amiraalzlam

شارك على مواقع التواصل

أمواج تتلاطم، قمر أتم اليوم بدرًا قد أخفاه ركام من الغيوم، وابل من الأمطار يصفع صفحة المياه صفعًا، وميض برقٍ يليه دوي رعدٍ يدخل الهلع على قلوب أطفال يهرعون لأحضان أمهاتهم، وصوتُ طفلةٍ تستغيث جذب انتباه ذلك الملقى على الشاطيء بعينيه الحمراوتين من كثرة السهر، طفلة وثقت بذاك الساحر الذي يجذب الجميع إليه؛ ليحصد أرواحهم على غفلةٍ منهم، ذاك الغدار الذي يدعى "البحر الأسود".

نهض ذلك الرجل بتثاقل، هو بارد المشاعر ولكنه ليس متحجر القلب ليترك طفلة تلقى حتفها بين غياهب البحر، هرع إليها يقطع الأمواج أملًا في اللحاق بها، كان الظلام السرمدي يغلف سطح الماء إلا من وميض برق يهديه إلى تلك الطفلة، كان الوصب قد بلغ من الطفلة مبلغه، بدأ جسدها بالتراخي، ثقل جفناها ليعلنا عن فقدانها الوعي، احتضن البحر جسدها؛ يعلن عن ضحية جديدة انضمت لقائمة ضحاياه؛ ليجد يدًا تقوم باختطافها منه عنوة، يدًا تعلن له أنها هي من فازت بتلك الطفلة في تلك الليلة المقمرة.

بدأت أشعة الشمس بمداعبة جفنيها تحثها على الاستيقاظ؛ لتفتح تلك الغافية عينيها معلنة عن موج بحر مختبئ بحدقتيها، أخذت تتأمل ذاك الناظر إليها ببراءة طفلة لم تتجاوز الخامسة من عمرها، ابتسمت له معربة عن غمازتيها لتتسائل بصوت طفولي: من أنت سيدي وأين أنا؟

ليجيبها بصوت رخيم هادئ: أنا من جئت لأنقذك من ذاك العالم، أما أنتِ فكنتِ تغرقين بين أمواج البحر وقد انتشلتك منها، بالمناسبة ما اسمك؟

لتجيبه بابتسامة صافية: غسق اسمي غسق.

نظر إليها بأعين متربصة: وأين والديكِ يا غسق؟

أجابته بأعين باكية: لا أدري لقد رحلا وتركا غسق بمفردها، ثم تحولت نبرتها إلى السعادة وهي تهتف: سيدي هل تصبح والد غسق؟

أجابها بابتسامة حانية: أنتِ بريئة بما يكفي يا غسق، دعينا نمرح حتى يحل منتصف الليل؛ فوالدك اشتاق لنبيذه المفضل، هيا دعيني أحقق لكِ ما تشتهيه قبل حلول الظلام.

ركضت إليه يتطاير شعرها الذهبي خلفها، تعلو ضحكاتها؛ ليرفرف قلبه لكل ضحكة تخرج من قلبها، تشبثت بيداه تطلب منها الدفء وهي تنظر إليه وكأن سعادة العالم أجمع قد جمعت بقلبها، ركضت حوله تلهو بسعادة تحثه تارة على اللعب معها وتارة تغفو بأحضانه حتى حل منتصف الليل..

أنهضها لتقف أمامه وهو يتفحصها بعينيه؛ لتنظر له الصغيرة بتعجب من نظراته، أخذ يقربها منه ثم همس بأذنها بصوت يشبه فحيح الأفعى: سأعطيكِ نصيحة يا حلوتي لن تفيدك ولكنها السبب في كونك بذاك الموقف.. توقفي عن كونك بريئة لا مكان للطيبين بهذا العالم، ستُدنَس روحك بقسوة البشر، لذا قررت جعلك لا تعانين، مهما فعلتِ من أجل البشر فجميعهم مثلي يشتهون الدماء البريئة، دعيني أسلب منكِ دمائك أحتسيها كشكر لك على ذلك اليوم الرائع.

كان جسد الصغيرة يرتجف بعنف إثر كلماته التي بثت الرعب في نفسها، أخذ الرجل يتفحصها من رأسها لإخمص قدميها، اقترب منها وقام باحتضانها وهو يقرب نصل سكينه منها، همس بأذنها بجملته الأخيرة: لا تعبثي مجددًا مع سيد الدماء، تناثرت دماءها على وجهه وشفتيه ليلعقها باستمتاع، رجفة أخيرة صاحبت انتهاء حياة تلك الطفلة، أخذ يشرب من دماء تلك الطفلة باستمتاع فذاك نبيذه المفضل، أمسك جسدها الصغير بيدين ملطختين بالدماء، برأس مال على كتفها بعد أن شق عنقها، بعين أصابها الذعر بآخر لحظات حياتها، بشعر تحول لونه الذهبي إلى الأحمر القاني، ألقى بتلك الطفلة إلى ذاك البحر الجائع ليعلن له عن إعادته لفريسته التي سلبها منه بالأمس، وليؤكد لها أن لا مكان للطيبين بهذا العالم.

لِـ فاطِمة أحمد"أميرة الظلام"
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.