Horof

شارك على مواقع التواصل

إعادة ترتيب العالم جماليًا

قراءة في ديوان " ممتلئ بالغياب"

د. مصطفى الضبع
....."ممتلئ بالغياب "، حين يعلن العنوان عن امتلاء الذات بالغياب، فإنَّ المعنى لا يتوقف عند تعبير الذات عن نفسها، وليس بإمكان المتلقي الوقوف.
عند معنى أحاديًّا للعنوان الذي يحدد نوعين من القراءة وفق تلقيه:
- كون العنوان خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره أنا، أو تقديره هو في إشارة إلى ذات محكي عنها بالأساس، وهو ما يحيلنا إلى ذات دائرية الحركة، ذات الشاعر، وذات الآخر، وذات المتلقي في دخوله دائرة المعنى فور التلقي.
- كون العنوان مبتدأً خبره النص، وهو يجعل من النص حالة امتلاء بالغياب، ويجعل من النص في مجمله (نص الديوان بكل قصائده) إحالات إلى الغياب بأشكال مختلفة، دالة، منها:
1- الغياب عبر الإشارات المتكررة للمعنى وهي الإشارة المباشرة القائمة على مفردة "الغياب" المتكررة تسع مرات على مدار الديوان، وهو تكرار ليس مجانيًا، كأنّها تذكر بالغياب، وبما يشير إليه المعنى مؤسسًا لعدد من الدوال النصية، وطامحًا إلى المعاني المغايرة المطروحة على وعي النص أولًا وعلى وعي المتلقي ثانيًا.
2- الغياب عبر إشارات غير مباشرة تحيل إلى معنى الفقد وهو ما يتحقق في عدد من الصيغ في مقدمتها الأسئلة بوصفها علامات افتقاد لإجابات تحقق وجود معانٍ تحقق حضورها بالإجابة، ومنها على سبيل المثال قول الشاعر:
"هذا البحر التائه في عتمة الموج وفي الغياب".
من يمنحه يدًا من ضوء؟
هذا الغيث المسافر عبر حكاياتنا من يمنحه الأرض وتذكرة الإياب؟ "
وهو نموذج من قرابة عشرين نموذج استفهام تؤكد المعنى وتمنحه قدرًا من التحقق الدال على مدار الديوان.
3- إشارات النصوص للغياب دلاليا عبر علامات لغوية تستدعي امتداداتها خارج النص الواحد محققة وجودها في نصوص أخرى داخل الديوان، أو مستقطبة إيّاها مِنْ خارج الديوان لإقامة معانٍ لا نهاية لها من شأنها توسيع المجال الدلالي للغة النص؛ فالشمس على سبيل المثال في حضورها النصي تقيم مجالًا حيويًا يتأسس على الضوء الذي يعتمده النص وسيلة إيضاح للتفاصيل:
"كيف تبحث الشمس عن ظل الأسرار.
وأمد في الأفق يدايّ.
أتخيل اتساع الأشياء في مدايّ.
فأنا الصغير الهارب من قفص الطفولة ومن حلمِ غدٍ مجهول.
أبحث مع أبي عن أسئلةٍ.

أضاعتها في العتمة قناديل السكوت"
حضور الشمس هنا يمنح المتلقي قدرة على رؤية الأشياء بوضوح. ويمنح الذات قدرة على رؤية الأشياء والتحرك وصولًا إلى ما أضاعته العتمة، وإذا كانت العتمة تعني نوعًا من الجهل، أو رمزية لغياب الوعي، أو اِفتقاد مساحات المكاشفة، فإنَّ هذا يؤكد قيمة الشمس بوصفها دالًا على الوضوح لا قيمة له دون إدراك المضاد / العتمة بكل ما تحمله من معانٍ رمزية الطرح.

(جزء من مقدمة الكتاب)




تفرّد

من رأى لي نجمة تائهة..
نصفها مبللٌ من مطر المواعيد القديمة..
ونصفها قد كان ممزوجاً..
بغناءٍ قديم..
أخبروني كي لا تسرق الريح بقايا انتظاري..

تبوك / 2014


وأحلمُ بالغناء


من يأكل نصف رغيف الوقت..
ومن يؤجل موعدنا للغناء..
من يقتل كآبة هذا الليل..
قلتُ:
وما جاوبني سوى
صوت فجرٍ أتى من بعيد..
أيها العاشق المتخفي
خلف ليل المواعيد..
نامت في ظلالك من أرقِ أغنية..
وارتمت على صدرك المحزون..
أوجاع قافيتي..
فأنا وأنت رفيقان في المدى..
سنابلٌ في حقول فضاء مُهمل..
ترى من يأكل عنا رغيف الوقت..
ويمنحنا الوقت للغناء..
القاهرة / 2013



أبي


هذا أنا..
صغيرٌ نَمتْ في روحه صحراءٌ وحدود..
خيالات وقيود..
مدنٌ على شواطئ مهجورة..
لا يسكنها سوى فراغ..
وليل تحاصره الأمواج..
وكان أبي يأخذني في ارتحالاته..
وفي صمته أحياناً ..
أصارع فضولي وأمضي لأنام تحت سقف _ فروته _
وبين خيالاته..
يعلمني كيف تنمو هنا الأسماء..
كيف تبحث الشمس عن ظل الأسرار..
وأمد في الأفق يدايّ..
أتخيل اتساع الأشياء في مدايّ..
فأنا الصغير الهارب..
من قفص الطفولة ومن حلمِ غدٍ مجهول..
أبحث مع أبي عن أسئلةٍ..
أضاعتها في العتمة قناديلُ السكوت..









0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.