خذ حذرك وأنتَ تقاتل الوحوش، حتى لا تصبح واحدًا منهم، ولا تحدق طويلًا في الهاوية حتى لا تنظر الهاوية أيضًا إليك.
(فريدريك نيتشه).

يتبع...
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.