tamaeozpublishing

شارك على مواقع التواصل

ضوضاء السيارات، مرة أخرى وحرارة الشمس وكسل غريب يجعل البحر بعيد، صديق كسول أيضًا، دائمًا يتأخر، لا يطلبه في الصباح أبدًا إلا ويأتي في الظهيرة ولا يطلبه في العصر إلا ويأتي بعد الإفطار.
دخل عليه بخطوات بطيئة فاستدار وقال
"حقًا"
"أستيقظت متأخرًا"
"كعادتك ماذا سأقول؟"
"اليوم أجازة من العمل من حقي أن أنام"
"أنت هكذا منذ أن كنا بالمدرسة"
"نسيم كف أرجوك"
"إذا أردت شيئًا أحضره لنفسك"
"لا داعي لقول هذا الشيء بالذات، كل أصدقائنا يقولون جاسر ربما يلتهم كل ما في البيت من أطعمة ويلتهم أهل البيت أيضًا"
"يعجبني أنك تعرف نفسك"
"أشياء جميلة تميزني"
"ربما"
أردف جاسر
"وجهك لا يريحني"
رد نسيم
"لا أبدًا، فقط لم أنم جيدًا سهرت قليلًا"
"لمَ؟"
"كنت أنتهي من روايتي"
"ألا زلت تكتبها"
"لا هذه التالية لها"
تسأل جاسر
"ألا تفكر بنشرها؟"
"أفكر لكن أتردد"
"غريب"
رد نسيم بنبرة أكثر ارتفاعًا
"أبدًا، فقط أريد أن أستمر بتعديلهم قليلًا"
"قرأت واحدة، الأولى أظن.."
قاطعه نسيم
"نعم، أنت قرأت الأولى"
"كانت جيدة"
"لا بأس بشيء من المراجعة، ربما أميل للمثالية في التعبير قليلًا"
"تحلى بالثقة"
"سأفعل"
"أقول لك شيء معظم الروايات التي أشتريتها بحياتي لم تعجبني أبدًا ومع ذلك إنها ليست فاشلة أبدًا"
"لكل إنسان ما يتفق معه"
"وأنت ؟"
"ماذا؟"
"ما الروايات التي لا تعجبك؟"
"لا شيء معين"
تعجب جاسر وقال
"لكن أعلم أن من يكتب يكن له نظرة وربما هو يكتب ليقول للناس ما يرى وبالأخص رؤيته فيما قرأ وقد يتضح تأثره ببعض من قرأ لهم أليس كذلك؟"
"يبدو أنك أعرت أذنك لهذه المسألة من قبل"
"نعم منذ زمن، لكني في الواقع لا أملك أية مهارة في الإسلوب ولا يمكنني أن أعبر عما أشعر عن طريق الكلمات والمترادفات"
أكمل نسيم رده بنبرة هادئة
"أحب في الروايات الصدق ولا أعني هنا أن يكون الكاتب متحدثًا عما يرى هو بصدق بل أحب أن يحتوي الأمر طوال الصفحات على تشجيع مبدأ الصدق، مشاعر صادقة، أحاسيس خالدة، ألوان للوحات معبرة، لا شيء من التحيز أو العنصرية، حتى الضعف الإنساني أو تفسير تعقيدات الإنسان يكون بوضوح يشجع الصدق في نفس الإنسان، يجعله يقبل نفسه كما هي ويعطيه الأمل في أن يتعامل معها بالحسنى".
ضحك جاسر وقال
"وهل تعتقد أن هذا ممكن؟"
"ماذا تعني، لا أفهم"
"أعني أنه أوقات كثيرة يتجه الكُتاب إلى تشجيع جهة معينة بلا حياد سواء بوضوح شديد أو ما بين السطور، مثلًا هناك كُتاب يحرصون أن يكسبوا رضا النساء فيلحون في كل فرصة بشكل أو بأخر أن هناك اضطهاد للمرأة وأنها في غير إنصاف وأنها لا تحظى بالتقدير المطلوب والواقع أن هذا ليس ما يجول في نفسه إطلاقًا بل ببساطة هو يريد شعبية نسائية أو كسب من جهات معينة وأخر همه هو المرأة وما تعانيه وهكذا بعض من ينقدون الفن فيقولون أنه جميل وجديد ومغامر وهم لا يطيقونه لدقائق، أعني أنه باختصار الصدق ليس له أي مساحة كبيرة بين الكتابة والكتب"
صمت نسيم ورد ببطىء
"لكن التعميم، ليس بدقيق في هذه الحالة، أتعلم يكفي أن يقول أيًا منهم أن هذا الكلام يخدم شيئًا ما ويكون بذلك قد تحلى بالصدق، أعني إن لم يكن الفنان صادقًا من يعطي الأمل للناس"
رد جاسر
"المفكرين عادة يقعون في ورطة اللاحياد ولهذا دائمًا لهم معارضين لا بأس بهم من حيث العدد"
"ترى أنها مشكلة حياد فقط؟"
"تقريبًا على ما أظن"
"إنها أزمة صدق، هذا أقرب تشبيه في خاطري"
"بدأت ألا أفهم بالظبط ما تقصده"
"أعني أن كلنا نخطىء أليس كذلك"
"نعم بالتأكيد"
"إذن من الطبيعي أن يعتذر الناس باستمرار صحيح؟"
"نعم"
"لكن لا نرى كثيرًا من متحدثي الأمم يعتذرون أو حتى يفصحون عن أخطائهم"
"هذا صحيح، لكن هذا مخافة الناس"
"هذا فى الحقيقة أو في رأيي لا يليق لما يدعيه الإنسان من تقدم وازدهار إلى أخره"
"هذا صعب أن يقتنع به أي أحد"
ضحك جاسر ضحكة قصيرة وأكمل
"إنه أشبه بمسألة هل الجمال خارجي أم داخلي؟"
صمت وأكمل مرة أخرى
"الجميع يجيب إجابة مثالية أنه داخلي، في حين أن كلهم يبحثون عن الخارجي وتقريبًا لا شيء غيره".
يرد نسيم
"إنه عدم قبول الإنسان لنفسه"
"ربما لم يشجع أحد الإنسان أن يكون على طبيعته يقول الصدق، يفعل ما يحب كالأطفال بل دائمًا هناك نوع من التأنيب والحساب والعقاب"
رد نسيم بىء من التركيز
"أتعلم هذا يضعف الثقة بالنفس"
"من السهل أن أستنتج هذا"
"لكن أنا لا أريد لأحد أن يعاني من شيء مماثل لهذا أدعو للتصالح عندما أكتب"
يرد جاسر بمرح
"أنت لم تنشر شيئًا بعد، لا تتكلم بهذه النبرة ووفرها للمستقبل".
يردف نسيم بمرح
"أتعلم لا أحد من أسرتي أطلعته على ما أكتب"
يتساءل جاسر متعجبًا
"لمَ؟"
"أخشى الانتقاد"
"لا أفهم؟، أية انتقاد؟"
"يحبون المثالية تقريبًا، أي شيء يخرج عن المثالية لا يظفر بالاحترام"
"نعم نعم، مفهوم"
أكمل جاسر بابتسام وأسى
"لم يشجع أحد موهبتك صحيح؟"
"إلى حد كبير"
"سأشجعك أنا"
يبتسم نسيم له بمودة.

في اليوم التالي يستيقظ جاسر من نومه على رنين الهاتف ويلتقط المكالمة فيسمع أبو نسيم يقول
"البقاء لله عزيزي، نسيم رحمه الله"

يسقط الهاتف من يده ويلتزم الصمت والخمول طوال اليوم، يفيق نوعًا ما في اليوم التالي ويقترب من منزل نسيم يتمنى أو يترقب أن يراه مرة أخرى
"يجد أمه غارقة في السواد"
يقول لها بنبرة جازعة حزينة
"تماسكي"
تغالب دموعها وتشير له بالدخول قائلة
"هذا بيتك أدخل"
يقابل أبوه وقد تمكن منه بعض الاكتئاب يبادره قبل أن لا يقوى على لفظ الكلمات
"هناك بعض الأشياء تخصني على حاسوب نسيم، أيمكنني أن أنسخها؟"
"بالتأكيد"
ينقل ملفات على بطاقة ذاكرة إليكترونية. ويجلس بينهم يشاهدهم قليلًا وتأخذه خواطره بعيدًا.
يتحسرون ويبكون على اللحظات التي لم يقضوها معه، قضوا حياتهم كلها يفكرون بالمستقبل والغيب ويخططون له، الآن هو رحل آخذًا معه الماضي والمستقبل آخذًا مجهودهم وتعبهم وحنانهم ورعايتهم.

أشهر قليلة ويذاع خبر أول ثلاث روايات لجاسر يتم نشرهم ويترشحون للجوائز أيضًا.



2 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.