tafrabooks

شارك على مواقع التواصل

أناقة أحمد كاظم

قبل أن يتحرك الاتوبيس بقليل جلس بجواري..في اول الستين من عمره..البياض اكتسح سواد شعره...أنيق..بادرني بالسلام..حين أجبته ابتسم وكأنه ارتاح من شيء..حين تحرك الاتوبيس قال:البلد جميلة لحظة الفطار في رمضان..التفت نحوه قائلا،:عشان كده راكب الان؟!..قال:لا..رايح افطر..هتفطر فين؟..ضحك ونظر لي قائلا: انااحمد كاظم ..مدير في شركة ...قربت اطلع معاش..عايش لوحدي..في رمضان بحب افطر على اي مائدة..او أدق لحظة الافطار على باب البيت اللي بكون جنبه..قلت:وولادك؟!..ازاح وجهه بعيدا عني بحزن..أدركت أن هذه هي محنته..عاد بوجهه ناحيتي بماتبقى في عيونه من دموع..التلاتة مهاجرين برة البلد..وبادرني قائلا: و أنت ؟ ابتسمت قائلا: تقدر تقول أنا كمان أحمد كاظم...قهقه كثيرا....أمسك بيدي وقام يجذبني معه لننزل حين توقف الاتوبيس بإحدى المحطات..نزلت معه دونما تفكير..وبقينا نمشي بالشوارع الجانبية وهو ينظر يمينا ويسارا..وكأنه يبحث عن شيء ما..حين سمع صوت آذان المغرب اقترب من اقرب بيت ودق الجرس..اندهشت وشعرت بالخجل..حاولت اتركه وأنصرف..لكنه شد على يدي بقوة فأبقاني معه..فتحت فتاة بمنتصف العشرينات تحمل رضيعتها...ابتسمت لنا قائلة: أهلا..بادرها بقوله:رجلان على باب الله في رمضان..أنا احمد كاظم وهذا صديقي ..كان صوت أمها يأتي من الداخل : مين عالباب ياهالة؟..ابتسمت الفتاة وهي تلتفت لأمها قائلة: ناس هتفطر معانا يامامي..اتفضلوا..وحين هممنا بالدخول كانت الأم أمامنا بالمدخل..ولم أصدق مافعله..إذا به يهرول مسرعا خارج البيت ..والأم المذهولة صامتة..اقتربت منها متسائلا..حين أفاقت من ذهولها أجابتني: ده أحمد كاظم مديري بالشركة..!!!


عجوز الناصية

كل مساء تأتي لتحتل الناصية..في الثمانين من عمرها..تمسك بهاتفها المحمول العتيق..وتخرج ورقة صغيرة بها رقم..تطلب من أحد المارة يطلبوا لها الرقم..هنا تبدأ روايتها..ألوو..أيوه ياحبيبي..إزيك..واحشني..كتر خيرك إنك بتتصل بيا..ويجذب صوتها كل المارة..وتمتد المكالمة كثيرا..وعندما تنتهي تعيد الكرة برقم آخر مع أحد المارة..يطلب لها الرقم..ألووو..ازيك ياحبيبتي..واحشاني قوي..كتر خيرك إنك افتكرتيني..سؤالك ده عليا فرحني قوي..الواد سعيد اتجوز؟..
.وخلف كمان ..ماشاء الله..وتمتد المكالمة طويلا بنفس قوة صوتها المميز رغم سنها هذا..ايوه ياحبيبتي..أنا قاعدة زي كل يوم مع الناس الطيبين هنا على الناصية..الهوا بيرد الروح..كتر خيرهم بيفرحوا بوجودي معاهم..
أتابع كل هذا..وكيف ينظر الجميع اليها..البعض يتعاطف معها..وأغلب الناس يتمنون ألا تأتي يوما..خاصة حين تتشاجر مع أطفالهم وهم يلعبون بالكرة أويتحركون بعجلاتهم السريعة حولها...
- إلعب بعيد ياواد إنت وهو..عايزة أرتاح بقى..
-إنتي يااللي بتنفضي..إحنا قاعدين تحت.. إيه مش شايفانا؟!
لا أحد يعرفها..فقط تأتي كل مغرب ..بنفس جلبابها ..وهاتفها..وكيس البلاستك المملوء بورقات صغيرة ..كل ورقة برقم هاتف..لم نسمع يوما هاتفها يدق جرسه..
اليوم كانت جنازتها..جلبابها الوحيد يلف نعشها..وجرس هاتف يدق بلا توقف..والكل يتساءل في حيرة..هاتف من هذا؟!..اللي هاتفه بيدق يغلقه..ولا جدوى..ظل الهاتف يدق حين مر جثمانها من أمام نفس الناصية..!


أنا..والعصفورة

الصباح عندي ميلاد جديد لي..أشعر أن العصافير التي تلاقيني بالطريق هي مثلي أيضا..لا تتغير.. نفس أصواتها.. نفس الاشجار التي تمتعني من فوقها.. حتى نسمات الهواء تكاد تكون هي نفس نسمات كل صباح..
ذات صباح أوقفتني عصفورة قائلة: أنتظرك..تصورت بالبداية أنني أتوهم ..استمر سيري
اقتربت من كتفي ولامستني وكأنها تحاول الإمساك بملابسي..توقفت.. جائني نفس الصوت من جديد : كل صباح اختار من أرافقه الى عمله.. قلت : كيف ؟
قالت : سأطير حولك حتى هناك ..حتى تفتح ماتفتح من ابوابك كل صباح ..قلت مندهشا : وكيف تعرفين ماأفعله كل صباح ؟ ضحكت قائلة : كل العصافير هنا يعرفونك كما يعرفون غيرك.. فقط أنت تختلف.. أنت تنظر الينا ..تتسمع لنا .. تتعلق بنا وبشجرتنا ..
تبسمت لها ولامستها بأصابعي المرتعشة..فسرتها لمساتي ورفرفت حولي بأصوات بديعة لم أسمعها من كل العصافير من قبل ..واذا بكل العصافير قد أتت الينا ترفرف معها من حولي وكأنني في موكب حافل..سألتها : ماذا حدث :قالت مبتهجة :انهم يهنئونني .. قلت : ولماذا ؟
قالت : لأنني كنت مريضة بشئ غريب ومرضي كان يحتاج للمسة مرتعشة تمنحني الشفاء..
فكانت لمسات أصابعك، وها أنا قد شفيت.. قلت : الطريق ملئ بالبشر.. قالت : ولكن لم يلمسني سواك.. لم يهتم بوجودي سواك.. قلت لها وانت هنئيني .. قالت ولماذا ؟
قلت : كنت لسنوات أحتاج لعصفور يقترب مني فألمسه فيزول من أصابعي ما بها من رعشة !!

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.