MiskBook

شارك على مواقع التواصل

كنت أجلس خلف مكتبي أطالع شاشة الحاسوب التي فتح على سطحها ملف وورد فارغ دون أن أكتب عليه أي شيء وجلس أمامي محمود يحتسي كوب من الشاي في صمت، أما علي فلقد كان نائمًا على الأرض وقد وضع أرجله فوق الكرسي وأخذ يلقي بكرة صغيرة على الحائط ويلتقطها في تكرار ممل.
هذا كان حالنا تقريبًا كل يوم من بعد عودتنا من آخر مغامرة لنا بعد انتهائنا من مراجعة مرضانا، قطع محمود الصمت وقال: هل تعتقد يا هيثم أن هذا العمل يليق بطموحاتنا؟
ابتسمت وقلت: أنت طبيب نفسي وأنا جراح وطبيب مخ والحمد لله أصبح لنا زبائننا وقد ذاع صيتنا كثيرًا بعد نجاحاتنا المستمرة وعلاجنا للكثير من الحالات المستعصية.
اعتدل علي في جلسته وقال بعصبية: أنت تعرف أنه لا يقصد ما تقوله، فلا تخدع نفسك بهذا الكلام المنمق.
ابتسمت وقلت: أفهم تمامًا ما تقصدون، ولكن يجب أن نفهم جيدًا أننا أطباء و ......
قاطعني علي قائلًا: أنا لست طبيبًا.
ابتسمت وقلت: أعلم جيدًا أنك كنت في البداية مساعد لنا في إدارة العيادة، ولكنك الآن أصبحت مهندس إلكترونيات بارع بعد 6 سنوات شجعناك على استكمال دراستك.
قال علي : أنا لم أكمل دراستي لأصبح مهندسًا، بل لأساعدكم في مغامراتكم.
قلت ضاحكًا وأنا أغمز بعيني: ولكنك الآن أصبحت على الرغم من كل هذا من أبرع المهندسين العاملين في مجال إصلاح الأجهزة الطبية وأصبح لك مكتبك الخاص الذي يدر عليك أموالًا أكثر منا.
قال علي بعصبية: صدقني ليس هذا ما أحلم به.
قال محمود وهو يقف أمام النافذة: أنت تعلم جيدًا يا هيثم ما أقصده وما يقصده علي، إنها المغامرة يا رجل، ذلك الشعور الذي ينتابنا ونحن نسعي خلف لغز غامض، السعي وراء كشف الستار عن حدث ما ورائي، شيء يخرجنا من دائرة البركة الراكدة تلك.
قلت وأنا أغلق شاشة الحاسوب: أنا أيضًا أشعر مثلكم، ولكن تلك الأمور لا تحدث كل يوم ولا نستطيع أن نمشي في الشوارع ننادي "من عنده لغز ما ورائي للحل".
قال علي وقد لمعت عيناه: هذا هو الحل، كيف لم أفكر في هذا من قبل.
قلت متعجبًا: ستدور في الشوارع مناديًا يا رجل؟
قال علي بحماس: بالطبع لا، بل سأنشئ صفحة على الفيس بوك وأعمل لها إعلان ممول، فلابد من أن هناك من لديه أمور غامضة ولا يعرف لمن يلجأ .
قال محمود: ساعتها سيتهافت علينا المجانين وطالبي الشهرة.
قال علي بخبث: إذا كان مجنونًا فلقد أتى لك لتعالجه، الست طبيبًا نفسيًّا؟ وإذا كان من طالبي الشهرة سنفضحه على صفحتنا ونكون كشفنا زيف ما يقول وأقبتنا أننا لسنا دجالين.
قال هيثم: فكرة جيدة، ولكن ...........
قال علي: لا يوجد، ولكن، هيا انصرفوا الآن وأنا سأعمل على تلك الفكرة وسأضع في الصفحة بعض المقالات عن مغامراتنا السابقة وبعض الصور الحقيقية وبعض المعلومات عن بعض أمور الماورائيات.
قال محمود وهو يتثاءب: سأنصرف فلقد تأخر الوقت على أية حال.
ربت على كتف علي الذي فتح حاسوبه في حماس وانصرفت لأذهب للبيت لأنال قسطًا من النوم.
********************************
مر يومان وانشغلنا في أمور العيادة والعمليات وما إن جلسنا معًا في المساء حتى قال علي بحماس: أن الصفحة أصبح معجبيها ومتابعيها اليوم أكثر من مئة ألف متابع.
قال محمود: أنا لا أفهم كثيرًا في تلك الأمور، ولكن هل هذا جيد أم سيئ؟
قلت: يبدو من حماسه أنه أمر جيد.
قال علي بحماسة: إن المتابعين الآن أصبحوا من كافة أرجاء الوطن العربي ومن بعض العرب في بعض الدول الأخرى وكلهم منبهرين بمغامراتنا السابقة وبالطبع يتمنون المزيد.
قال محمود: وهل منهم من أراد مساعدتنا؟
قال علي وهو يضحك: أغلبهم يشكون فقط من سماع صوت ركض طوال الليل من الشقة العلوية التي لا يسكنها أحد أو من الجاثوم، ولكن غير ذلك لا يوجد شيء ذو قيمة.
قال محمود وهو يجلس: ألم أخبرك بذلك، لا يوجد من يملك حالة حقيقية كل يوم.
رن جرس الباب فنظرت إلى ساعتي وقلت: من يجئ إلى العيادة الآن في مثل هذا الوقت؟
قال علي وهو يركض ناحية الباب: أنفي يشتم رائحة مغامرة جديدة.
فتح علي الباب وما هي إلا لحظات حتى دلف إلى المكتب امرأة رشيقة القوام ترتدي ملابس أنيقة جدًّا، ولكنها ليست غالية وقد جمعت شعرها بقوة خلف رأسها حتى تظن أن جبهتها ستتشقق من قوة الشد، ولكن ما يلفت نظرك فور رؤيتها هو لون بشرتها الأسمر وعينيها الزرقاوان الواسعتان وشعرها الأبيض رغم أن وجهها يعكس أنها لا تتعدى منتصف عقدها الرابع من العمر.
جلست المرأة أمامي وقالت: لقد أخبرتني ابنتي أنكم تعملون في القضايا الخاصة بالأمور الماورائية.
قال علي بحماسة: نعم وأيضًا نحن الأفضل.
نظرت إلى علي لكي يصمت وقلت: أهلًا بك، لقد خضنا بعض المغامرات وأصبحنا نملك خبرة جيدة في تلك الأمور، كما أننا قارئين ودارسين لذلك العلم منذ طفولتنا.
قالت المرأة وهي تنظر للمكان من حولها: حسنًا، على العموم أنا لا أتوقع الكثير منكم على أية حال.
قال محمود متعجبًا: لا تتوقعين الكثير!
قالت المرأة: لقد مر علينا بعض الدجالين والمشعوذين وكلهم أثبتوا فشلهم.
قال محمود: نحن أطباء ولسنا دجالين أو مشعوذين.
قالت: ولهذا حضرت إليكم فلربما يكون هناك بعض الأجوبة عندكم.
قلت: اطرحي ما لديكِ ونحن لن نبخل بالمساعدة إذا كنا نستطيع.
قالت المرأة: أنا ادعى فردوس وأعمل مديرة المنزل الخاص بعائلة الخازندار.
قلت مقاطعًا: هل تقصدين ذلك القصر المنيف على ضفة النيل والذي وقعت فيه حادثة انتحار غامضة منذ بضعة أشهر.
لمعت عين فردوس بالدموع وقالت وقد تمالكت نفسها: نعم هو، لقد انتحرت مالكة المنزل الحالية السيدة ألفت هانم ولقد قيدت القضية على أنها واقعة انتحار.
قال علي: نعم أنا أتذكر القضية جيدَا، فلقد وجدوا السيدة ألفت مذبوحة من الأذن للأذن وملقاة في حوض الاستحمام والسكين يحمل بصماتها وعلى الرغم من ذلك فلقد كان الحمام نوافذه مغلقة وباب الحمام مغلق من الداخل وباب الغرفة أيضًا مغلق من الداخل بالمفتاح وهذا ما جعل القضية تسجل كحادثة انتحار.
قلت: انتحار بالذبح من الأذن للأذن؟ مستحيل طبعًا هذا بالإضافة إلى أن هناك طرق أسهل وأبسط للانتحار.
قال محمود: نفسيًّا من يفعل ذلك يكون يريد تعذيب نفسه قبل الموت.
قلت: مستحيل يا محمود أن من سيذبح نفسه فور قطع أحد الأوردة أو الشرايين على جانبي الرقبة سيسقط مغشيًا عليه قبل أن يصل للأخر بسبب توقف الدم عن المخ ناهيك عن الألم الرهيب والاختناق والسعال فور قطع القصبة الهوائية ودخول الدم للرئة، فكيف يصنع جرحًا قطعيًّا من الأذن للأذن بنفسه؟
قالت السيدة فردوس: هذا بالإضافة إلى أن السيدة ألفت من النوع القوي والصلب الذي من المستحيل أن يقتل نفسه، وأيضًا لماذا تقتل نفسها وهي لا تمر بأي مشاكل نفسية أو مادية من أي نوع.
قال محمود: لربما كانت تمر بشيء لا تعرفينه؟
قالت السيدة فردوس: أنا لم أكن فقط خادمتها الشخصية ومديرة المنزل، بل كنت صديقتها المقربة، فأبي وأمي كانوا من خدم والدها وأنا ولدت ونشأت في ذلك القصر وتربيت معها منذ طفولتي وكانت علاقتنا علاقة صداقة قوية وليست علاقة سيدة خادمة.
قال علي بفراغ صبر: أنا حتى الآن لا أرى أي مشكلة تستدعي حضورك إلى هنا يا سيدتي.
قالت السيدة فردوس: بعد أن ماتت ألفت هانم ببضع أيام وحفظ القضية استيقظت على صوت من يتحرك في غرفتي فظننت أنه لص أو ابنتي تريد شيئًا فقمت بسرعة لأجد ألفت هانم أمامي وأثر الذبح في عنقها وكانت تنظر إليّ كأنها تريد إخباري بشيء، ولكنها لا تستطيع، وتكرر الأمر بعدها كل ليلة، بل تطور الأمر حتى أن ابنتي رأتها وظهرت للطباخ والجنايني.
قال محمود: حالة تجسد وتريد إخبارنا بشيء ما، بالطبع تريد الانتقام ممن قتلها.
قلت: ومن قتلها إذن وكيف؟
قالت السيدة فردوس وهي تقف وتهم بالمغادرة: أظن أنه يجب عليكم الحضور للقصر غدًا والمبيت فيه ومعاينة كل شيء وسأكون معكم للإجابة عن كل أسئلتكم.
أنهت كلامها وتحركت منصرفة لتخرج من باب العيادة تاركة إيانا في حيرة شديدة فمن المستحيل أن ينتحر إنسان بذبح نفسه بتلك الطريقة ومن المستحيل أن يقتلها شخص ما ثم يغلق كل الأبواب من الداخل.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.