tafrabooks

شارك على مواقع التواصل

منذ زمن بعيد، وفي العصور القديمة حيثُ كانتْ تنتشر الفوضى، والقتل، والسِّحر، كان يعيشُ مع البشر مخلوقات عجيبة وغريبة مِن الشياطين والجن، كانُوا يثيرُون الرعب، وخاصَّةً أثناء الليل؛ لكثرة الظلام، والأماكن الشَّاسعة النائية، والتي لَمْ يعشْ بها البشرُ مِنْ قبلُ.
كان في ذلك الوقت البقاء للأقوى، وكُلُّ مجموعةٍ مِن الناس كانتْ تستوطنُ قريةً بعينِها، وتمكثُ فيها، وتصبح الحياة بها خاصَّةً بعاداتهم ،وتقاليدهم، ويقومُون بوضع قوانين وأُسُس لهم ولشعبهم.
وكان هناك أيضًا مَنْ ينتظرون هناك، كان يراقبُ هذه القُرَى؛ حتَّى تكون صالحة للعيش بها؛ ويقومُون بالهجوم عليها، وقتلُ شعبِها؛ وتصبح لهم.
وفي إحدى المدن البعيدة كانتْ تقعُ قرية تُسمَّى "أونوترس"، وقرية أخرى، وهي: "دونوترس"، والتي لا يعرف أحدُ عنها أي شيء سوي اسمها فقط، وكان يفصلُ بينهما نهرٌ كبيرٌ، ويُسمَّى "سانجويس"، وتعني باللاتينيَّة: الدم ؛ بسبب الأساطير والأقاويل التي انتشرتْ؛ لأنَّهُ مليء بالشياطين، والجن، والكائنات الغريبة، والتي تقتلُ وتستمدُّ قوتَها مِنْ جنس البشر.
و"أونوترس" قرية عدد سكانها ليس كبيرًا، وأوَّلُ مَن استوطن بها كان رجلًا يُدعَى "أون"، وقد أتى إلى هذه القرية منذُ فترةٍ، وكانتْ معه زوجته "لورين"، بعد أنْ هجمتْ إحدى القبائل على القرية التي كان يعيشُ بها، وحاول الدفاع عن قبيلته بكُلٍّ قوة وشجاعة، ولكنَّهُ فشل.
وشاهد جميع عائلته وأصدقاءه يُذبحون أمام عينيه، وظلَّ على قيد الحياة، فقرَّر الهرب، وأثناء هروبه وجد إحدى الفتياتِ مِنْ نفس قريته هاربة وخائفة؛ فذهبتْ معه، والتي أصبحتْ زوجتُهُ بعدَ أنْ سقط في حبِّها.
وبعد سيرهما لمسافة طويلة وجدا مكانًا يصلحُ للعيش؛ فقد كان يحيط به نهر طويل، وأشجار، وأرض صالحة للزراعة؛ فقرَّرا أنْ يستقرَّا به، وسُميِّت القرية على اسمه، وقام وزوجته ببناء منزلهما.
ومع مرور الوقت زاد بها عدد السكان مِنْ أبنائهم، ومِمَّنْ جاء إلى قريتهم، واستوطن بها: إمَّا هربًا مِنْ هجوم القبائل لقريتهم الأصليَّة، أو أناسٌ قد تمَّ طردُهم مِنْ قريتهم.
وأمَّا مَنْ كان يأتي إليها عن طريق الصدفة، فكانُوا يعتبرونُهُ أنَّهُ بذلك حصل على إذنٍ، ويمكنُهُ أنْ يستقرَّ بها، ولكنْ بشروط وقوانين خاصَّةً قد وضعَها "أون"؛ فمَنْ أراد العيش وافق على هذه الشروط، وإمَّا أنْ يرحل.
كان"أون" يريدُ أنْ تكون هذه القرية صالحة، وبها عدد مِن البشر، ويعيشون في سلام وأمان، وبعد مرور سنواتٍ عديدةٍ، كان الجميعُ يعيشون في سعادةٍ وأمانٍ، فجأةً تغيَّر كُلُّ شيءٍ، وحدث ما حدث، وما أصاب هذه القرية باللعنة!!
كان نهر "سانجويس" يذهبُ إليه أهل القرية في الصباح فقط؛ ليأتوا بالماء مِنْ أجل الشرب، وأيضًا يستخدمُونَهُ في حياتهم اليوميَّة، وللزراعة أيضًا.
وبدأتْ أحداث غريبة تحدثُ لهم!!، وخاصَّةً نساء القرية؛ فقد كُنَّا لا يستطعن الإنجاب!!، ومَنْ تنجب يأتي الطفل مُشوَّهًا، ويُتوفَّى بعد ولادته!!
وظلَّتْ نساء القرية يُعانين لفترةٍ طويلةٍ، ولا يعرفن السبب؟!
كانت هناك إحدى النساء التي أتتْ إلى القرية صدفةً، وقد رحَّب بها الجميع، وأقامتْ معهم، وتُدْعَى "إليساندرا".
جمالُها يجعلُ مَنْ يراها للوهلة الأولى يفقدُ الإحساس بالزمان والمكان، وكان شَعْرُها طويلًا جدًا، ولونُهُ أحمرُ، وكان شديد اللمعان، وكانتْ على قدرٍ هائلٍ مِن الذكاء، حتَّى أنَّ أهل القرية مِن النساء كنَّا يشعرن بالغيرة منها؛ بسبب جمالِها، وسِحْرها، والذي لا يستطيع أحدُ مقاومتَهُ!!
فكان مِنْ أحد قوانينهم الخاصَّة في قرية "أونوترس":أنَّهُ لا يستطيع أحدٌ مِنْ أهل القرية الأصليينَ الزواج بمَنْ يأتي صدفةً إلى قريتهم، ويجبُ على مَنْ أتى إلى القرية أنْ يستقرَّ بها، حتَّى مرور خمس سنوات على تواجدِهِ بها.
وكان رجال القرية لا يكفُّون عن النظر إليها، والتسلُّل؛ لرؤية جمالها الساحر، وكانُوا عندما يراقبونها كانوا يجدُونها تفعل أشياءً غريبةً في حديقة منزلها، وفي أحد الأيام سألها عمدةُ القرية عمَّ تفعلُ؟!، ولماذا تقومُ بجمع النباتات دائمًا؟
فقالتْ له:
-"إنِّي أعرفُ بعض الحيل، والتي تجعلُني أساعدُ بها مَنْ حولي".
وانتشر الخبرُ بينهم بأنَّها ساحرة ،وتعملُ بالسِّحر، ولكنَّ لَمْ يهتمّْ أحدٌ بما شاع بين الجميع؛ وذلك لجمالِها ورقَّتِها، والذي جعل الجميع، وخاصَّةً الرجال لا يظنُّون بها أي سُوء.
وظلَّ الحال كما هو: لا تنجبُ نساء القرية!!، وذلك الأمر كان يجعل العمدةُ يشعرُ بالقلق، ويريدُ أنْ يكون له أبناء آخرون، وكان يشعرُ بالقلق أيضًا على نساء أهل القرية، وفي صباح أحد الأيام ذهب إلى "إليساندرا" في منزلها الصغير الخاص بها، وأخبرَها بما يحدثُ مع نساء القرية، فقالتْ له:
-"سأرَى ماذا يمكنُني أنْ أفعل؟".
ومرَّ أكثر مِنْ شهرٍ، ولم يتغيَّر أي شيء ، فذهبتْ له إحدى نساء القرية تشكو إليه أنَّ زوجَها يضربها كُلَّ ليلةٍ، ويجب أنْ يتصرَّف ويجد حلًا، فقال:
-"سأجتمعُ بالجميع غدًا، وسأتحدَّثُ معهم، ويجب على الجميع أنْ ينتظرُوا، وألَّا يفقدوا الأمل، وأنْ يتحلُّوا بالصبر".
وبالفعلِ في صباح اليوم التالي، أرسل "أون" شخصًا يخبرُ الجميع بضرورة حضور اجتماع هام لأهالي القرية جميعًا، وفي المساء حضر جميع أهالي القرية، وهُمْ يتحدَّثُون فيما بينهم:
-"ماذا سيحدثُ؟، وما سببُ اجتماع عمدة القرية مع جميع أهل القرية؟".
وحضر "أون"، وقال لهم:
-"أريدُ منكم الهدوء جميعًا،لقد اجتمعتُ بكم مِنْ أجل أمر هام جدًا: الجميع يعرف الأزمة التي يمرُّ بها جميع مَنْ في القرية، وخاصَّةً النساء،وأريدُ مِن الرجال أنْ يتحلُّوا بالصبر، وألَّا يفقدوا الأمل، وأنْ يعاملُوا زوجاتهم معاملة حسنة، ليس بأيديهن شيء، ومازلنا لا نعرفُ السَّبب الحقيقي لحدوث ذلك، وسأقومُ بمحاسبة ومعاقبة كُلّ مَنْ يعاملُ زوجته بطريقةٍ سيئةٍ".
فقال أحدُ الرجال:
-"لماذا لا نذهبُ إلى القرية الأخرى دونوترس، ونسألهم، نحنُ لا نعرف عنهم شيئًا؟!!".
قال عمدةُ القرية:
-"أنتم تعرفون جميعًا أنَّهُ يفصلُ بيننا وبينهم نهر سانجويس، وهو كبير جدًا، وليس مِن السهل عبوره، وإنَّنا سمعنا عنها فقط، ولا نعرف شيئًا عن وجودها، ورُبَّما تمرُّ هذه القرية بأزمات أكبر مِمَّا نمرُّ بها، وهناك أخطار كثيرة مِنْ أجل الوصول إليها، أعتقدُ أنَّ الجميع يعرفون إليساندرا".
فتحدَّث الجميع فيما بينهم بأصوات متداخلة، وخاصَّةً الرجال، فقاطعَهم:
-"أرجُوكم التزمُوا الصمت، لقد تحدَّثتُ معها، وهي قادرة على اكتشاف علاج خاص ينهي مسألة عدم الإنجاب لسيدات القرية".
فصاحتْ إحدى سيدات القرية:
-"نحنُ لا نعرف عنها شيئًا، وجدناها فجأةً تعيشُ بيننا، والجميع يعرفُ أنَّها تقومُ بعمل طقوسٍ؛ فهي ساحرة، ووجودُها ما هو إلَّا فتنةً لرجال القرية".
وقالتْ سيدة أخرى:
-"رُبَّما قامتْ بعمل سحرٍ ما، ووضعتُهُ في النهر الذي نشربُ منه؛ مِنْ أجل عدم الإنجاب؛ فهي تعرفُ أنَّها لن تتزوَّج حتَّى مرور خمس سنواتٍ؛ فشعرتْ بالحقد، وبدأ ذلك يحدثُ منذُ أنْ أتتْ إلينا،وإنَّها دائمًا تجلسُ بجوار النهر".
وحدثت مشاجرة بين النساء والرجال، وبدأتْ أصواتُهم تعلو، فقال "أون":
-"صمتًا!!، سنعطيها فرصةً ؛ رُبَّما تجدُ حلًا لِمَا أصابنا؛ وحينئذٍ سنعرفُ الحقيقة، إذا لم تستطع، والآن أريدُ مِنْ كُلِّ واحدٍ منكم أنْ يذهب إلى منزله".
وظلَّ "أون" مكانه يفكِّرُ فيما سمعَهُ مِنْ سيدات القرية، وبدأ في التفكير: رُبَّما تكون فعلًا ساحرة؟!، وخاصَّة إنَّهُ رآها بعينِهِ تقومُ بعمل طقوس خاصَّة وغريبة.
ولقد مرَّ أكثر مِنْ شهر، ولَمْ تفعلْ أي شيء!!، ولكنَّهُ استبعد هذه الفكرة تمامًا، وقال في أعماقه:
"لقد أتى إلينا الكثير؛ ليعيش معنا، ورُبَّما ما حدث لنا صدفةً، فمِن الممكن أنْ تكون إليساندرا جاءتْ إلينا؛ لتنجدَنا؛ وتنقذَنا مِمَّا يحدثُ".
وفي صباح اليوم التالي ذهب إلى "إليساندرا"، وقال لها:
-"لقد مرَّ أكثر مِنْ شهرٍ، ولَمْ يحدثْ أي شيء؟".
أجابتْهُ:
-" إنَّني أحاول أنْ أجد أي حلول لِمَا أصاب الجميع؛ لأنَّ ما يحدثُ مع أهالي القرية أمر غريب جدًا، وهو أشبهُ بالخيال!!".
-"أخبريني يا إليساندرا مِنْ أين جئتِ؟ ، أين كنتِ قبل أنْ تأتي إلى هنا؟".
-"أنا مِنْ إحدى القُرَى، وقام بالهجوم عليها إحدى قبائل "الميراسندا"،وقاموا بقتل الجميع وتعذيبِهم، فكما تعرفُ هذا يحدثُ دائمًا، وهو: أنْ تستولي قرية على قرية أخرى، وهربتُ، وكنتُ أسيرُ لشهورٍ، حتَّى وجدتُ هذه القرية، فرحَّبتُمْ بى جميعًا".
فنظر إليها، وقال:
-"حسنًا سأخبرُكِ بالحقيقة، وماذا يعتقدُ الجميع هنا بخصوصكِ؟: إنَّكَ تقومينَ بعمل طقوس خاصَّة بكِ، وهذا ما يعرفُهُ الجميع، ويتحدَّثُون بأنَّ ما أصابهم هو سِحْر شيطاني،وأنتِ المسؤولة عن ذلك، وإنَّكِ ألقيتِ بتعويذةٍ ما على النهر، وخاصَّةً إنَّكِ دائمًا تذهبين ناحية النهر، وتجلسينَ هناك كثيرًا،وبدأ كُلُّ ذلك منذُ أنْ أصبحتِ تعيشين معنا".
صرختْ "إليساندرا":
-"هذا غيرُ معقول!! لماذا أفعلُ ذلك؟!، لا أنكرُ إنَّني أعرفُ طقوسًا، ولكنَّني لَمْ أستخدمْها لإيذاء أحد مِنْ قبلُ، وبالفعل أفكِّرُ في عمل أي شيء مِنْ أجل مساعدة الجميع، وأقومُ بردِّ المعروف الذي صنعتموهُ لي".
فقاطعها قائلًا:
-"تفعلين ذلك؛ لأنَّكِ لن تستطيعي الزواج إلَّا بعد خمس سنواتٍ، وتريدين مِن الجميع أنْ يشعرَ بما تشعرين به، وهو: عدم الإنجاب".
قالتْ:
-"لا، صدِّقني!!".
ونظر إليها في غضبٍ، وتركَها، وذهبَ.
وفي صباح اليوم التالي كعادتِها في الصباح تخرجُ "إليساندرا"؛ مِنْ أجل جمع نباتات خاصَّة تساعدُها في طقوسها، ووجدتْ جميع مَنْ في القرية، وعلى رأسِهم "أون" يقفون أمام منزلها، ويشير "أون"بيده ناحيتها؛ فذهب رجلَانِ، وقاما بإمساكِها مِنْ يديها، وكانتْ تشعرُ بالصدمة، وصرختْ بأعلى صوتها:
-"ماذا يحدثُ؟! لَمْ أفعلْ شيئًا!! صدِّقُوني!! لستُ ساحرة شريرة!! أرجُوكم سأحاولُ أنْ أجد أي حلول لِمَا يحدثُ لكم، ولكنَّني لستُ المسؤولة عن ذلك".
ولكنْ لَمْ يستمعْ إليها أحدُ؛ فقد كان الجميعُ يشعرون بالغضب، وخاصَّةً النساء؛ فقد أردن أنْ يتخلصن مِنْ جمالِها الذي يفتنُ رجال القرية.
كانتْ تبكي بشدةٍ، وتصرخُ، لكنْ دون أي فائدةٍ، وقاموا بإحضارها إلى وسط القرية، ووضعُوا عمودًا خشبيًا كبيرًا، وتمَّ تكبيلُها جيدًا به، وقال لها "أون":
-"هذه آخرُ فرصةٍ لكِ، لماذا قمتِ بإلقاء هذه التعويذة؟؟! أخبريني الآن!!".
قالتْ بصوتٍ يملؤهُ الحسرة، والحزن، واليأس:
-"صدِّقني لَمْ أفعل ذلك!!".
وقالتْ إحدى السيدات:
-"لا وقت لمعرفة السبب، وإذا تخلصنا منها رُبَّما تنتهي هذه التعويذة؛ لنعيشَ في سلام".
فصاحتْ جميع النساء في أصواتٍ متداخلةٍ:
-"نعمْ، نقتلُها!! نتخلَّصُ منها!! احرقُوا الساحرة... احرقُوا الساحرة!!... احرقُوها!!".
فصرختْ "إليساندرا" في محاولة أخيرة :
-"أتوسَّلُ إليكم، أريدُ أنْ أموتَ بدون أنْ أُعذَّب، أو أنْ أشعرَ بأي ألمٍ".
قالتْ امرأة من نساء القرية:
-"يجبُ أنْ تُعذَّبي مثلما شعرنا بالعذاب: منا مَنْ لَمْ ينجبْ، والبعض أنجب، ولكنَّ الأطفال كانوا مُشوَّهينَ، ويفارقوننا!! أنتِ قاتلة!!".
وافقها الجميع، وكانوا يهتفون:
-"احرقُوا الساحرة!!".
وبالفعل أحضرُوا الكثير مِن القش، ووضعوهُ أسفلها، وقاموا بربطِها، وأمسك "أون" قطعة خشب مُشتعِلة،وقال لها:
-لعلَّكِ تجدين الراحة في العَالَم الآخر، ولكنَّني أعتقدُ أنَّكِ لن تجدي الراحة أبدًا بما قمتِ بفعله".
وقالتْ لهم "إليساندرا" في لهجة تقطرُ غضبًا وحزنًا:
-"أنتم لن تجدوا وذريتكم الراحة أبدًا!! ؛ وسأجعلُكم تتمنون الموت كُلَّ يومٍ!!، ولن تروا الشمس!!، ولن تقومُوا ببيع أي شيء!! ، لن تسمعُوا شياطين الليل التي ستتربصُ بكم!! ، لن تستطيعوا أنْ تتخلَّصُوا مِنْ هذه اللعنة!!... الشخص القادر علي ذلك لن يتواجد بينكم ، دائمًا ستكون روحي بينكم ؛ لتستمتعَ ، وتشاهدكم، وأنتم تُعذَّبُون!!".
وضحكتْ بطريقةٍ شريرةٍ، وكانتْ تردِّدُ تعاويذ وكلمات غير مفهومة، وهي تضحكُ: ( كتنور ماتنهاعين.. اخريسمي ناخ ... سمعهنتار شيطمور..... إلى الأبد في جحيم)، وترسل الشياطين على الأذن، واللسان، والعين (بعد ثلاث... بعد ثلاث!!).
فكان الجميعُ في حالة ذهول، ومِنْهم مَنْ شعر بالرعب، ومِنْهم مَنْ استهزأ ، وقال أحد مساعدي الحاكم:
-"لنسرعْ في حرقِها!!، ماذا ننتظرُ؟!".
قال الحاكمُ:
-"حسنًا ، وهذا ما يجبُ فعله".
وضعَ قطعة الخشب المُشتعِلة أسفل قدمها ؛ فاشتعلّ القش سريعًا، وكانتْ تصرخُ صرخات مُرعِبة، وكادتْ أنْ توقف قلوب الجميع، حتَّى أنَّ صراخها كان مسموعًا مِنْ جميع الاتجاهات، كان الجميع يشاهدُونها، وهي تحترقُ، وهُمْ في حالة تامَّة مِن الرعب والذهول!!
وبعدَ فترةٍ سقط العمود الخشبي مِنْ شدة الاشتعال، ولم يجدوا أي آثارٍ لجسدها أو أي بقايا له؛ فصُعِقَ الحاكم لِمَا رآهُ، لكنَّهُ تمالك نفسَهُ، وقال للجميع :
-"لقد تخلصنا منها ومِنْ لعنتِها!!".
وصاح الجميع فرحًا،فجأةً تساقطت الأمطارُ بشدةٍ، وقال الحاكم للجميع:
-"أريدُكم أنْ تذهبوا الآن إلى بيوتكم، لقد تخلصنا مِن الساحرة!!".
فأسرع الجميع يختبئون مِن الأمطار، وهُمْ في حالةٍ مِن السعادة والسرور، وابتسمتْ كُلُّ زوجةٍ، وأمسكتْ بيد زوجِها، كأنَّهم أصبحوا في حالة مِن الراحة، والحُبّ، وعلى استعدادٍ للإنجاب!!
وظلَّ الحاكمُ في مكانه ينظرُ إلى العمود الخشبي في تعجُّبٍ!! ، وعيناهُ يملؤها الخوف والقلق!!
يتحدَّثُ إلى نفسه:
"أين ذهبَ جسدُها؟!، لا أثرَ حتَّى لأي بقايا!!، وكأنَّها اختفتْ!!، لماذا كانتْ تقول ....؟".
أتمنَّى أنْ تكون خرافات كانتْ تتحدَّثُ بها؛ لكي نشعرَ بالخوف جميعًا، ورُبَّما احترق جسدُها بالكامل، وتطاير رمادُها ؛ بسبب قُوَّة النار والهواء، لماذا كانتْ تقولُ: "بعدَ ثلاثٍ؟!".
وفي صباح اليوم التالي مِنْ حرق "إليساندرا"، والتخلُّص منها، كان الجميع يشعرون بالانتصار، وخاصَّة الرجال، وتتحدَّثُ النساء فيما بينهن على ما حدث أمس مِنْ أزواجهن، وأنَّهم ينتظرون بفارغ الصبر أنْ يُرزَقُوا بالأبناء،
وما هي إلَّا مسألة وقت.
وبعدَ مرور ثلاثة أيامٍ استيقظ حاكم القرية، وكالعادةِ كان يحبُّ أنْ يذهب إلى حديقته الخاصَّة بمنزله قبل أنْ تستيقظ زوجته، فقد كان له منزل خاص به يحبُّ أنْ يجلسَ فيه؛ ليفكِّرَ دون إزعاجٍ مِنْ أي أحد، فشعرَ بصُدَاع شديدٍ في رأسه؛ فحاول أنْ يتناسى ما يشعرُ به.
وفجأةً شعرَ بألمٍ شديدٍ في عينيه، وذهبَ؛ ليضعَ الماء على وجهِهِ؛ ليغتسلَ، ولكنَّهُ صرخَ مِنْ شدة الألم!!
رفع رأسه، ولكنَّهُ لا يستطيع أنْ يرى!!، ووجد كُلَّ شيء حوله مظلمًا؛ ففزعَ بشدةٍ، وسقط على الأرض يبكي!!
وتذكَّر كلام "إليساندرا" قبل أنْ تحترق،حاول أنْ يتماسك، وأنْ يتذكَّر كُلَّ شيء؛ للعودة إلى منزله، لكنَّهُ كان يصطدمُ في كُلِّ شيء مِنْ حوله؟!، حتَّى وصل بعد معاناةٍ إلى منزله، والذي به زوجته وأبناؤه.
وعندما بلغ غرفة نومه، نادى على زوجته؛ فاستيقظتْ، وقالتْ له:
-" ماذا يحدثُ؟! لِمَ هذا الصوت العالي؟! كأنَّكَ تقومُ بتكسير كُلّ ما في المنزل؟! ولِمَ هذا الظلام الدامس؟!
لا أستطيعُ أنْ أراكَ ؟!".
فشعرَ بالفزع؛ لأنَّهُ اعتقدَ أنَّ هذه اللعنة قد أصابتْهُ هو فقط ؛ فهو الشخصُ الذي قام بإحضار "إليساندرا"، وحرقِها،ولكنَّهُ تأكَّد أنَّ هذه اللعنة أصابتْ زوجته أيضًا، وبدأتْ زوجته بالبكاء، وقالتْ:
-"إنَّ عيناي تحرقُني بشدةٍ، ولا أستطيع الرؤية؟!!".
وقال لها :
-"أرجُوكِ هدئِّي مِنْ روعكِ، لقد أصابتْنا لعنة إليساندرا!!".
وظلَّتْ زوجتُهُ تبكي، وذهب؛ ليجلسَ بجانبِها، ولا يعرفُ ماذا يفعل؟!
حتَّى سمعَ صراخًا شديدًا مِن الجميع، حاول أنْ يتحسَّس بيدِهِ، حتَّى وصل إلى النافذة الخاصة بغرفته.
كان يسمعُ الرِّجال والنِّساء يصرخون:
-"لا نستطيعُ الرؤية!! ماذا حدث؟ لقد أصابتْنا اللعنة!! أيُّها الحاكم أنقذْنا!!".
وكان يسمع كُلُّ كلمةٍ، كأنَّ الجميع يقفون أمامه؛ فأصبحتْ حاسة السمع لديه قويَّة جدًا، وتأكَّد أنَّ اللعنة قد أصابتْ جميع مَنْ في القرية أيضًا.


وكان يشعرُ بالغضب والعجز التام، ولا يعرفُ ماذا يفعل أو كيف يساعد نفسَهُ أو الجميع؟؟، وكيف سيكملُ الجميع حياتهم، وهُمْ عاجزون عن الرؤية؟، وتذكَّر شيئًا:أنَّهُ عندما كان يقومُ بحرقِ "إليساندرا"أنَّها قالتْ:
-"لن تستطيعوا أنْ تروا الشمس!!، ولا أنْ تقومُوا ببيع أي شيء!!، ولا أنْ تسمعُوا شياطين الظلام!!".
حاول أنْ يُفسِّر ما تحدَّثتْ به، وعرفَ أنَّها كانتْ تقصدُ برؤية الشمس: أنَّ الجميع لن يستطيع الرؤية!!
ولكنَّ ما معنى: بيع الأشياء؟
هل سيتمُّ حرقُ جميع الأشياء التي تُبَاع وتُشترَى في القرية؟!
فقال لنفسِهِ:
-"يجبُ أنْ أنتظرَ؛لأعرفَ ماذا كانتْ تقصد؟".
وذهب مرَّة أخرى؛ ليجلسَ على كرسي بجانب سريره، وظلَّ يستمعُ إلى بكاء زوجته، وصُراخ وبُكاء جميع مَنْ في القرية، حتَّى مرَّ الوقت على هذا الحال، ومرَّ وقت الصباح ،فشعرَ بألمٍ في فكه، وبدأتْ عيناهُ ترى الأشياء بوضوحٍ أكثر فأكثر ، حتَّى عاد بصرُهُ إليه، وشعرَ بالسعادة، ونظر ناحية زوجته، ووجدَها تتحسَّس جسدَها، ويديها، ووجهَها، وتنظرُ إليه في سعادةٍ!!
حاول أنْ يتحدَّث إليها، ولكنَّهُ لا يستطيع التحدُّث، أشار بيده إليها، وحاولتْ أنْ تتحدَّث معه، ولكنْ دون فائدةٍ، وذهب إلى شرفة الغرفة الخاصة به، ووجد بعضًا مِن السكان أسفل منزله يشيرُون له، ويحاولون أنْ يتحدَّثُوا إليه ، ولكنَّهم لا يستطيعُون التحدُّث، وسمع طرقًا علي باب منزلِهِ، فذهب، وهو يشعرُ بالقلق والخوف، ووجدَهم أبناءهُ يبكون ويشيرون له، فأدخلهم، وأغلق باب المنزل سريعًا، فصعدُوا إلى والدتِهم، وظلَّ جالسًا على الكرسي، ولَمْ يصعدْ معهم، فلا يستطيع أنْ يراهم في هذه الحالة، ولا يعرفُ كيف يتصرَّفُ؟
وأصبح مؤمنًا باللعنةِ التي أصابت القريةَ كُلَّها؛ فأيقن أنَّ ما هي إلَّا ساعات ، ولن يستطيع أحدُ أنْ يسمع الآخر؛ فالجميعُ في المساء سيفقدُون السَّمع، فقام بإغلاق جميع نوافذ المنزل والباب جيدًا، والتأكُّد مِنْ كُلِّ شيء؛ لأنَّهُ لن يستطيع أنْ يسمع شيئًا، على الرغم مِنْ أنَّهُ كان يشغلُهُ أنْ يجدَ حلًا لِمَا أصاب الجميع، ولكنْ شعرَ بأنَّ ما يحدث هو المسؤول الأوَّل عنه، وبدأ في إعادة ترتيب المنزل، وإزاحة الأشياء مِنْ أمام السلم، وذلك عندما يأتي الصباح، ولَمْ يستطع الرؤية، ولا يوقفُهُ أي شيء أمامه؛ فلا يعرفُ متى سينتهي هذا الكابوس المرعب؟؟!!
قام بعمل سور خشبي، وقام بإحضار حبل طويل في المنزل؛ حتَّى يتتَّبعَهُ هو، وزوجته،وأبناؤه، وقام بإخراج جميع الأشياء التي يستخدمُونها باستمرار علي طاولة خشبيَّة كبيرة ؛ حتَّى لا يضطرُّوا للبحث عنه، فقام بإحضار الكثير مِن الحبر وبعض الأخشاب؛ حتَّى يتواصلوا مع بعضهم البعض عن طريق الكتابة.
وبالفعل لَمْ يشعرْ بالوقت، وجاء الليل، فإذا به لا يستطيع أنْ يسمع ما يحدثُ مِنْ حوله، وحاول أنْ ينظر إلى الخارج، ورأى شيئًا يتحرَّكُ سريعًا بالخارج، فوجد أحد سُكَّان القرية كان يسيرُ، وحاول "أون" أنْ يصدرَ أصواتًا؛ مِنْ أجلِ أنْ يُحذِّرَ مَن بالخارج، ولكنْ دون جدوى.
تذكَّر أنَّ مَنْ بالخارج لا يستطيع أنْ يسمع أي شيء، فشاهدَ مخلوقًا لديه أقدام أشبهُ بالحيوانات، وقرونًا كبيرة يأتي خلف هذا الرجل، وله مخالب طويلة، وقام بالهجوم عليه، فحاول "أون" أنْ يطرق بقُوَّةٍ على الباب، وإذا بهذا الكائن المُخِيف ينظر ناحيته؛ فكانتْ عيناهُ لونهما أحمر، ووجدَهُ قادمًا نحوه ، فصعد سريعًا إلى الدور العلوي، ووجد أبناءَهُ وزوجته جالسينَ جميعًا، وكُلٌّ منهم يمسكُ بيد الآخر، ونظراتهم كُلُّها حزن، وخوف، وقلق.
فقام بالكتابة لهم:
"لا تخافُوا؛ سننجُو مِمَّا يحدثُ لنا، ولكنَّني لا أعرفُ كيف؟، ومتى؟!".
وأمسك "أون" بيد أبنائه وزوجته، وكأنَّهُ يخبرُهم:
"أنا معكم، ولا تخافوا!!".
وكان الصمتُ هو الشيء الوحيد الذي يتضح أمامهم، وذهب الجميع في نومٍ عميقٍ، لكنَّ "أون" لَمْ يستطعْ أنْ ينامَ، وكان يشعرُ بالخوف على أسرتِهِ، وخاصَّةً بعد أنْ رأى هذا المخلوق العجيب، وكان يُفكِّرُ في أي حلولٍ لِمَا أصاب الجميع، ولكنَّ دون جدوى.
استيقظ، وأبناؤهُ مِنْ حوله، ولكنَّهُ لا يستطيع الرؤية ؛ فعَرِفَ أنَّ الشمس قد أشرقتْ؛ لأنَّهُ عندما يأتي النهار يفقدون بصرَهم!!
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.