Horof

شارك على مواقع التواصل

سكرات

عبرَاتٌ يسكبها من فؤاده، والألمُ يُسحسح من مآقيه، فالتي أحبّها فيما مضى هجرَته لسواه رغبةً منها في الترف والبذخ، خاصة أنها خليلة الفقر والتراب، وهو كذلك، لكن أحلامه كانت ترقى وترقى حتى لتبلُغ حدَّ الإقامةِ في العاصمة، والاثنان أبناء القرية الغارقة في النسيان.
ذات يوم أسرّ لصديقه أنه ينوي الانتقام منها، وذلك بإشاعةِ الأخبار السيئة وتلطيخِ سمعتِها بالسوءِ، بيدَ أنَّ فؤادَه المتيّمَ بهواها ما سمحَ له بذلك، بل ظلّ يسقيه ألوانَ الحنين بين حينٍ وحين، إلى أن أزَّهُ الشيطانُ فارتكبَ الحماقةَ الكبرى، تجلّى ذلك عندما صدفَها في الشارع مع زوجِها فأقدمَ على نزعِ غطاء رأسِها، وراح يُشهّر بها فما كان من الزوجِ إلا أن أجهز على الحبيب العتيق، وما لبث أن قتل زوجتَه بعدما قتلته ظنونه.
من بين الأجداث تراءى طيفان راحا يصولان ويجولان في سماء المقبرة.
ناجى طيفَها طيفُه: كيف سمحتَ لنفسك الحقيرة أن تضيّعَ عليّ باقي أيام عمري وأنا الزهرة في روحِ الصبا أتألّقُ، أناغي الفرح وأشدو قربه بقلبِ يعشقُ البراءةَ ويميس بالنعيم لولا حبَّك الذي كان بالنسبة لي اشتهاء كاللعبِ بالنار والرقص مع ألسنة لهبها فإذ به يحرق روحي ويدفن عمري في الرحيل بطيش أخرق والذنب أني أردتُ أن أردي الفقر قتيلا.
اشتعل طيف العشيق نوراً وراح يُزهر باقات الندم وما لبث أن باح: القلبُ الذي بين أضلعي تحولت دماؤه إلى أنهار جافة تهوى وصلك وتهفو إلى لقائك فالحبُّ الذي أكنّه لكِ عظيم، عظيم، وما استطعت أن أكبح جماح ثورتي، ما احتملتُ أن تكوني لغيري فدافعي الحب، والحبُّ عندي التملّك وألّا تكوني لسواي، لكن هنيئاً لي بكِ هنا لتطيب لياليّ ويحلو بقربك السمر في هذا البرزخ وليكون هذا الحيّز بقربك جنّتي فإنّي إلى جهنم وبئس المصير وأنتِ إلى الجنة ونعم المآل.
على أكفّ الحمّى تقلّب جسد الزوج القاتل وما فتئ يصطرخ بألوانها حتى مسّ اليأس قلوب المشرفين على علاجه وقنطوا قنوطاً كبيراً، فالمريض في أوج الصحة لولا عنادُ الحُمّى التي أبت إلا وأن تزيّن روحه وتكسو عظامه وإذا بالصباح الأخير يزف الموتَ إلى المريض ويُريحه من السقم وفي الليلة الأولى له في القبر رأى طيف الميت التقاء الطيفين خِلسة.



زهرة الحياة

اخلع نعلك أنت في الحضن المقدس الذي يجاهد آناء الليل وأطراف النهار ليتغمّدَك بواسعِ الرحمة والحنان.
ذاك هو حضن الأم الذي اتخذه الأدباء - معظم الأدباء - نبراسا للجود وآيات العطاء تسحُّ من مقلتيها ذي الحنان، البؤس هنا شريك في حياة من فقد نبع الوداد هذا، ما أشده من عذاب حين ترسم أحلاما بيضاء على حائط الواقع الأسود والأسوأ بذات الوقت، ألا يكفي أن الحزن ينتحبُ منكسراً دون الذي فقد أمه ولولا ذلك القدْرُ للأمِّ لما كانت الجنة ثمة أقدامها، طوبى لنا بأمهات ترفع أكف الضراعة لتدعو لنا الله بأحلى التراتيل وتجود بأكرم العبارات - حريٌ بالناس ذلك .
أن تقول أم فذاك يعني أنك تردد آيات الألفة والمودة فكيف بك حين تبرّها وكيف بالناس حين يخذلون أمهاتهم؟ يطول المداد أسطراً.



رسالة إلى ضمير

التحياتُ المبكياتُ والأماني العقيقةُ إليك أيها الضمير!
ما أقولُ وما أكتبُ وأنت الحاضرُ الغائبُ فينا، هل الأزمانُ اختلفتْ أم اختُزِلتْ في دياجي الفسادِ والمصالح الآثمة والعيونُ النائمة والقلوبُ الهائمة في هوى اللذات تفضيلاً عن الأعرافِ والدينِ والله.
يا أيُّها الضمير مهلكَ فالسبات عميق وزمن الانتباه بعيد سحيق فلا تأس على قوم لجّوا في الظلمات ويرتعون في رحابها، يرومون إعمار الخرائب بالخراب وفوق سماء كلٍ منهم غراب وشيطان أمرد يؤزّه أزّاً، يحسبون أنهم يحسنون صُنعا ولا يدرون أنهم في الغيّ وأشباهه يخوضون.
ألا ترى يا أنا أن من غاب عنه ضميره تجرد بشكل أو بآخر من كل شيء، فلا هو بإنسان يتبع إنسانيته ولا هو حيوان يتبع غريزته فيسرف في التبذير ويبذر في الإسراف بل وتحسبه أعقل المجانين في إعمار قلاع الرمل وتجول بالفؤاد - لحالك - آلاف الحسرات وباقات السقمِ وكلُّ الرزايا وحول ذاك الأمر يطول المدادُ أسطراً.
ختاماً لتعلمَ يا نبراسَ الحقّ أنْ لا بدَّ للظلمِ أن ينطوي ولا بدَّ للأغلالِ أن تنكسرَ فكلُّ ما هو شائع الآنَ ما هو إلا فقاعةٌ سوداءُ مصيرها حتماً الذهابُ أدراجَ الرياحِ والويلُ والثبورُ لمن ارتداها زيّا يلوّنُ به أيامَه وأقوالَه وطوبى لمن هجره وحُسنُ مآب.
لمسات يوم

ومرّت سنابُك عاماً آخرَ على وجوهنا، فيه من الوجع أقساهُ ومن الفرحِ أحلاهُ، أيا قلبي السقيمُ كم من أمنياتٍ خيّبَتْكَ؟ وقدسُ الأحلامِ يطير فيّ كل حينٍ آلافَ الليالي، وأستحضرُ الغيماتِ لأمطرَ التفاؤل فوق الأيامِ المتواليةِ، كحباتِ المطرِ هي، سريعة، متعاقبة، لا نهنّئ بقطفِ جناها حتى تلوذَ بنا الملمّات. ذات عيدٍ دارَ في أفواه الخرافِ سؤالٌ: ألا تخشى النحر بعد حين؟ أجاب أحدها: وما الضيرُ قد خَبِرت الصيف وحرّه والخريف ورحيله الحكيم وكذا الشتاء وقرّه الكليم، وآخر شيء أزهو وأزدهي بأحمالٍ من شأنها استمرارية وجودي. سوى أنّي - وكذا بنو آدم - لا نفتأ نزرع الآمالَ في الأيامِ ونفترشُ الساحاتِ بانتظارِ الزهرِ وحين يأتي الأوانُ ونحرث الأحلامَ البيضاءَ وا أسفاه فكم يخيب الظنّ بالمقبلِ؟ على أطلال الأيام المنصرمةِ فقدنا ساعاتِ فرح، وحطام ماضٍ بهيجٍ لنكسب للدهور القادمة جبال وجعٍ؛ آهٍ عليكِ يا أنفسنا الوديعة، آهٍ من أسابيعَ وشهورٍ لا تجيدُ غير التهام أفراحِنا وأعمارِنا على حدٍّ سواء بما في ذلك ذوات ذواتِنا.


عفاف

ما تجرّأَ على قراءةِ لغةِ العيونِ في وجوهِ الإناثِ الغريباتِ عنه - حتى الصغيراتِ - ذلك أنّه يحسبُه اجتراحاً لأعظمِ الآثامِ.
ذات اجتماعٍ بإحداهنَّ هوى به الهوى وزلزلَ صروحَ العفّةِ والطهرِ، ودنّسَ القدس بنظراتٍ متهوّرةٍ ماجنةٍ، والفتاةُ تعرفُ جيداً لغةَ العيونِ وتفهمُها وقد لاحظت الارتباكَ المنزوي خلف رمقاتِه فحدثته بلغة أرادت من خلالها شيئاً: إنَّ الأيائلَ التي تحاولُ أن تصطادَ أرنباً لا بدَّ لها وأن تفشلَ، كذلك هو حال الإنسانِ وشخصيتِه التي تنشأُ في فترة معينةٍ، ثم ما تلبثُ أن تبقى ثابتة في الجذرِ متغيّرةً في الغصون، وعلى الرغمِ من أنَّ بعض بنات جنسي قد يعتبرن ذلك إهمالاً متعمّداً يُنقصُ من قيمتها، إلا أني أزفّ لكِ البشرى فلقد امتثلت - إن علمت وإن لم تعلم - للأمر الإلهي "من وراء حجاب" في التعاملِ مع الأغرابِ من النساء، فالعفّة لها نصيبٌ عظيمٌ من العيونِ ونظراتِها، هيّا اذهبْ، انطلقْ، ولتبقى حرّاً من أغلالِ الهوى وقيودِه.

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.