Horof

شارك على مواقع التواصل

هل هو كلُّ شيءٍ؟
لا أدري..
وللبحث عن إجابةٍ لهذا السؤال فلا بد لي من الدخول مجددًا لدوامة أحزاني التي لا تنتهي، فهناك فقط، في داخلي، حيث الاسئلة كالكواكب تدور وتدور إلى ما لا نهاية تبحث عن مستقرٍ لها ولا تجد فتبقى تائهةً في بحور الظلمات.
الاحترام..
قد تبدو هذه مجرد كلمةٍ بالنسبة للكثيرين، لكن الحقيقة هي أنَّ الكون كله قائمٌ على هذه الكلمة.. فإذا انعدم الاحترام انتهت الحياة، وتحولت هذه الأرض إلى كوكبٍ ملتهب أو كرة من جليد..
فالاحترام لا يتعلق بعلاقة الإنسان بالإنسان فقط بل هو أكثر من ذلك بكثير..
الشمس تحترم موعد شروقها وغروبها والكواكب تحترم ترتيبها ولا يحاول أي كوكبٍ تجاوز الكواكب الأخرى.. الفصول تحترم مواقيت مجيئها ورحيلها.. والبحر يحترم حدوده.. حتى الحيوانات لها قانون تحترمه فلا يقتل أي حيوانٍ حيوانًا آخر إلا عندما يضطر فقط، ولكم أن تتخيلوا لو أنَّ أحد هذه الأسماء التي ذكرتها تمرد ولم يعد يحترم قوانين هذا الكون، فكم سيبقى الإنسان على قيد الحياة؟
عندما تتأملون هذا الكون ستكتشفون أنَّ جميع هذه المخلوقات مرتبطة ببعضها البعض.. وأنه إذا انقرض حيوانٌ ما فإن جميع الكائنات حوله ستتأثر باختفائه.. لو أن الطيور قررت عدم أكل الحشرات فسوف تسيطر الحشرات على هذه الأرض.. لو أن أحد الكواكب قرر الخروج عن مساره الأزلي فإن ميزان الكواكب الأخرى سيختل للأبد..
لو أن الشمس قررت الرحيل أو الانطفاء فإنَّ الكواكب ستصبح كتلًا جليدية تسبح في الفضاء..
وحده الإنسان من ليس لوجوده معنى في هذه الحياة.. وحده الانسان من يختل ميزان الطبيعة لوجوده ويصبح أفضل إذا رحل عنه للأبد.
واذا سألنا أنفسنا ماهي منجزات الإنسان فماذا سيكون الجواب؟
قطع الأشجار!
قتل الحيوانات من أجل فرائها وأنيابها!
بناء المصانع التي تلوث الهواء!
رمي المواد الكيماوية في البحار دون الاكتراث لحياة الكائنات البحرية!
تفجير الأرض للبحث عن الذهب!
اختراع الفيروسات الخطيرة!
قتل بعضهم بعضًا!
سرقة بعضهم بعضًا!
خيانة بعضهم بعضًا!
ظلم بعضهم بعضًا!
والقائمة طويلة...
لذا إذا سألنا الأرض والمخلوقات التي تعيش عليها (هل تفضلون بقاء الإنسان أم رحيله؟) فماذا سيكون الجواب؟
ولكم أن تتخيلوا لو أن الإنسان اختفى من هذه الدنيا فكم ستصبح هذه الأرض جميلة!
لكن هناك سؤالٌ آخر يجب أن نسأله لأنفسنا أيضًا..
لماذا يفعل الإنسان كل هذه الأمور السيئة؟!
قد يجول بخاطركم الآن العديد من الإجابات وجميعكم على حق،
لكن هناك سببًا رئيسيًا لكل تلك الأفعال، وهو أنَّ الإنسان لم يفهم بعد أن هذا الكون كله قائم على الاحترام..
لم يفهم الإنسان بعد أنه يجب عليه احترام قانون الطبيعة، فلا يقتل الحيوانات من أجل المال، و قبل أن يقطع شجرةً يجب عليه أن يغرس غيرها.. وأن الزهور خُلقت لنتمتع بجمالها وليس لقطفها ثم رميها في سلة المهملات..
لم يفهم الإنسان بعد أنه لكي يعيش فهو بحاجةٍ إلى هواءٍ نظيف وماء نظيف وأرض خصبة، أما الذهب فهو مجرد زينة ولا فائدة منه غير ذلك.. وأنَّ جبلًا من ذهب لن يستطيع إرواء ظمئه إذا اختفى الماء أو إيقاف جوعه إذا اختفى الطعام، أو شفائه إذا فتك به مرضٌ خطير أو إبقائه على قيد الحياة إذا جاءه الموت..
وللأسف رغم أنَّ كل شيءٍ من حولنا قد تغير، ورغم كل هذا التطور والتقدم إلا أنَّ الإنسان مازال هو الإنسان، بل إنه ازداد توحشًا وهمجية.
مازال الغني يحاول استعباد الفقير، والقوي يحاول السيطرة على الضعيف، ومازال ذاك الصراع الأبدي الذي لا ينتهي.
فعندما نرى المريض يوضع في السجن بدل المشفى، ونرى المرأة تقطع البحار مخاطرةً بحياتها لطلب المساعدة ثم يتم طردها،
ونرى العجوز واقفة تتأرجح في الباص لأنَّ الصبية حجزوا جميع المقاعد ولم يعطها أحدٌ مكانه فتحاول طوال الطريق التمسك جيدًا حتى لا تقع، ونرى موظفًا يكذب رغم أنه يعيش في بلادٍ حرة، ونرى كيف يتم الحكم على الإنسان بسبب دينه أو لونه أو عرقه أو لغته، ونرى رجال الدين يكذبون ويخبرون الناس بأنَّ الطريق إلى الله مليء بالدماء، عندها نوقن أنَّ الإنسان مازال بحاجةٍ إلى آلاف السنين ليتعلم احترام الحياة، وربما لن يتعلم أبدًا!
كم هو صعب أن تفقد احترامك لنفسك، حينها تشعر بأنك لا تستحق هذه الروح التي بداخلك، وكم هو صعب أن تشعر أنك خذلت من هم بحاجة إليك في أصعب أوقاتهم فلا تستطيع مسامحة نفسك، ولعل تلك الكوابيس المخيفة التي تأتيني كل ليلةٍ عن الحرب والمعتقلات ما هي إلا رسالةٌ من تلك الأرواح البريئة التي تخليت عنها يومًا ما حينما غادرت وطني.
ربما تريد أن تخبرني عن مدى الرعب والعذاب الذي تعرضت له.. ربما تريد معاقبتي طيلة أيام حياتي.. أو ربما تريدني أن أخبر العالم عنها وعن الذين مازالوا يعانون في جحيم المعتقلات حتى الآن.. أو تريدني أن أستجمع قوتي وطاقتي وأعود لأنتقم لها.
لا أعلم!
كل ما أعلمه هو أنَّ وجودي في هذه الحياة ليس صدفةً، وأن بقائي حيًا ليس صدفة، وأن تحول كل تلك الأحزان في قلبي إلى حروفٍ وكلمات ليس صدفة، وأن كل ذلك الصراخ بداخلي الذي يقول لي "انهض"!
لابد أن يكون وراءه سبب ما، ولكي أكتشف ذلك السبب فلابد لي من أن أتصالح مع ذاتي أولًا.. يجب أن أحترم تلك الكوابيس المرعبة وتلك الأحزان وذلك الصراخ الذي يحاول إيقاظي كل يوم وإخباري بأنه مازال هناك فرصة لإنقاذ ماتبقى من ضحايا هذه الحروب الملعونة، وأهم من ذلك كله هو أن أحترم الله الذي يحميني دائمًا ويرسل لي الأشخاص الطيبين أينما ذهبت.
لقد تعلمت في غربتي أشياء كثيرة..
تعلمت أنه لا مفر من الموت أينما كنَّا، وأن مصير كل روحٍ أن تغادر الجسد، بعض الناس يموت ظالمًا، وبعضهم يموت مظلومًا، ولا بد من أن يكون بعد الموت محاكمةٌ عادلة يعاقب فيها الظالمون على ظلمهم ويسترد فيها المظلومون حقوقهم.
وأن أكثر مايخيفني هو أن يعاقبني الله لأنني كنت آكل الطعام بينما الأطفال في سوريا يموتون جوعًا، وأعيش في منزل دافئ بينما آلاف العائلات لا تجد مأوى لها يحميها من البرد والثلج، وكم يخيفني أن يكون مكاني مع الظالمين يوم الحساب ويسألني الله (لماذا).. لماذا تخليت عن الضعفاء والمظلومين وأنقذت نفسك فقط؟
ولعل هذا الخوف هو ما يجعلني أبحث عن السلام في كل مكانٍ ولا أجده.
لكن مازال هناك وقتٌ لأصلح أخطائي،
مازال هناك وقتٌ لأزرع بعض الخير في هذه الدنيا قبل أن أرحل عنها، فلعل الله يسامحني يوم الحساب ويغفر لي ذنوبي التي أرهقتني.
وكما يقال:
"أن تأتي متأخرًا خيرٌ من أن لا تأتي أبدًا".
لقد تعلمت أنَّ الحب الحقيقي هو الإيثار، وأنه إذا أحببت شخصًا ما بصدق فيجب أن تتمنى له الخير حتى لو كان ذلك الخير مع شخصٍ غيرك، وإذا كان بحاجةٍ لمساعدتك فيجب ألا تتردد في مساعدته وبلا مقابل، الحب الحقيقي يشبه حب الأم لولدها، تحبه وتربيه وتحميه 20 سنة ثم يتركها وينتقل للعيش مع امرأةٍ أخرى، فتبتسم الأم وتتمنى له حياةً سعيدة أينما كان.
تعلمت أنَّ خوفنا من بعضنا البعض لا معنى له، وأن اختلاف العادات والثقافات والأفكار والأذواق ضروري جدًا لاستمرار حياة البشر، وأنَّ جميع الشعوب تريد العيش بسلامٍ لكن بعض المجانين الذين يحلمون بالسيطرة على العالم هم من يصنعون تلك الحروب ليفرقوا البشر، وإذا أردنا التغلب عليهم فعلينا أن نتعرف على بعضنا أكثر ونتقرب من بعضنا أكثر، ولا نصدق كل مايقال حتى لانقع في الفتن.
تعلمت أنَّ الفرصة لا تأتي مرة واحدة فقط بل تأتي الفرص دائمًا، لذا إن أضعت فرصة ما فلا تهدر الوقت بالحزن عليها بل طور نفسك لتكون مستعدا للفرصة التي تليها، وعليك احترام تجاربك الفاشلة لأنها طريقك نحو النجاح.
تعلمت أنَّ الإنسان هو مزيجٌ من الحزن والأمل والأحلام والإيمان.
الحزن يذكرنا دائمًا بأن هذه الحياة مؤقتة وسوف نغادرها يومًا ما،
والأمل يدفعنا للعمل، والأحلام تجمل لنا الواقع مهما كان مرًّا وبشعًا.
أما الإيمان فهو الذي يصبرنا على قسوة هذه الحياة.
تعلمت أنني إذا أردت تحقيق أحلامي فلا بد لي من أن أحترمها أولًا، وإن من أقسى الأمور وأصعبها أن يفقد المرء أحلامه.
إن الاحترام كلمة لا تكفي لوصفها مئات الكتب والمجلدات.
نعم، الاحترام هو كل شيء..
هذا هو الجواب.

نظرت عبر التليسكوب إلى القمر الكبير البعيد والنجوم الضخمة من حوله، ثم أرخيت نظري فرأيت ذرةً حقيرة متنمِّرة تمشي على الأرض وتلعن كل ماحولها، دققت النظر فاتضح لي أنها إنسان!.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.