amiraalzlam

شارك على مواقع التواصل

كعادتي في الليالي المقمرة، كنتُ أسير مترنحًا إثر ذاك النبيذ، أتأمل ذاك الذي توارى خلف الغيوم المتبلدة، وبرودة تعصف بجسدي؛ فتصيبه برجفة قاتلة.
بين أزقة تلك البلدة النائية كانت قداماي تغوصان في  ذاك الطريق الموحل الذي خلفته الأمطار..
بيوت متهالكة متراصة على جانبي الطريق، أطفال يركضون سعداء بتلك القطرات المنهمرة، امرأة تركض وراء طفلها تخشى عليه الزكام، رجل يحكم إغلاق منزله طلبًا للدفء..
وأنا! أنا أقطع الأرض سيرًا أبحث عن مكان آوي إليه، أبحث عن من يضمني إلى كنفه تلك الليلة فقط..
جذب أنظاري طيف بالأفق يلوح لي، أخذتُ أدقق النظر علَّني أعرف ماهية ذاك الشخص، بخطوات ثقيلة اقتربت منها لأجدها سيدة عجوز، نظرتُ إليها بلهفة لم تخف عليها..
نظرت إليَّ وقد زين ثغرها بسمة حنون وقالت: أغريب أنت عن هذه البلد؟
اكتفيتُ بتحريك رأسي إيجابًا في صمت..
تابعَت بصوتٍ حانٍ: فلتَلِج إلى الداخل فالبرد قارص.
اتبعتها بخطوات حاولت ألا أظهر ترنحها؛ لأجدها ترشدني إلى غرفة بأثاثٍ بسيط بعث الدفء إلى قلبي..
رحلت؛ لتحضر لي طعامًا، بعد أن أخبرتني أن أبدل ثيابي بثيابٍ قدمتها إليّ..
نمتُ تلك الليلة وقد تسلل الدفء إلى قلبي بعد معاملة تلك العجوز الحانية..
مع شروق الشمس كنت أخرج من الغرفة لأقابل تلك العجوز البشوشة بوجهي..
نظرت إليَّ وقالت: هل نمت جيدًا يا عزيزي؟
أجبتها: أجل، شكرًا لكِ على تلك الليلة سيدتي، سأبقى لليلة أخرى؛ فأرجو بأن تخبريني كم ثمن الليلة؟
نظرت إلى بغضب وقالت بحدة: ثمن! اعتبرتك مثل ولدي المسافر منذ 10 سنوات والآن اجلس كي تتناول فطورك.
نظرت لها بتمعن إنها حقًا امرأة لطيفة وطيبة، تذكرني بوالدتي حقًا، أم أنها..؟
قطع حبل أفكاري وضعها لصحنٍ من الحساء واللحم أمامي، جلست أتناول طعامي بصمت وأنا أسترق النظرات إليها بين لحظة وأخرى..
أنهيت طعامي ثم أخبرتها أني سأغادر ولن أعود إلا بالمساء.
قضيت اليوم بطوله أبحث عن غايتي بتلك البلدة فقد وجدت مرادي..
مع غروب الشمس كنت أدلف إلى منزل تلك السيدة حاملًا بين يداي ما جلبته.
نظرتُ إلى السيدة التي استقبلتني بوجه بشوش وهي تقول: تأخرت كثيرًا هيا بدل ثيابك لأحضر لك الغداء.
أجبتها قائلًا: شكرًا لكِ سيدتني ولكن هلا تبعتي إلى غرفتي فهناك ما أريد أن أسألك عنه؟
بنية حسنة تبعتني إلى غرفتي مما أكد لي أنها مرادي.
نظرت إليَّ مستفهمة وقالت: عن ماذا تريد سؤالي يا بني؟
أجبتها وأنا ألتف حولها وأخرج نصلًا حادًا من جيبي أمرره حول عنقها ببطء: سيدتي أنتِ طيبة جدًا، لن تستطيعي العيش بذاك العالم، قررت سلب حياتك كي لا يحزنك العالم يومًا أو يغتصب سذاجتك سيدتي، أم أقول أمي؟
أجابت بصوت خرج متقطعًا، وعينها تكاد تخرج من محجرها: جون! أنت ولدي جون؟
تابعت فصل عنقها وأنا أقول: أجل أنا ولدك جون، عدتُ؛ لأقتلك؛ لأني خشيت عليك من قسوة العالم، أقتلك؛ لأطمئن أنه لن يؤذيك أحد أبدًا يا أمي.
سقطت بين يدي جثة هامدة مع دمعة قد فرت هاربة من عينيها، هذا هو الأفضل لها، قبلت عنقها أتذوق دمائها الدافئة، ثم ألقيتها أسفل الفراش الذي استقبلتني به الليلة الماضية، ورحلت بقلب مطمئن أنه لن يوجد من يؤرق مضجع سيد الدماء قلقًا عليه.

-فاطِمة أحمد"أميرة الظلام"

1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.