Horof

شارك على مواقع التواصل

يحثّ خطاه ليعود لنفسه ولبيته، يلتفت حوله فيرى حشدًا من عشر رجال يسيرون خلفه وأمامه وعن يمينه ويساره، فلا يلبث أن يقول لهم:" ماذا تريدون؟ ...".
ينطق إمامهم بحماسة شديدة:" لا تخشى شيئًا إنّا معك سائرون وفي ركبك ماضون!..".
يتلهف لمزيد التوضيح:" ثمَ ماذا؟!.." .
يندفع الجميع للحديث فيلجمهم صوت إمامهم " إنّك زعيمنا وقائدنا ومرشدنا.." ...
يلحّ في السؤال، وقد انتابته وساوس:" نعم وماذا؟!.." ..
ـ يا قائدنا لا يمكن أن تسير وحدك، فطريقك محفوفة بالمخاطر"..
ـ يقول برضوخ:" صحيح" ..
فيردّ ذات الصوت بزهو كبير " لقد أجمعنا الرأي بأن نشكّل فريقًا منّا لحمايتك يا مرشدنا" ..
يقترب منه صاحب الصوت، فيتبين في ملامحه طموح شديد ونظرات ثاقبة، ويهمس له " لابُدّ من فريق حولك يذود عنك، ويلبسك ثوب الهيبة.." ..
يومئ برأسه في إذعان أن:" صحيح"..
كانت تلك حلقته الأولى، وكان هو أول وزراءه، يشير عليه ويشير له في كل كبيرة وصغيرة.
يتأوّه بتعب شديد حين يستلقي على فراشه الوثير، لكنَّ هاجس الأفكار، تمكّن منه، فيقوم ليلقي نظرة من الشرفة الصغيرة على الحشود المتراصّة في إنتظاره، تفترش العراء وتسكن الخيام الباردة في إنتظار كلماته.
هناك الجمع ينتظره كلّ يوم ليوجّه خطاهم.
يشعل لفافة ويملأ المكان دخانًا وهو يفكّر بصمت، يقترب أكثر من الشرفة، ليرى حرّاسه وأتباعه، فيبتسم في تعجّب.
لقد أصبح له حراسًا وأتباعًا، من كان يظنّ هذا! يحرسونه ويسهرون على راحته، يوفّرون له الغذاء الجيّد والفراش الوثير واللّباس الأنيق!
يردّد في ثقة:" لا ريب في الأمر، فهو مرشدهم وقائدهم! سبحان من يحيي العظام وهي رميم، لقد أصبحت أصواتهم عالية، وأحلامهم كبيرة ومطامعهم أكبر!".
يتنفَس بعمق شاردًا بفكره بعيدًا عن جمعهم مردّدًا:فليستمتعوا قليلًا! يكفيهم ضجيج الحلم!.
يكفيهم أن يرتعوا في بحور الأمل، فهذا في ذاته نشوة لم يعهدوها من قبل!.".
دقّات متأنية على الباب، فيجيب:" تفضّل" ..
إنّه وزيره الحميم، من وفّر له الحماية وعمل على تنظيم الحشود، إنّه لا شكّ ذو فكر وقّاد، وتصميم رهيب.
كان يفكّر كيف يستغل كل صفاته هذه لصالح مشروعه وأحلامه.
مَنْ يستغلّ مَنْ؟!.
يحييه بإحترام ويقول " سيّدي هل لي بمحادثتك" ..
ـ تفضّل فأنت لا تستحق استئذان، نحن شركاء" ..
يربّت على كتفه بإمتنان ويقدم له سيجارة، وهو يمعن النظر فيه، علَّه يستبطن الأفكار التي تسكن هذا الرأس.
ـ سيّدي يجب أن نتصارح، لابدّ لهذا الجمع من قضية يلتفَون حولها ويؤمنون بها! "..
يجيبه القائد بإيماءة من رأسه علامة على رغبته في المزيد من الشرح...
ـ "هذا الجمع لابدّ أن يواصل نضاله بنفس الحماسة، لا يمكن أن يتوقّف إلاّ إن أردنا نحن ذلك "! ..
يتساءل القائد:" إلاّ إن أردنا له نحن أن يتوقف! ..."..
يقف بثقة عالية ويقول " نعم ربّما نحن لم نختر البداية، لكنَنا نحن من يقود هذا الجمع الآن "..
يتوقّف قليلًا عن الحديث، ثمّ يقول " يجب أن تكون الشرارة دائمًا بأيدينا وليست بأيديهم، يجب أن تكون خيوط اللعبة من نسيجنا نحن! ".
ـ " كيف ذلك.."
ـ " هو الإيمان يا قائدنا.." ..
يجول في القاعة الضيّقة ويقول " لا يمكن أن نقاتل دونما أن نحمل فكرة..سنجعلهم يدقّون حصون الحلم..." ..
يواصل في تبجّح " سيعتقدون أن القضيّة قضيتهم والحلم حلمهم!".
يعترض بالقول " لكن أين نحن من كلّ ذلك إن اعتقدوا في هذا الأمر؟ آلا يمكن أن نتوه وسط الزحام!".
ينظر إليه في إصرار وثقة " لن يكون ذلك أبدا، لأنك أنت من يملكهم وأنت قائدهم وأنت في الأخير من يملك كل الخيوط، سيكون دورك تحريك البوصلة بأي إتجاه تريد! "...
يضجّ رأسه بأفكار كثيرة، ويجد في هذا الكلام منطقًا لا متناه، يجب ألاّ يفلت الزمام من يده، فقد أصبح له أتباعًا وحرّاسا يذودون عنه وحشودًا تهتف لهتافه.
يلتفت وكأنّ وجع الفكرة قد صرخ في رأسه فجأة، بعد هذا الحوار المفاجئ وقال لمحاوره " ولكنّي لم أعرف لك اسمًا و لا هوية!"..
يبتسم محاوره بخبث ودهاء " لا عليك من اسمي وهويّتي، المهمّ أنّك اعتنقت الفكرة! ..."..
يجيبه بإصرار " بل يهمني، فأنت الآن شريك ورفيق درب..".
يجيبه محاوره بكلّ بساطة "أنا رقم! ".
بذهول شديد يقول له " ماذا؟ أنت رقم من الأرقام!".
ـ " نعم أنا رقم من الأرقام وستجد أرقامًا كثيرة في طريقك، لكنّني أهمّ رقم وإن شئت فأطلق عليّ اسما".
يفكر بصمت عميق ويقول " أنت شريكي ومساعدي وكاتم أسراري فسأسميك " مشير "! أيناسبك هذا الاسم!؟..."..
يرمقه بابتسامة خبيثة ويقول " مشير، اسم جميل، سأضلّ أشير عليك، ولا أتوانى في التضحية حتى نحقق الحلم، سأكون خلفك دائمًا.."..
يتصافحان بحرارة، إنّها أوّل شراكة حقيقية ينجزها..
يفتح مشير الباب للمغادرة، ولكنّه يستدرك ويقول وهو ممسك بطرف الباب:" سنجمع أحلامهم وأوهامهم ونجعل منها قضيتهم الكبرى!".
يومئ له بابتسامة عريضة علامة الموافقة.
ما إنْ غادر مشير الغرفة حتى تمدد على فراشه المريح بسعادة كبيرة، وامتدّ فكره كطيف حلم جميل " لقد حقق جزءًا من أحلامه من خلال أحلامهم!".
يتقلب على فراشه يمنة ويسرة، إنّه أمر لا يصدق، تقف على بابه شبه تشكيلة حربية تحرسه، تمنحه البيت المريح، والفراش الأثير.. إنّهم هناك يتوسدون الأرض الصلبة ويستشرفون برؤوسهم السماء العارية.
يغمض عينيه، لينام بهدوء غريب، ودفء عجيب يسري في جسده، ليصحو غدًا على حلمه..
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.