Horof

شارك على مواقع التواصل


المشهد الأول


بُسْتان ضَخم مليءٌ بالأشجار والثمار اليانعة، مختلفة الألوان والأحجام. الروائح العطرة تتدفق مِنْ كلّ مكانِ، ويبدو صاحب البُسْتانِ مفتوناً بالمشهدِ، وَيَقِف مناجياً نَفْسه فرحاً بِمَا فَعَل.
صاحب البستان: الله، ما أجمل ذلك المشهد!
صَوْت1: نعم ما أجمله. هذا هو الحصاد.
صاحب البستان ( مُنْدَهِشاً ): مَنْ؟! مَنْ المُتحدث، لا أَرَى أَحَداً.
صوت1: أنا، أنا بجوارك، تسمعني ولا تراني؟!
صاحب البستان "فزعاً": يا إلهي. لا أَرَى أَحَداً. ما هذا الصوت؟
صوت1: هههههه، لم أظن أنَّ قلبك ضعيفًا هكذا.
صاحب البستان: لابد أنّك صديق، اظْهر وكلمني.
صوت1: حسناً، أنا وراءك تماماً.
يلتفت صاحب البستان خلفه، و يهز كتفيه متعجباً
صاحب البستان: أين...، مَنْ؟
صوت1: أنا شجرة المانجو.
صاحب البستان: شجرة المانجو؟!
صوت1: نعم، أنا شجرة المانجو، نعم أنا التي تكلمك.
صاحب البستان: بالله! شجرة ومانجو وتتكلم؟!
شجرة المانجو: نعم، وما الغرابة في ذلك؟!
صاحب البستان: وما الغرابة في ذلك؟! إن ذلك هو الغرابة نفسها!
شجرة المانجو: آه، نسيت عفواً، عندك حق، إنّا نتحادث طوال اليوم.
صاحب البستان: إنّا؟! من تقصدين بــإنّا؟
يناجي الرجل نفسه قائلاً: يَبْدو أنَّ العملية فيها إنَّ.
شجرة المانجو: نحن الأشجار.
صاحب البستان: أنتم الأشجار!
صاحب البستان: وهل تتكلم الأشجار؟!
صوت2: يا سلام؟! نعم، نتكلم ونصف.
صاحب البستان: ومن أنتَ، أو أنتِ هذه المرة؟!
صوت2: ألا تعرفني؟!
صاحب البستان: لم نتشرف بعد.
صوت2: أنا شجرة الكمثرى.
صاحب البستان: مرحباً يا شجرة الكمثرى، ماذا وراءك أنتِ أيضاً؟!
شجرة الكمثرى: ماذا ورائي؟ هل هذا سؤال؟ ألم تكن معجباً بنا منذ لحظات!
صاحب البستان: أنا؟، مَنْ أَنْبَئك بهذا؟!
شجرة الكمثرى: لا حول ولا قوة إلا بالله، ألم تكن تتأمل جمال وبهاء البستان؟
صاحب البستان: نعم، هذا صحيح. جمال وعظمة البستان، ولون الخضرة الممتع.
شجرة المانجو: ألسنا جزءً رئيساً من هذا البستان؟
صاحب البستان: بالطبع.
شجرة الكمثرى: إذا كنت تتحدث عنا.
شجرة المانجو: لا، بل كنت تتحدث إلينا.
صاحب البستان: أكاد أُجْن، شجر يتكلم؟!
شجرة المانجو: نعم، بل هناك ما هو أعظم من ذلك.
صاحب البستان: وهل هناك ما هو أعظم من ذلك!
شجره المانجو:ههههههه، هذا هو حَالكم يا بني آدم.
صاحب البستان: وماذا بنا، يا أخت شجرة؟
شجرة الكمثرى: تظنون أنفسكم وحدكم في هذا الكون.
شجرة المانجو: كما تظنون أنكم وحدكم ذوي العقول والمتحضرين.
صاحب البستان: و هذا حقيقي لا شك فِيْه.
شجرة الكمثرى: هذا خطأ كبير.
صاحب البستان: وكيف كان ذلك؟
شجرة المانجو: وكيف كان ذلك؟ أتظنّ أنّني شهرزاد، ستحكي لك حدوتة قبل النوم!
شجرة الكمثرى: أَمْ تظنّ أنّهُ كتاب كليلة ودمنة؟!
صاحب البستان: و تعرفون شهرزاد، و تعرفون كليلة ودمنة؟!
شجرة المانجو: نعم نعم يا ابن المقفع.
يضرب الرجل كفاً بِكَفّ:
أشجار تتحدث، وتعرف التراث والأدب، يعرفون ابن المقفع أيضاً.
ثم يلتفت إلى الشجرتين قائلاً: لست بابن المقفع أنا.
الشجرتان ( معاً ): نعرفك نعرفك، ونعرف اسمك، واسم زوجتك وأبنائك.
صاحب البستان: إذاً ما أسماء...
تقاطعه الشجرتان، لقد داهمنا الوقت، وهذا موعد نومنا.
صاحب البستان: إنها الثامنة، هل ينام أحد الآن؟
الشجرتان ( معاً ): نعم، هذه هي الحضارة الحقيقية.
شجرة المانجو: نَمْ مُبَكّرِاً ؛ تَصْحُ مُبَكّرِاً.
شجرة الكمثرى: وبذلك تحتفظ بنشاطك، وتذهب إلى عملك فى منتهى القوة.
صاحب البستان: أريد، أريد أن تشاهد أسرتي ما رأيت وسمعت.
شجرة المانجو: سيحدث، سيحدث غداً، قبل النوم بستين دقيقة.
شجرة الكمثرى: أحضر كلّ الأسرة، وسوف نتحدث معهم.
صاحب البستان: حسبتكم ستقولون لن يسمعنا أحدٌ غيرك.
شجرة المانجو: وهل تظنّ أنّنا نحيا زمن الجان والشياطين؟
شجرة الكمثرى - وبشكل حازم جدا -: اذهب يا رجل؛ دعنا ننام.
صاحب البستان: حسناً، تصبحون على خير، غداً سوف أحضر الأولاد.
شجرة الكمثرى: تَتَثَاءب، آه، غداً.
شجرة المانجو: تصبح على خير، مع السلامةِ.
صاحب البستان - مُسْرِعاً إلى منزله -: تصبحون على خير، تصبحون على خير.

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.