tafrabooks

شارك على مواقع التواصل

انفجر رامي ضاحكاً ؛ كانت جوجو تبدو غاضبة بالفعل و قد كانت الطريقة التي قطبت بها جبينها تجعلها تزداد جاذبية أما نظرة الشك في عينيها فقد كانت هي ما جعلته يضحك في مرح و هو يهتف :
- ما بكِ يا جوجو ؟ .. هل فقدتِ الذاكرة بهذه السرعة ؟ .. أنا لم أخطط للقاءنا الغريب هذا بالقطع فأنتِ التي تعلقتِ بذراعي و جذبتيني إلى حفلك الغريب هذا ثم إنني لا أجد سبباً واحداً يدعوكِ للشك في مقاصدي على هذا النحو .. صحيح أنني أغازلك يا أجمل جولييت رأيتها في حياتي لكن هذا ليس سبباً كافياً لانزعاجكِ مني .. فاتنة مثلك يجب أن تكون معتادة على أن يغازلها كل رجل يراها لو أن في وجهه نظر .

هتفت في حدة :
- و كيف عرفت اسمي ؟


هتف رامي ببساطة :
- و ماذا في هذا يا جوجو ؟ .. سمعت الفتيات هنا و هن تتحدثن معكِ فعلق في ذهني الاسم .

مطت شفتيها و هي تهتف في غضب :
- لا تتزاكى عليّ .. لا أحد يناديني جولييت .. لا أحد يعلم أن هذا هو اسمي أصلاً سوى زميلات الدراسة و زملائي في الهيئة فحسب .. كل أصحابي من النادي و هم الموجودون هنا الآن يعرفون جوجو .. جوجو فحسب .

قطب رامي جبينه و هتف في حيرة :
- أتقصدين أن اسمك هو جولييت ؟ .. جوجو اختصار جولييت .. من كان يتوقع هذا ؟ .. حسب علمي لا أعرف سوى جولييت واحدة .. فتاة صغيرة قتلت نفسها طوعاً عندما تخيلت أنها قد خسرت حبيبها و انتحر حبيبها لأجلها .. أقصد بطلة مسرحية شكسبير الشهيرة روميو و جولييت .. و لم أكن أعرف أن هذا الاسم متداول هنا .

لوت جوجو شفتها السفلى و هتفت في ضيق :
- كان أبي أستاذاً للأدب الانجليزي بجامعة القاهرة و قد سماني تيمناً بها من قبل ولادتي .. و أبوك – سامحه الله - لم يقبل بأن يختار لي اسماً آخر لكن أمي و الجميع ينادونني جوجو .. جوجو ألطف .. أليس كذلك ؟

مال رامي على أذنها و هتف في حرارة :
- كل شيء بكِ لطيف يا بنت عمي و ليس الاسم فحسب .. يعجبني جوجو و أحب جولييت .. أحبها كثيراً .

ثم اعتدل واقفاً و هو يردف في جدية :
- في الواقع أحب الأدب الانجليزي كثيراً و شكسبير بالذات .. جولييت من أجمل الشخصيات التي ابتكرها .. هي فتاة قوية تعرف ما تريده و لا تتردد في تنفيذ قراراتها .. صحيح أن الانتحار فكرة غبية و تنم عن الضعف و التخاذل و هي غير مقبولة دينياً لكن موقف الفتاة كان ينم عن تضحية و إنكار للذات .. تختلف كثيراً عن شخصية أوفيليا مثلاً فهي فتاة ضعيفة تنهار تحت ضغط الظروف و ربما كان هذا يتناسب مع شخصية هاملت في المسرحية فهو شخص سلبي لا يستطيع تحديد خياراته و لا يمكنه أن يفهم نفسه أو يدرك حقيقة عواطف من حوله .

لمعت عيونها و هي تهتف في انبهار :
- لا تقل أنك أستاذٌ للأدب الانجليزي مثل أبي .. سامي مهندس كمبيوتر و هو يؤسس شركته الخاصة الآن لكنني لم أسألك .. ماذا تعمل أنت ؟ .. و ماذا تفعل هنا الآن ؟ .. هل تقيم في القاهرة ؟

هتف رامي مبتسماً :
- لا .. أقيم في أثينا و لي شركتي الخاصة هناك .. شركة سياحة .. لذا أنا هنا الآن .. أبحث عن بضع تعاقدات مع الفنادق و شركات الرحلات من أجل جلب بضع أفواج إلى هنا .

هل شعرت بالفعل بخيبة الأمل عندما فكرت في أنه سيعود بسرعة إلى أثينا و سيمر الكثير من الوقت قبل أن تراه مرة أخرى ؟ .. لم تكن ترغب في معرفة إجابة هذا السؤال و هي تهتف :
- مجال عملي قريب من نشاط شركتك لكنني مجرد موظفة .. موظفة شئون قانونية في الهيئة الاقليمية لتنشيط السياحة .. متى ستعود إلى أثينا ؟

هتف رامي بسرعة :
- ليس قبل أن أتعرف على عائلتي .. أنتِ و سامي .. متى يمكنني أن أراه ؟

شحب وجه جوجو و همست في خفوت :
- الآن .. انظر خلفك و ستراه يتجه نحونا .. من الواضح أنه قد حسم تردده أخيراً و قرر أن يأتِ إلى الحفل متأخراً أفضل من ألا يأتِ على الإطلاق .. أتساءل كيف سيكون وقع المفاجأة عليه ؟

هتف رامي في حسم :
- دعكِ أنت في الحفل و سآخذ توأمي لنتحدث معاً في غرفتي .. اتصلي بنا بعد أن تفرغي لنا يا جوجو حتى يعيدك سامي إلى البيت مع أنني لا أفهم سبب إصراركما على أن يحضر حفلاً من الواضح أنه لا أحد يعرفه به .. هل تحتاجين إلى محرم ؟

لم تمنحه إجابة و هو لم يكن ينتظر منها أن تجيب بل تركها مسرعاً نحو سامي الذي حدق في وجهه في ذهول و هو يشعر بأنه يحدق في مرآة سحرية قبل أن يمسك رامي بذراعه برفق و يسحبه إلى خارج الحفل .. و هو يهتف :
- حاول ابتلاع المفاجأة للحظات حتى نذهب إلى غرفتي .. سنتناول غداءنا معاً و سأشرح لك كل شيء .

جلس سامي في غرفة رامي الذي كان يتناول طعامه في نهم .. كان سامي يتأمل شقيقه و هو يحاول استيعاب فكرة أن له أخاً توأماً يشبهه على هذا النحو الغريب .. بقدر ما كانت المفاجأة مدهشة بقدر ما بدا الأمر منطقياً .. فقد كان والده يمزح معه دائماً و هو يهتف :
- من المؤسف أن نصرات لم تنجب بعد جوجو ؛ لكان لديّ الآن عزوة تدير أملاكي من بعدي .. يمكنك أن تتخلَ عني و عن شركتي لكن لا تلومني إذا عثرت على أخٍ لك في يوم من الأيام فقد يكون هو من يجلس مكاني و يدير الشركة .

همس سامي في سخط :
- كيف لم يخبرني ؟! .. كيف يخفي الحقيقة عني ؟! .. كان يجب أن يصارحني بكل شيء .. أنت ابنه ؛ فلماذا تخلى عنك ؟ .. قال لي دوماً أن أمي قد ماتت ؛ كيف هان عليه أن يحرمني منها ثم يجردني من حقي في البحث عنها و عنك ؟

هتف رامي في ضيق:
- فعلت أمي نفس الشيء .. ادعت أنه قد مات و أنني ابنها الوحيد .. أتخيل الآن أنهما قد اتفقا على هذا .. كلاهما لم يكن يرغب في أن يترك المجال مفتوحاً لأن يلتقيا مرة أخرى و يتشاركا في تنشئتنا و اكتفى كلاهما بالنسخة التي حصل عليها منا .. عاملانا و كأننا شركة قاما باقتسامها و انتهى الأمر .

ثم توقف عن تناول طعامه و اعتدل واقفاً و هو يردف :
- كان هذا قرارهما و فرضاه علينا بما يكفي .. القرار الآن قرارنا نحن .. نحن أخوان و ليس من حق أحد أن يفرق بيننا بعد الآن .

مد رامي يده إلى أخيه مصافحاً فجذبه سامي إلى صدره و ضمه بقوة قبل أن يهتف :
- أشعر بأنني أحلم و أكاد ألا أصدق ما تراه عيناي لكنني مع هذا أشعر بسعادة لا أعرف كيف أصفها لك .. مرحباً بك في دنيانا يا أخي العزيز .

طرقت جوجو باب الغرفة قبل أن تدخل ثم وقفت تتأمل الشقيقين اللذين وقفا معاً في الشرفة و هما يتحدثان في مودة و كأن كلاهما يعرف الآخر منذ الأمد و أشرقت ابتسامة واسعة على محياها الجميل قبل أن تدخل إلى الشرفة .



0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.