tafrabooks

شارك على مواقع التواصل

سأحكي لكم عن قصةً غريبةٌ وعجيبة ولا أجد لأحداثها أي تفسير, لن يستطيع أحداً أن يصدقها ولكن بطبيعة عملي وما أواجه دائمًا أصبحت لدي القدرة على الاستماع والتصديق وذلك حتى أستطيع جعل المريض أن يصل لبر الأمان. اسمي الدكتور صفوت وتخصصي في علاج الأمراض النفسية والعصبية وأعمل في إحدى المراكز الخاصة بعلاج الأمراض النفسية وبسبب سفري الدائم وبحثي المستمر ودراستي عن كل ما هو جديد واجتهادي في عالم الأمراض النفسية لم أستطع أن أدخرَ أي أموال من أجل أن يصبح لدي مركزاً خاصاً بي وبالطبع أيضًا لم أستطع الزواج وأصبحت أبلغ من العمر الآن الخامسة والأربعين ولكن حبي لمجالي وسعادتي البالغة بعلاج وشفاء أي مريض يحتاج مساعدتي أفضل عندي من أي شيء.
في إحدى الليالي كعادتي أذهب إلى المركز الذي أعمل به وأنتظر دخول الحالات ووجدت الممرضة المسئولة عن استقبال الحالات الخاصة بي تفتح الباب وتدخل وهي مسرعة وتخبرني أن هناك إحدى الحالات بالخارج تريد الدخول ولكنه ليس بمفرده كما تعودت أن يحدث ولكن والده ووالدته يبكون بشدة ويريدون أن يقابلوني أيضًا للأهمية فشعرت بالفضول الشديد، وأخبرتها إنه لا مانع ربما يريدون إخباري بشيء هاماً ولا يستطيع المريض أن يخبرني به؟ وبالفعل دخل رجلًا كبيرًا في السن كان يحمل في يده كتاباً وسيدة تصغره بعامين تقريباً ويبدوا عليهما أثار الحزن والصدمة والفزع والخوف واليأس، ومعهم شابًا يبدوا إنه قد تخطي منتصف الثلاثينيات وكانت عيناه مثبته ناحية قدمه و لا يشعر بأي شيء ويسير وكأنه تحت تأثير التنويم المغناطيسي وتجذبه والدته من ذراع ووالده من ذراع آخر حتى يجبروه على السير وساعدوا هذا الشاب حتى يجلس على أريكة الكشف_الشيزلونج_ المتواجد في مكتبي وركضت والدته مسرعة وقامت بغلق الباب وقالت:أرجوك يا دكتور ساعدني لقد ضاع ولدي مازن وجئت إليك لخبرتك وسمعتك المعروفة في علاج الأمراض النفسية والعصبية الصعبة ونظرت ناحية الشاب مازال على حالته! وقمت بسؤالها: منذ متي وهو يشعر بالتعب؟ قالت: منذ عودته من الرحلة المشئومة هو الوحيد الناجي من هذه الرحلة كما ذكر مازن في مذكراته الخاصة حسبما فهمنا أنا ووالده, منذ أن عاد لا يتكلم ولا يتحرك ولا يفعل أي شيء فقال والده وهو يبكي وكأن معه هذا الكتاب كان يسجل فيه كل شيء من قبل سفره حتى عودته بالرغم من إنني قرأت أجزاءً كثيرةٌ منه ولكنني لا أعرف ماذا أفعل أو كيف أتصرف؟ ما بداخله شيء لا يصدقه عقل ! لقد أصيب ولدي بالجنون, أرجوك ساعدنا. حسنًا لا تقلقوا وسيكون كل شيء على ما يرام ولكنني سأكتب خطاباً بتحويله للإقامة في المركز الطبي حتى أستطيع أن أتابع حالته عن قرب ونطمئن عليه قال والده:حسنًا يا دكتور صفوت أفعل ما تراه مناسبًا ونتمنى أن يكتب الله له الشفاء على يديك.
و طلبت منهم التوجه في الصباح إلى المركز الطبي التي تستدعي تواجد الحالات الصعبة به و سوف أقابلهم هناك، وقبل مغادرتهم طلبت من والد مازن أن يعطيني هذا الكتاب أي مذكرات ولده الخاصة حتى أستطيع معرفة ما كان يشعر به مازن وماذا حدث له وأخذت مذكراته الخاصة وأنا أشعر بالفضول الشديد لقرأتها ومعرفة ماذا يوجد بها. وحاولت أن أتصفح هذه المذكرات بطريقة عشوائية ولاحظت تغيير الخط بالتدريج مما يعني إنه يكتب مذكراته منذ أن كان صغيرًا وكأن يسجل كل ما يحدث له في مراحل عمره المختلفة ولاحظت أيضًا وجود وردة بالداخل ورسم لقلوب حمراء وأما عن خارج الكتاب كان يوجد لون أحمر والكتاب يملؤه التراب بشدة فازداد فضولي وشغفي لقرأته أكثر وذهبت لمنزلي وجلست على مكتبي الخاص وقمت بإعداد القهوة المكثفة _الدوبل_وقمت بتشغيل موسيقاي المفضلة وهي قائمة من الموسيقي الكلاسيكية القديمة حتى أقوم بتصفية ذهني والشعور بالسلام الداخلي وقمت بفتح أول صفحات مذكرات مازن الخاصة والقراءة بطريقة عشوائية.


*******


اسمي مازن وأبلغ من العمر الآن الثالث عشر وأعيش مع والدي ووالدتي في مصر القديمة وتحديدًا بجوار أهم المعالم الأثرية وهو مسجد عمرو بن العاص، طفولتي كانت عاديه جدًا ليس بها أي شيء مميز ودائمًا كان فكري يسبق سني. كالمعتاد تشعر بالاهتمام والحب من الجميع منذ لحظة ولادتك أنت بالنسبة لهم شيئًا جديدًا يقتحم عالمهم الذي اعتادوا العيش فيه بدونك ويقوم بتغييره ولكن يتلاشى كل ذلك في كل عام تكبر فيه حتى تصبح شيئًا عاديًا وروتينيًا. والدي يعمل محاسبًا في إحدى الشركات الخاصة ووالدتي ربة منزل وليس لدي إخوة، أحب والدي ووالدتي كثيرًا وأقوم بزيارة أقاربي في الأعياد والمناسبات ونجتمع سويًا في أوقات المصيف، أما طوال السنة كان والدي ووالدتي يكتفون بالاتصال هاتفيًا بهم فقط. دائمًا أشعر بالوحدة ولذلك سأقوم بكتابة يومياتي حتى أحاول أن أتظاهر بأنني لست وحيدًا. الوحدة قاتلة ومن يشعر بها يدعي أمام الناس بأنه بخير ولكنك لا تعرف ماذا يحدث له عندما يصبح بمفردة وفي قاموس الحياة شرحًا وافيًا لها ولكن لا يوجد حلًا قاطعًا لها، وليس الحل هو تواجد الناس من حولك، بالرغم من ذلك ستظل تشعر بها، لأن هناك أنواع كثيرة لها وهي: وحدة الفكر،وحدة العاطفة، وحدة الرومانسية، وحدة الأهل،ووحدة الوضع الجديد،وحدة الهجر والأصعب عندما يصبح الإنسان كبيرًا في السن ليس بيده أي حيله سوي العيش على الذكريات وينتظر أن تتحول وحدته من استطاعته التحرك جسديًا لأكثر من مكان إلى الوحدة النهائية التي تصبح حركته الجسدية فيها مقتصرة على مكان ووضع معين وهو الموت ولكنه لن يستطيع أن ينساها إلا في المرحلة الثالثة والأخيرة بعد الحياة والموت.
أحب الذهاب إلى المدرسة حتى أشغل فكري وأتعلم أشياء جديدة، أشعر دائما بالشغف لمعرفة كل ما هو جديد وتعرفت اليوم على صديق لي ويبدوا إنه مهذب ويعشق التعلم وخاصةً المواد العلمية واسمه يوسف وتبادلنا أطراف الحديث سويًا أكثر من مرةً وشعرت بالسعادة طوال أيام الدراسة لم يكن لي أصدقاءً مقربون ولا أتحدث كثيرًا أحب أن ألتزم الصمت لا يعجبني ما يحدث من حولي وأرى أن الحديث لا فائدة منه فليس من السهل أن تدخل وسط دائرة من الأصدقاء وجميعهم متشابهين في افتعال المشاكل إما مع الطلاب أمثالنا أصحاب العلم والتفوق والهدوء والمعقدون كما يطلقون علينا أو مع الأساتذة أيضًا وهدفهم إظهار إنهم أقوياء وخاصةً أمام الفتيات ويجب عليك إرضاء رئيس المجموعة، لكل مجموعة رئيس وقائد ويتحكم في الآخرين وكالعادة أصبح الأساتذة لا يهتمون بالشرح الوافي في الحصة والغريب عندما تتحدث مع أي من الأساتذة يخبرك عن التعليم قديمًا بأنه كان مختلفًا وكأن للمعلم احترامه وتبجيله وكأن الطلاب يهتمون بالتعلم أما في الوقت الحالي أصبحت المدرسة فقط هي الوسيلة الوحيدة ليتعرف المدرس فيها على الطلاب من أجل الدروس الخصوصية ولا مانع من أن يتنازل المدرس عن بعض الدعابة والضحك من أجل أن يحبه الطلاب وأحيانا عندما يتنمر الطلاب على أمثالي في أشياء ليس لي فيها يد، في هيئتي و طريقتي في الكلام وملابسي، كل ما أمتلك بسبب اقتناع والدي بذلك أو لظروفهم المادية، لا مانع من مشاركة الأساتذة معهم في عملية التنمر حتى يتهافتون عليهم من أجل الدروس الخصوصية ويكون الطالب في حاله رضا عن الأستاذ ولكن ماذا عن الطلاب الذين يحبون التعلم ! بالرغم من أنني أحب المدرسة ولكنني أحيانا أكره الذهاب إليها،
كنت دائما أتابعها و أشعر بالانجذاب ناحيتها لا أستطيع وصف جمالها ورقتها ولكن كيف أستطيع أن أخبرها بذلك؟ انه الحب انجذاب شخصاً ما لشخص بعينه بمجرد النظر إليه والشعور بالراحة معه والسعادة والأمان في وجوده وعدم الاستغناء عنه, ويري أن ملامحه وطريقة حديثه وتفكيره مختلفة تماماً عن أي شخصاً آخر, وكأنه لم يخلق مثله من قبل وهو الاهتمام بكل تفاصيل هذا الشخص ومراقبته.
كم أعشق حصة الموسيقي عندما أستمع إلى صوتها وكأنني في عالماً آخر أحياناً أتظاهر بأنني تركت هاتفي المحمول في المنزل لأنه كان ممنوعاً أن نحضر هواتفنا إلى المدرسة أو نقوم بتسليمه إلى المشرفة في بداية اليوم الدراسي وكنت أقوم بفتح برنامج التسجيل على هاتفي دون أن يراني أحدًا وأحتفظ بصوتها على هاتفي وأستمع إلى غنائها مراراً وتكراراً حتى أذهب في النوم وعندما أشاركها العزف وابتسامتها لي المليئة بالسعادة كان قلبي وكأنه ينتزع من صدري إنه الحب وهي أول فتاة في حياتي ولكنها لا تهتم بي وكأنني ليس لي وجود وكأن حبي لها يزداد يوماً بعد يوم وقررت أن أصارحها أو أقوم بالتلميح لها في حصة الموسيقي القادمة وكنت أشعر بالرعب لم أتحدث مع أي فتاة من قبل وقفت بجانبها وكانت ستغني وأخبرت الأستاذ أن أقوم بالعزف معها حتى أكون بالقرب منها وأخفف من حدة التوتر الذي ينتابني وكانت طوال غنائها تنظرا ناحيتي وتبتسم ابتسامتها المشرقة ونظراتها الساحرة وبعد أن انتهت الحصة حاولت التحدث إليها وكأن كلامي غير مرتب: أنتٍ تملكين...صوتًا رائعًا..وأيضًا في حفل آخر العام ستبهرين الجميع، قالت وهي تضحك: شكرًا لك وأنت عازفاً موهوباً.. وأخبرتها في خجل: هل بإمكاننا الجلوس سويًا أنا وأنت فقط من أجل البروفات؟ وأريد أن أتحدث معك في موضوعاً ما؟ (وتحدثت إلى بلهجة قوية) ماذا تقول؟ بالطبع لا لا يمكنني ذلك أجلس معك أنت! ليس معني إنني قمت بالغناء معك وابتسمت لك إنني سأجلس معك وبمفردنا أن أكون معجبة بك وماذا تريد أن تخبرني! نحن فقط نتشارك سويًا من أجل الحفل ليس أكثر من ذلك. وتركتني وهي تضحك تركتني وأنا أشعر بالصدمة والعار وجلست في غرفتي أبكي لأول مرة فالحب الأول تأثيره يكون قوي جدًا ولكن صدمته شديدةً أيضًا لأنه المرة الأولى التي تشعر فيها كما لو أن قبضة إليد تمزق صدرك وتمسك بقلبك، فتسحبها للخارج. إنها المرة الأولى التي تبكي فيها بشدة على شخص آخر، ولا يمكنك التنفس. إنها المرة الأولى التي تشعر فيها بالعجز التام، مثل الغزال الصغير الذي لم يتعلم المشي بمفرده بعد. إنها المرة الأولى التي تشعر فيها وكأنك تحاول الإمساك بشيء ما، ثم تدرك أنه دخان، ويختفي من بين أصابعك، إنها المرة الأولى التي تلوم فيها نفسك على شيء ربما لم يكن خطأك ربما كان كذلك، لكنك لن تعرف أبدًا على وجه اليقين وهي أيضًا المرة الأولى التي تتحمل فيها المسؤولية الكاملة عما تشعر به. إنها المرة الأولي التي تبدأ فيها بالتحدث بصيغه الجمع"نحن" إنها المرة الأولي التي تشارك فيها شخصاً ما أحلامك وطموحاتك واهتماماتك.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.