Horof

شارك على مواقع التواصل

قال البختيار "مادان" خان بلاد البغدان موجهًا حديثه إلى "شهريار ":
"لا تؤاخذني يا صديقي على تأخري عن الحضور، ولكني أيها الشاهنشاه المعظم قد مررتُ في طريقي إليك بالعجبِ العُجاب، ورأيت ما لا أعتقد أن إنسًا أو جانًا قد رآه من قبل"
************
قال البختيار " مادان ":
"فصلتُ يا مولاي من عاصمتي في يومٍ صحوٍ جميل، أشرقت فيه الشمس الدافئة، وأقبلت الدنيا باسمةٍ في حنانٍ على أولادها تنثر عليهم وعلى أراضيهم رضاها وغِبطتها، فزال البرد وخلعت الطبيعة ثوب التجهُّم والعبوس، وارتدت بدلاً منه ثوبًا قشيبًا من الخزِّ والزبرجد، ورقت حرارة الشمس وانداح قرنها الملتهب فخف الهواء، وانطلقت الطيور تغنى وراحت الفراشات تسبح بين الأزهار، تمتصُّ الرحيق العَطر، وغردت البلابل والقياشق وخرج الناس من بيوتهم صبيحوا الوجوه مبسوطي الخلق، يتنفسون عبير الزهر والريحان، وقد ضمَّخت الطبيعة الغنَّاء أخلاقهم بعطور الرقة والمحبة، فصفت النفوس وتبودلت كؤوس الود والتسامح، كهذي الأقداح الذهبية الصافية التي تسكبها الدنيا عليهم من وسع، ولما كنت أيها الشاهنشاه المعظم قد خرجت في يومٍ كهذا الذي وصفته لك فقد توقَّعت لنفسي كما توقع رفاقي أيضًا رحلةً طيبة وزيارةً رضيَّةً لمملكتكم العامرة، أعود بعدها إلى عاصمتي، وقد توثقت عُرى المحبة بين بلادنا، لأواصل رعاية شئون مملكتي وشعبي ...
غير أنى يا صديقي لم أكد أعبر سهل "فلكان" وأوغل متقدمًا في صحراء مملكتكم، حتى وجدت نفسي ومَن معي محصورين عن يمينٍ وشمال بخلقٍ كثيف، لم ألبث أن تبينت فيهم جيشًا عَرمرمًا يرتدى لباسًا لم تقع عيني على مثله من قبل، ولما كنت أيها الشاهنشاه قد توقَّعت أن ترسل لي من يستقبلني على أطراف مملكتك، فقد وقع في ظنِّي أنَّ هؤلاء الجنود الذين رأيتهم هم من لدن عظمتكم، ولكنى لم أصدق أنك سوف ترسل لي جيشًا محشودًا لاستقبالي، ولما حاولت أن أتحادث معهم بلغة مملكتك التي أعرف القليل منها تبيَّن لي على الفور أنَّ هؤلاء الجند لا يمتون إليك بصلة، فأمرت مرافقي من التراجمة أن يحاولوا معرفة بأي لغةٍ يتحدث هؤلاء وبالتالي من أي البلاد أتوا، فصدع تراجمتي بالأمر، وجرَّبوا كل اللغات المعروفة لجميع الممالك القريبة منَّا، فاستخدموا لغات بلاد "ميديا" و"بكتيريا" ومملكة "مروى" مرورًا بلغات "مصر" و"الحَبش" و"جمأتون" " كاركاماني" وحتى لغات "تاميرا" و"بوزيرا" استخدمها تراجمتي دونما فائدة!
حتى بدا لي أنَّ هؤلاء الجند الغرباء صمٌّ بكم لا يسمعون ولا ينطقون!..
ولا أخفي عليك يا صديقي أنني كنت قد بدأت أخاف هؤلاء القوم، وبدأ قلبي يدقُّ بالشك والريبة، خوفًا من أن يكون أولئك الهمج الذين أرسلهم علينا الإله في هذا النهار الأغبر هم أولئك المطرودين الذين نفاهم "النخاشي" من مملكته وأخرجهم من أرضهم وأهليهم وأموالهم، فانطلقوا إلى الصحارى يتدرَّبون على فنون الحرب والقتال، ثم انتشروا كالوباء في أطراف الممالك، وامتهنوا مهنة الشطار الملاعين، فصاروا يتصيدون المسافرين ويقطعون الطرق على السابلة فيقتلونهم أو يأسرونهم بعد أن يستولوا على كل ما يحملونه معهم، وينهبون أمتعتهم ويَسبُون نساءهم وأولادهم، ثم يقتلون البنات الصغيرات، ويجعلوا النساء إماءً لهم، ويهتكون أستارهن، أما الأولاد والصبيان فينشئونهم على ما نشأوا عليه ويحملونهم على الانضمام إليهم بالقوة، وإلا هلكوا !..
ولما شككت في أمر هؤلاء وخِفت أن يكونوا هم من جال بخاطري ذكرهم، أيقنت بالهلاك لي ولرفاقي وخدمي وعبيدي، وكدت يغشى عليَّ من فرط الخوف، ولكنى قلت لنفسي:
"تماسك يا "مادان"، تماسك وأهلك عزيزًا كريمًا، ولا تجلل رأس مملكتك وعرش آبائك وأبنائك بعار الخوف وحذر الموت "
************
لما رأى الشاهنشاه "شهريار" أنَّ البختيار "مادان" قد ظهرت عليه علامات التعب والإجهاد الشديد أذن له بالذهاب إلى الجوسق الذي أُعد له لكي يستريح قليلًا ريثما يستردُّ قواه، فيعود إلى تكملة حكايته المثيرة في الليلة القادمة، والحق أنَّ "شهريار" فعل ذلك بوحيٍ من نظرات الوزير "عبدان" المستخفية له، والذي ظنَّ بأنه ليس من اللياقة أن يُترك البختيار يروى قصته كلها وهو على هذه الحال من التعب والإرهاق، وفعل "شهريار" ذلك مدافعًا شوقه الشديد لسماع باقي قصة البختيار العجيبة دفعةً واحدة !
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.